عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-06-04, 09:01 PM   #1
قمة ثمر
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2008-04-12
المشاركات: 321
افتراضي كلمة إلى الأعوان والجلاوزة والظلمة نقل محمد عبد الله الصلاحي 4/6/2008م

كلمة إلى الأعوان والجلاوزة والظلمة نقل محمد عبد الله الصلاحي 4/6/2008م

من طبائع الاستبداد ألا يثق المستبد بذوي الكفاءة من مرءوسيه، وأن ينفر منه كل مخلص شريف ولا يحيط به إلا كل أفاك أثيم، فيزيدونه فسادا على فساده يزينون له الباطل ليستفيدوا من باطله ثم ينتقل الفساد إلى كل أجزاء الجسد؛ فالفاسد لا يريد الشريف لأن مجرد وجوده سيفضح باطله وسيكون شاهدا على فساده؛ فيعمل على إبعاده ولا يدني منه إلا الفاسدين أمثاله. وهكذا ينخر الفساد كالسوس في المجتمع كله، ويبتعد الفضلاء عن السياسة حتى لا يكونوا بين أمرين أحلاهما مر: إما أن يشتركوا في الفساد أو يغضوا الطرف عنه وهم آثمون في الحالين.

والاستبداد قرين الفساد، والفساد لا يزدهر إلا مع الاستبداد ذلك لأن المستبد محروم من الاستفادة من نتاج الآراء وخبرة الخبراء محروم من الاستمداد من قرائح العلماء وأنوار الفضلاء. فإذا فسد الحكم فسد المجتمع كله. قال صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي؛ إلا كان من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره؛ ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن؛ وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (مسلم من حديث ابن مسعود).

إن المسلم يجب أن يكون عونا على الحق وأن يتعاون مع غيره لإقامة الحق: ]وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان[ (2/ المائدة) فإذا لم يستطع فلا يكون عونا للباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" (متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري). ولذلك نهى المولى سبحانه وتعالى عن معاونة الظالمين فقال في الكتاب العزيز: ]قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين[ (17/ القصص). بل قد حذر المولى سبحانه وتعالى من مجرد الركون إلى الظالم: ]ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون[ (113/ هود)، هذا الوعيد لمجرد الميل إلى الظالم فما بالك بالظالم نفسه؟ ماذا يكون مصيره؟.

ومن هنا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من تولي أعمال معينة تكون بمثابة إعانة للظالمين فقال: "يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة؛ فمن أدرك منكم ذلك فلا يكونن لهم جابيا ولا عريفا ولا شرطيا". (أبو بكر الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد) لأن هذه الأعمال مرتبطة بظلم الناس؛ فجباة الأموال للظلمة يجبون الأموال بغير حقها وتُصرف في غير حلها، والعريف يمكن أن يكون الشرطي السري أو المُخبر وهذا يفتش عن أسرار الناس ويتجسس عليهم لغير مبرر شرعي، والشرطي لأن الشرطة في الأصل في خدمة العدالة؛ فإذا كان الجهاز الحاكم قائما على الظلم تكون حينئذ أداة الظالم. أي أن التعامل مع أمراء الجور وولاته سواء بتولي الوظائف أو بغيرها من الأعمال يجب أن يكون في نطاق الشرع وبهدف تخفيف الظلم إن لم يمكن رده، وبشرط عدم المشاركة في التصرفات الجائرة من التعرض لأموال الناس وأعراضهم ودمائهم؛ لأن الفارق بين الإمام الحق وإمام الجور أن طاعة الإمام الحق واجبة في غير معصية الله لقوله صلى الله عليه وسلم: "على المرء المسلم السمع والطاعة في منشطه ومكرهه ما لم يؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".(مسلم وأحمد، والنسائي بنحوه من حديث أبي هريرة). وأما ولاة الجور فطاعتهم في المعروف فقط وبالقدر الذي يحفظ تماسك المجتمع، وبعبارة أخرى إن الاعتراف بقدر من الشرعية لولاة الجور لا يسوغ للمسلم أن يكون من أعوان الظلمة مثل الجابي والشرطي والعريف.

ومن هنا كان فساد الأمراء بفساد العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "إنكم سترون من بعدي أثرة وأمورا تنكرونها" قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "أدوا إليهم حقهم واسألوا الله حقكم". (البخاري والترمذي من حديث ابن مسعود). وقوله لكعب بن عُجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء" قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون من بعدي لا يهتدون بهديي، ولا يستنون بسنتي؛ فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ولا يردون على حوضي. ومن لم يصدقهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي. يا كعب بن عجرة الناس عاديان مبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" (أحمد من حديث كعب بن عجرة).

ليس من حق من بيده إصدار القرار؛ أن يأمر بما اعتبره الشرع معصية، وليس من واجب المأمور أن يطيع أمرا يخالف أمر الله ورسوله؛ لقوله تعالى: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينــًا( (36/الأحزاب) وقوله: )وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ( (151/الشعراء) وقوله: )وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا( (28/الكهف). ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" (أحمد والحاكم

التعديل الأخير تم بواسطة قمة ثمر ; 2008-06-08 الساعة 11:33 PM
قمة ثمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس