عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-08-28, 12:20 PM   #2
شيخان اليافعي
مشــرف عـــام
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-27
الدولة: كندا
المشاركات: 3,023
افتراضي

الجزء الثاني

ففي بداية الأربعينات، إذ شهد العالم حربا عالمية ضروس، انتهت بانتصار الأقوياء وقضت على أحلام الضعفاء والشعوب الصغيرة, فبشاعة تلك الحرب وانتهاك المحرمات فيها، أدت إلى إنشاء المنظمة الدولية فور انتهائها، إلا أن ما يعيب المنظمة هو عدم التأكيد على قضايا القوميات بسبب المفاهيم والأوضاع الدولية السائدة في الفترة تلك. ولاحظنا كيف تحالفت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوروبا لهزيمة ألمانيا النازية واليابان العسكرية، فعقدت الصفقة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ليعترف الغرب بكافة جمهوريات ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي على أنها قوميات هذا الاتحاد وليست بدول مستقلة ذات سيادة كما هي الآن، وبالمقابل يلتزم الاتحاد السوفيتي الصمت وان لا يثير قضايا القوميات التي كانت ولازالت تعاني أوروبا من قضاياها, كما هي الحال بالنسبة إلى القوميات في البلقان أو بريطانيا والنور مندي، أو فرنسا وجزيرة كورسيكا، أو أسبانيا وإقليم إلباسك٠
وبعد انتهاء الاتحاد السوفيتي، رأينا كيف تدخلت اكبر دولة في العالم (أمريكا) لتقود أقوى آلة عسكرية واكبر تحالف (الناتو)، بغية تحرير إحدى قوميات البلقان (الكوسوفو)، فأمطرت يوغسلافيا (جمهورية صربيا والجبل الأسود) بالقنابل والصواريخ وأسقطت نظام الحكم فيها وقادت رئيسها إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي، على انه ارتكب جرائم شنيعة في حق أبناء القوميات، في الوقت الذي لم تكن فيه الكوسوفو معروفة حتى من قبل بعض الشعوب المجاورة لها في أوروبا، والقصد هنا، ليس إسقاط حق مسلمي (الكوسوفو) ولا إنكار كون الرئيس اليوغسلافي (سلوبودان ميلوزوفيتش) قد ارتكب جرائم فظيعة في حق أبناء القوميات، يستحق تهمة مجرم حرب المنسوبة إليه ومحاكمته لينال جزائه من قبل العدالة الدوليةّ، بل المقصود بذلك هو كيف أن التطورات الدولية تغير المفاهيم والمعايير، وكيف أن العلاقات الدولية والقانون الدولي تحكمها موازين القوى الدولية والاستحقاقات السياسية في العالم، وكيف تبدلت المعطيات والأوضاع الدولية بعد انهيار المعسكر الشرقي وتفكيكه بسقوط جدار برلين عام 1989، لتصبح هناك حقوقا للقوميات وصارت مطالبة أبنائها بالانفصال والاستقلال وتحقيق السيادة، أمرا مشروعا ومدعوما من قبل ما تسمى بالأسرة الدولية التي أسسها الأقوياء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية على حساب الضعفاء٠
ومن هنا يتبين لنا كيف أن مقاومة أبناء القوميات من اجل الحصول على حقوقهم يمكن لها أن تكون شرعية أو غير شرعية أي تمرد، وذلك حسب التطورات الدولية، إذ لو قاوم مسلمو (الكوسوفو) وناضلوا من اجل الاعتراف بحقوقهم القومية ودخلوا في صراع مع الحكومة المركزية اليوغسلافية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، لوصفهم العالم بالمتمردين، ولأباح للحكومة المركزية معاقبتهم وربما قتلهم على أن ذلك شانا يوغسلافيا داخليا وليس من حق الآخرين التدخل فيه٠
وكذلك هي الحال بالنسبة إلى مناطق أخرى مثل تيمور الشرقية ذات القومية المسيحية التي انسلخت من اندونيسيا بدعم وتأييد دولي بشكل عام وغربي بشكل خاص، أو نمور التاميل في سريلانكا الذين عرفوا بأنهم متمردين على الحكم، والآن نلاحظ كيف أن الحكومة السريلانكية قد جلست معهم على طاولة المفاوضات، وما يعرف بمتمردي جنوب السودان المسيحي بزعامة جون قرنق، حيث تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية للوساطة بينهم وبين الحكومة السودانية والضغط عليها للاعتراف بهم ومشاركتهم في الحكم في السودان، أو الجيش الجمهوري الايرلندي المعروف بالشين فين، وقد لاحظنا كيف أن أمريكا استضافت جيري آدامز، زعيم الجناح العسكري للتنظيم، في عهد الرئيس كلينتون، والتي كانتا بريطانيا والحكومة الايرلندية تعتبرهم على أنهم متمردين٠
إذ تبدو الفترة الحالية هي الأفضل بالنسبة للشعوب والاقليات للمطالبة في حقها في تقرير المصير وفقا للأعراف الدولية حتى وان كانت هذه الأعراف مرهونة بموازين القوى الدولية. وبالعودة إلى القضية الجنوبية فأننا نلاحظ انه تم طرح هذا الحق في تقرير المصير من قبل التجمع الديمقراطي الجنوبي (تاج), وجمعيات المتقاعدين العسكريين والامنيين والمدنيين والمسرحين قسراً في بيانهم الاول والثاني، وتيار أصلاح مسار الوحدة في الحزب الاشتراكي اليمني, ومنظمات المجتمع المدني من الكتاب والمثقفين والوجاهات الاجتماعية الجنوبية وبالذات المفكر ورجل المواقف الصعبة الدكتور أبوبكر السقاف والدكتور محمد علي السقاف والمناضل الكبير صالح باقيس والمحامي بدر باسنيد ونقيب المحامين السابق المحامي المعروف محمد محمود ناصر و ناشري صحفية الايام العدنية والكاتب المرموق أحمد عمر بن فريد و الكاتب علي هيثم الغريب وغيرهم الكثير الذي لا يتسع المجال لذكرهم.. ولكن يبدو أن هذا الحق له مقوماته وشروطه من وجهة نظر القانون الدولي، ولا يناله إلا الشعوب المطالبة به، ومن اجل الحصول عليه فلابد من توفر عاملي الشعب والإقليم، وهذا ما نجده في الحالة الجنوبية لسببين، هما: ٠
أولا: الشعب:٠
إذا كان حق تقرير المصير يشمل كل الشعوب التي حرمت من ممارسة مظاهر سيادتها على إقليمها بالقوة غير المشروعة، فان شعب الجنوب مشمول بهذا الحق:٠
١- يخضع هذا الشعب حاليا لسيادة الدولة اليمنية الفعلية كدولة أحتلال، وقد التزمت هذه الدولة بحق تقرير المصير واحترام تطبيقه باعتبارها دولة عضو في الأمم المتحدة٠
٢- باشر شعب الجنوب مظاهر سيادته على دولته بكل حرية حتى عام 1990، وحرم من ذلك على اثر الاحتلال اليمني للجنوب نتيجة لحرب غير مشروعة في صيف 1994م٠
ثانيا: الإقليم:٠
هو تلك الدولة ولها حدودها المعترف بها دوليا ومساحتها 330 الف كم مربع وعاصمتها عدن ويقطن هذه البلاد شعب عربي مسلم, دولة حرة مستقلة وباشرت في داخل حدودها مظاهر سيادتها حتى عام 1990م, تتمتع بكامل العضوية في منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وغيرها من المنظمات الدولية, إلى أن قامت الاحتلال اليمني باحتلال الجنوب وتغيير مركزه القانوني خلافا لقواعد القانون الدولي العام٠
وإذا كان الاحتلال اليمني يعامل الجنوبيين على أنهم أقلية، فان واقع المجتمع الدولي في الوقت الحاضر يؤكد أن الأقلية ترغب دائما في الانفصال عندما تواجه باضطهاد الأغلبية, ففي الهند نرى بعض الولايات الهندية تقوم بمحاولات للانفصال عنها، وفي المملكة المتحدة (بريطانيا) نرى إصرار الكاثوليك الايرلنديين على الانفصال عنها والانضمام إلى الجمهورية الايرلندية، وفي الباكستان رأينا أن البنغاليين رفضوا العيش ضمن دولة واحدة (الباكستان) مع البنجابيين فانفصلوا عنهم بدولة البنغلادش وأستقلال أريتريا عن أثيوبيا. وبالتالي فان الاضطهاد اليمني الشديد لأبناء الجنوب يبرر لهم مطالبهم المتمثلة في الحق في تقرير المصير أو الانفصال. وإذا كان القانون الدولي يحمي الشعوب وحقها في الحرية والاستقلال، تقرير المصير، ويعادي القومية كسياسة عدوانية، إذا كانت تهدف إلى إخضاع القوميات الأخرى لسيطرتها، فان معنى ذلك أن القانون الدولي يرفض ـ كمبدأ عام ـ تطبيق فكرة الدولة متعددة القوميات حينما يقصد بها حرمان الشعوب من شخصيتها الوطنية وإخضاع الأقلية لاضطهاد الأغلبية في تلك الدولة٠
شيخان اليافعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس