عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-08-28, 11:46 PM   #1
اوراس شمسان
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2011-04-02
المشاركات: 1,176
افتراضي القضية الجنوبية من طبطبة الثورة إلى قبقبة الوحدة (الرد الشافي على ثوار الفهلوة)

http://goo.gl/FZBs1




د. سعيد الجريري
اكاديمي في جامعة حضرموت للعلوم والتكنلوجيا
رئيس الملتقى الفكري لأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم بجامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا

القضية الجنوبية من طبطبة الثورة إلى قبقبة الوحدة

by Saeed Aljariri on Saturday, 27 August 2011 at 08:03
إشارة (1):

جاء في الأمثال الشعبية: ( القبقبة للولي والفائدة للقيّوم )، والقبقبة: معناها ضرب الدف والطبل عند الولي أو القبر المزار، ولا يستفيد منها الزائر ولاصاحب القبر، ويضرب هذا المثل في من ذهب يطلب المنفعة من الذي لا توجد عنده المنفعة والمستفيد غيره.

إشارة (2):

أثرت في مقال سابق قضية مسكوتاً عنها هي القضية الشمالية بموازاة القضية الجنوبية، خلصت فيه إلى أن " حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً أمر ممكن، لكن مفاتيحه ليست بيد من لم يستطع حل قضيته الشمالية أولاً؛ لذلك فثمة قضيتان ينبغي لطرفيها أن يحلاهما مستقلتين عن بعضهما بعضاً، لاختلافهما درجةً ونوعاً. وبعبارة أوضح: ليس هناك من سبيل لادعاء النظام الجديد في محيط القضية الشمالية أن يحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً، لأن العدالة نسبية، وستكون أكثر نسبية عندما تكون منظوراً إليها بعين من يحمل قضيةً مسكوتاً عنها دهراً، ولم يكن لها حامل حقيقي قبل ثورة الشباب السلمية الرائعة. لكن روعة الثورة الشبابية السلمية لا تعني أن ننجر خلف شعور رومانسي ثوري من جديد، فنعيد إنتاج ما جاهد الحراك السلمي الجنوبي في رفضه، وقدم التضحيات العظيمة في سبيله، أو ما ثار من أجله الشباب الرائعون وقدموا التضحيات العظيمة في سبيل إسقاط النظام اليمني الفاسد ؛ فذاك شكل من أشكال القفز في الهواء، وليس شيئاً سوى ذلك، وهو منافٍ لمبادئ الثورة الشبابية السلمية المنادية بالحرية والعدالة والمدنية".

(1)

واليوم يتأكد لنا بالمقال الذائع أن ما كان الجنوبيون يتوجسون منه، يتم تكريسه باستعلائية "ثورية" و"وطنية" تختزل العالم في ذاتها، فلا ترى للجنوبيين قضيةً إلا بمقدار التماهي حد المسخ في سياق بنسف القضية نسفاً. تجلت تلك الاستعلائية في تصريحات وكتابات أخيرة لعلي حميد، ومحمد الظاهري، ومنير الماوري، ومنى صفوان، وغيرهم، على إثر مواقف جنوبية من تشكيل المجلس الوطني، تماهى فيها أولئك الكتّاب – وبعضهم أعضاء في المجلس الوطني- من حيث لا يشعرون مع النظام الذي يثورون عليه ويهتفون بإسقاطه منذ فبراير الماضي، حتى قال قائلهم إن مقايضة إنجاح الثورة بضياع الوحدة مستحيل!.

ولست هنا في وارد الرد عليهم، بقدرما أريد أن أضع بعض النقاط على حروف معينة، وأضع نقاطاً أخرى تحت حروف غيرها، وأحرر بعض الحروف من النقاط، كيما نستطيع أن نقرأ بعضنا بلا أي لبس محتمل، أو تصحيف أو تحريف، بقصد او بدونه.

(2)

ولكن قبل أن أفعل ذلك أقتبس شيئاً مما عبرت عنه الزميلة بشرى المقطري بعد إعلان تشكيلة المجلس الوطني، مما له صلة بالقضية الجنوبية. قالت:" إن المجلس الوطني بصيغته الحالية لم يتعامل بمسئولية تاريخية حيال القضية الجنوبية التي هي من أهم القضايا التي تواجه الثورة والمحك الرئيس في إخارج البلاد من احتراب قادم، فلابد أن يكون له رؤية وطنية شاملة وعادلة للقضية الجنوبية بما يلبي تطلعات أبناء الجنوب". وأضافت "على الرغم من تمثيل المجلس الوطني بعديد من الشخصيات الجنوبية، إلا أنه لم يتحقق مبدأ المناصفة، ولم تقم قوى الحراك الجنوبي باختيار ممثليها للمجلس الوطني بل تم تعيينهم".

ذاك ما عبرت عنه بشرى بموضوعية ثورية، لكن منير الماوري و منى صفوان لم يرق لهما مبدأ المناصفة، فرفض الماوري أن يكون ربع مواطن في بلاده مادام للجنوبيين نصف ما للشماليين في المجلس، معللاً ذلك بالكثرة العددية الشمالية، ورأت منى صفوان في المناصفة ابتزازاً جنوبياً للثورة اليمنية، منكرة المبدأ من حيث هو، وكأن الجنوب محافظة شمالية مع الأسف!.

(3)

ومع الأسف أيضاً أنه حتى منير الماوري لم يستطع التحرر من مقولة الأصل والفرع وإن لم يذكرها في مقاله. ويبدو لي أن هناك من يرى الجنوب ملحقاً للشمال، متناسياً أن الوحدة ليست اكثر مما عبر عنه البردوني في قصيدة ( ربيعية الشتاء) حيث المفارقة بين التزاوج دلالياً.

ثم أن الجنوب لم ينتظر قيام الثورة الشبابية السلمية كي يقال له انتظر، ثم ننظر في قضيتك. إن ثورة الجنوب على النظام كانت مبكرة، ولم توازها ثورة في الشمال على النظام، في صورة من صور الخذلان. فلماذا عندما يثور الشمال يقال للجنوب انتظر، ولا فك ارتباط لك ولا مناصفة أو سواهما. ولو أنصف الشماليون لرأوا في المناصفة بعداً رمزياً للاعتراف الفعلي بحق الجنوب الذي اتنتهكت دولته ومُسح سياسياً بالحرب الظالمة.

أظن أن الماوري لم يكن موضوعياً إلا بمقدار مناطقيته ( الشمالية)، المغلفة بكلام نظري عن المواطنة المتساوية ...إلخ، مع علمه بأن تناقضات المجتمع وتراتبية الشيخ والرعوي على سبيل المثال لا وجود لها في مجتمع الجنوب.

لكن الماوري - وقد جوبه بغضب جنوبي عارم - يقول في مقال تالٍ: " اعتراضي على فكرة التقاسم نابعة من فهمي للقضية الجنوبية بأنها قابلة للحل عن طريق ترسيخ المواطنة المتساوية وإلغاء الضم والإلحاق وإشراك الجنوبيين في كافة شؤون بلادهم وفي تقرير مصير اليمن الموحد كاملا ".

وقول الماوري جميل - نظرياً- ونثق أن هناك عهوداً مغلظة وموثقة سوف تقدم للجنوبيين، وربما تدوّن في الدستور الجديد، لكن ندرك يقيناً للأسف أنها لن تلقى طريقاً للتطبيق ولو في حده الأدنى، ليس لأن منير الماوري -وهو ممن نجلّه كثيراً- لا يريد ، ولكن لأن مركّبات القضية الشمالية وتداعياتها هي التي ستفعّل قوانينها الناظمة، لأسباب موضوعية ينبغي ألا يتم القفز عليها تحت أي موجّهات عاطفية أو تكتيكية؛ ولعل مؤشرات المآلات المنظورة للثورة الشبابية السلمية، تؤكد مدى تمكن مفاعيل البنية التقليدية، وتعويقها مسارات الانتقال الحقيقي إلى عصر الدولة، دع عنك صفتيها المرجأتين ( المدنية الحديثة).

لكن غير الجميل في قول الماوري أنه لم يفهم القضية الجنوبية، ولذلك يرى أنها " قابلة للحل عن طريق ترسيخ المواطنة المتساوية وإلغاء الضم والإلحاق وإشراك الجنوبيين في كافة شؤون بلادهم وفي تقرير مصير اليمن الموحد كاملا ".

فإذا فككنا قول الماوري وجدنا أنه يرى الجنوب ملحقاً بالشمال - ربما من حيث لا يشعر - فإشراك الجنوبيين، عمل فاعله غير الجنوبيين، أي الشماليين، فالشمال هو المشرِك ( بكسر الراء) والجنوب هو المشرَك ( بكسر الراء)، أي أن هناك أصلاً هو الشمال، يقابله فرع هو الجنوب!.

ولا يدور بخلد الماوري بطبيعة الرؤية أن الإشراك غير الشراكة، ومادام المتغير الذي سيحدث هو الإشراك، فإن ذلك شكل من أشكال التنازل الثوري الشمالي، ولو بصورة مضمرة، في حين أن الجنوبيين على اختلاف مشاربهم، قد أعادوا النظر في الوحدة، ولم يعد في خياراتهم هذا المسمى، وهذا ليس سراً من الأسرار الجنوبية، كي يتغابى أي متأمل للقضية الجنوبية، فيوهم قراءه في الشمال والخارج بأن في الجنوب من سيذرف الدموع على وحدة اغتيلت بالحرب في صيف 1994م. فأدنى الخيارات الجنوبية لحل المسألة الشمالية هو نظام اتحادي فيدرالي بين إقليمين شمالي وجنوبي، وليس وحدة معمدة بالدم أو مظلله بشعار الوحدة أو الموت، وأعلى خيار جنوبي معلن هو فك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية التي تحالف النظام مع شعبه في الشمال بدرجة رئيسة، على تقويضها بكيفيات مختلفة، لكن ممنهجة.

(4)

هناك خياران لن يتحقق أحدهما إلا إذا حظي بمشروعية جنوبية عبر استفتاء حر ونزيه وبإشراف دولي، فإما أن يكون النظام القادم اتحادياً فيدرالياً بين كيانين لكل منهما صفته الاعتبارية، بعيداً عن خلط الأوراق، وعندئذ ستكون شراكة اتحادية، وليست وحدة اندماجية، وسيكون لكل من الشمال والجنوب خيارات ومسارات متوافقة مع خصوصيات كل منهما. وإما أن يكون النظام القادم مراجعة موضوعية لما حدث، وعندئذ ينبغي للشمال أن يدع المكابرة والاستقواء جانباً، ويعتذر للجنوب عما لحق به منذ صيف 1994م، ويبني علاقته مع الجنوب بعد فك الارتباط سلمياً على قاعدة حسن الجوار والشراكة الاقتصادية والمصالح المتبادلة، كي يحيا الإنسان شمالاً وجنوباً بأمان، وتُطوي صفحات هابيل وقابيل إلى الأبد؛ لأن سوى ذلك انزلاق في سيناريوهات مفتوحة على المجهول.

وفي هذا السياق يبدو لي في ما نطالعه منذ حين أن الزملاء في الشمال يتعاملون مع الجنوب تعامل رب العمل مع نقابة العمال، متناسين ما سيقره العمال قبولاً أو رفضاً. فلو سلمنا جدلاً بأن الجنوبيين لم ينسحب منهم أحد من عضوية المجلس الوطني المعلن، أو أن المناصفة تمت، هل يعتقدون أن الشعب في الجنوب طوع أولئك الأعضاء المختارين من قبل مديري شؤون المجلس في صنعاء؟. الشعب أولاً، ولا وصاية لأحد على شعب الجنوب المتطلع لوطن لا يستضعفه فيه أحد بالكثرة العددية، لأن التكاثر لا يعني شيئا في الحالة اليمنية أكثر من كونه عبئاً تنموياً في ظل الجهل والتخلف، وهو مظهر من مظاهر البعد عن الحياة المدنية المنتسبة لشروط العصر.

وبالمختصر: هل هناك فرق بين مقال الماوري وخطاب النظام من حيث الاستقواء العددي؟.وهل نحن في وطن افتراضي حتى نتحدث بهذا الشكل المجافي لحقيقة القضية الجنوبية؟. طبعاً لا، لكن الزملاء كالماوري وصفوان وحميد والعمراني والظاهري وغيرهم، إذ يستغربون مواقف الجنوبيين، يبدون كمن لم يخرج من عباءة النظام الذي يثورون عليه الآن، من حيث النظر إلى الجنوب بوصفه ملحقاً تاريخياً أوإرثاً جغرافياً لهم، فهو فرع لأصلهم أصلاً. ولذلك فهم لا يرون طمس الجنوب من الخارطة السياسية والاقتصادية والثقافية وتدميره بمعاول النظام، إلا خطوة وطنية، ولا ملاحظات لهم إلا على آليات النظام، ولذلك سيستبدلون آليات بأخرى، ليظل الجنوب ملحقاً تاريخياً وإرثاً جغرافياً لهم، ولا بأس من الطبطبة "الثورية" عليه عاطفياً و (منحه) بعض ممنوعات النظام السابق، ليجد نفسه إزاء قبقبة " وحدوية " مرة أخرى، ولكن بشعارات مختلفة.

(5)

بقي أن أتساءل: ماذا سيقول الماوري وصفوان والظاهري وحميد والعمراني وغيرهم لو طلب الجنوبيون المنسقون معهم أن يعتذر الشمال للجنوب عن تواطئه مع النظام ضده، والتكفير عن خطيئته التاريخية؟ أيقبلون أم يرفعون ( بصائر ) الوطنية، على رماح الضم والإلحاق والفيد المفتوح؟!.

لقد ( تقبقب ) الجنوب منذ 1994م، ولم يطل زمن الطبطبة بأولوية القضية الجنوبية، الأمر الذي يقتضي مكاشفة تاريخية لكي تنجح ثورة الإنسان أولاً، في الشمال والجنوب سواءً بسواء، حيث لا استعلاء ولا استعداء، وحيث لا معنى بأي منطق أخلاقي أو وطني للقول بإن " مقايضة إنجاح الثورة بضياع الوحدة مستحيل!!.
اوراس شمسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس