عرض مشاركة واحدة
قديم 2023-07-16, 03:56 AM   #29
علي المفلحي
عضو مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-22
الدولة: جمهورية الجنوب العربي
المشاركات: 41,847
افتراضي

الحائز على جائزة العر التقديرية لهذا العام:
المهندس عبد الحكيم أحمد سيف المفلحي
---------------
#علي_صالح_الخلاقي:

بما أن صديقي عبدالحكيم المفلحي لا يستسيغ مخاطبته بلقب (الشيخ)، وهو سليل بيت مشيخة المفلحي أباً عن جد، فأنني مجاراةً لرغبته في التخاطب معه أكتفي بلقبه العلمي (المهندس) الذي حصل عليه في مجال النفط بجدارة، مثلما حاز بجدارة واستحقاق على جائزة العر للإبداع وخدمة المجتمع (التقديرية) التي مُنحت هذا العام للمرة الأولى له شخصياً مع الدرع التذكاري لمبادرته القيّمة في إعادة ترميم بيت الشيخ في الجُربة –حاضرة مكتب المفلحي على النمط المعماري اليافعي الأصيل، وأعلن عنها يوم الجمعة الماضي في مهرجان الموسطة –يافع التراثي ضمن ثلاثة آخرين من الفائزين بجائزة العر للإبداع وخدمة المجتمع لهذا العام 1444هـ/ 2023م.
ولمن لا يعرف "بيت الشيخ" فهو الاسم الذي يُعرف به ذلك الحصن الشامخ الذي يمتد عمره حوالي سبعة قرون مضت، ويتوسط "الجُربَة" العريقة، على مقربة من المسجد الجامع القديم ، وكان بمثابة مقر الحُكم والتَّحكيم في العهد القبلي، الذي أدارت وحكمت فيه يافع نفسها بنواميسها وأعرافها وأسلافها الخاصة.
بعد الاستقلال صُودر هذا القصر، مثل غيره من بيوت المشايخ والسلاطين، وغادره ساكنوه إلى المهجر أو إلى مساكن جديدة، فغادر والده الشيخ أحمد سيف عبد الله المفلحي، رحمه الله، مكرهاً مسقط رأسه بفعل تلك السياسة المتطرفة التي طالت المشايخ والسلاطين، واستقر به المقام في بلاد زايد الخير، وتحديداً في أبو ظبي، وهناك حصل مع أولاده على المواطنة الإماراتية، وظل يحمل في قلبه ووجدانه مجد أجداده العريق، وحينما بلغه ما آل إليه حصنهم التاريخي من مآل بفعل الاهمال، الذي ترك بصماته المؤلمة على بعض واجهاته التي غزتها التشققات حتى كاد بسببها أن يتداعى وينهار، أوصى -قبيل وفاته- إلى نجله المهندس عبدالحكيم، تدارك القصر قبل أن ينهار، قائلا له:"يا عبد الحكيم إذا سقط البيت ستسقط رؤوسنا والأمل فيك وفي الشباب أمثالك".
كانت تلك الوصية شرارةً أوقدت عزيمة المهندس عبدالحكيم وقدَحت زناد فكره، وبعد أخذ ورد مع أبناء الأسرة، لعظم التكاليف الباهظة للهدم وإعادة البناء، تردد وتخوف معظمهم ووقف آخرون موقف المتفرج، رغم ان الهدف كان مشتركاً لهم جميعاً، ويحفظ هوية الأسرة وأصالتها ومجدها العريق التي تتحدث عنه حجارة حصنهم الشامخ بنقوشه الباذخة، وخشيتهم جميعاً من أن تنهار الواجهات والأركان، فيصبح الدار في خبر كان، مجرد كومة أحجار، خاوية على عروشها. فلم يكن أمامه في هذا المقام سوى الإحجام أو الإقدام في هذا الأمر الهام..ولأنه غيور على مجد الأسلاف فقد اختار الإقدام منفرداً للقيام بهذه المهمة الكبيرة والعظيمة، وتحمل على عاتقه كل تكاليفها الباهظة.
استعان ببنائين مَهَرة من أبناء المنطقة لإعادة ترميم البيت، بنفس هيئته وبحجارته للحفاظ على هيئته الأصلية، واستغرقت عملية الترميم عدة سنوات ومرت بمراحل عديدة، بدأت بوضع الخطة المدروسة واختيار المقاول الماهر، ثم بدأ العمل الفعلي بهدم الدور الخامس بالكامل حيث تتموضع "الديام" ببنائها العشوائي وبحجارتها غير المترابطة التي أثقلت كاهل البيت وتسببت بتصدع واجهته وبروز شرخ كبير فيها يمتد من القاع حتى السطح (الجبا) كان ينفذ من خلاله الضوء. ثم هُدمت الواجهة المكرّشة حتى وصل الهدم الى الأساس مع الاحتفاظ بأركانها لتظل مستقيمة، ونفس الأمر تكرر في الواجهة الأخرى.
تلى ذلك مراحل البناء وهي الأهم بدءاً بعمل جسر خرساني يمر على مدار قاعدة البيت من الخارج لحمايته من الهبوط وتحمُّل ثقل البيت، كما وضعت موائد خرسانية وأعمدة من الداخل لتربط البناء السليم المتبقي بالجديد الذي أعيد بناءه، وتم حفر أخاديد في بطانة الجدران الداخلية لتمر فيها الأعمدة الخرسانية لربط البناء القائم بالجديد، واستمر البناء كذلك في كل دور بنفس الحجارة حتى الدور الخامس، وتم إعادة بناء أسقُف الغرف المهدومة من الصلأ والاخشاب القديمة واستبدال التالف منها بنفس نسق القديم، وكذا تجديد النوافذ الخشبية بنفس شكلها ونقوشها المحفورة في صميم الخشب، وزُينت واجهات البيت الخارجية بزخارف ونقوش ثرية ومتنوعة الأشكال من حجارة (المَرو) بحيث تبدو الآن آية للناظرين أشبه بالقلائد الفضية التي تُزَيِّن جِيْد الحسناوات.
وفي الداخل جرى عملٌ كبير أيضاً تمثل بترميم الجدران الداخلية بمواد محلية، ولم يُستخدم الاسمنت إلا في حدود ضيقة، كما تم تجهيز القصر كاملاً بشبكة أسلاك الكهرباء والطاقة الشمسية والصرف الصحي والمياه وجميعها بشكل مخفي بما في ذلك المفاتيح والمقابس، ووضعت لمبات الإضاءة داخل فوانيس قديمة تحفظ المنظر والشكل القديم للناظر إليها من الداخل، وتم زخرفة جدران الغرف بأشكال أبدعت برسمها الفنانة التشكيلية المبدعة، ابنة الأسرة (نادية المفلحي) بريشتها الذهبية بما يتناغم مع التقاسيم والنقوش الأصيلة، فأضفت بذائقتها الفنية جمالاً آسراً للناظرين يخلب الأباب ويبهج النفس.
وهكذا تمت عملية إعادة البناء للواجهات والغرف وكل التفاصيل كما كانت عليه في السابق، بما في ذلك المنظرة بنافذتها الكبيرة مع المسنح، كما أحاط القصر بسور بديل عن الأحواش القديمة بنفس الحجارة فبدى بزخارفه ونقوشه من المرو متناغماً مع بناء وزخارف البيت وكأنه جزءٌ حميم منه.
وأقول لصديقي المهندس الغيور على التراث: مثلما استحدثت السور البديل ببنائه المتناسق مع القصر بزخارفه الجميلة عوضاً عن الجدران العشوائية التي كان عليها، قبل الترميم، حينما كانت وظيفته مأوى للأبقار والمواشي، فلا باس أيضاً بأن تتوّج القصر بالتشاريف فهي جزء أصيل في إرثنا المعماري الفريد، وسيبدو القصر أكثر روعة وبهاءً وسموقا حينما تعلوه أكاليل المجد المشرفة. لا سيما وقد أصبح صالحا للسكن وجاذباً للأنظار أناء الليل وأطراف النهار، بعد أن أضاءت أنواره محيط الدار، وعادت إليه الحياة والحركة كعهده القديم..
وبقي أن نعرف أن المهندس النفطي عبدالحكيم المفلحي، من مواليد عدن ٤ ديسمبر١٩٦٣م ، وهو مواطن إماراتي، خريج بكالوريوس تكنولوجيا الالكترونيات من جامعة ولاية انديانا في الولايات المتحدة الامريكية. والتحق بالقطاع البترولي لشركة ادنوك البحرية منذ سنة ١٩٨٨ كمهندس متدرب في الآلات الدقيقة والتحكم في الحقول البحرية، وشغل عدة مناصب قيادية في المجال البترولي وإدارة الحقول النفطية البحرية لإمارة ابوظبي. وفي عام ٢٠١٨ انتقل الى المجال العسكري ليدير كبرى شركات الصناعات العسكرية المتخصصة في مجال الطيران في الامارات.وهو من عشاق تربية وركوب الخيل ومدرب معتمد من اتحاد الإمارات للفروسية ويملك عدداً من خيول القدرة والتحمل حيث يمارس هوايته في فترة تقاعده حتى يومنا هذا. وهو أب لستة ابناء وله عشرة أحفاد.
ورغم رغد العيش في موطنه الجديد، إلا أنه ظل على ارتباط حميم بتراث وأمجاد أسلافه وبذل بسخاء حتى أنقذ أثراً معمارياً فريداً كاد أن ينهار.
وبعد كل ذلك ألا يستحق هذا الرجل النبيل كل تكريم وتقدير، وما جائزة العر التقديرية التي منحتها له لجنة الجائزة برعاية آل بن شيهون الكرام وعلى رأسهم الفاضلين الأخ عبدالرحمن عبدالقوي بن شيهون رئيس الجائزة والاخ محمد حسين بن شيهون أمين عام الجائزة إلاّ عرفانا وتقديراً لمبادرته القيمة في ترميم ذلك الحصن الشامخ وإعادة الحياة إليه، حتى أصبح اليوم، كما كان سابقا ويظل إلى ما شاء الله، أبرز معالم (الجُربة) حاضرة مكتب المفلحي، وشاهداً على عظمة أسلافنا وعنواناً لهويتنا المعمارية الأصيلة وإرثنا الحضاري الفريد الذي ستتفاخر بها الأجيال..
ختاماً..تهانينا القلبية للصديق المهندس عبدالحكيم المفلحي بهذا التكريم الرفيع، ولأمثالك تُرفع القبعات، فقد رفعتم رؤوسنا بالحفاظ على مثل هذه القصور النائفة، والمعالم الأثرية الحضارية التي قصدها الشاعر بقوله:
هذه آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
والشكر والتقدير لأصحاب الجائزة الأهلية من آل بن شيهون على حسن الاختيار.

11يوليو2023م
__________________
استكمال الحوار الجنوبي الجنوبي
استكمال تحرير الأرض الجنوبيه
استكمال هيكلة
المجلس الانتقالي
والقوات المسلحه الجنوبيه
علي المفلحي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس