عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-10-06, 02:38 PM   #22
نبيل العوذلي
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2007-10-06
المشاركات: 885
افتراضي متابعة 21

.
قلنا: الكلام في حصول تلك الأجزاء النارية كالكلام في الأول، فإن قلتم: إنا نرى من رش الماء على النورة المطفأة تنفصل منها نار، وإذا وقع شعاع الشمس على البلورة، ظهرت النار منها، وإذا ضربنا الحجر على الحديد، ظهرت النار وكل هٰذه النارية حدثت عند الاختلاط، وذلك يبطل ما قررتموه في القسم الأول أيضاً.
قال المنكرون: نحن لا ننكر أن تكون المعاكّة الشديدة محدثة للنار، كما في ضرب الحجارة على الحديد، أو تكون قوة تسخين الشمس محدثة للنار، كما في البلّورة، لكنا نستبعد ذلك جداً في أجرام النبات والحيوان، إذ ليس في أجرامها من الاصطكاك ما يوجب حدوثَ النار، ولا فيها من الصفاء والصقال ما يبلغ إلى حد البلورة، كيف وشعاع الشمس يقع على ظاهرها، فلا تتولد النار ألبتة، فالشّعاع الذي يصل إلى باطنها كيف يولد النار
الوجه الثاني: في أصل المسألة: أن الأطباء مجمعون على أن الشرابَ العتيقَ في غاية السخونة بالطبع، فلو كانت تلك السخونة بسبب الأجزاء النارية، لكانت محالاً إذ تلك الأجزاء النارية مع حقارتها كيف يعقل بقاؤها في الأجزاء المائية الغالبة دهراً طويلاً، بحيث لا تنطفىء مع أنا نرى النارَ العظيمة تطفأ بالماء القليل.
الوجه الثالث: أنه لو كان في الحيوان والنبات جزءٌ ناري بالفعل، لكان مغلوباً بالجزء المائي الذي فيه، وكان الجزء الناري مقهوراً به، وغلبة بعض الطبائع والعناصر على بعض يقتضي إنقلاب طبـيعة المغلوب إلى طبـيعة الغالب، فكان يلزم بالضرورة انقلاب تلك الأجزاء النارية القليلة جداً إلى طبـيعة الماء الذي هو ضد النار.
الوجه الرابع: أن الله سبحانه وتعالى ذكر خلق الإنسان في كتابه في مواضع متعددة، يخبر في بعضها أنه خلقه من ماء، وفي بعضها أنه خلقه من تراب، وفي بعضها أنه خلقه من المركب منهما وهو الطين، وفي بعضها أنه خَلَقَه من صَلصال كالفخار، وهو الطين الذي ضربته الشمس والريح حتى صار صلصالاً كالفخار، ولم يخبر في موضع واحد أنه خلقه من نار، بل جعل ذلك خاصية إبليس. وثبت في «صحيح مسلم»: عن النبـي قال: «خلقَت المَلاَئكَة من نورٍ، وخلقَ الجَانّ من مَارجٍ من نَارٍ، وخلقَ آدَم مما وصفَ لَكم»، وهذا صريح في أنه خلق مما وصفه الله في كتابه فقط، ولم يصف لنا سبحانه أنه خلقه من نار، ولا أن في مادته شيئاً من النار.
الوجه الخامس: أن غاية ما يستدلون به ما يشاهدون من الحرارة في أبدان الحيوان، وهي دليل على الأجزاء النارية، وهذا لا يدل، فإن أسباب الحرارة أعمّ من النار، فإنها تكون عن النار تارة، وعن الحركة أخرى، وعن انعكاس الأشعة، وعن سخونة الهواء، وعن مجاورة النار، وذلك بواسطة سخونة الهواء أيضاً، وتكون عن أسباب أخر، فلا يلزم من الحرارة النار.
قال أصحاب النار: من المعلوم أن التراب والماء إذا اختلطا فلا بد لهما من حرارة تقتضي طبخهما وامتزاجهما، وإلا كان كلٌّ منهما غير ممازج للآخر، ولا متحداً به، وكذلك إذا ألقينا البذرَ في الطين بحيث لا يصل إليه الهواء ولا الشمس فسد، فلا يخلو، إما أن يحصل في المركب جسم منضج طابخ بالطبع أو لا، فإن حصل، فهو الجزء الناري، وإن لم يحصل، لم يكن المركب مسخناً بطبعه، بل أن سخن كان التسخين عرضياً، فإذا زال التسخين العرضي، لم يكن الشيء حاراً في طبعه، ولا في كيفيته، وكان باردا مطلقاً، لكن من الأغذية والأدوية ما يكون حاراً بالطبع، فعلمنا أن حرارتها إنما كانت، لأن فيها جوهراً نارياً
نبيل العوذلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس