عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-09-29, 02:32 PM   #218
اسد الشرق الخليفي
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2009-08-28
المشاركات: 704
افتراضي




كانت السهولة التي سقطت بها السلطنة القعيطية واستسلمت فيها القبائل مدعاة للدهشة حتى في الشوارع ،،، وذلك ان حضرموت لم تكن مسرحا لإعمال اعنف ، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الإدارة ،، وإفساد معنويات الجيش ،، وتوزع ( الو لاءات ) .. ولم تكن الجبهة القومية شيئا محسوسا في محيط الجماهير .. الأمر الذي ينذر باحتمال قيام تحرك واسع لمصلحتها .
ومعلوماتي في ذلك الوقت تقول ان عدد أعضاء الجبهة القومية في كل حضرموت وهي تمثل ثلثي الجنوب العربي لا يتجاوزون المائة .. منهم أربعة أشخاص فقط ينتمون إلى المنطقة الكثيرية .. هم ( سالم توما ) عامل
آلات زراعية .. و( محمود صقران ) معلم بناء.. و( علي العامري ) عامل في الورشة الحكومية بسيؤن ..وعند تقييم هؤلاء الرجال ووزن خطرهم على المنطقة الكثيرية مثلا نجد ان أمرهم لا يستحق الالتفات إليه . فليس فيهم من يوحي الثقة بقدرته على ركوب المخاطر.. وجر الشارع خلفه في مواجهة حاسمة مع سلطه منهارة. دعك من المواجهة مع سلطة حازمه عندها الاستعداد والمقدرة للدفاع عن نفسها ..
وقد لاحت منهم بوادر تحرك قبل ان يتبلور اتجاه السياسة البريطانية نحو تسليم الحكم للجبهة القومية .ز فحاولوا عقد ما اسموه مؤتمرات شعبية في مناطق القبائل الثلاث التي تتألف منها سلطنة ألكثيري ( الجابري .. ألكثيري.. العامري ) ففشلت هذه المؤتمرات لان القبائل لم تر في هؤلاء ( الصبيان ) أهلية للأمر الذي انتدبوا أنفسهم له .
ومع ذلك فعندما وصل نبأ سقوط المكلا أو تسليمها للجبهة القومية بتاريخ 17 سبتمبر 1967 ولم يكن الجهاز الإداري الصغير في السلطنة الكثيرية على علم بأن ما حدث في المكلا هو ( تدبير بريطاني ) .. فقد وجه نائب السلطان احمد بن جعفر دعوة للقبائل الثلاث الحضور الى سيؤن بقصد التشاور .. وتحديد موقف السلطنة الكثيرية من الانقلاب الذي وقع في المكلا .
وفي اليوم الثاني 19 سبتمبر امتلاءت سيؤن بالقبائل المسلحين . اذ توافد عليها ما يزيد عن ستمائة من آل كثير والعوامر وآل جابر .. وتناول مشايخهم الغداء عند نائب السلطان احمد بن جعفر.. وعرض عليهم التطورات التي حدثت في المكلا .. وهي حسب علمه تخلى الجيش عن السلطان وخلعه والانحياز الى جانب الجبهة القومية وتسليمها الحكم .. وقال لهم ان الجيش الكثيري يتألف من سرية واحدة من أبناء هذه القبائل .. وليس لديه من الأسلحة غير أربعة مدافع هاون ( 2 أنش ) وبضعة رشاشات ( برن ) خفيفة.. بالإضافة الى البنادق العادية .. وهناك لدى الحكومة حوالي 60 بندقية إضافية لا تجد من يحملها !!
والمتوقع أن يقوم النظام الجديد في المكلا بالتحرش أو بالهجوم على سيؤن بقصد احتلالها وإسقاط السلطنة كما فعل في المكلا .ز والمطلوب رأي القبائل .. إذا كانت على استعداد للتعاون مع الحكومة ( فإننا سنصمد حتى يعود السلطان من جنيف والقاهرة وجدة ، أو سنصمد حتى إذا تأخرت عودته ) .
وهنا .. قاطعه أحد مشايخ القبائل بحدة .. قائلا ( ان هذه السلطنة لم تصمد ثمانمائة عام بجهد السرية التي تمتلكها .. ولكنها صمدت ( بسيوف ) أبائنا . ثم ببنادق أحفادهم .. ونحن سنقف ضد كل محاولة لاغتصاب السلطة هنا إذا كنا سنجد منكم الدعم.. حتى تجري في الجنوب العربي كله انتخابات عامة وتتكون حكومة شرعية لعموم الجنوب تتولى السلطة وحفظ الأمن وتامين الاستقرار حسب خطة الأمم المتحدة.
وحكومتك.ر مثل هذه الانتخابات فانا نفضل البقاء كما نحن إذا لن نرضى بحكم فئة متآمرة تحكمنا بالاتفاق مع بريطانيا ،، وشرطنا ان تصمد أنت .. وحكومتك .. وإلا تخذلنا بالاتفاق مع حزب من خلف ظهورنا.. )
ووافق جميع مشايخ القبائل الثلاث على هذا الرأي.. ووافق عليه احمد بن جعفر كذلك ( نائب السلطان ) .. ووجدت ال ( 60 ) بندقية من يحملها من رجال القبائل بدون مقابل والوقوف في مداخل منطقة الكثيري لحمايتها .
ومرت أيام سبتمبر الأخيرة دون أن يتحرك ساكن في المنطقة الكثيرية .. وكأن الناس يزدادون ثقة بأنفسهم كلما شاهدوا رجال القبائل يقومون بالدوريات في ( زيهم الوطني ) ويزدادون احتراما لهم لمعرفتهم بأن هؤلاء متطوعون بدون مقابل .
ولم تكن الحال هكذا في الإدارة الكثيرية .. فقد وصل الى علمها ان السلطان حسين بن علي الكثيري أعيد من البحر الى جدة .. بعد ان رفضت السلطة الجديدة السماح له بالنزول في المكلا .. وأن السلطان غالب القعيطي عاد معه كذلك ..
وبدأ الضغط على نائب السلطان أحمد بن جعفر الكثيري لقبول وفد من المكلا للتفاوض.. وفي اليوم الأخير من سبتمبر بدأت مظاهر التخاذل . والانهيار . إذ سمح لدورية من الحرس الشعبي .. وجيش البادية باختراق المنطقة من الغرب إلى الشرق . وكانت حجة السلطة إن هذه الدورية تريد المرور من شبام الى دمون . ولا طريق لها إلا عبر المنطقة الكثيرية .. وهكذا اخترقت الدورية منطقة الكثيري وهي تحمل أعلام الجبهة القومية.. وتوقفت في سيؤن لتناول المرطبات في الشارع . وتحلق حولها أولاد الشارع وهم ينون الى الفتيان الذين يتسلحون بالرشاشات الروسية . والقنابل اليدوية. وبعض المشاهدين يرى الرشاشات والقنابل اليدوية لأول مرة في حياته.
وكانت هذه الخطوة مع ما رافقها من مظاهر ( جرعة سيكولوجية ) هامة. جرعة للشارع. ولرجال القبائل. الذين لا يملكون غير البنادق التقليدية.. وللإدارة الكثيرية نفسها .. وكأنها صادرة عن جهاز لتوزيع السموم الدعائية . على حظ من الخبرة عظيم .
( الحكومة الكثيرية ستسلم ) .
( رجال القبائل يهربون ببنادق الحكومة )..
( الجبهة القومية تحشد قواتها في شبام للهجوم في الليل على الحوطة والحزم ) .
( نائب السلطان ذهب ليلة أمس الى السويري للتفاوض مع بن شملان عضو الجبهة القومية ) .
( جيش البادية سيهاجم من ساه .. والحرس الشعبي من شبام ) .
( صالح بن سلعان الجابري قائد جيش الكثيري تلقى تهديدا بالقتل من الجبهة القومية إذا لم يسلم .. ) .
( نائب السلطان يفكر بانفراد مع عائلته ) ..
وبالفعل بدأت مظاهر القلق تأخذ سبيلها إلى القلوب والضمائر بعد أسبوع من الطمأنينة. وشرعت الألسن تخوض بالحق والباطل .. وتنشر الرعب . وتعزز الشعور با لانخذال .
وفي اليوم الأول من أكتوبر كان عدد دوريات الحرس الشعبي التي اخترقت منطقة الكثيري من دمون الى شبام والعكس . أربع دوريات .. وكانت حرب الشائعات قد بلغت أوجها . عن استسلام تريم . وتاربة .. وساه ،، ولم يحدث شئ من ذلك ولكن علامات الانهيار النفسي كانت بادية على الوجوه .. ولعل دوريات الحرس الشعبي أول من فطن إلى ذلك. فزادت في اليوم الثاني من عدد دورياتها زيادة كبيرة . وكان نائب السلطان قد قبل باستقبال وفد من المكلا للتفاوض يتألف من يوسف خلف مساعد المستشار وضابط آخر من جيش البادية ورجلين من الجبهة القومية..
ومع وجود وفد التفاوض في سيؤن وإشغال الطرق بدوريات الحرس الشعبي الذاهبة إلى دمون والعائدة إلى شبام . تعززت الحرب النفسية التي ترافق ظروف التوتر . وقر في الأذهان ان الحكومة لا تفاوض ولكنها تدرس كيفية التسليم وشروطه .
وفي اليوم الثالث استمرت المفاوضات في سيؤن في حين قام الحرس الشعبي بالاستيلاء على تريم من الشرق وأذاع في الناس بان الحكومة سلمت . وعصر يوم 3 أكتوبر 1967 لم يجد نائب السلطان في إدارة الكثيري من يقف الى جانبه فأعلن التسليم وطويت من حضرموت أعلام سلطنة الكثيري بعد ان ظلت مرفوعة قرابة ثمانمائة عام .
لقد ثبت فيما بعد ان بريطانيا تعهدت للسلاطين الكثيري والقعيطي عندما طلبت منهما الذهاب الى جنيف لمقابلة لجنة تصفية الاستعمار بأنها لن تسمح بأي تغيير في حضرموت في غيابهما ..
ولكن عندما وصلا الى بيروت في طريقهما الى جنيف بدأت هي بسحب الإدارة البريطانية من حضرموت وتحويل كل موظفيها العرب إلى جانب الجبهة القومية ..
وتأمين الطائرات الأجنبية لتنقل لهم الأسلحة والأموال من عدن .
أكثر من هذا ثبت انها أوعزت الى جيش البادية وقد كان تحت إشرافها المباشر بالتحول الى جانب الجبهة القومية وقد فعل بعد ذلك سوى ان تحايلت على السلاطين بالتوقيع على وثيقة باستلام جيش البادية مع التعهد بالصرف عليه لمدة سنتين . وهي وثيقة لا تغني عن الحق شيئا لان الأوامر عند جيش البادية سابقة لتوقيعها.
هذه حقائق نوردها على وجه القطع . لا نستدل عليها بالتخمين .. وهي تكفي تماما لإخراس العصابة الحاكمة في عدن عن التبجح والكذب والانتساب الزائف إلى دنيا المناضلين.



عبدا لله الجابري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدولة الكثيرية حكمت قرابة ثمانمائة عام




اسد الشرق الخليفي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس