عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-11-01, 03:40 AM   #1
عابد الله
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2010-08-21
المشاركات: 47
Lightbulb كَلِمَاتٌ فِي شَأْنِ أَخوَاتِنَا المُسْلِمَاتِ المُسْلَمَاتِ إِلى النَّصَارَى

بسم الله الرحمن الرحيم



قامت عشرات من النَّصارى الأرثوذكسِ بالتَّجمهرِ أمامَ مركزٍ للشرطةِ في (ملوي) في محافظة (المنيا) في مصرَ، وهاجموا المركز لاستردادِ فتاةٍ كانت نصرانيةً وأسلمَت بمحضِ اختيارِها؛ فأسلمَها إليهم طواغيتُ مصرَ؛ فأخذوها أسيرةً إلى أحدِ أديرتِهم في القاهرةِ.



وهذه الفتاةُ المسلمة (عبير إبراهيم) ليست بأُولى مَن أُسلِمْنَ إلى النَّصارى من المسلماتِ، فقد سبقها عشراتٌ مِن المسلماتِ والمسلمين، فهي ظاهرةٌ تتكرَّرُ وليسَتْ حدثًا فرديًّا، وستستمرُّ تَكرارًا ما دامَت أسبابُها موجودةً، وأهمُّها استعلاءُ نصارى مصرَ على حكومةِ الطَّاغوتِ المصريِّ بإخوانِهم من صليبيي أمريكا وأوروبا، وتخاذلُ كثيرٍ مِن المسلمينَ باختلافِ توجُّهاتِهم وطبقاتِهم عن نصرةِ قضاياهم السياسيةِ والشرعيةِ، والذبِّ عن دين المسلمين وأعراضِهم ودمائهم، واتِّكالُهم على الله فيها اتِّكالَ الجبريةِ المعرضين عن الأسبابِ الكونيةِ، لأسبابٍ شتَّى.

فلهذا؛ يجب على المسلمين أن يتصدَّوا بما يمكنهم لردعِ أولئك المجرمين، وإيقافِ هذه الظاهرةِ، وحفظِ دينِ أخواتِنا المسلِماتِ المسلَماتِ وأعراضهنَّ ودمائهن.


وقبلَ اقتراحِ طرقٍ للتصدي لهؤلاء، يحسنُ التذكيرُ باختصارٍ بحكمِ إسلامِ أختِنا ومثيلاتِها إلى النصارى، وما يترتَّبُ عليه وضعًا مِن أحكامٍ، فأقول: إنَّ تسليمَ المسلماتِ إلى النَّصارى من أكبرِ الكبائرِ، ومِن أعظمِ الجرائمِ، ولا يجوزُ بإجماعِ أهلِ العلمِ، وهذا ثابتٌ من طرق:

أحدها: أنَّ هذا مخالفٌ لأهمِّ مقتضيات الموالاةِ، وهي النصرة والمنعُ، فكلُّ آيةٍ في القرآنِ فيها أمرٌ بموالاة المؤمنين، أو نهي عن موالاة الكافرين، فإنَّها تحرِّمُ تسليمَ المسلمةِ إلى الكفار، والآيات في هذا كثيرةٌ لا تُحصَر، وفي البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا).


الثاني: النصُّ الصريح في النهي عن إسلامِ المؤمنين إلى الكفار، وهو يتناول المؤمناتِ بعمومِه، وبالأولوية أيضًا إذ هنَّ أولى به من الرجال لضعفهنَّ وحاجتهنَّ إلى النصرةِ، وذلك قولُه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر : (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه) ، قال الحافظ في الفتح 5/97 (ولا يسلمه أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه بل ينصره ويدفع عنه ... وقد يكون ذلك واجبا وقد يكون مندوبا بحسب اختلاف الأحوال ) ، يعني بكونِه مندوبًا إذا علِمَ أنَّه لا يفيد كما فسَّرَه في الفتح 5/99 .


الثَّالث: وهو ألصقُ الطرق بالمسألةِ، قولُه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) فإنَّه نصُّ في النِّساءِ، وفيه حرمةُ إسلامِهنَّ إلى الكفار وإن تضمنهنَّ شرطٌ في عهدٍ بعمومِه، وأنَّ هذا العمومَ باطلٌ لا يُعمَل به مع تقدُّمِ العهدِ ولزومِ شروطِه، فكيف مع عدم العهد؟ وذلك لأنَّ الآيةَ مخصصة لحديث صلح الحديبية، في ردِّ من آمَن وهاجر، فلفظ الحديث عامٌّ في ردِّ كلِّ أحدٍ، والآية نصٌّ خاص في استثناء النساء وحرمةِ ردِّهن إلى الكفار، قال الطبريُّ في تفسيره 23/327 : (وإنما قيل ذلك للمؤمنين، لأن العهد كان جرى بين رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وبين مشركي قريش في صلح الحديبية أن يرد المسلمون إلى المشركين من جاءهم مسلمًا، فأبطل ذلك الشرط في النساء إذا جئن مؤمنات مهاجرات فامتحنّ، فوجدهنّ المسلمون مؤمنات، وصح ذلك عندهم مما قد ذكرنا قبل، وأمروا أن لا يردّوهنّ إلى المشركين إذا علم أنهنّ مؤمنات) وفي الآيةِ بطلان العهود المخالفةِ للشريعةِ، كتأمينِ من لا يحقن دمه بحال، ومن في تأمينه ضرر على المسلمين.

الرابع: أنَّ إسلامَها لهم سببٌ لأسرِهم إياها، وهو يجعلُ لهم عليها سبيلاً، وهذا مخالفٌ لعموم قولِه تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ، وفي صحيح البخاري من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فكوا العاني) ، وسيأتي أنَّه يقاتَل لفَكاكِ الأسير، ووجوبُ فكاكِ الأسيرِ يتضمَّنُ تحريمَ ابتداءِ إسلامِه للأسرِ بالأولويةِ.


وفي الجملةِ، فإنَّ كلَّ ما دلَّ على وجوبِ فعلٍ لاستنقاذ المسلم من الكافر دالٌّ على حرمةِ إسلامِه إليه، وسيأتي ذكر بعض ذلك في موضعِه خاصةً؛ منعًا للتكرار.


وأمَّا ما يترتُّبُ على إسلام المسلمةِ إلى الكافر من حيث الوضع والتسبُّب، فأمران:

الأول: كفر كلِّ مَن أسلم هذه المسلمةِ إلى الكفَّار وهو عالمٌ بأنَّها بذلك تؤذى وتُفتَن في دينِها، وهذا ظاهرٌ مِن الحالِ؛ إذ لم يطالِب بها الكفار إلا بأنَّها أسلمت، فهم أرادوها لدينِها وليردوها إلى الكفرِ. وهذا سببٌ لكفرِ كلِّ مَن له يد في إسلامِها إلى الكفار، بمباشرةٍ، أو إعانةٍ، أو إقرارٍ ورضا. وهذا يشملُ مَن أمرَ بإسلامِها إليهم، ومن نفَّذه، ومن كان له سلطانٌ أن يمنع ذلك مع علمِه به ولم يفعل، ولو لم يكن من طاغوت مصر إلا هذا لكفى لتكفيرِه، فكيف وقد تكرر منه جنس هذا المناط المكفر مرارًا؟ وكيف وقد وقع في أصنافٍ متعددة من أفعال وأقوال الكفر؟ وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: (إنما الإمام جنة يقاتَل من ورائه) ، وهذا الطاغوت يسلم حريم المسلمين إلى الكفار! فحسبنا الله يكفيناه.


ووجه التكفير فيه، أنَّه مظاهرةٌ للكفار على تلك المسلمة، وهو كفر بالإجماع، لقولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) فلم يعذر من ظاهر الكفار لخوفِه من الدائرة، فكيف بمن عذره في ذلك كفرٌ مستقلٌّ هو الوحدة الوطنية؟ وهو كفرٌ لتضمُّنِه الرضا بالكفر -وليس باللازم البعيد- والإعانةَ عليه، بل والتسبُّبَ في الإكراه عليه، وقد قال تعالى: (إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) ، فكفَّر اللهُ الساكت عن إنكار الكفر مع القدرةِ، فالمشارك في الإعانةِ والإكراه عليه أولى بالكفر، قال النووي في الروضة 10/65 : (والرضا بالكفر كفر حتى لو سأله كافر يريد الإسلام أن يلقنه كلمة التوحيد فلم يفعل، أو أشار عليه بأن لا يسلم، أو على مسلم بأن يرتد فهو كافر) ، ومسألتنا فوق ما ذكر النوويُّ؛ فالتسبب في إكراه المسلم على الكفرِ فوق مجرَّد الإشارةِ عليه به مع بقاء اختيارِه.


الأمر الثاني المترتب على إسلامِها إلى الكفار: وجوب فكاك هذه الأسيرة واستنقاذها من أيدي الكفار بكلِّ وسيلةٍ ممكنة، بالقتالِ أو المالِ أو المفاداةِ أو غير ذلك، هذا إذا كان أسرًا مجرَّدًا غاية ما فيه استرقاق المسلمة أو حبسها، فكيف إن علمنا أنها إنما أسرت لتخييرها بين الردة والقتل؟


وهذا الوجوب فرض كفاية، إن لم يقم به من يكفي لتحقيقِه من المسلمين - مع القدرة- أثموا جميعًا، سواءً كانت هذه القدرة بفعلِ أحدِهم مستقلا، أم بفعله مقرونًا بفعلِ غيرِه، كأن يُعلَم أنها تُفكُّ بقتالِ رجلين من المسلمين، أثمَ كل قادرٍ على القتال بنفسِه إن وُجِدَ غيرُه تحقُّقًا أم غلبةَ ظنٍّ، قال ابن بطال في شرح البخاري 5/210: (فكاك الأسير فرض على الكفاية، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فكوا العاني) ، وعلى هذا كافة العلماء) اهـ ، ونقله عنه الحافظ في الفتح 6/167 ، وقال: (وبه قال الجمهور) اهـ .


وهذا الوجوب متضمَّنٌ في دلالةِ الأدلةِ السابقةِ؛ لأنَّ إنقاذ الأسيرِ من أفرادِ النصرةِ المأمورِ بها، قال النووي في شرح صحيح مسلم في كلامه على حديث المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله 16/120 : (وأما لا يخذله، فقال العلماء: الخذل ترك الإعانة والنصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع السوء ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي) ، ومن أعظم السوء الذي يلزم دفعُه: الأسر والفتنة في الدين.


وأذكرُ في هذا الموضعِ ما يتيسُّرُ من الأدلةِ التي تدلُّ على المسألةِ بخصوصِها، أو ما فيه بيانُ بعض وسائلِ النصرةِ.


ومِن ذلك قولُه تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) فهو - في الفتنة- عامٌّ، والأسرُ فتنةٌ للمسلمة يوجبُ القتالَ لمنعِها، وكذلك الأسرُ ظلمٌ وعدوان يوجِب العدوان عليهم بالقتال.

وقوله تعالى: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) فيه وجوب الاقتصاص لحرماتنا، والمماثلة في الاعتداء، بأسرِ مَن يفادى مِنهم بأسرانا عندهم، ويشهدُ لهذا المعنى فعلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، كما عند مسلم من حديث عمران رضي الله عنه، أنَّ ثقيفًا أسرت رجلين من الصحابةِ، فأسر الصحابةُ رجلا من بني عقيل -حلفاء ثقيف-، فأتى عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو موثقٌ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا محمد، بم أخذتني؟) فقال: (أخذتُك بجريرة حلفائك ثقيف) .

ومن ذلك قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) ، والأسر من أعظم الاستضعاف، خاصةً إن كان للنساءِ، فهو موجب للقتال، فكيف وهو استضعافٌ في الدين وفتنةٌ عنه؟ قال ابن جزي المالكي في القوانين 172: (يجب استنقاذهم من يد الكفار بالقتال فإن عجز المسلمون عنه وجب عليهم الفداء بالمال).

وقال سلطان العلماء العز بن عبد السلام في أحكام الجهاد وفضائله 97: (إنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات، وقد قال بعض العلماء: (إذا أسروا مسلما واحدا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم) ، فما الظن إذا أسروا خلقا كثيرا من المسلمين؟) اهـ


وقال الرمليُّ في نهاية المحتاج 5/59 : (ولو أسروا مسلمًا فالأصحُّ وجوب النهوض إليهم وجوبَ عين -ولو على نحو قن بلا إذن- لخلاصه إن توقعناه، ولو على ندور في الأوجَهِ، كدخولهم دارنا بل أولى؛ إذ حرمة المسلم أعظم) اهـ مختصرًا.
ولحديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فكوا العاني) رواه البخاري.

وقد قال تعالى في ذمِّ بني إسرائيل: (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) .


قال القرطبي في تفسيره 2/22-23 : (قال علماؤنا: كان الله تعالى قد أخذ عليهم أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخا يتلى فقال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ) وهو التوراة (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).


قلت [القرطبي] : ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن، فتظاهر بعضنا على بعض، ليت بالمسلمين، بل بالكافرين! حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!


قال علماؤنا: فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد.
قال ابن خويز منداد: تضمنت الآية وجوب فك الأسرى، وبذلك وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فك الأسارى وأمر بفكهم، وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين) اهـ .


وقد رويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لئن أستنقذ مسلمًا من أيدي الكافرين أحبُّ إلي من جزيرة العرب).
وقال ابن حزم في الإحكام 5/34 : (ولا أشدَّ خلافًا على الله تعالى وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك المسلم والمسلمة عند المشرك، يذلها ويطؤها) .

وقال شيخ الإسلام عند الشافعية زكريا الأنصاري في أسنى المطالب 4/209: (*وإن أسروا مسلمة وأمكن أحدًا تخليصها لزمه* ومثلها المسلم كما علم من أوائل كتاب السير، قال الأذرعي: والظاهر أن في معناها من أسلمت بنفسها وطلبت إنجاء نفسها منهم) اهـ مختصرًا.

ونقل عن بعض الفقهاء وجوبَ فكِّ أسرِ أهلِ الذمةِ، قال في أسنى المطالب 4/179 : (وكذا لو أسروا مسلمًا وأمكن تخليصه منهم بأن رجوناه تعين جهادهم وإن لم يدخلوا دارنا؛ لأن حرمة المسلم أعظم من حرمة الدار، ولخبر البخاري: (فكوا العاني) ، فإن لم يمكن تخليصه بأن لم نرجه لم يتعين جهادهم، بل ينتظر للضرورة، وذكر في التنبيه وغيره: أنه يلزمنا فك من أسِر من الذميين) فلا شكََّ أنَّه يجبُ وجوب عين المساهمةُ في استنقاذِ هذه المسلمةِ ومن هو مثلها على كلِّ قادرٍ على ذلك، إذ الكفايةُ لم تتحقق ولم ينتدب لهذا أحد.



وهذا الاستنقاذ -كما تقدَّم- ليس له وسيلةٌ واحدةٌ، فمَن قدر على استنقاذِها بالجهادِ لزمه، ومَن قدر عليه بالمال لزِمه، ومَن قدر عليه بالتحريضِ لزمه، وكلٌّ يلزمه المساهمةُ بما يقدرُ عليه، والشأنُ هنا بحصول المقصود أو بعضِه، بأي وسيلةٍ كانت، ما لم تخالف الشرعَ.


عابد الله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس