عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-07-25, 11:54 AM   #2
قناص الجنوب العربي
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-07-24
المشاركات: 1,364
افتراضي

وثيقة تاريخية حول القضية الوطنية الجنوبية.. بقلم: علي هيثم الغريب (2)


إن الثورة السلمية في عدن وأرياف الجنوب قاطبة قد أزالت شكوك ربما كانت لدى بعض دول الجوار حول القضية الجنوبية.. حيث وبعد الاعتقالات الكبرى التي تمت عام 2008م وقتل عشرات المواطنين وإنزال الأسلحة الثقيلة إلى عدن أتضح للعالم أن هذا النظام لا يؤمن بالديمقراطية التي التزم بها أمام المجتمع الدولي خلال حرب 1994م، خاصة وإن انتخابات عام 2003م البرلمانية والرئاسية والمحلية لعام 2006م قد أثبتت أن 82% من سكان الجنوب قاطعوها ولم ينل المنتخبون غير أصوات ما لا يزيد عن 20% من المسجلين في قوائم الانتخاب.. ولهذا طلب الرئيس تأجيل الانتخابات البرلمانية عام 2008م عندما رفض الجنوبيون لجان القيد والتسجيل، بل وقاموا بمصادرة صناديق الاقتراع. ورفض الشعب الجنوبي أن تقرر مصيره أصوات المدافع وأصوات الانتخابات المزيفة.
واليوم إن القضية الرئيسية لم تعد ما إذا كان يجب أو لا يجب أن تكون هناك انتخابات في الجنوب لأن شعب الجنوب قد رفض ذلك مسبقاً، ولكن المسألة المركزية الآن هي ما إذا كان الجنوب والشمال باتحاد كل منهما مع الآخر ينبغي أن يستمر أم لا ؟!. أي هل هناك رغبة لشعب الجنوب في الاتحاد مع الشمال؟. نقول: لا.. فما يوجد اليوم في الشمال تعصب أعمى وتحريض كبير ضد الجنوبيين يمكن يرتكب النظام من خلالهما مجازر شبيهة بمجازر رواندا ويمكن أن يحوّل المحتلين عدن إلى سراييفو الجزيرة العربية، خاصة وان هناك تعبئة رسمية متواصلة قد أظهرت "جيشاً حربياً" يُقذف به بوجه الجنوب.
وهنا يمكن الحديث عن الاتفاقيات التي أبرمت بين الدولتين في صنعاء وعدن لإدخال الجنوب في هذه المأساة، خاصة وان الرئيس علي عبد الله صالح بعد أن أعلن الحرب عليها اليوم بعد الانتفاضة الشعبية الجنوبية يعود من جديد للتمسك بها. فالاتفاق بين الرئيسين البيض وصالح بدأ باتفاق شفوي بينهما حول حقل جنة في شبوة الذي كان هذا الموقع سبب حروب الأئمة ضد الجنوب قبل ثورة سبتمبر 1962م حيث كان الأمام يحيى ومن بعده أبنه أحمد يطالبان بالعبر وجزء من شبوة ( وثائق تلك الاتفاقيات موجودة)، وبنفس الطريقة كان رئيس دولة الشمال يطالب بتقاسم حقل جنة النفطي بدلاً من الحرب، وهذا الاتفاق الشفوي أنما يتوخى من ورائه – أساساً – الحفاظ على وضع الحدود ألمرسمه بين الدولتين.
ولا يستطيع نظام صنعاء أن يخرج من هذا الوضع رغم هاجس القوة التي انتابته بعد حرب الأخوة في الجنوب عام 1986م، فأوحى للرئيس علي عبد الله صالح أن الاتفاق الذي تم مع الجنوبيين بشأن تقاسم حقل جنة النفطي يعني الاعتراف بالحدود ألمرسمه التي اعترف بها الأمام يحيى ومن بعده الأمام أحمد.. ولا يستطيع أن يقضي البطلان أي موقف يتخذ من قبل دولة الجنوب حول أمور تتعلق بالحدود أو الثروة أو الأرض، وعليه ولتدارك هذا الأمر أصبح التقرب من النظام الاشتراكي هو الطريق الأمثل لاحتواء قيادة الجنوب السياسية وضم أرضهم، فجاءت الاتفاقيات الوحدوية بين شريكي الوحدة كفخ للجنوب, وليس كمشروع وحدوي صادق يمكن أن يكون نموذج للوحدة العربية.
وهكذا فإن نظام صنعاء لم يترك شيئاً في تلك الاتفاقيات للصدفة، حتى إذا ما طالب الجنوبيون بإعادة دولتهم السابقة – كما حصل عام 1961م من قبل سوريا ومصر – فإن نظام صنعاء بإمكانه أن يعترض على هذا المطلب، وحتى إذا قام نظام صنعاء بحرب ضد الجنوب لضمه بالقوة فإن الحرب لن تكون بالمفهوم القانوني – حسب تصور حكام صنعاء – حرب بين دولتين، بل حرب أهلية داخل دولة واحدة.
بعد الحرب الطاحنة التي حدثت عام 1994م أصبحت الجنوب تابعه لنظام صنعاء سواء أراد أو لم يرد السكان أو الأنظمة العربية المجاورة المهددون مباشرة بوجود عدم الاستقرار في المنطقة.. وكما قال عبد الكريم الأرياني: "أن الجنوب ستبقى إلى الأبد ضمن الوحدة من أجل الاحتفاظ بالهيمنة من قبل السلطة الوحدوية على المصالح الاقتصادية في الجنوب" وأنه لواضح من نتائج حرب 1994م أن الأهداف الرئيسية لسياسة نظام صنعاء في الجنوب هي كالتالي:
أولاً: ضمان بقاء الجنوب تحت سلطة صنعاء.
ثانياً: تسهيل و توطيد السيطرة على ثرواته وأراضيه.
ثالثاً: إحداث تغيير ديموغرافي – سكاني للدفاع عن مصالح صنعاء و ردع أي خروج ضد هذه الأهداف.
وبإيجاز لقد عارض الشعب الجنوبي هذه المطامع التي تخدم مصالح سكان الجمهورية العربية اليمنية.. وأكثر من ذلك فإن ضم الجنوب بالقوة يقوي لغة الحرب بين العرب وإحداث الفوضى في الجزيرة العربية وعدم الاستقرار، وبسبب هذا فإن سكان الجنوب مناهضون بتصميم لا مثيل له في التاريخ لهذه الخطط البدائية, ومصممين على طرد المحتلين.
واليوم بعد أن ظلت الجنوب تحت الحكم الاستبدادي المتخلف لمدة 15عاماً (94م-2009م) وعلى امتداد تلك الفترة القصيرة من الزمن عمل الكثير جداً لنهب كل شيء في الجنوب له قيمة ولو كانت رخيصة جداً.. كانت الجنوب كلها هدفاً لحرب إبادة يشنها نظام صنعاء، إذ يجري يومياً القيام بإطلاق الرصاص الحي على الاحتجاجات السلمية والمواطنين، والاستيلاء على الأراضي والمزارع ونهب الآبار الارتوازية ودفنها وتحويلها إلى أراضي للبيع بالقطعة.. فيما ترك الآلف الناس مزارعهم واضطروا للجوء إلى المقاومة السلمية.. حتى لقد بلغ عدد من نهبت مزارعهم مائة ألف ونيف، معظمهم اليوم يعانون من الجوع والمرض.
ويعيش الجنوب إن حالة طوارئ التي لم تعلن رسميا حتى خلال عام الحرب ( 94م )- حتى لا تأخذ القضية الجنوبية مكانتها في المحافل الدولية.. والسجون تغص بالمعتقلين السياسيين الذين حرموا حتى من حق المقاضاة. أما من هم في المدن (عدن، المعلا، زنجبار، ردفان، الضالع) فقد أخضعوا لمعاملات وحشية وللتعذيب في السجون المركزية وسجون الأجهزة الأمنية وبعض الأماكن العامة (ملعب 22 مايو في عدن) والمعسكرات ( معسكر الأمن المركزي والمشاريع العسكرية والشرطة العسكرية), وخلال هذا العام أُلغي القبض على كثير من الأكاديميين والدكاترة والمحاميين والكتاب والصحفيين، إما لنشاطاتهم السياسية أو للاشتباه في كونهم مشاركين في الاحتجاجات الجنوبية أو يقرءون صحيفة "الأيام" أو يبيعونها في الأكشاك الرسمية أو يشاركون في التعليقات في الصحافة الالكترونية...
ولقد بدأت في أبريل 2009م موجة أخرى من الاعتقالات على نطاق واسع، ولم يعرف حتى الآن عن مصير بعض أولئك الذين قبض عليهم. وإنه ليوجد في سجون صنعاء أطفال رهائن تطالب السلطة آبائهم بتسليم أنفسهم.
وفيما يتعلق بالاعتصامات العامة الأخيرة في عدن (21 مايو 2009م ،7 / 7 / 2009م) فإن السلطات العسكرية أنزلت أسلحتها الثقيلة إلى داخل مديريات محافظة عدن (دبابات، مصفحات، دفاع جوي، أطقم عسكرية، سيارات همر عسكرية) لمساعدة الأمن المركزي المتهم بارتكاب أبشع المجازر في الجنوب، وقامت الأجهزة الأمنية العسكرية و المدنية بإلغاء القبض على حوالي ستة ألف متظاهر، وحولت نحو أربعمائة معتقل إلى سجون المحافظات المجاورة كما قتل وأصيب يوم 21 مايو 2009م أكثر من 100 مواطن على أيدي جنود السلطة.
وفي 23 يونيو 2009م ارتكبت أجهزة السلطة في زنجبار– أبين أبشع مجزرة عرفها الجنوب حيث راح ضحيتها 18 شهيداً و 87 جريح، وتُرك المصابين ينزفون في الشوارع ورفضت السلطة أنقادهم.. ومن استطاع الوصول إلى المستشفيات العامة رفض الأمن علاجهم.
ثم تبع ذلك مجزرة الضالع 24 يونيو 2009م، وقبلها مجزرة تشييع شهداء ردفان الأربعة يوم 9 يونيو 2009م (استشهدوا بين ابريل و مايو 2009م) حيث أطلق الأمن النار على المشيعين وسقط عدد من الشهداء والجرحى، و مجزرة عدن و المكلا – حضرموت يوم 7/ 7/ 2009م، و مجزرة الضالع يوم 30 سبتمبر 2009م ( مسيرة الغضب التي عمت كل الجنوب )، و يوم 16 أكتوبر 2009م أعلن قرار صادر عن وزارة الداخلية بمنع المظاهرات والاعتصامات، وهذا يعتبر القرار المائة لوزارة الداخلية طوال الثلاث السنوات الماضية، وشملت هذه القرارات القبض حتى على الذين يعتقد أنهم قدموا أي مساعدة للوطنيين، كما حدث في ساحة الهاشمي في عدن وفي مدينة زنجبار عندما فتح المواطنون منازلهم لإسعاف ومعالجة الجرحى.
إن سلطات صنعاء كانت قد بدأت في 7/ 7/ 1994م حينما استولت على عدن والمكلا بالقوة ثم راحت منذ ذلك الوقت تمد نفوذها إلى المحافظات الأخرى من خلال فرض ما يسمى بـ(أراضي الدولة) وحرية الاستيلاء عليها من قبل المتنفذين الشماليين مستعينة بالجيش والأمن.. ومنحت الشماليين – حتى لا يستنكروا هذه الجرائم – كثير من الأراضي ومزارع الجنوبيين، وتم فرض السلطات المحلية المزيفة ضد رغبات الشعب في الجنوب، واستغلت سلطات صنعاء الشعب وحالة دون كل تقدم، فأغلقت مستشفيات عدن الخمس واستبقت أثنين منها للقادرين على دفع ثمن العلاج والمعاينة.. وأغلقت العيادات التي كانت منتشرة في قرى محافظات الجنوب وكانت تمونها الدولة السابقة في الجنوب.. كما أنه لا توجد أية مستشفيات حقيقية في المحافظات الجنوبية تتبع الدولة.. فالسلطات في صنعاء تعتبر الجنوب ذات أهمية حيوية لمصالحها الاقتصادية والسياسية، فهي:
أولاً: حريصة على حماية الثروة النفطية والسمكية و المعدنية وتسخير مردودها لبناء الشمال.
ثانياً: تريد الاستمرار في السيطرة على الأراضي والمزارع والجبال وتوزيعها على مشائخ وعساكر الشمال لتأمين ولاءهم لها.
ثالثاً: تود الإبقاء على الجنوب كمصدر دخل وكسوق استهلاكية لتسويق منتجات التجار الشماليين فيها.
رابعاً: اعتبار شبوة وحضرموت وعدن مواقع هامة وضرورية لحماية ميزانية المؤسسات القبلية والعسكرية والتجارية الشمالية الحاكمة في الجنوب (ترفد هذه المناطق بـ 90% من ميزانية الدولة).
ومن أجل حماية هذه المصالح، استخدم نظام صنعاء القوة لقمع المقاومة السلمية، وبشكل رئيسي من خلال إطلاق النار من مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة على الاعتصامات السلمية، وما من محافظة أو مديرية أو قرية أو مدينة في الجنوب أُفلتت من هذه الجرائم التي يرتكبها النظام تحت سمع وبصر دول الجوار والجامعة العربية والأمم المتحدة ...
وتتمثل الوسائل الأخرى التي يستخدمها النظام لتمديد وجوده في الجنوب، في قمع المواطنين وحظر الصحف الجنوبية (لا توجد إلا صحيفتين "الأيام" و "الطريق").. ومنع الاعتصامات المنصوص عليها قانوناً، والإبقاء على حالة الطوارئ غير المعلنة بصورة دائمة خاصة في المدن الجنوبية.. وإقامة حكم مباشر على الجنوب من خلال الجيش والأجهزة الأمنية.
ولقد كان فرض ما تدعى بـ(مجالس السلطات المحلية) الذي خلقها النظام كسلطة صورية لضمان مصالحه مناورة أخرى من قبله – نظام صنعاء – وأن نصوص قانون السلطة المحلية رقم (4) لسنة 2001م أظهرت أنه كان خطوة إلى الخلف لا إلى الأمام، فوفقاً للمادة (19) من القانون لا تستطيع السلطة المحلية المنتخبة حماية الاعتصامات السلمية التي يطلق عليها الرصاص الحي من قبل قوات صنعاء العسكرية، ولا تستطيع توقيف الملاحقات ولا الاعتقالات التي يتعرض لها نشطا العمل السياسي، ولا تستطيع البث في الأراضي التابعة لها، وليست حتى سلطة منفذة لأوامر صنعاء، بل أن تنفيذ ما تريده السلطات في صنعاء يتم عبر الأجهزة الأمنية والعسكرية الشمالية المتواجدة في الجنوب.. ولا تستطيع القيام بأية ترتيبات تخص سكان المحافظة (أي ناخبيها ).. فالسلطة المحلية في الجنوب تنفذ أوامر نظام صنعاء...
ولقد اعتمد شعب الجنوب على الوسائل السلمية في طرح مطالبه من أجل فك الارتباط من دولة الجمهورية العربية اليمنية، ولكن النظام في صنعاء استخدم كل القوة المتاحة له لسحق مثل هذه الاحتجاجات السلمية.. وعليه فقد اضطر الشعب للرد على العنف بالمزيد من الحشود الشعبية الواسعة والسلمية وليس إلى الثورة أو العنف.. وكانت الانتصارات السياسية التي حققها الحراك الجنوبي السلمي هي إعادة 5% من المتقاعدين العسكريين إلى أعمالهم، وإخفاق خطة النظام في إحداث التغيير الديموغرافي في الجنوب – كان هذا مطلب عبد الوهاب الإنسي بعد الحرب -.. وتمكن شعب الجنوب من إماطة اللثام عن الأهداف الحقيقية لنظام صنعاء من وراء قيامه بحرب 1994م ضد الجنوب التي فشلت هي الأخرى...
علاوة على أن وثائق المنظمات الدولية الرسمية تبين من جانب آخر كم أصبحت بدائية و متخلفة الأوضاع السائدة في الجنوب، فالصحة العامة قد أُهملت لدرجة أن أصبح لدى محافظات الجنوب أحد أعلى معدلات وفيات الأطفال والمتقاعدين، وتفشت أمراض خطيرة ومزمنة كانت دولة الجنوب السابقة قد قضت عليها بشهادة المنظمات الدولية. أما التعليم فغير موجود عملياً إلا لتسجيل عدد الطلاب فقط.. في حين أن ما لا يزيد – في بعض مديريات الجنوب – عن نسبة أثنين بالمائة من السكان يواصلون دراستهم إلى الثانوية.
من جانب ثالث استمرت إجراءات القمع والقتل السياسي ضد المواطنين العزل، وارتكبت مجازر بعنف متصاعد راح ضحيتها المئات (مجزرة 27 أبريل 98م في حضرموت، مجزرة الضالع في 10/ 9/ 2007م، مجزرة الحبيلين 13 أكتوبر 2007م، مجزرة الهاشمي 21مايو 2009م وغيرها من عمليات إطلاق الرصاص على المواطنين الجنوبيين العُزل) التي راح ضحيتها المئات والآف المعتقلين.. ووصل أبناء الجنوب إلى قناعة أنه لا يمكن أن يكون هناك بالطبع أية مراجعة ممكنة للسياسة الشمالية.
ولقد حاول أبناء الجنوب في عام 2005م طرق باب الجامعة واستجداء حريتنا، وكنا نعتقد أن الجامعة العربية تستطيع عمل شيء، لكن في ذلك الوقت كان الحراك الجنوبي السلمي مازال عند مطالبه الحقوقية المشروعة رغم إن نظام صنعاء كان يقترف المذابح والتخريب والقتل والاعتقالات والمحاكمات.. فكانت تلك الجرائم ضد شعب الجنوب قد لفتت نظر واهتمام المنظمات الدولية قبل الجامعة العربية، وبدلاً من أن تقوم السلطات من معالجة مطالب الجنوبيين السلمية وبطريقة سلمية، تصرفت بعنف وارتكبت مجازر بشعة يندى لها جبين الإنسانية، وزج بكثيرين في سجون الجنوب والشمال.. وإن عدن وحضرموت لم تتعرضا للنهب والسلب فقط بل وللاضطهاد وقتل الكثيرين هناك، وتعرضت معظم مناطق الجنوب للقصف من قبل سلاح الدبابات والمدفعية، وقد قال رئيس هيئة الأركان العامة: "أن قصف تلك المناطق هو التصرف الوحيد المناسب للحفاظ على سلطة الوحدة اليمنية" والدول العربية والأجنبية لم تعرف شيء عن ذلك لأنه لا يسمح لأي مراسل بدخول تلك المناطق أو حضور الاعتصامات أو نقل تلك الحوادث والمجازر اللاإنسانية عبر القنوات الفضائية.
ولما كان لدينا الآن موقف من قبل الجامعة العربية – وإن كان ضبابي وخجول – إلا إننا نستطيع نحن الجنوبيين التمتع بحق مخاطبة المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة والجامعة العربية.. رغم أنه مازال هناك بعد الانطباع العام في الجنوب الذي عبر عنه العديد من أبناء الجنوب عبر شبكات الصحافة الالكترونية – كمصدر وحيد للجنوبيين بعد أن منعوا من منحهم إصدار الصحف بل أغلق النظام أكبر صحيفة في الجنوب واستخدام ضد أسرتها أبشع الجرائم من قتل ورمي القنابل على مبانيها وهي صحيفة "الأيام" – ذوي النية الحسنة في الجنوب والعالم، بأن الجامعة العربية لا تستطيع عمل شيء، وإلى حين يصبح الجنوب مثل صعده وحرف سفيان ومأرب، فأنها حينذاك فقط يمكن أن يحترم الجنوب.. وإن كان هذا مسلك الأمم المتحدة فنسأل الله ألا يكون هذا مسلك الجامعة العربية مهما كان مصالح بعض أعضاءها. فهذه النظرة يتحتم على الجامعة العربية إزالتها بأعمالها وسلوكها خصوصاً بالنسبة للجنوب.. لأن الجنوب المعروف عنه تاريخياً هو فوهة البركان فلا ترفعوا حرارته بصمتكم عن الجرائم التي ترتكب ضده من قبل نظام صنعاء.
إن الأمم المتحدة والجامعة العربية تستطيعان تطبيق القرارات السابقة التي أصدرتها عام 94م دون أن يكون ضرورياً أن تتحول الجنوب إلى دارفور أخرى.. وتدلل بأنها حريصة فعلاً على حياة الشعوب العربية وليس على الأنظمة التي ترتكب المذابح وتخرب الأنفس وتحطم النسيج الاجتماعي.. وأن تصون دماء الأطفال والنساء والشباب مثلما هي حريصة على صيانة دما الإنسان في أي بقعة كانت في المعمورة من الحروب الداخلية والتمزق.
وإن مناشدات الجنوبيين للمجتمع الدولي والعربي لا ينبغي أن تقود إلى التقليل من نضالهم السلمي – وهو النضال الوحيد اليوم في الوطن العربي والعالم الإسلامي – الذي يعم الجنوب كله.. إنه نضال سلمي من أجل ما هو حق وأن يكون مصير الجنوبيين بيدهم.
أن القضية الجنوبية واضحة جداً، وسهلة الاستيعاب أن كانت هناك إرادة دولية لمعالجتها. فالقضية هي قضية دولة دخلت بشراكة مع دولة جارة هي الجمهورية العربية اليمنية.. وفي عام 1994م شنت الدولة الجارة الحرب على الجنوب وأصبح الشعب هناك يعيش تحت حكم وسيادة الجمهورية العربية اليمنية.. بعد أن كانت دولة الجنوب عضواً في الجامعة العربية والمنظمة الإسلامية والأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الدولية.
والعالم يعرف جيداً بلداً صغيراً مثل الجمهورية العربية اليمنية بعدد كبير جداً من السكان وبمؤسسات مختلفة، وعدد ضخم من المشايخ والحدود القبلية ألمرسمه بينهم.. فهناك في الجمهورية العربية اليمنية نحو ثلاثة وعشرين دويلة قبلية وكل دويلة قبلية لها رئيس أو أكثر.. فهي خارجياً وحدة سياسية، لكنها داخلياً منقسمة إلى دويلات قبلية عديدة جداً، وكل واحدة مستقلة عن الأخريات. والنظام السياسي لكي يحظى بدعم هذه المكونات لابد أن يعمل لها ميزانية خاصة وقت السلم و ميزانية أخرى وقت الحرب.. تلك هي الحالة وهي حالة غريبة جداً...
وقد حاول نظام صنعاء أن يعمم هذا التقسيم القبلي على الجنوب بعد عام 94م لكي يسهل عليه إخضاع الجنوب عبر المشايخ، ولكن عندما فهم مشايخ الجنوب أنهم مقيدون ومربوطون ببيت المشيخه العليا في صنعاء وهم لا شيء أمام مشايخ صنعاء.. وأنهم مجرد عبيد بدون إرادة ذاتية، وملزمين بتنفيذ أوامر السلطة الأمنية والعسكرية وتوجيهات مشيخة صنعاء العليا.. وإن الثارات القبلية وزرع الفتن بدأت تصدّر إلى الجنوب وبدأت الأثوار والأبقار والأغنام تهجر و تذبح أمام محاكم عدن طلباً للصلح.. وظهرت أساليب لفرض الواقع المتخلف في الشمال على الجنوب وأصبح انعدام الدولة كأمر واقع، ومن يحاول أن يستنكر ذلك تسارع السلطات الشمالية إلى زج به في السجن أو توقيف راتبه أو قتله إذا كرر ذلك ...حينذاك أنضم اغلب مشائخ الجنوب للحراك السلمي.
وكانت هناك محاولات كثيرة من قبل أبناء الجنوب – خاصة المثقفين والكتاب {د-ابوبكر السقاف والمحامي علي هيثم الغريب وفاروق ناصر علي واحمد عمر بن فريد وغيرهم} للإفصاح عن رأيهم الرافض لهذه الهمجية، وكتبوا عدة مقالات وعرائض لكنهم واجهوا دائماً القسوة الأمنية والاضطهاد وكل أنواع القهر.. هؤلاء الكتاب والمحاميين الذين مثلوا التطلعات الوطنية الأولى وحركة الحرية في الجنوب قادوا مواطنيهم سلمياً.. وحاولوا بصورة مشروعة أن ينصحوا نظام صنعاء بأن أبناء الجنوب من حقهم أن يكونوا أحراراً على أرضهم.. وأن يطالبوا بدولتهم المسلوبة وبثروتهم المنهوبة وبأراضيهم المستباحة، وأنه ليس من حق نظام صنعاء أن يقاوم بطريقة مسلحة شعباً أعزل.. يناضل سلمياً من أجل استرداد سيادته.
إن أبناء الجنوب إذا ما تحققت مطالبهم وذلك بفك الارتباط فإن المجتمع الدولي سيرى بنفسه أنهم يريدون وجه جديد لدولتهم الجديدة وثقافة أساسها الإسلام والتاريخ والهوية واللحاق بركب التطور الإنساني وفي المساهمة في الرفاه والحضارة العربية والإنسانية.
نحن نريد فك الارتباط لا اتحاداً فدرالياً أو كون فدراليا.. نريد دولة الشعب تعود للشعب الجنوبي.. وشعب الجنوب له وحده أن يتمتع بحق تقرير مصيره النهائي، فهذه الوحدة الذي يريد نظام صنعاء أن يحافظ عليها هي وحدة وهمية مفرغة من مضامينها، مجردة من قيمها، والجنوبيون فيها محرومون من الحقوق السيادية ومن أية سلطة فعلية.. ويخضعون لنتائج حرب 1994م.
وإذا تحدثنا بطريقة عابرة لتوضيح الحالة النفسية للجنوبيين نقدر نقول بأسف أنه حتى الثروة التي يجنيها بعض أبناء الجنوب لمساندة نظام صنعاء في الجنوب وإعطاءه مسحة من الشرعية خارجياً فإنها – أي الثروة – لا تضفي على صاحبها أي احترام وسط أهل الجنوب، كما أن تعيين النظام السياسي لأحد الجنوبيين في وظيفة مهما كانت أهميتها لا تضفي أية هيبة حتى وإن كانت من أعلى الوظائف في الدولة. وهذا شيء طبيعي فالناس ترضخ للحياة التي يعيشونها، ولا يستطيع هؤلاء أن يفرضوا أي رأي أو سلطة حتى بين أقرب الناس إليهم.. ومنذ حرب 94م وحتى الآن لم تعثر السلطة على أي شخص مناسب يمكن أن يوافقها على جرائمها التي تنفذ في الجنوب أو مستعد للقيام بأعمال قمعية ضد أهله. فما الذي يمكن أن يجنيه الإنسان الجنوبي من وضع نفسه يوماً وسيطاً بين السلطات وبقية مواطنيه عدا مشاعر العداوة من قبل الطرفين؟!...
وأعتقد أنه خلال الانتفاضة الشعبية الجنوبية انتهت مثل هذه الورقة التي كانت تستخدم من قبل النظام بعد كل تمرد جنوبي، ثم أنه وبحكم الثقافة المدنية التي دخلت الجنوب منذ القرن الثالث عشر بواسطة الهجرات المتواصلة للجنوبيين إلى بلدان الأرخبيل الهندي وبريطانيا وأمريكا وغيرها ووجود دولة النظام والقانون بعد الاستقلال الوطني عام 1967م بغض النظر عن اختلافنا مع قوانين وإيديولوجية ذلك النظام شبه الاشتراكي.. فإن شعب الجنوب تربى على النظام والقانون.. وبعد أن قرر النظام السياسي إدخالهم بإتحاد مع دولة الجمهورية العربية اليمنية حرموا من جميع حقوقهم ليس من قبل جهاز الحكم في صنعاء بل وأيضاً من قبل الشعب الذي تعمدوا تجهيله في الشمال الذي لا يعرف أي حقوق له بسبب الأنظمة المذهبية والقبلية والعسكرية التي توارثت حكمه.. وأنكر على الجنوبيين في أن يكونوا أحراراً.. وسلبت كافة حقوقهم بما فيها الحقوق الثقافية والمدنية والسياسية والتاريخية، وحقهم بالتجمع (إطلاق الرصاص الحي عليهم) والتعبير(إغلاق الصحيفة الوحيدة في الجنوب التي تعبر عن ألآمهم ومطالبهم "صحيفة الأيام "). وهكذا فإن شعب الجنوب تعرض ؟لإبادة جماعية سارت وفق نهج منظم من قبل نظام صنعاء.
قناص الجنوب العربي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس