عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-06-06, 04:53 PM   #2
أبو عامر اليافعي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-02-14
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 18,528
افتراضي

[align=center]باحة جنائزية

في الصباح الباكر تكتظ الباحة الخارجية للمستشفى العسكري بأمانة العاصمة، بالرجال والنساء والأطفال أيضاً.

بعضهم جاءوا للتأكد من صحة خبر مشؤوم عن مقتل قريب له، وآخرين تجاوزوا لحظات التمني، هم هنا لاستلام جثة حبيب قتل أثناء تأدية "الواجب" في حرب الحكومة والحوثيين.

إلى المشهد الجنائزي المطبق على رؤوس المتجمعين، تحفل الباحة صباح كل يوم بأصوات ونانات سيارات الإسعاف التابعة لقوات الجيش وهي تغادر بوابة المستشفى صوب إحدى المقابر لدفن قتلى «الواجب»، لحظتها تكون ونانات أخرى يشق صفيرها طريقه نحو المستشفى وما أن تطل على الباحة حتى تكون بوابة المستشفى قد فتحت والمتجمعون أخذوا يتدافعون نحوها وتحديداً اولئك الذين يتمنون عدم صحة الخبر المشؤوم.

عقب تجاوز سيارات الإسعاف بوابة المستشفى وإختفائها عن الأنظار، يشرع أحد جنود البوابة بتفريق المترقبين، وإبعادهم عن البوابة.

هذا المشهد غدا روتيناً يومياً منذ تجددت المواجهات بين قوات الجيش والحوثيين مطلع مايو الفائت.

تتيح زيارة المستشفى العسكري رصد المعركة من جانب واحد. لكن كل من يعملون في محيط المستشفى يجمعون على أن هذه المعركة كبيرة وفقاً لرصدهم حجم الحركة التي يشهدها المستشفى عبر تدافع سيارات الإسعاف المحملة بالمصابين والجثث.

هم أيضاً يجزمون أن المستشفى تلقى مؤخراً دعماً سخياً، وقالوا: هذه هي المرة الأولى التي تستقبل فيه المستشفى حالات كثيرة، لكن حركة البيع والشراء خفت لديهم عكس الحروب السابقة التي كانت فيها حالات الإصابة قليلة، لكنها تحدث حركة نشطة في تجارتهم.

في الجهة المقابلة للمستشفى تقف سيارات عديدة، كثير منها هي لأقرباء مصابين، أطباؤهم قرروا مغادرتهم بعد تلقيهم العلاج، غالبيتهم كانت أصابتهم في الأطراف.

***

بانتظار خبر «جميل»

تتطلع أسرة المساعد جميل مهيوب الشُعبي إلى رؤية ولدها حياً رغم أنها استقبلت العزاء فيه منذ أسبوع.

عند كل رنة هاتف يخفق قلب شقيقه ماجد بأمنية وحيدة قد تأتي من الطرف الآخر: «حصَّلنا جميل». لكن المكالمة المنتظرة لم تأت بعد، ويخشى أن لا تأتي أبداً.

حتى الخميس الـــ22 من مايو الفائت، كان جميل الذي يعمل في دائرة سلاح المهندسين موجوداً في صنعاء لقضاء إجازته.

المقيل الأخير قضاه صحبة أصدقائه وبعض معارفه. كان مستمتعاً بتبادل الحديث معهم. قرابة الخامسة مساءً من نفس اليوم تلقى أمراً من كتيبته بالعودة فوراً. لابد أن الوجهة هي صعدة حيث عادت الحرب المدمرة مرة أخرى.

«حاول إقناعهم بأنه في إجازة وأنه موجود في تعز فقالوا له إنهم يعرفون أنه في صنعاء وأمروه بالعودة -يقول أحد أصدقائه لــ«النداء».

ربما كان يفكر بزيارة عائلته بتعز حيث رزق بطفلة منذ أسبوعين، لكنه لم يستطيع الإفلات من «صعدة».

بعد خمسة أيام فقط تحول جميل 36 عاماً إلى خبر صادم لأسرته وزوجته: تلقت بلاغاً من أحد زملائه يفيد بمقتله.

عندما لجأت أسرة الشُعبي للدائرة التي يتبعها لم تقدم جواباً حاسماً، ووضعت احتمالين أمام المفجوعين: إما أنه جريح أو قتل.

واستمرت الأنباء المتضاربة تقصف الأسرة من الجهات المعنية.

«اليوم التالي اتصلوا قالوا: عظم الله أجرك»، قال شقيقه ماجد الموجود في صنعاء لــــ«النداء».

وأضاف: طلعنا صنعاء إلى المستشفى العسكري بحثنا في الثلاجات ولم نجد الجثة.

عندما تلقت الأسرة الخبر، خارت قواها «الجهال والكبار يبكوا والبيت مخبوط خبيط»، وفق حديث ماجد عن صدمة أسرته. استقبلت الأسرة العزاء في حارة المساعد المفقود بتعز، بينما ظلت الأنباء تتواتر على نحو مربك.

أخيراً وقفت الدائرة على توصيف لمصير جميل: إنه مفقود.

ليس معروفاً على وجه الدقة حتى الآن ما إذا كان المساعد العديني جريحاً أو مقتولاً أو أسيراً: المؤكد أنه كان مع اثنين من رفاقه يقود عربة نقل عسكرية محملة بالامدادات في الطريق إلى صعدة. بحسب معلومات الدائرة فإن العربة تعرضت لكمين في منطقة حرف سفيان على يد عناصر تابعة للحوثي.

ما يبعث الأمل مجدداً للأسرة أن أحد زملائه (مصاب) أبلغهم أنه رآه حياً بعد تعرضهم لإطلاق النار قبل أن يغمى عليه.

ولدى الدائرة المعنية معلومات أن جميل فقد مع 4 آخرين، 3 منهم يتبعون لواء المجد، والمرجح أنهم أسرى.

لكن مصير المساعد الذي يخدم في الجيش منذ أكثر من 15 عاماً ما يزال محض تخمينات.

ثمة شيء فاصل تنتظره الأسرة عن مصير جميل. سينتفض ماجد فرحاً إذا جاء النبأ: «حصلنا جميل» إنه الخبر الوحيد الذي يبقيهم على أمل.

***

جثة "نصار" ترابط في حيدان

لم يعد ينتظر "مروان" الإطلالة الحيوية لشقيقه الجندي "نصار"، بل جثته.

منذ الجمعة الماضي يواظب الشاب على زيارة المستشفى العسكري بصنعاء. لقد تلقت أسرته خبر مقتله. وهو يحاول معاينة الخبر بين قوائم الجثث القادمة من ميدان المواجهة مع أتباع الحوثي بصعدة.

صباح الاثنين كان "مروان" يقضي يوما جديدا أمام المستشفى، في مضمار البحث عن "نصار"/ الجثة.

عندما توقفت سيارة تابعة للجيش محملة بجثث عدد من الضحايا في الجهة الخلفية من المستشفى، هرع "مروان" إليها وقد اقترب منها محرر "النداء".

كانت الجثث مراكمة بعضها فوق بعض. تأكد "مروان" من الكشف المرفق مجددا. إن "نصار" قد قُتل، لكن جثته ليست بين هذه الجثث المكومة.

قبل سبع سنوات التحق نصار محمد عبدالسلام الشرعبي بالجيش، وقُدِّر له أن يلتحق باللواء 17 في الخوخة بالحديدة. وقد انتقل بعدها إلى جزيرة حنيش مع أفراده. أمضى فيها قرابة ثلاثة أعوام.

باندلاع حرب صعدة منتصف 2004 بين القوات الحكومية وأتباع حسين الحوثي قررت القيادة العسكرية للمنطقة نقل اللواء إلى جبهة القتال: صعدة.

خاض الشاب جميع المواجهات خلال الحروب السابقة. وكتبت له الحياة، فيما سقط الكثير من زملائه.

قبل أن تعود المواجهات بين الجيش وأتباع الحوثي كان "نصار" قد بدأ خطوته الأولى نحو الزواج: الخطوبة.

وبالنسبة لجندي يرابط في أكثر مناطق المواجهة شراسة بين الجانبين فإن تحقيق الخطوات اللاحقة تصبح محل شك.

يوم الجمعة الماضي تلقت الأسرة النبأ المصيبة: ربما قتل نصار.

على الفور تحرك الفزع في أسرته. "اتصلت بأحد زملائه في صعدة، وهو تأكد من قائد الكتيبة، ومنه علم أن نصار استشهد في أحد جبال حيدان"، يقول مروان.

انتقل بعض أقارب الجندي القتيل إلى صنعاء. كانت وجهتهم المستشفى العسكري. لكنهم لم يجدوا الجثة.

بعد متابعة قائد الكتيبة الذي ما يزال مرابطا في صعدة تلقت الأسرة الجزء الثاني من المصيبة: ما تزال جثة نصار في الجبل وتعذر على الكتيبة إخلاؤها.

بينما تضاعفت آلام والدته، المريضة بانزلاق في العمود الفقري، يواضب مروان يوميا على زيارة المستشفى العسكري، عله يجد "نصار" بين جثث أخرى تفد يوميا.

"هناك جثث كثيرة في المواقع لم تستطع القوات المسلحة أخذها ومضى عليها أكثر من 15 يوما بسبب حصار الحوثيين"، قال لمروان أحد عناصر الأمن أثناء محاولته التخفيف عنه.

***

مساعٍ لإحياء الوساطة القطرية - ثالثة ومنقحة

محمد الغباري

مثلما عنونت زيارة والده باتفاق للتنقيب عن الآبار، حرص الجانب الرسمي على القول باقتصار المباحثات التي أجراها ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بوضع حجر الأساس للمشروع السياحي العقاري «الريان» إلا أن ما تسرب من المعلومات عن اللقاء، الذي جمع الشاب الذي رعا الاتفاق الثاني لوقف اطلاق النار في صعدة، مع الرئيس علي عبدالله صالح تؤكد اتفاق الطرفين على إحياء الوساطة القطرية ولكن على أسس جديدة تتجاوز العقبات التي ظهرت عند البدء بتنفيذها في المرحلتين السابقتين. ومع اشتداد ضراوة المعارك في صعدة تحديداً وامتدادها إلى مديرية بني حشيش ومديرية حرف سفيان، عاد الحديث من جديد عن برنامج تنفيذي ثالث لاتفاق الدوحة الذي أعلن عنه قبل ما يزيد على عام، ومعه كانت المعارك أقل ضراوة عن الأيام السابقة.

عندما نجحت قطر في إقناع الجانب الحكومي وأتباع الحوثي بالتوقيع عندما على أتفاق وقف إطلاق النار الأول وكان المفاوضون فيه هما د/ عبدالكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ويحيى الحوثي الذي وصف بالمتحدث عن أتباع أخيه في الخارج، اصطدم بالخلافات حول إخلاء مواقع المتمردين في جبل عزان الذي يتحكم بمنطقتي «مطرة» و«نقعة» مركز قيادتهم، وعندما جُمع الطرفان من جديد لوضع برنامج تنفيذي جديد للاتفاق، كانت هناك ملاحق غير معلنة في البرنامج ظهر ميما بعد أنها ظلت سرية لأنها تحمل أسباب فشلها؛ حيث اصطدم من جديد بمطالب إخلاء المواقع المحيطة بمركز قيادة التمرد، وبموضوع المعتقلين البارزين من أتباع الحوثي.

وفي حين أن الدوحة لم تعلن رسمياً فشل وساطتها؛ إذ تجددت المعارك فيما كان ممثلوها في محافظة صعدة، إلا أن اتساع رقعة المواجهات واكتسابها بعداً اجتماعياً ومذهبياً، وارتفاع عدد القتلى والجرحى بشكل كبير، قد يشكل فرصة جديدة لدولة قطر لاستئناف مساعي الوساطة لأن الجانبين باتوا الآن يدركون خطورة استمرار المواجهات التي بدأت تنكأ جراحاً قديمة وتفتح الأبواب أمام صراع إقليمي على الساحة اليمنية.

وحسب مصادر عليمة، فإن الاتصالات القائمة اليوم بين المسؤولين القطريين واليمنيين تنصب على مناقشة العراقيل التي أدت إلى تفجر الحرب من جديد، ووضع معالجات مُرضية للطرفين، بعدما شاع لدى السلطات أن استمرار قبولها باتفاق وقف إطلاق النار كان بمثابة تنازل للحوثيين، والقول أنها تسعى لاحراز أكبر قدر من التقدم على جبهات القتال حتى تضمن التزاماً غير مشروط من الحوثيين بتنفيذ أي اتفاق جديد لا يعطي انطباعاً بأنها كانت في الموقف الأضعف.

وإن كان واضحاً أن السعودية قد غادرت موقف المتفرج إزاء الحرب المتواصلة في خاصرتها الجنوبية منذ أربعة أعوام، فإن نجاح الدوحة في ابرام اتفاق المصالحة اللبنانية وحرصها على استيعاب الرؤية السعودية للحل من ذلكم الأتفاق قد يساعد أيضاً في استنساخ طبعة ثالثة ومنقحة لاتفاق وقف اطلاق النار في صعدة يستوعب المخاوف السعودية والإقليمية مما يعقد أنه مخطط لإنشاء جيب شيعي في أقصى شمال اليمن.

ومع استمرار الحوثيين في التأكيد على أن لا أهداف سياسية لحركتهم وقولهم إنهم لا يمتلكون إلا مشروعاً ثقافياً ويريدون ممارسة شعائرهم بحرية فقط، تستحضر النشرات الصادرة عنهم فكر المقاومة المسلحة للنفوذ الامريكي في المنطقة، ويحرصون على وصف القوت الحكومية «بالعدو» والرئيس صالح بعميل الولايات المتحدة.

نشرة «بشائر النصر»، و«الحقيقة» تتحدثان عن وعد الله لهم باعتبارهم مؤمنين بالنصر، كما تتحدثان عن الانتصارات والغنائم التي كسبها المجاهدون «الحسينيون» في صعدة، وتحددان ساحة المواجهة بالمساحة التي يصطلح على تسميتها «المنطقة الزيدية» وهو أمر يزيد من تعقيدات المشكلة؛ إذ ترى الرياض أن مثل ذلك المشروع يستهدف أمنها واستقرارها، فيما بدت الولايات المتحدة أكثر قلقاً حيال الاستقرار الداخلي مع ظهور بؤر للمواجهة بالقرب من العاصمة لأن من شأن الأيديولوجيا التي يعتنقها الحوثيون وتهديدهم بنقل المواجهات إلى قلب العاصمة زعزة أمن بلد هو في الأصل يعاني من عدم الاستقرار.

ووفق دبلوماسيين غربيون، فإن استمرار المواجهات وبهذه القوة والعنف، إلى جانب الاحتقان السياسي في المحافظات الجنوبية، سيزيد من حجم التحديات التي يواجهها حكم الرئيس علي عبدالله صالح، وأن ذلك سيؤدي على المدى القصير إلى شيوع حالة من الفوضى ليس باستطاعة المجتمع الدولي ولا دول الخليج تحمل نتائجها.

ويرى هؤلاء أن السعودية ومعها الولايات المتحدة لن تقبلا بفكرة انهيار الدولة، لكنهم ستعملان على مساعدة الحكم في إنجاز اصلاحات سياسية تساعد على امتصاص حالة الاحتقان الشعبي، كما ستوظفان علاقاتهما الإقليمية والمحلية من أجل إجبار الحوثيين على وقف القتال في مقابل الحصول على المطالب التي تضمنها إتفاق الدوحة بطبعته الأولى.

وتزداد مخاوف المراقبين من إمكانية دخول جماعات دينية ساحة المواجهة في ظل اتساع نطاقها خاصة إذا ما شعر الحكم أن المحيط الإقليمي والوضع الدولي قد تركه وحيداً في الساحة يواجه خصماً تبين من مراحل الحرب المختلفة أنه معد إعداداً جيداً تمكن من الصمود لنحو أربعة أعوام وما زال قادراً على إحداث المفاجآت إلى جانب وضع إقتصادي متهالك وأزمة سياسية عاصفة.

وإذا ما رجح لهذا التصور أن يتحقق؛ فإن وضعاً مشابهاً للحالة السودانية قد يتولد في اليمن, ستستخدم فيه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

***

أثناء الحرب حدد موقع اختبائك بدقة!

منى صفوان

الأسبوع الفائت كانت المدافع تضرب على بعد 14 كيلومترا من زجاج نافذة شقتنا المهتز بقوة جراء أصواتها. ولم يكن شريط "الجزيرة" الإخباري يقول شيئا حول الأمر. إذا لا يوجد شيء يا جماعة... اهدؤوا!

في العام 1994 كان حسن زيتوني يأخذ توبيخا ساخنا في مؤتمر صحفي من الرئيس الذي لم يكن راضيا عن تغطية mbc للحرب الداخلية، فقد اعتبرها غير صادقة، ومتحيزة.

منذ ذلك اليوم تغيرت أشياء كثيرة: تخصصت قنوات إخبارية لنقل أخبار الحروب حتى لا تكون مجرد تقرير في نشرة، وافتتحت مكاتب، واستخدم مراسلون محليون لهذا الشأن، واختفى حسن زيتوني. والأهم من ذلك أن الرئيس لم يعد غاضبا من طريقة تغطية القنوات الإخبارية.

لقد غلبت القنوات الإخبارية العملاقة سلامه مراسليها، ورضخت شعاراتها العملاقة لمبدأ السلامة المهنية، الذي يمكن أن تقرأ بين حروفه شيئا عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

المراسل المحلي من جهته لا يريد التعرض لموقف "زيتوني" المراسل الضيف، خاصة أنه لن يضمن معاملته كالضيوف، لذا يجدر الاهتمام بسلامة المراسل.

لهذا كانت أخبار صعدة تتلى من استوديوهات القنوات الإخبارية، متفننة في صياغة أخبار رسمية، لتكون في الوقت ذاته كل الصحف اليمنية تورد الأخبار ذاتها التي سيلتقطها كل الصحفيون، ليتميزوا في طريقة عرضهم لها, وتطعيمها بتصريحات من مصادر مقربة منهم.

ولكن هنا لن يتحدث أحد عن الحرب من داخل الحرب نفسها، لن تلتقط الصور، وتورد قصص الحرب المشوقة، ولن توثق الصحافة بطريقتها للأحداث التي خلقت من أجلها. ومن يلوم الصحافة إن هي استسلمت لقدرها؟!

ماذا عن قدر الديمقراطية؟ "لا يمكن للديمقراطية أن تعمل بينما يعيش الصحفيون في خوف. لكن العديد من السياسيين والمسؤولين الحكوميين يعتقدون أن الصحفي الخائف سيكون مطيعاً". هذا هو رأي الاتحاد الدولي للصحفيين، الذي يعنى أيضا بالسلامة المهنية. ففي 1998 شكل هيئة دفاع للترويج للسلامة المهنية، مع بعض المؤسسات الإعلامية العالمية.

وليس معنى السلامة إخفاء معلومات؛ "ليس هناك أسرار عسكرية تخفى عن الصحفي، فمن حق الصحفي الحصول على أية معلومات". وبحماس يكمل محامي نقابة الصحفيين اليمنيين، الذي يكرر دوما: "ما قيمة أن يحصل الصحفي على المعلومات المتاحة التي يستطيع أي شخص الوصول لها!؟ إن القيمة الحقيقية للصحافة تكمن في الوصول للمعلومات التي تحجب عن الناس". ولا يعني قول مستشار الصحفيين ذلك، أن هذا الكلام قد يقونن. فقط يفضل الاحتفاظ به عند مستوى الإعجاب.

ولأن العالم مليء بالمصادفات فإن عشية سيطرة القوات الحكومية على بقعة حكومية بأخبار باهتة حول حدث مثير، كانت قناة أفلام تعرض فيلما أمريكيا عن الثورة في نيكاراجوا 1979، ودور الصحافة الأمريكية خصوصا والصورة ليست فقط في التوثيق للحرب، بل أيضا في إنهائها.

لقد عرف الكثير من الصحفيين العرب والأجانب كمراسلي حروب، حتى أن الواحد منهم كان ظهوره على شاشة الأخبار يبادر الشك بأن كارثة ما على وشك القدوم، إن لم تكن قد حلت بالفعل. هؤلاء المراسلون قل ظهورهم في اليمن، رغم أن اليمن بلد صراع.

وسط هذا الصراع وجد عدد من الصحفيين اليمنيين فرصة استثنائية للاقتراب من الصومال، بلد الحروب الأهلية والصراعات المتأججة، ليضيفوا لسيرتهم الصحفية أنهم ماهرون في تغطية أخبار الحروب في بلدان متفجرة الصراع، وهم القادمون من بلد يعاني التهابا مزمنا بالصراع.

فالزملاء لم يستطع أحد منهم الاقتراب لتغطية الحروب الدائرة على بعد أمتار من مقطنة، وتوفرت لهم فرصة يتيمة منتصف العام الفائت لزيارة مواقع أخمدت تماما في صعدة، وتم ذلك بحراسة قوات حكومية. لتأكيد صحة الخبر الرسمي للصحفيين.

خلال الاثني عشر عاماً الماضية، قتل أكثر من 1100 صحفي وعامل في مجال الإعلام أثناء قيامهم بواجبهم. كيف يمكن تجاهل رقم كهذا، خاصة وإن كان سهل الحفظ!؟ وكيف يمكن نسيان أن الرصاص متى بدأ بالانطلاق صار الصحفيون هدفا، حتى وإن لم يقوموا بتغطية أخبار الحرب!؟ فقط هذا يحدث هنا، في حرب أغرقت حملة الأقلام في تهم مست حرية الآراء، ليتفرغ الصحفيون لحضور جلسات المحاكم.

لماذا يحاصر الصحفي؟ ربما لأنه سيكون شاهدا على انتهاكات لحقوق الإنسان، وربما أن ما يكتبه لا يعجب أحدا ما. ولماذا يقتل؟ لأنه ببساطة قد يتواجد في المكان الخطأ والتوقيت الخاطئ، ولم يلتزم ببنود السلامة، وهي غير تلك التي حددها الاتحاد الدولي للصحفيين. وفي غالب الأحيان سيفلت من قتلوه من بند العقاب.

لكن مرور حرب دون توثيق ستبقى هي الكارثة الأشد على الصحافة، حرب دون معلومات، حرب بالكثير من الشائعات، وأخبار الطرف الواحد. حرب دون قصص الحرب، ودون صور للجنود، للمقاتلين، للمقتولين، للدماء، للجرحى، للمدنين المدمرين، للأطفال المزجوج بهم.

لأن كل هذا سيذهب وستبقى الصورة، بعد تاريخ طويل بعد ذهاب الحوثيين، ومن عايشوا تلك الحرب، والنظام وقواته الحكومية (مع أني لست متأكدة تماما بخصوص الأخيرة).

قتلوا لأن أحد ما لم يعجبه ما كتبوا أو قالوا، أو لأنهم كانوا يحققون حول أشخاص رفضوا أن يتم التحقق حولهم، أو لأن أحد ما لم يعجبه الصحفيين أو حتى بكل بساطة لأنهم كانوا في المكان الخاطئ وفي توقيت خاطئ. بعض القوانين تجعل من الصحفيين يبدون كمجندين للسلطة، حتى أولئك ممن يشاركون في اضطرابات أو عصيان مدني ينظرون للصحفيين المتابعين لهم كمراقبين من طرف السلطات أو ضباط شرطة.
[/align]
أبو عامر اليافعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس