عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-07-25, 01:37 AM   #9
صقر الجزيرة
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2010-05-25
المشاركات: 17,893
افتراضي

هذا هو هشام ..... يا من لا تعرفون هشام!
هيثم الزامكي

الأربعاء 25 يوليو 2012 12:16 صباحاً



رسالة للجنوبيين المجتمعين في القاهرة

أكذب ان قلت اني لم احزن لفراق الكبير هشام باشراحيل, لكنني لا اكذب ان قلت ان شعور اخر خالط ذلك الحزن ولا اجد له من وصف فهو خليط من الحزن والفخر والامل تحتويه نفس مؤمنة بقضاء الله وقدره وحق الموت علينا جميعا.

من ذا الذي عرف هشام ولم يحبه؟ الا من سكن الظلم نفسه واعمته بصيرته عن رؤية الجمال الذي صبغ روحه الطاهرة وشخصيته الكارهة للظلم والتجبر, المحبة للحق والعدل, ولان الالفاظ تعجز عن ايفاء الراحل هشام ما يستحقه من الرثاء مهما بلغت مشاعر الحب فينا, فلن نجهد انفسنا كثيرا بالبحث عن تلك الالفاظ وترتيبها, وسنكتفي برسم صورتين فقط من مجموع البوم الصور الذي وثقته ذاكرتنا القصيرة في معرفة الراحل هشام والطويلة بما زادها هشام من ثراء روحه وتجربته رحمه الله.


الصورة الاولى: حين زرته في معتقله بدائرة الامن بمحافظة عدن, واتذكر يومها ما كان يدور في خاطري, قبل رؤية الوالد هشام والقيد في يديه, وكنت ادعو ربي ان يلهمني القوة لأحتمل هذا المشهد كي لا اضاعف دون شعور مني معاناة الوالد هشام, ويا لجهل خواطري! فعندما دخلت عليه وجدته كما عرفته وسميته (( جبل شمسان)), كانت قربة التغذية موصولة الى يده الشريفة, وبدت على وجهه علامات التعب من شدة المرض, لكن عيناه كانتا تتألقان ببريقهما المستمد من قلبه المؤمن الذي لا يخشى الا ربه, نظر صوبي وقد قرأ في عيني ما قرأ, وبلهجته العدنية الاصيلة قال لي: ((مالك... ارفع رأسك, لا تقلق... عمك هشام واقف)) احاديث كثيرة تبادلانها في ذلك اليوم المطبوع في ذاكرتي كإحدى الصور المخزونة للراحل هشام.

خرجت من عند العم هشام يومها وانا اردد في وجداني قصيدة الشاعر محمود درويش :

وقد فتَّشوا صدرَهُ، فلم يجدوا غير قلبهْ، وقد فتشوا قلبَهُ، فلم يجدوا غير شعبهْ، وقد فتَّشوا صوتَهُ، فلم يجدوا غير حزنهْ، وقد فتَّشوا حزنَهُ، فلم يجدوا غير سجنهْ، وقد فتَّشوا سجنَهْ، فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود...

الصورة الثانية: رغم بساطة هذه الصورة الا ان لها وقع كبير في نفسي وقد كان لها ايضا وقع اكبر في نفس الراحل هشام عندما اخبرته بها, وهي تتعلق بالصديق شيخ ناصر حين كنت اركب معه في سيارته وكانت المياه تبلل مقاعد السيارة وقد ملئها بخزانات الماء البلاستيكية او كما نسميها ((دبب)), وعندما سالته عن سبب ذلك البلل في السيارة تنهد بحرقة, وبصوت ما زال يرن صداه في اذني حتى اليوم اجاب حرفيا (( اه.... شفت كيف يا هيثم, من يوم وقفوا الايام وهم مستبدين بنا بالماء والكهرباء, راح الي كان يخوفهم)).

لا زالت ابتسامة العرفان والود التي اجاب بها العم هشام علي عندما حكيت له هذه القصة, رغم الظروف الصعبة التي مرت عليه, كانت هذه الاخبار تبهجه كثيرا, وقد قال لي يومها (( هذه هي ثروتنا الحقيقية يا اخي)).


نعم ايها الراحل هشام انها ثروة حقيقية لا يدرك قيمتها الا من كان لديه في قلبه بنك مفعم بمشاعر الحب, يقدم اعلى معدلات فائدة للحب, مثل قلب هشام باشراحيل رحمه الله.

هاتان فقط صورتان من البوم الصور الكثيرة المخزونة في وجداني للراحل هشام, صور للوفاء و للشجاعة ولمعاني كبيرة وعظيمة سكنت نفس الكبير هشام رحمه الله, وسوف نوثق منها في المستقبل ما استطعنا الى ذلك سبيلا.

لقد تركت سيرة هشام عبر ودروس لمن يريد الارتقاء بنفسه, ولقد جسد بسيرته الحافلة, العبارة التاريخية لمؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي, المفكر انطون سعادة: ((إن الحياة وقفة عز فقط)), لذا فالحزن على هشام يغلبه شعورا بان هشام رحل سعيدا راضيا, عاش كما اراد له ربه, بنفس حفظ لها كرامتها ورفعتها حتى عادت الى بارئها.

رحمك الله يا عم هشام كنت لنا نموذج ومدرسة, واليوم لا نملك اكثر من التمسك بمبادئك الا ان ندعوا لك بالرحمة, وان نضيفك الى احباءنا اللذين نقرأ لهم الفاتحة, ليغفر الله لهم ولنا ويجمعنا واياهم في جنانه, انه سميع مجيب.



* خاص عدن الغد


http://adenalghad.net/articles/3046.htm#ixzz21Zvnahhp
صقر الجزيرة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس