عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-23, 08:55 AM   #1
ياسر السرحي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-13
الدولة: احشاء الجنوب
المشاركات: 10,767
Wink إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الله أَشكو مِن عَوادِي النَّوَى سهما*** أصابَ سويداءَ الفؤادِ وما أصمَى
من الهاتكاتِ القلبَ أوَّلَ وهلة ٍ*** ومَا دَخَلَتْ لحماً، ولا لامستْ عظما
تَوَارَدَ والنَّاعِي، فأَوْجَسْتُ رَنَّة ً*** كلاماً على سمعي ، وفي كبدي كلما
فما هتفا حتى نزا الجنبُ وانزوَى*** فيا وَيْحَ جَنْبِي! كم يَسيلُ؟ وكم يَدمَى ؟
طَوَى الشرقَ نحوَ الغربِ، والماءَ للثَّرَى*** إليَّ ، ولم يركبْ بساطاً ولا يمَّا
أبانَ ولم ينبسْ ، وأدَّى ولم يفهْ*** وأدمى وما داوى ، وأوهى وما رمَّا
إذا طويتْ بالشهبِ والدُّهمِ شقة ٌ*** طَوَى الشُّهْبَ، أَو جاب الغُدافِيَّة َ الدُّهْما
ولم أَرَ كالأَحداثِ سهماً إذا جرَتْ*** ولا كالليالي رامياً يُبعِدُ المَرْمَى
ولم أَرَ حُكماً كالمقاديرِ نافذاً*** ولا كلقاءِ الموتِ من بينهما حتما
إلى حيثُ آباءُ الفتى يذهبُ الفتى*** سَبيلٌ يَدينُ العالَمون بها قِدْما
وما العيشُ إلا الجسمُ في ظلِّ روحهِ*** ولا الموتُ إلا الرُّوحُ فارقَتِ الجِسما
ولا خلْدَ حتى تملأَ الدهرَ حِكْمة ً*** على نزلاءِ الدهرِ بعدكَ أو علما
زجرتُ تصاؤيفَ الزمانِ ، فما يقعْ*** ليَ اليومَ منها كان بالأمس لي وهما
وقدَّرتُ للنعمانِ يوماً وضدَّهُ*** فما اغترَّتِ البوسى ، ولا غرَّتِ النَّعمى
شربتُ الأَسى مصروفة ً لو تعرضتْ*** بأَنفاسِها بالفمِّ لم يستفِقْ غَمَّا
فأَتْرِعْ وناوِلْ يا زمانُ؛ فإنما*** نديمكَ سقراطُ الذي ابتدعَ السمَّا
قَتلتُكَ، حتى ما أُبالِي: أَدَرْتَ لي*** شهيدة ِ حربٍ لم تُقارِفْ لها إثما
مُدَلَّهة ٍ أَزكى مِنَ النارِ زَفْرَة ً*** وأنزهِ منْ دمعِ الحيا عبرة سحما
سقاها بَشيرِي وهْيَ تَبكِي صَبابة ً*** فلم يَقْوَ مَغناها على صَوْبِهِ رَسْما
أَسَتْ جُرحَها الأَنباءُ غيرَ رَفيقة ٍ*** وكم نازعٍ سهماً فكان هو السَّهما!
تغارُ على الحمَّى الفضائلُ والعلا*** لما قبَّلتْ منها ، وما ضمَّتْ الحمَّى !
أكانت تمنَّاها وتهوى لقاءها*** إذا هي سَمَّاها بذي الأَرض مَنْ سَمّى ؟
أَلَمَّتْ عليها، واتَّقتْ ثمراتِها*** فلمَّا وقوا الأسواءَ لم ترها ذمَّا
فيا حسرتا أَلاَّ تراهم أَهِلَّة ً*** إذا أَقْصَرَ البدرُ التمامُ مَضوْا قُدْما!
رياحينُ في أنف الوليِّ ، وما لها*** عدوٌّ تراهم في معاطسهِ رغما
وألاَّ يطوفوا خشَّاً حولَ نعشها*** ولا يُشبِعوا الركنَ استلاماً ولا لَثْما
حلَفْتُ بما أَسلَفْتِ في المهد مِنْ يَدٍ*** واوليتِ جثماني من المنَّة ِ العظمى
وقبرٍ مَنُوطٍ بالجلال مُقَلَّدٍ*** تليدَ الخلالِ الكثرَ ، والطارفَ الجمَّا
وبالغادياتِ الساقياتِ نزيلهُ*** ولا رُمْتُ هذا الثكلَ للناس واليتما
ولم يكُ الطيرِ بالرقّ لي رضاً*** فكيف رضائي أَن يَرَى البَشَرُ الظُّلما؟
ولم آلُ شُبّانَ البريّة ِ رِقَّة ً*** كأن ثمارَ القلب منْ ولدي ثمَّا
وكنتُ على نهجٍ من الرأي واضحٍ*** أرى الناس صنفينِ : الذئابَ أو البهما
وما الحكمُ إلا أولي البأسِ دولة ً*** ولا العدلُ إلا حائطٌ يعصمُ الحكما
نزلْتُ رُبَى الدنيا، وجَنّاتِ عَدْنِها*** فما وَجَدَتْ نفسي لأَنهارها طعما
أُرِيحُ أَرِيجَ المِسْكِ في عَرَصاتِها*** وإن لم أُرِحْ مَرْوانَ فيها ولا لَخْما
إذا ضحكتْ زهواً إليَّ سماوها*** بكيتُ النَّدى في الأرض والبأسِ والحزما
أطيفُ برسمٍ ، أو ألمُّ بدمنة ٍ*** أَخال القصور الزُّهر والغُرَفَ الشُّما
فما برحَتْ من خاطري مصرُ ساعة ً**** ولا أَنتِ في ذي الدارِ زايَلْتِ لي هَمّا
إذا جَنَّنِي الليلُ کهْتَزَزْتُ إليكما*** فجنحا إلى سعدى ، وجنحا إلى سلمى
فلما بدا للناس صُبْحٌ من المُنَى*** وأَبصرَ فيه ذو البصيرة ِ والأَعمى
وقرَّتْ سيوفُ الهندِ، وارتكز القَنا*** وأَقْلَعَتِ البَلْوَى ، وأَقْشَعَتِ الغُمَّى
وحَنَّتْ نواقيسٌ، ورَنّتْ مآذنٌ*** ورَقَّتْ وجوهُ الأَرضِ تَستقبلُ السلمى
أتى الدهرُ من دونِ الهناءِ، ولم يزلْ*** ولوعاً ببنيانِ الرجاءِ إذا تمّا!
إذا جال في الأعيادِ حلَّ نظامها*** أَو العُرسِ أَبْلى في معالمه هَدْما
لئن فاتَ ما أمَّلته من مواكبٍ*** فَدُونَكِ هذا الحشدَ والموكبَ الضَّخما!
رثيْتُ به ذَات التُّقى ونظمتُه* **لعنصره الأَزكى وجوهرِهِ الأَسمى
نمتكِ مَناجيبُ العُلا ونمَيْتِها* **فلم تلحقي بنتاً ولم تسبقي أُمّا
وكنتِ إذا هذي السماءُ تخايلتْ* **تواضعتِ، لكنْ بعد ما فُتِّها نجما
أتيتُ به لم ينظم الشِّعر مثله* **وجِئْتِ لأَخلاق الكرامِ به نَظما
ولو نهضَتْ عنه السماءُ، ومَخَّضَتْ* **به الأرضُ كان المزنَ والتبرَ والكرما!



احمد شوقي
__________________
حب الجنوب العربي الحر الآبي يجمعنا
ياسر السرحي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس