الموضوع: جيل لن يتكرر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-02-18, 07:03 PM   #1
أبو عامر اليافعي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-02-14
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 18,528
افتراضي جيل لن يتكرر

جيل لن يتكرر



أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن



الخطاب رضي الله عنه وكان في



المجلس وهما يقودان رجلاً من



البادية فأوقفوه أمامه



‏قال عمر: ما هذا



‏قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا



قتل أبانا



‏قال: أقتلت أباهم ؟



‏قال: نعم قتلته !



‏قال : كيف قتلتَه ؟



‏قال : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته



، فلم ينزجر، فأرسلت عليه ‏حجراً



، وقع على رأسه فمات...



‏قال عمر : القصاص ....



‏الإعدام



.. قرار لم يكتب ... وحكم سديد لا



يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر عن



أسرة هذا الرجل ، هل هو من قبيلة



شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟



‏ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا



يهم عمر - رضي الله عنه - لأنه لا



‏يحابي ‏أحداً في دين الله ، ولا



يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله ،



ولو كان ‏ابنه ‏القاتل ، لاقتص



منه ..



‏قال الرجل : يا أمير



المؤمنين : أسألك بالذي قامت به



السماوات والأرض ‏أن تتركني ليلة



، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في



البادية ، فأُخبِرُهم ‏بأنك



‏سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ،



والله ليس لهم عائل إلا الله ثم



أنا


قال عمر : من يكفلك



أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود



إليَّ؟




‏فسكت الناس جميعا ً، إنهم لايعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولاداره ‏ولا قبيلته ولا منزله ،



فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست



على عشرة دنانير، ولا على ‏أرض ،



ولا على ناقة ، إنها كفالة على



الرقبة أن تُقطع بالسيف ..


‏ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع



الله ؟ ومن يشفع عنده ؟ومن ‏يمكن



أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت



الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه



‏وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل



هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً



هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ،



فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ،



ونكّس عمر ‏رأسه ، والتفت إلى الشابين :



أتعفوان عنه ؟



‏قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين..




‏قال عمر : من يكفل هذا أيها



الناس ؟!!




‏فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه،وقال:



‏يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله




‏قال عمر : هو قَتْل ، قال : ولو كان قاتلا!



‏قال: أتعرفه ؟



‏قال: ما أعرفه ،


قال : كيف تكفله ؟



‏قال: رأيت فيه سِمات المؤمنين ،فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء‏الله




‏قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه



لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!



‏قال: الله المستعان يا أميرالمؤمنين ...



‏فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع ‏أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ....



‏وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصر‏ نادى ‏في المدينة :الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ‏ذر ‏وجلس أمام عمر ، قال عمر: أين الرجل ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين!



‏وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكت‏الصحابة واجمين ،



عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله.



‏صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد ‏لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب



بها ‏اللاعبون ‏ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف ‏وعلى أناس دون أناس ، وفي مكان دون مكان...




‏وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ،وكبّر المسلمون‏ معه




‏فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك ‏وماعرفنا مكانك !!




‏قال: يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا



يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ‏ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل..



وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء
بالعهد من الناس




فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟



فقال أبو ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من



الناس



‏فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟



‏قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه..



وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !



‏قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته .....




‏جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ،



وجزاك الله خيراً يا أبا ‏ذرّ ‏يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته ، وجزاك الله خيراً أيها الرجل



‏لصدقك ووفائك ...



‏وجزاك الله خيراً يا أمير



المؤمنين لعدلك و رحمتك....



‏قال أحد المحدثين :



والذي نفسي بيده ، لقد دُفِنت



سعادة الإيمان ‏والإسلام



في أكفان عمر!!.
أبو عامر اليافعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس