[العياشي اليافعي]

ما حدَّثَ ما أمضى خبرا .. لم يُبقِ الدهـرُ لنا أَثَـَرا
وكأنَّ اليومَ كيومِ غـدٍ .. دققْ في ما ذهب النـظَرَا
وطنٌ يبكي ماضٍ يطوى .. سكرٌ عينٌ أرقٌ وكَـرَى
آلامٌ أوجاعٌ جـرحٌ .. ودمٌ قد سال فكيف جَرَى
هل تدري كم ثكلى تبكي .. أم أنك لا تدري الخبَرَا
أم أنك تعشـق ما يُفنأ .. وتحب من الدنيا الكَدَرا
أنا لا أدري هل لا أدري .. أني أظهـرُ ما قد ظَهَرَ
أم استـرُ شيئاً تقشعُه .. شمسٌ للناس فما استَتَرَ
أم أني أكتبُ عن جرمٍ .. الأعمى يُبصرُه ويُـرَى
أنا لا أقتل نفسي بيدي .. لكن أفني نفسـي لِتَرى
صحـراءٌ ناسٌ جامدةٌ .. موتٌ لا تدري ما الخبَرَا
إنسٌ جنٌ أبداً ليسـوا .. أشباحاً لغزٌ كيف تَـرى
بابٌ مكسورٌ مفتـوحٌ .. ما أبقى الدهر لهم حَجَرَا
إبليـسٌ يقتـل إبليساً .. وكأن هناك، هنا اندثَـرَ
ماتوا وكأن الموت لهم .. رصّادٌ كيف ترى الصوَرَا
ماضٍ لا أذكـره أبداً .. وأعاتب من حولي القدَرَا
جيرانٌ أشبـاحٌ ودمٌ .. ليـلٌ لا نجماً لا قمَـرَا
سكناتٌ حركاتٌ تمضي .. شيءٌ يأتي أمسٌ حضرَ
لا أدري هذا كابوسٌ .. أم شيءٌ أحـدَثَهُ استتَرَ
حزنٌ تعقبُهُ أحـزانٌ .. تركتْ في أعماقـي أثَرَا
اعـذرني إنك في حلٍّ .. ما أبقى ما أعطى خـبَرَا
خيرٌ سيفكـرُ وسيأتي .. وسيأتي العام بما نَظَـرَ
صـدقني أتعبني عقلي .. أن لا أجني يوماً ثمـرا
انظرْ من حولك لا تنظرْ .. فأنا قد دققتُ النَّظَـَرَا
سترى من حولك أشباحاً .. عفواً لغزاً شيئاً خطـرَا
أنا لا أدري هل لا أدري .. قدرٌ موتٌ حلـمٌ قُبِرَ
شيطانٌ يمسح في وطني .. بيعٌ ثمنٌ وطنٌ حُجِـرَا
جلمودٌ يرقص في حزنٍ .. جلمود يعشق مؤتمَـَرَا
صـدقني أتعبني عقلي .. أحيي موتى أهوى حَجَرا
بلدٌ سكناتُ الموت به .. سكنتْ ملتْ صرختْ ضَجَرَا
زاويـةٌ ترفـضُ زاويةً .. ليلٌ يـرفض يوما قمرا
أعني ماذا يرفض ماذا! .. أعني قدرا يرفضُ قـدَرَا
أعني بيدي أهدم قدري .. حجرا حجرا حجرا حجرا
شيءٌ يحمل شيئاً فكما .. صغرى تحمل كبرى سَفَرَا
والشاطرُ من يحفظ درساً .. لا يتـرك في بلـدٍ أَثَرَا
أخـذ الخفاش يعلمنا .. سلماً حرباً مكراً وكَرَى
أوصانا أن نأخـذ منه .. والويل لمن يعصـي أَمَرَ
تاريخٌ كان لنا ربا .. يغمض عينيه كذا ويَرَى
أتـرون بـلادَ الله لمن!! .. يأخذ من شاء لمن حضَرَا
أو لا يُعْطـي شيئٌ شيئا .. والويل، الويل لمن كَفَرَ
أوصانا أن ننسـى ماضٍ .. وسطى كفِرْ اِلعنْ قَمَرَا
عفـوا نورا أعني فجْراً .. أعني قدرا يلعن قَـدَرا
أتـرى الأيـام تعاقبنا .. أم أن الدهـر بنا غَدَرَ؟
وطني مجموعٌ من وطني .. لا يركب إلا من فجَرَا
وطني ثوبٌ لا يلبسـه .. إلا من أعجبه هَـدَرَ
وعلى أبـوابه عاداتٌ .. زمرٌ تأتي تفني زُمَـرَا
وأساسٌ بابٌ مخلوعٌ .. تاريخٌ ليس به انتَصَرَ
أولى تمضي تأتي أخرى .. يذهب عمروٌ لترى عُمَرَا
ثوراتٌ تعقب ثوراتٍ .. وقف التاريخ لها وجرى
وأنا جنـديٌ بينهما .. قدري أحمل باباً كُسِرَ
حمالٌ يحمـل تاريخاً .. أترى ثوراً يعلمُ خَبَرَا؟
أحلامي بعثرها يأسي .. في وطنٍ ليس به اعتَبَرَ
قدرٌ كالموتِ وأحلامٌ .. ماتت أترى فينا بَشَرا؟
أنا لا أدري هل لا أدري .. أني أكتب شيئاً قُبِرَا
لا أرضٌ لا شجرٌ وأنا .. لا أملك في وطني حَجَرَا!
وسماءٌ ليس لها بحرٌ .. سرقوه فما أبقوا أثَرَا!
ورفاتٌ قيل لنا دفنتْ .. ظهرتْ دُفنتْ رسمٌ دُثِرَ!
تاريخٌ ماتَ وما دفنا .. وكأن الماضي ما ظَهَرَ!
هذا من ذاك وذاك هو .. يمضي كدرٌ لترى كَدَرَا!
صدقني أتعبني عقلي .. أحيي موتى أهوى حَجَرا


شعر الدكتور /علي جارالله اليافعي