عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-07-27, 03:31 PM   #9
محمد مظفر العولقي(حيد صيرة)
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-04-16
الدولة: قلــــADENــــب
المشاركات: 10,468
افتراضي


وثيقة تاريخية حول القضية الوطنية الجنوبية.. بقلم: علي هيثم الغريب (3)


واليوم إن القضية ليست ما إذا كانت الاتفاقيات الوحدوية صحيحة أو مغلوطة.. إن القضية ليست ما إذا كانت شراكة مايو 1990م بين الدولتين في صنعاء و عدن يجب أن تبقى أو يجب حلها.. إذ أن شعب الجنوب يقرر ما هو صائب لهم و ما هو غير صائب لهم.. و أعتقد أنه قد قدر تماماً مصيره،وما تقديمه آلاف الشهداء و الجرحى منذ حرب عام 94م وما بعدها إلا دليل على تصميمه على فك الارتباط واستعادة الدولة.
وإن الوعود التي يطلقها نظام صنعاء بشأن حل القضية الجنوبية أو معالجة المصابين و الجرحى الجنوبيين هي وعود شكلية و للاستهلاك الخارجي، فالجنوب يعيش وضع تبعي للشمال و غنيمة لكل من يشارك في قمعه من الشماليين، و وقع فعلاً تحت السيطرة الهمجية مستغلين بذلك الوضع في المنطقة ومصالح الدول .
ورئيس الجمهورية العربية اليمنية علي عبد الله صالح أفصح وقال: " إن الحزب الاشتراكي كان هارباً من الجنوب فوقّع الوحدة معنا " .. إذا فهذه الاتفاقيات التي على ضوئها أعلنت الوحدة هي في مفهوم نظام صنعاء صكوك باطلة و تفتقد إلى الشرعية و الصلاحية القانونية. ولهذه السبب بالذات تم التحايل عليها بإجراءات سياسية تتنافى مع نصوصها و أُعلن الحرب عليها رسمياً عام 1994م من قبل دولة الجمهورية العربية اليمنية.
إن الجنوب بعد الاستيلاء عليه بالقوة العددية المسلحة و بعد إن صار بالفلك الهمجي اليمني أصبح يخدم احتياجات شعب الشمال.. و ضاعت مبادئ الوحدة و العدالة و مسألة بناء دولة حديثة للوحدة. و لسوء الحظ أنه بعد احتلال الجنوب قام النظام بتنفيذ مصالح البلدان التي كانت رافضة لنهجه العسكري ضد الجنوب.. و سعت تلك البلدان من خلال ضعف النظام و هشاشته إلى التقاضي عن جرائم النظام التي وقفت أصلاً ضدها عام 1994 رغم أنها تعرف أنه من المستحيل الدفاع عن وحدة جاءت بالقوة و ضد إرادة أهل الجنوب، و كما قال لنا من قبل مثقفي تلك البلدان و هي حقائق معروفة جداً على كل حال، فإن هذه " الوحدة " هي لا شيء أكثر من محاولة لتأمين أطماع تلك البلدان و استمراراً للسيطرة العسكرية و الأمنية في الجنوب برضا تلك البلدان و بوسائل سياسية ملتوية من أجل ضمان مصالحها الإستراتيجية المنافية كلياً لمصالح الشعبين في الشمال و الجنوب. و مهما يكن فإن الجنوبي يسأل بطريقة مشروعة ما إذا كانت مثل هذه المواقف من قبل دول جاره لنا صحيحة أخلاقياً ؟ أو حتى يمكن اعتبارها قانونية و هي تتعارض مع مصالحها أصلا ومع الأغلبية الساحقة لشعب الجنوب ؟!.
ومن هنا إننا نعتقد أن من الصعب إنكار الحقائق التالية حول مسألة " الوحدة "التي يتغنى بها النظام:
أولاً: إن تلك الوحدة هي اتحاد مفروض بالقوة العسكرية و لا تضع اعتباراً لإرادة الشعب الجنوبي، و لا حاجة لإعطاء أي دليل بهذا الصدد إذا ما نظرنا فقط إلى الطريقة التي تمت بها عام 1994م، و كما نعرف جميعاً، معرفة جيدة، لم يجرى أي استفتاء لشعب الجنوب حول الوحدة عام 1990م .. فقد سويت المسألة كلياً بين الحزب الاشتراكي اليمني (الجنوب) و المؤتمر الشعبي العام (الشمال) و هما حزبان غير منتخبان من قبل الشعبين في الجنوب والشمال .. و فيما يتعلق ببقية الإجراءات التي تمت بعد إعلان الوحدة لم يستشار بها أيضاً سكان الجنوب و لا قواه السياسية و الحزبية التي كانت قد ظهرت بعد إعلان التعددية السياسية من قبل الرئيس الجنوبي علي سالم البيض نهاية عام 1989م...خاصة وان الرئيس البيض قد تنازل عن بعض المطالب في سبيل إرساء مبدأ التعددية وحرية الصحافة.
ثانياً: لو نظرنا إلى اتفاقيات إعلان الوحدة بين الدولتين ج. ع. ي. و ج. ي. د. ش. سنجد أنه لا شيء في هذه الاتفاقيات يمس سيادة الشعب الجنوبي على أرضه.. و يكفي القول في النهاية أن هذه الاتفاقيات جعلت التقاسم بين شريكي الوحدة أساس الحكم.. و بهذه الطريقة فإن الدولتين كانتا موجودتان في الجنوب و الشمال و حقوق الشعبين كانت موجودة أيضاً حتى أن الرئيس علي سالم البيض أعتكف في عدن و لم يمسه النظام بشيء لأنه كان محمي بشعبه المحبط كلياً من الوحدة و بوطنه الأم – الجنوب – ثم إن الأشخاص الوحيدين الذين استفادوا من تلك الاتفاقيات كانوا الاشتراكيين الشماليين الذين احتضنهم الحزب لحملهم معاً مشروع إيديولوجي اشتراكي، و هم الذين وقفوا مع النظام في وطنهم – الشمال – عندما نشبت حرب 94م و انضموا إلى أهلهم هناك بعد سقوط شراكة الحزب الاشتراكي بالسلطة.
ثالثاً: إذا كانت اتفاقيات الوحدة بين الدولتين في صنعاء و عدن تتناقض أساساً مع ميثاق الأمم المتحدة و حقوق الإنسان و كونها جرت و شعب الجنوب منكرة حقوقه من قبل الحزب الحاكم الوحيد – الحزب الاشتراكي اليمني – و مقيدة إرادته و حريته بقيود مختلفة، فإن حرب 94م التي شنت عليه كما شن الصرب حربهم ضد البوسنة و أحدثت جرائم شنيعة و مقابر جماعية للأطفال و النساء و المسنين تعتبر جريمة جنائية موجهة ضد الإنسانية و المجتمع الدولي، و لابد من التحقيق فيها من قبل الهيئات الدولية. و مهما يكن من الشدة التي تستعمل للقضاء على فكرة فك الارتباط لدى الجنوبيين فإنه لن يُستطاع إرضائهم بما دون فك الارتباط وتحقيق الاستقلال.
رابعاً: إن نظام صنعاء بعد انتصاره على الجنوب عام 94م أتبع، بلا كلل، سياسة نهب الأملاك العامة و الخاصة بصورة بشعة و غير أخلاقية، و عمل على إسكات جميع وسائل الرفض القانوني و التعبير السلمي و أرتكب جرائم جديدة ضد شعب الجنوب راح ضحيتها المئات من الشهداء و الجرحى، و ساهم في التردي الأخلاقي و تدمير الإدارة التي ورثها الجنوبيون عن بريطانيا، فبدون تلك الإدارة فإن دولة الجنوب السابقة ما كانت لتساوي شيئاً.
وهناك الكثير من الحجج القانونية و التاريخية المناهضة لدعوة نظام صنعاء بأن الجنوب جزء عاد إلى الأصل، إذ أن كل هيئات الدولة (البرلمان و الحكومة) تُنتخب دستورياً. و بالأخير فإن حكومة ما بعد إعلان الوحدة لم يكن لديها حق ولا سلطة حول الجنوب ولا التصرف بمستقبله، وكان لابد بالأخير لنظام صنعاء من شن الحرب للاستيلاء على الجنوب.
إننا في الجنوب نجد من الصعب تفهم سياسة نظام صنعاء في سياق الحقائق القائمة على الواقع.. فقد كان يتحدث عن الديمقراطية و تداول السلطة سلمياً و حرية التعبير، و هو بذلك كان يعتقد أنه يخدم مصالحه الذاتية في الشمال لجعل سيطرته أبدية على الجنوب، و ضد رغبات الشعب الذي ظل يناضل منذ فترة ما بعد الاستقلال من أجل استعادة حريته و بناء دولته الوطنية الديمقراطية.
لقد تحدث الرئيس الجنوبي علي سالم البيض بوضوح و دقة تاريخية عن الآمال التي صُنعت في الجنوب لإنشاء الاتحاد مع الشمال.. و عن الفخ الذي صنع في الشمال لالتهام الجنوب، و لا حاجة لنا لأن نأخذ وقت القارئ بإعادة ما قاله حول هذه النقطة. و الحقيقة اليوم هي، أن شعب الجنوب يكافح سلمياً لفك الارتباط عن أشقائه في الشمال و استعادة دولته.
لقد حرم شعب الجنوب خلال عقد و نصف من الزمن منذُ 1994م وحتى اللحظة من أرضه و ثروته ومن المشاركة الحقيقية بالحكم، و صار أبناء الجنوب جالية ضمن الجاليات الأجنبية الأخرى و شجع نظام صنعاء سكان الشمال بالقدوم إلى الجنوب و نهبها تحت حماية قوات الأمن المركزي و الجيش و الاستيطان فيها .. حتى أصبح تجار الشمال هم الطبقة المفضلة لديه في الجنوب...
إن سياسة نظام صنعاء استهدفت الاستيلاء على أراضي الجنوب و مزارعه حتى تظهر إلى السطح مصالح متضاربة ومتعادية، مما يجعل فك الارتباط عملية نوعاً ما أكثر صعوبة. و إن ظهور ما يوحي بذلك حدث خلال الانتخابات العامة لأعوام ما بعد حرب عام 94م لفوز مرشحي الحزب الحاكم، إذ منح أبناء الشمال وثائق شخصية جنوبية ليحق لهم الانتخاب و الترشيح، فأدى ذلك إلى مقاطعة الانتخابات بنسب عالية جداً من قبل الجنوبيين المقيدين في جداول الناخبين وغيرهم من الذين رفضوا تقييد أسمائهم...
وبعد الاعتقالات الكبرى التي تعرض لها رموز الحراك الجنوبي في 1 أبريل 2008م، اقترح الرئيس علي عبد الله صالح حكماً محلياً في الجنوب بهدف إسكات صوت الانتفاضة الشعبية العارمة، ثم اقترح مشروعاً جديداً لانتخاب المحافظين مع بقاء الأمن المركزي و الجيش و الأجهزة الأمنية الأخرى تحت القيادة المركزية.. إنه قرار يمكّن النظام المركزي من الإبقاء على سلطته و قوته داخل الجنوب.. في الوقت الذي يظهر أمام العالم و كأنه نظام شبه ديمقراطي و مقبول.
إن الحكم المحلي واسع الصلاحيات الذي يهدف إليه النظام قد اُعدّ بطريقة تمنحه البقاء في الجنوب بصورة شرعية، و تجعله يحصل على منفعة اقتصادية و مساعدات مالية من خلال التمسك بانتخابات شكلية و غير نزيهة. حتى أصبح المحافظ الجنوبي في الجنوب و كأنه المندوب السامي للسلطة المركزية.. يقدم لها الخدمات التي تطلبها .. فنظام صنعاء راح يؤسس نظام الحكم المحلي آملاً بذلك أنه سيحول دون مطالبة شعب الجنوب بحقوقه المشروعة.
وفي الوقت نفسه بدأت الأحزاب السياسية – كلها أحزاب شمالية – إلى المشاركة في كل تلك الانتخابات، بل و حظيت تلك الأحزاب بمساندة السلطة السياسية لأنها تدعوا إلى نفس مشاريع النظام، و لأنها لا تحبذ فكرة فك الارتباط.. و لكن بعد انفجار حرب صعده بدأت السلطة ترى فيها الخطر الحقيقي في الشمال – و ليس في الجنوب – على خططها و مشاريعها، و قد شنت السلطة في صنعاء حملة ضد أحزاب المشترك رغم أنها تعمل على امتصاص الحراك الجنوبي السلمي لأنها نددت بكل الجرائم و المجازر التي اقترفها النظام ضد أبناء الجنوب العُزل.
ثم قام النظام بتشكيل مليشيات مسلحة في كل محافظات و مديريات الجنوب لمواجهة الحراك الجنوبي بالقوة.. وأعطاها الحق في ضرب أو تفتيش منازل المشاركين في الحراك و رصد تحركاتهم و إبلاغ الأمن عنهم .. و كذلك توقيفهم و الرد على استفساراتهم.. وتعاملهم النيابة المتخصصة بالحراك الجنوبي السلمي كقتلة و قطاع طرق و محرضين.. ( أيام الاحتلال البريطاني للجنوب كان قادة النضال المسلح الذين يزج بهم في السجن يحكم عليهم بغرامات مالية بسيطة أو يتم نفيهم إلى الخارج.. و لم يكن هناك أشخاص معتقلون بدون محاكمة كما هو عليه الحال الآن، و إن تمت محاكمات كانت أقصى التهم الموجهة إلى قادة النضال السياسي و المسلح هي مخالفات القوانين فقط) و يمنح الأمن المركزي – المتهم الوحيد بارتكاب مجازر جماعية في الجنوب – صلاحيات جلد المشاركين في الاعتصامات السلمية و ضربهم و تعذيبهم و سبهم بنفس تلك الكلمات التي سمعناها في سجن أبو غريب في العراق.. وهناك كذلك وزارة لحقوق الإنسان، لكنها هي نفسها أدانت الحراك الجنوبي السلمي و دعت إلى ملاحقة المشاركين فيه.
بعد انتفاضة الشعب الجنوبي جاءت فكرة تأسيس مجلس قيادة الثورة الجنوبية السلمية بعد ما صار واضحاً أن الشعب لن يقوى على تحقيق أهدافه إلا بتنظيم نفسه تحت قيادة واحدة موحدة.. و هو ليس حزباً سياسياً، و إنما مجلس وطني عام يمثل كل شرائح المجتمع الجنوبي, خاصة وانه نتج عن تراكم نضال وتضحيات شعب الجنوب التي أفرزت هيئات وطنية جنوبية كللت بالنجاح وذلك باندماجها معا تحت مسمى مجلس قيادة الثورة السلمية الجنوبية وأصبح المجلس الممثل الشرعي للشعب الجنوبي ويعبر عن تطلعات الجنوبيين وإرادتهم الموحدة وهذه المطالب يمكن تحديدها في النقاط التالية:
1- التحرر الكامل من نظام الجمهورية العربية اليمنية و فك الارتباط معه و إيجاد دولة جنوبية بنظام جديد يعكس إرادة الشعب الجنوبي.
2- تقديم مرتكبي الجرائم و المجازر التي ارتكبت ضد شعب الجنوب إلى القضاء، و إطلاق سراح كل السجناء السياسيين والمختطفين قسرا وعودة المنفيين إلى وطنهم، وإلغاء القوانين المصادرة للحريات و الضغط على نظام صنعاء بالخضوع لإرادة شعب الجنوب والعمل على تطبيق القرارات الدولية.
3- نطالب المجتمع الدولي والجامعة العربية بتشكيل لجنة (برضا مجلس التعاون الخليجي) للسير بإجراءات فك الارتباط بين الدولتين و أن يكون هناك حضور للأمم المتحدة.
4- يجب الحفاظ على أمن الجميع في الشمال كي لا يحدث تقسيم هناك بحكم التركيبة القبلية و المذهبية المتفجرة ..
5- أن الشمال والجنوب بدولتيهما يجب أن يعيشان في ظل سياسة إقليمية توفر الأمن والاستقرار للمنطقة.
خاصة وانه عندما شنت حرب 94م، ضد الجنوب فإن أغلب البلدان العربية احتجت بما فيها الجامعة العربية و مجلس التعاون الخليجي و الأمم المتحدة.. و يجب تذكر أن الجنوب كانت قبل حرب 94م دولة مستقلة بالكامل.. وهل يمكن التصور بجدية أن الشماليين الذين شاركوا بحكم الجنوب كان يمكن أن يسمحوا لنظام صنعاء الذين هربوا منه إلى عدن بالاستيلاء على الجنوب بدون إظهار -على الأقل- بعض المعارضة لو أنهم كانوا يؤمنون أن الجنوب جزء من اليمن؟ لا نظن أن أي إنسان عاقل يمكن أن يصدق أن هذا كان ممكناً.
أغلب أعضاء و قيادات الحزب الاشتراكي اليمني كانوا من الأشخاص الذين ولدوا في الشمال و قد عادوا إلى أرضهم بعد إعلان الوحدة و هل كانت تلك العناصر قادرة على مقاومة نظام يجسد مشروعها و ترفض الحرب ضد الجنوب؟!.
إنه لواضح – كما قلنا – أن المشاعر كانت مختلفة، و علاوة على ذلك فإن من استولى على عدن و الجنوب بقوة السلاح لم يحصلوا وحدهم على الغنائم و المنافع، و إنما أيضاً اغلب أبناء الشمال ... نظراً لأن حرب 94م قد ضمنت للشماليين حماية ما ينهبوه. أنها كانت، بالطبع، حيلة من حيل النظام السياسي دخل بها الحزب الاشتراكي اليمني بحكم عدد الماركسيين الشماليين فيه.. و عندما أنهار الحزب الاشتراكي ظهر الفصيل الشمالي يقوده من جديد من صنعاء ضد الحراك الجنوبي السلمي، و هنا بالذات بدأت القطيعة بين الاشتراكيين الشماليين و الاشتراكيين الجنوبيين لاختلاف المصالح الوطنية و السياسية.. و أيا كان ما كان لدى الاشتراكيين الشماليين من سبب لتنفيذ مثل هذه السياسة فقد كانت النتيجة أن الاشتراكي احتفظ بوجوده في صنعاء و رأوا أن حزبهم مهدداً من قبل الجنوب لا من قبل الشمال.. وكل ما تحققه أحزاب اللقاء المشترك هو إثارة المعارضة للنظام و ليس موقفاً منها مع الجنوب...
هذا الترابط بين السلطة و القوى المعارضة لها أوجد قناعة عند الجنوبيين أن الشمال قد توحد فعلياً ( سلطة و معارضة ) لنهب الجنوب وإبادة سكانه.. و هكذا شهدت الجنوب تغيراً هائلاً، فما كان في أغلب الحالات مجرد معارضة جنوبية فردية تحول إلى انتفاضة شعبية كاسحة.
وهنا يمكن أن نشير إلى حقيقة تاريخية ثابتة و هي أنه في وقت كانت فيه الشعوب – في القرن الماضي – الخاضعة للاستعمار في العالم كله.. فإن سكان الجنوب لم يخضعوا أنفسهم على الإطلاق للحكم الاستعماري مباشرة بل كانت هناك معاهدات مكتوبة بعيدة عن أي تواجد عسكري أو أمني بريطاني، و تلك المعاهدات كانت شبيهة بمعاهدات مصر مع الاستعمار البريطاني الذي دخلها عام 1882م.. و اليوم فإن المعارضة الحزبية و السياسية في صنعاء لم تثير أي رغبة للحفاظ على الوحدة في نظر الجنوبيين، و من جانب ثاني أنه لو كانت هناك رغبة حقيقية لدى الجنوبيين في الوحدة فإن التجاوب مع دعوة لقاء التشاور الوطني الذي اشتركت فيه أغلب القوى الفعلية في صنعاء و خرجت بوثيقة شبيهة "بوثيقة العهد و الاتفاق" كان سيكون غير قابل للرفض من قبل الجنوبيين.. و حسبما حدث فإن غالبية جماهير الجنوب أبدت معارضتها الواضحة حتى لتلك الوثيقة التي قالت السلطة عليها أنها " وثيقة الخيانة ".. و أنه لطبيعي أن تعتبر أحزاب اللقاء المشترك الحراك الجنوبي ومجلس قيادة الثورة السليمة غير شرعيان لأن ولاءهم هو لوطنهم و ليس للجنوب.. أما السبب الأخر في هذا فهو أن الجنوبيين غير واثقين من المعارضة، و لا رغبة لديهم أن يحكموا من السلطة أو أحزاب المعارضة.. فنحن نريد أن نكون أسياد أنفسنا، سادة على أرضنا، و قرارنا السياسي كما كنا منذ آلاف السنين.
إن شعب الجنوب مصمما على أن يصبح مستقلاً بذاته و العقبة الرئيسية كانت بالطبع تجزئة وانقسام الجنوبيين إلى عدة فصائل و هيئات صغيرة.. و جاءت النتيجة أن ثلاث هيئات توصلت إلى أتفاق بمبادرة من شخصيات جنوبية في الحراك، وفي 9 مايو 2009م أتحدت معاً لتأسيس (مجلس قيادة الثورة السلمية الجنوبية).. و منذئذ انضمت إليه شخصيات كبيرة في الداخل و الخارج.. و إن ذلك الاندماج التاريخي بين مكونات الحراك الجنوبي تم الموافقة عليه من قبل كل الهيئات في المحافظات و المديريات الجنوبية علاوة على أن قياداتنا الجنوبية السابقة واللاحقة جميعها تعيش في المنفى دعمت وتبنت هذا الاندماج الوطني.وعبر هذا المجلس سنؤسس ثقافة مجتمعية جديدة ونظاماً ديمقراطياً مناسباً و مفهوماً لشعبنا. نظام يقوم على التوفيق بين كل شرائح المجتمع وقواه السياسية و قوالب الديمقراطية التي لا تتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، و سنرسي مفهوم جديد للانتخاب كون الانتخابات العامة ليست بجديدة على شعب الجنوب إطلاقاً فقد كانت حاضره منذ فترة ما قبل دخول بريطانيا الجنوب.. فمن الناحية التقليدية فإن القبائل كانت تنتخب زعماءها، و إن كان ليس بصناديق الاقتراع والأصوات، وإنما بالنقاش المفتوح و الاتفاق فيما بينهم.. فهذه الممارسة التي أرسيت بطريقة نزيهة منذ القدم هي التي خلقت المدنية في الجنوب.. و نحن نؤمن أن تلك الممارسات كانت ديمقراطية بحق و من السهل بعد فك الارتباط إدخال إجراءات انتخابية أكثر رسمية من تلك..حتى لا نكرر الطرق غير الديمقراطية التي شابت نظام الجنوب السابق ،وكذلك تكرار الاتفاقيات التي حصلت بين دولة الجنوب ودولة الشمال قبل وبعد إعلان الوحدة. ونعتقد انه كان هناك سوء فهم من قبل نظام صنعاء لاتفاقيات الوحدة، لذلك يتحتم علينا أن نذكر:
أولاً: أن دولة الجمهورية العربية اليمنية بعد توقيع إعلان الوحدة ليست لديها أية سلطات فيما يتعلق بدولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، أي أن تلك الاتفاقيات لم تمنح دولة الشمال حكم دولة الجنوب.
ثانياً: إن بعض الوزارات التي اندمجت بالمناصفة و بالرغم من امتلاكها لما يسمى ( سلطات مشتركة) للنظر في بعض القضايا الثانوية ، إلا أن هذه في الحقيقة سلطة لم تستخدم أبداً في الفترة من 90م – 1994م لا في الشمال ولا في الجنوب .. حيث ظلت كل دولة تحكم شعبها تماماً كما كان قبل إعلان الوحدة عام 1990م.. و إن تسيير أمور الحكومة من خلال (السلطة المشتركة) بين الشماليين والجنوبيين داخل كل وزارة كان يستحيل استخدامها نيابة عن مؤسسات الدولة السابقة القائمة في الجنوب أو القائمة في الشمال .. و في الواقع فإن كل نظام من النظامين كان يسيطر على وطنه و كيانه السابق.. و على كل ناحية من نواحي الحكم، أي أن دولة الجنوب ظلت تحتفظ بالسيادة على أراضيها حتى يوم 7/ 7/ 1994م عندما دخلت القوات القبلية العسكرية الشمالية إلى عدن.
وكمثال على ما نقصده، حتى ممكن أن يكون مثال خارجي، فإننا نريد أن نذكر أن احتلال العراق للكويت قد أحدث أول فراق سياسي بين طرفي الوحدة - الشمال والجنوب -. حيث كانت للشعب الجنوبي وجهة نظر قوية حول هذا الاحتلال الدموي الذي احدث سابقة خطيرة في الوطن العربي.. و قال البيض حينها : " إن الشعب الجنوبي كانت له وشائج مع الشعب الكويتي لا يمكن أن نتسبب في قطعها" و كرس البيض جهود كبيرة للتأثير على الرئيس علي عبد الله صالح وقد نجح في الحد من اندفاع صنعاء لمساندة العراق عسكرياً رغم أن القيادة الجنوبية كانت تعيش بين سندان الوحدة و مطرقة الغزو العراقي للكويت.
والنقطة الأخرى، نريد أن نؤكد فيها شيئاً عن وضع الجنوب وعدن خاصة.. إن عدن هي الآن تعاني من بطش وتغيير ديموغرافي واسع و رغم وجود المكاتب الحكومية شكلياً إلا أنها تخضع لحكم الأجهزة الأمنية.. و إنه لا شيء يعمل من أجل سكان عدن، و ما يقال غير ذلك فهو بعيد جداً عن الصدق. وقد حدث تقدم في مد الطرقات والكهرباء والمياه إلى المستوطنات السكنية و الزراعية التي يمتلكها المتنفذون الشماليون بعد طرد الملاك والسكان الأصليين منها بالاستعانة بالأمن المركزي والجيش.
ذا فالقضية الجنوبية من خلال ما ذكرناه تبدو واضحة في حد ذاتها.. و شعب الجنوب من خلال "المسيرات المليونية" أظهر رغبة في أن يروا المجتمع الدولي والجامعة العربية تطبقان قرارا ملزما لنظام صنعاء من شأنه جعل حرب 94م حرب غير شرعية، و أن تطبق القرارات التي اتخذت بشأن احتلال العراق للكويت على الجنوب، هذا ما حصل منها فعلاً عام 1994م قبل أن تستولي القوات القبلية والعسكرية على الجنوب و بعده.. و بقدر كون الجنوب كانت تديره دولة متمتعة بالعضوية في الجامعة العربية والأمم المتحدة و بكافة الهيئات الدولية، و هي دولة وافقت دون استفتاء شعبي على الدخول بشراكة مع دولة جارة أخرى وفشلت هذه الشراكة.. فإننا نعتقد إن واجب المجتمع الدولي والجامعة العربية تناول هذه القضية بجدية و بأنه يجب تأكيد حق شعب الجنوب في فك الارتباط وتحقيق الاستقلال.
__________________


محمد مظفر العولقي(حيد صيرة) غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس