المناضل مثنى سالم عسكر في ذكرى رحيله الأولىالمكلوم المحامي يحيى غالب الشعيبي:
الحديث عن المناضل مثنى سالم عسكر يعد جزءا من الحديث عن نضال شعب وهزيمة إمبراطورية، وجزءا من تاريخ نضالي ناصع للشعب في الجنوب.
كما أن للفقيد مثنى عسكر دورا مشهودا مسجلا في ذاكرة التاريخ المجيد وليسمح لي التاريخ بالكتابة عن ابن عسكر في ذكرى رحيله الأولى التي صادفت 25 مارس الفارط ، وأكرر الاعتذار للتاريخ لأنني تطاولت لأكتب عن رجل لم يحصل لي الشرف بمرافقته في مراحل النضال التحرري بحكم فارق سني العمر، ولكنني وجدت نفسي مجبراً لأطرق باب الوفاء بعد أن أوصده رفاق ابن عسكر ممن جايلوه وعاشوا معه لحظات التحدي والثبات وشاركوا في صنع ملاحم النضال. ترددت بالكتابة عنك يا أبا نبيل منتظراً رفاقك وقيادات حزبك الذي أوفيت له حتى مماتك، نعم انتظرت ذكراك السنوية ولم تفتني لحظاتها ويشهد الله يا ابن عسكر بأنني أحييت ذكراك الأربعين في سجن الأمن السياسي (تحت الأرض) وقرأت الفاتحة إلى روحك ووقفت دقيقة حداد، رحمك الله وطيب ثراك ويكفيك فخراً واعتزازاً موكب التشييع المهيب لجثمانك الطاهر الذي احتضنته جبال ردفان وأهالت عليه ترابها في يوم مشهود خرجت فيه الرجال الأوفياء من كل حدب وصوب يبكون مرتين الأولى لرحيلك القسري 14 عاما منذ حرب 94 الظالمة ومعاناة التشريد والثانية لرحيلك الطوعي إلى بارئك، وتنفيذا لوصيتك بدفنك في ردفان في مقابر الأمجاد والتضحيات، سلام عليك يوم انطلقت شبلاً من جبال ردفان ويوم كنت تعود إليها مكللاً بأكاليل الغار وسلام عليك يوم حملت روحك على كفك وتحملت أهوال ومخاطر الحياة مناضلاً صلباً لا تلين له قناة وسلام عليك يوم عشت بكرامة وكبرياء الرجال وبعنفوان الميامين وبشموخ ردفان التي ظللت تستمد منها عطاءك وكبرياءك.
وكما قلت في مطلع حديثي بأنني من جيل الحراك السلمي الجنوبي بينما ابن عسكر من جيل ساهم بتفجير الثورة، وهناك فارق كبير بيننا بالعمر والخبرة والمعرفة السياسية، ولكنني أجد نفسي في وضعية (بدل فرار) مغطيا موقع من يقع عليهم الواجب الأخلاقي والأدبي رفاق ابن عسكر (الذين لارحمونا ولا جعلوا رحمة السماء تنزل) ترددت بالكتابة عن ابن عسكر لكي لا يتهموني باتهامات جاهزة بأنني أتجاوزهم وأبحث عن الشهرة وغيرها من التصنيفات، ولكن يارفيقي البطل سأكتب عنك بأحرف الوفاء وعبارات الإجلال التي تستحقها ، كم كنت حريصاً وقلقاً على قضية شعبك ، وكم كنت حاضراً من منفاك القسري في مهرجانات الحراك الجنوبي السلمي وسجلت رصيدا إضافيا لتاريخك برسائلك التضامنية في معظم مهرجانات وفعاليات الحراك ولا زالت صحيفة «الأيام» أرشيف الجنوب تحتفظ ببرقياتك ورسائلك التضامنية التي كانت تنشر في تغطيات فعاليات الحراك الجنوبي، التقيت ابن عسكر اللقاء الأخير في شهر سبتمبر 2007م في منفاه القسري بالقاهرة يقاوم المرض برباطة جأش وصدر مفتوح بعمليات جراحية تغطيه خيوط الأطباء ولكن ابن عسكر هو ذلك الرجل الشامخ الشهم البشوش الضاحك المبتسم بادرته بسؤال عن صورة فوتغرافية مجسمة في حائط منزله المتواضع تجمعه بالأستاذ علي سالم البيض فسألته هل البيض صاحبك وهل يتصل بك؟ فأجاب ابن عسكر بلهجة ردفان المميزة (أنا بحترمه كمناضل أما الاتصالات مقطوعة من وقت طويل) مكرراً (لكن محد بينسى صاحبه) كان الحديث مطولا بيننا وجمعتنا لقاءات كثيرة وكان ابن عسكر يعبر عن سعادته وفرحته بالحراك الجنوبي ويثني على الجميع ويشكر الشباب ويقول الحمدلله سأموت مطمئنا بعد ما استمع وشاهد مهرجانات الجنوب المصورة، وكان يقول إن هذا اللقاء هو الأخير بيننا وكانت قوة الإيمان تملأ نفسية ابن عسكر ومواظبته على أداء الصلاة، وكم كان شديد القلق من عودتي بعد أن أكملت العلاج خصوصاً بعد أن تقدمت بمذكرة إلى اتحاد المحامين العرب عن أوضاع الجنوب وما تتعرض له صحيفة «الأيام» والاعتقالات والقتل التي شهدتها عدن والضالع والمكلا وردفان وأرجاء الجنوب في 10 سبتمبر 2007م م وتم نشر تلك المذكرة بوسائل الإعلام وبصحيفة «الأيام» وأيضاً تداخلت وشاركت بمكالمة هاتفية من القاهرة في قناة الجزيرة أوضحت فيها المشروعية القانونية والدولية للقضية الجنوبية وبالوقت الذي نال إعجابه ورضاه وارتياحه إلا أنه قال الجماعة لن يسكتوا عنك أزعجتهم انتبه لنفسك، وذكرني كلام ابن عسكر (رحمه الله) بماجرى لي من تعسف وقهر سياسي واتهامات ومحاكمات باطلة كانت وثيقة اتحاد المحامين العرب في صدارت قائمة ملف أدلة الإثبات ضدي.
كان ابن عسكر (رحمه الله) يؤكد ويحث وباهتمام على تجسيد التصالح والتسامح الجنوبي ويخبرني بلقاءاته واتصالاته بالرئيس علي ناصر محمد، كان (رحمه الله) شديد الحرص والقلق على رفاقه بالاشتراكي بالداخل ويسألني عنهم فرداً فرداً ويتواصل معهم كما أخبرني، ولكنه قال: (أجمل ما قدمه الحراك الجنوبي أنه أنتج قيادات شابة متوافقة ومتجانسة من مختلف التيارات السياسية)، وكم كان شديد الإعجاب بكتابات أحمد عمر بن فريد في صحيفة «الأيام» قائلاً
كل يوم أربعاء لا أنام إلا بعد قراءة صحيفة «الأيام» وزاوية بن فريد الأسبوعية).
كان رحيل ابن عسكر خسارة فادحة على الوطن ومحبيه، وعلى الرغم من أن الموت حق لا مفر منه وقضاء الله وقدره، ولكنني حزنت مرتين الأولى على رحيل ابن عسكر ونسيان رفاقه وإهمالهم لرفيقهم المخلص معهم والحزن الثاني على نفسي عندما تركتني قيادة الاشتراكي أتجرع المآسي وأكابد عذابات التشريد والمطاردة وأدارت ظهرها وأنا الذي قدمت وجهي ورأسي وحياتي لأجل الحزب وتناستني عمداً وأنا على قيد الحياة، فكيف ستتعامل مع أولادي بعد رحيلي كمداً وقهراً لألحق بركب ابن عسكر، ولكن الصبر من قوة الإيمان والوفاء من شيم الرجال.