عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-10-06, 10:09 PM   #47
علي المفلحي
عضو مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-22
الدولة: جمهورية الجنوب العربي
المشاركات: 41,812
افتراضي

هل لدى "أنصار الله" رؤية لحل قضية الجنوب ؟


هل لدى "أنصار الله" رؤية لحل قضية الجنوب ؟

احمد عبداللاه



لا توجد حتى الآن أي رؤية رسمية معلنة لإنصار الله لحل قضية الجنوب، لكننا هنا نحاول فقط استشراف ما جاد به "سياسيون" منهم، حول القضية الجنوبية التي حاول مؤتمر الحوار، بمساعدة بعض أبناء الجنوب، أن يسحقها تماماً كحبة كستناء أو عِنب صغيرة على رصيف مزدحم.
مؤتمر الحوار كان الخطر الداهم بل الأخطر من أي شيء على قضية الجنوب على الاطلاق. الآن هناك معادلة سياسية جديدة، والجنوبيون قد اختبروا مواقف القوى القديمة التي إما رفعت شعار "الوحدة أو الموت" أو رفعت شعار "الوحدة قضية إيمانية" لا نقاش فيها.
الآن نسمع على الأقل طرح لا يحتوي لغة الاستعلاء أو التهديد، وهو حتى متقدم على طرح ثوار 2011، الذين سرعان ما كشّروا بمفرداتهم الحادة بعد أيام قليلة من ثورتهم ليصبحوا على نفس خط الخطاب القبلي والعسكري.
الجنوب ليست له قضية مع أنصار الله، فلديه قضية سياسية كبرى تتعلق بمصيره، كما أنه لا ينطلق من مفاهيم طائفية ولا يفهم في المصطلحات التي تعج بها ساحات الحروب الدينية المستجلبة من تواريخ لم يعد لها حضور أو مكانة في عقل الإنسان العصري الذي يعرف تماماً أن الصراعات تلك مهما ألبسوها أثواب مقدسة فإنما هي صراعات على السلطة والنفوذ لاغير. فبالنسبة للجنوب، أنصار الله هم مكون سياسي إجتماعي أتوا من عمق اليمن ولم يأتوا من كوكب "كوروت" ولن يحتاج أحد الى مسح فضائي لاكتشاف الأصول، وهم لم يكفّروه ولم يحاربوه ولم يقصفوا مدنه ولم يحولوا الجنوب الى ساحة حرب دينية، بل كانت مواقفهم النظرية تجاهه أكثر لين وأكثر تفهم حتى من الليبراليين الأشاوس والمثقفين الذين "لم تَجُد" سردياتهم بعبارة واضحة وحاسمة حول حق الجنوب في الإختيار.
ومع كل ذلك لا يمكن لإحد اختبار نوايا "أنصار الله" الساعة، فما يزال الوقت مبكر وما تزال الحالة السياسية في صنعاء هشّة وأمامها تحديات هائلة. لكنه مجاز لنا أن نعتقد من خلال بعض التصريحات والكتابات بأن أنصار الله لن يؤيدوا فكرة فك الارتباط، وسيكون السقف الأعلى (جداً) لهم في المسألة الجنوبية هو ربما تأييدهم لطرح الحزب الاشتراكي (إقليمين) مع بعض الإضافات أو بعض التحفظات.
حتى الآن أوضح المتحدثون من أنصار الله أنهم لن يتبنوا شعار "الوحدة أو الموت" ولا يعتبرون الوحدة قضية إيمان وفك الارتباط كُفر، ويحاولون الابتعاد عن الشعارات الدموية العقائدية التي لم تضف الى المشهد السياسي سوى مزيداً من التعقيد والخطر.
ومع كل ذلك ما يزال الخطاب غامض ولعل ما طرحه السياسي الشاب علي البخيتي، كان الأكثر وضوح حتى اللحظة حيث اقترح (بصورة شخصية) خارطة طريق على مراحل يتم فيها استعادة "الحقوق" و"تصحيح مسار الوحدة"، وهي صيغة مبسطة،كما وصفها، واقترح فكرة الموافقة الواسعة على أي خيار مصيري.
في روح مقترحه يكتشف القارئ بانه في نهاية المطاف لا يمس الجوهر الحقيقي للوسائل وطريقة التعاطي مع القضية الجنوبية ، فمسألة استعادة الحقوق وتصحيح المسار ليست جديدة ومن الصعب حتى تحقيق ذلك مع وجود قوى ممانعة من بين شركاء الحكم في صنعاء. لكن الجديد المثير الذي أشار اليه في سياق المقترح هو الموافقة الواسعة على أي خيار مصيري بنسبة 75٪. بمعنى لو أراد الجنوب ان يختار فك الارتباط فيجب أن يوافق (75٪) من ابناء الجنوب ربما من خلال استفتاء. وبكلمات أخرى لو أن (25,1٪) قالوا "نعم" للوحدة فأن أصواتهم مرجحة على (74،9٪) من الذين يقولون "لا"، وهذا بالطبع لا يتوافق مع أبسط المقاييس العالمية، ولن يستقيم مع المنطق لأن الأقلية هنا وبطريقة معكوسة ستحدد مصير الأغلبية على قاعدة تطبيقات الخدعة البصرية، واعتقد هذا بحد ذاته جدار خرساني على خارطة الطريق المبسطة التي ساقها الشاب،الناضج سياسياً بشكل مبكر، ويحظى باحترام بغض النظر اين يقف الان. كما أنه لا يفوت صاحب الفكرة بأنه مع أعضاء حزبي السلطة التقليديين ،المؤتمر والإصلاح، ومع البروباجندا الدينية والمال السياسي والتزوير واستخدام الطاقة اللوجستية للدولة في قضية تحديد مصير الجنوب ، الذي لم يُستشر في وحدته، لن يكون صعباً ضمان 26٪ أو ربما أكثر ليختاروا بعقائدية مثالية بقاء الوحدة مهما كانت صورتها. لهذا لا أحد يظن أن الجنوب سيوافق على توثيق التوافق سواء من خلال استفتاء أو غيره حتى ولو كان تحت إشراف الدنيا بأسرها فأنت في اليمن وأنت أمام أقاليم وعالم يتآمر بعضُه على بعضِه. ولم يعد أحد يثق حتى بالمقاييس الدولية.
إنتهى الكلام، فالجنوب طلب دوماً أمراً واحداً وهو أن لا يكون و"لن يكون" ضابط الإيقاع آتٍ من صنعاء، بل يجب أن يكون هناك تفاوض متكافئ بين الطرفين لمناقشة بنود الحل النهائي، يتم تحديد زمانه ومكانه وآلية الإشراف عليه. وبدون ذلك تصبح قضية الجنوب وتظل محل رهانات داخلية وخارجية. و يلزم التذكير بأن أمر لن يستقيم أو يستتب دون الإجهاز أولاً وبشكل واعٍ على الفكرة المبنية على أن الوحدة مسألة مقدسة أو ضرورة مطلقة أو أي توصيف مماثل، فالوحدة مشروع سياسي خان ذاته وانقلب عليها، ولن تسمح ظروف اليمن وأوضاعه الان ولا بعد عقود استمرارها وأن الوحدة هذه قد أفرزت نقائضها وتجلت نقائصها وترسّخ انتفاء شروطها منذ البداية. الجنوب لم يرَ من الوحدة غير الموت والفقر وقصف المدن واستجلاب القاعدة الى أراضيه فلم تعد بنظره مشروع عظيم بل جراحات عظيمة لن تتشافى ولن تزول من الذاكرة إلا بالقدر الذي تتعامل من خلاله العقول النيرة التي ترى أن وحدة اليمن الجغرافي تكمن في وحدة المصالح والأمن وحرية العيش والتنقل وليس في وحدة النظام السياسي. تلك التي لم يجربها كل الأشقاء، ولن يفعلوا، إولئك الذين أهلكونا بتمسكهم بوحدة اليمن بينما هم يرفضون حتى تماس حقيقي (من بعيد) فيما بينهم، وهذا شأن العرب، أقصد الكذب على الذات دوماً.
احمد عبداللاه
علي المفلحي متواجد حالياً   رد مع اقتباس