عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-23, 05:26 PM   #2
طائر الاشجان
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2009-07-23
المشاركات: 695
افتراضي

لا أدري هل علي أن أنعي الشهيد وقد قضى نحبه بعد أن تقطعت به السبل ، والتي هي أصلاً في حكم المنقطع داخل أسوار هذه المسماة مجازاً دولة ، أم أنعي عشم الكاتب وهو يستعير كل علامات التعجب ويسوقها إلينا في شكل مقالة تعتصر المآقي فتسيل دموعاً يسخر منها الحزن ، وتنهدات تضيع في زحمة الآهات المحروقة ، ولكني لست بناعٍ لا هذا ولا ذاك .. إني انعي شعباً ساقته المأساة إلى حافة الهاوية ، ومصير أمة تترنح على كف عفريت ، أنعي جيلاً استسلم بل ولد مستسلماً لعبثية الجهل وقد تسيّد في حياتنا ، وتحكم في اقتيادنا إلى منحدرات التخلف مُكرهين ، كيف تطلب العلم وولي أمرك جاهلٌ ، تستحوذ على قلبه وعقله أطماع المال والجاه ! كيف تعيش الأمان ومَن حولك يتملكه الرعب ، في واقع تسوده شريعة الغاب ، وتتعطش فيه الوحوش البشرية إلى سفك مزيدٍ من الدم بين الخلائق ! .
لم نعُد نوارى في القبور فراداً بل جماعات ، وهمومنا ما عادت تقتصر على ضائقة العيش والبحث عن مصدر القوت ، بل كيف نُبقي على صغارنا ، كيف نحفظ أعراضنا ، كيف نموت شهداء بعد أن عزّت الحياة بمعناها الكريم ، يدّعي البعض أن ما تراه أعيننا اليوم ليس إلا مخاضاً لميلاد عهدٍ جديد ! وكأن العهود الجديدة تأتي بمجرد فتح اعتماد لدى البنك الدولي ، يتم بموجبه استيراد عهدٍ جديد بمواصفات يحددها ثوار التغيير ، ما نلبث أن نرى بعده مجتمعاً لا يحمل سلاحاً لأن دولة القانون تحميه ، ليس لديه وقتاً لإضاعته في تعاطي القات ، فالوقت من ذهب ، والقات وسيلة تدمير لبنية الإنسان الصحية والنفسية ، مجتمعاً يدور الحديث فيه عن الرشوة فيبتسم الكل باعتبارها أثراً من الماضي ، اندثر وأصبح أحاديث تُروى ، مجتمعاً تسود فيه الفضيلة ، وتنعدم الرذيلة .
ولما كان من المستحيل فتح مثل هذا الإعتماد عدت إلى الواقع ، أسأل : ماذا جناه شعب الجنوب العربي لينوء بأثقال هذه المأساة ! وزاد كمدي عندما تبينت أن الحكاية بدأت كنوعٍ من المزاح الثقيل ، أو ربما كان رهاناً بين فريقين ، انتصر أحدهما على الآخر ليعلن رغبته بناءاً عليه ، فاشترط وضع كلمة "اليمني " بدلاً من " العربي " في شعار ( الجبهة القومية لتحرير الجنوب العربي المحتل ) ومعروف أن التاريخ يكتبه ويدونه المنتصر ، وهي نظرية القرون منذ بدء التكوين ، وتاريخ يمننة الجنوب – والحق يُقال – لم يكتبه ويدونه فحول الحزب الإشتراكي ، وإنما حفروه في ذاكرة التاريخ والجغرافيا والإنسان ، ولقّنوه للحيوان في الحضائر ، كانوا يدركون بأن التصديق بأكذوبة كهذه يستوجب مسعىً خرافياً لم يسبق له مثيل ، فجندوا لهذه الغاية المبدعون من كتّاب وشعراء وفنانين ، وجعلوه قسماً يُتلى صباح كل يوم في بيوت طلاب العلم من مدارس ومعاهد وجامعات ، وشعاراً تُستهل به جميع المراسلات الرسمية والشخصية ، وعندما استنطقوا كتب ومراجع التاريخ ووجدوها قد خلت من أي إشارة إلى يمننة الجنوب شرعوا في تنصيب حقائق مزيفة تفيد بأن الجنوب كان متحداً مع اليمن ، وأن الإستعمار البريطاني هو من أقدم على تجزئته ، وهم إنما يعملون على إعادة التوحيد من جديد ، وفي ذلك تجاسر على منطق تسويق الحدث عندما يكون من صنع الخيال ، ويوضع في قوالب التلفيقات ، وتقديمه في صياغات تعوزها الحقيقة .. وبرغم إزاحة الغبار عن هذا الخلق المزور ، الشبيه بأطفال الأنابيب مجهولي النسب ، إلا أننا ما زلنا نتعامل مع مدوني هذه الوثائق المشبوهة بنفس السذاجة التي كنا عليها ذات يوم حينما علت هتافاتنا ( تخفيض الرواتب واجب ) !! فهل من الواجب أن ننسى أن علينا اليوم واجب ، وأننا محاسبون عليه أمام الله الواحد القهار ! .

تحياتي
طائر الاشجان

التعديل الأخير تم بواسطة طائر الاشجان ; 2011-09-23 الساعة 05:34 PM
طائر الاشجان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس