تعلَّم الشماليون و لم نتعلم مازلنا بين قائد تاريخي و حراكي تاريخي
تعلَّم الشماليون و لم نتعلم
في البداية أود أن أقدم اعتذاري لوالدي حفظه الله على معارضتي له , يوم أختار لي أن أكون جليساً للبقر (طبيب بيطري) وكنت أريد أن أكون جليساً للنخب (سياسي) , فأقول أنا آسف أيما أسف , فقد كنت عميق البصيرة يا أبي و كنت بلا بصيرة. صحيح أن هدفك من ذلك لم يتحقق بخدمة الوطن بتنمية الثروة الحيوانية فأنا أخدم وطناً بديلاً , فالوطن الأم لم نسترده بعد , لكني استفدت من مجالسة البقر أكثر مما استفدته من مجالسة البشر.
انتهى الاعتذار ,,,
و بالعودة إلى موضوع فشلنا و نجاحهم , اضرب مثلاً بسيطاً شاهدته اليوم في المنتدى الجنوبي الرائع ( منتدى الضالع ) حيث وجدت مواضيع لترشيح شخصية جنوبية للمشاركة في برنامج الاتجاه المعاكس . فوجدت خطأين رئيسيين . الأول يتمثل في تكريس شخصيات محدودة , و كأن الجنوب لا يوجد فيه غير هؤلاء , و أصبح المشهد السياسي الجنوبي تكرار في تكرار . فكما يكرس البعض ثبات قيادات الجنوب السابقة بوصفهم قيادات تاريخية لا تتغير و ستبقى حتى الموت, أصبحنا نقدم شخصيات حراكية تاريخية لا تتغير , مهما فشلوا أو عجزوا عن الأداء الصحيح في الوقت المناسب و كأنهم الممثل الشرعي و الوحيد للجنوبيين حتى الموت.
و هذه النمطية و تكرار الأسماء و الأشخاص ليست من صفات الثورات التي تتجدد , و ليس من سلوك الثوَّار , فالثوَّار في ديناميكية عالية جداً و في تجديد دائم للأشخاص و الأداء , و تغيير الأشخاص في علم الثورات لا يعني إقصاء البعض لكنه التجديد و التحديث و بث دماء جديدة على الساحة الثورية . و هذا يبعث رسالة للآخر مفادها أن هذا الشعب قد ثار بكامله رجالاً و نساءً و أطفالاً , و جميعهم شركاء في الثورة , و مهما قتل أو سجن منهم فلن تنتهي ثورتهم .
الخطأ الثاني : أن الشخصان اللذان حصلا على أكثر الترشيحات , هما ممن سبق لهما الظهور في الإعلام العربي و كان أدائهما باهتاً , لا يعبر عن روح الثائر الذي يحمل بين ضلوعه هم وطن محتل و مسلوب , و أحدهما كما يقول البعض سبق و أن شارك في نفس البرنامج (الاتجاه المعاكس) و لم يكن موفقاً . و أنا لم أشاهد الحلقة عندما عرضت و لكنِّي شاهدت الروابط التي وضعها البعض في منتدى الضالع و أضم صوتي إلى صوت من يقول أنه لم يكن موفقاً .
الخلاصة : أنَّ اليمنيين نجحوا في التعامل مع المرحلة , فكانوا ثوَّاراً بكل ما تحمل الكلمة من معنى , يقدمون كل يوم وجوه شابة جديدة إلى المنابر الإعلامية , و من هذه الشخصيات من نجح , و منهم من فشل , لكنَّ المحصلة أنَّهم حققوا الهدف و أوصلوا الرسالة التي يريدون إيصالها إلى العالم , و استطاعوا صقل مواهبهم , و استطاعوا الوصول بثورتهم إلى أعلى درجات القبول و المساندة العربية و الدولية عن طريق وجوه شابة تظهر لأول مرة و لم يسبق لها العمل السياسي , و تعاملوا مع الواقع بديناميكية عالية تحمل روح الثوَّار لا روح الأثوار النمطية .
و في المقابل بقي الجنوبيون بنفس العقلية الشمولية التي تثبِّت الشخص و لا تثبِّت القضية , و كرَّسوا الفشل الجنوبي الموروث بالاعتماد على شخصيات ثابتة و إن كانت فاشلة , بل إنَّ بعضها لا يملك شيء من الفكر غير المصطلحات المكررة و الكلام المكرر . و كأن بعضهم حفظ ديباجة من الكلام لا يملك غيرها و مهما سألته فسيرد عليك بنفس الديباجة النمطية , لا يملكون أي ملكة من ملكات الارتجال بما يتناسب مع الموقف .
لك الله يا وطني كم أنت عملاق تسلط عليك الأقزام
و لك الله يا أبي كم أنت بصير جعلتني مبدعاً بين البقر و أنقذتني من جهل البشر
د. فاهم البكري
27 أكتوبر 2011
|