التغيير يهز العالم العربي هل شرخت الثورة ترابط اليمنيين؟!
يمنيات يؤدين الصلاة أثناء مشاركتهن في الاعتصام المستمر في صنعاء بهدف إسقاط نظام الرئيس صالح (رويترز)
صنعاء ـ نبيل سيف الكميم
يشجع عبد الغني أحد ابنائه على الاستمرار في الانخراط في صفوف المعتصمين المطالبين باسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، ويعتبر ذلك «اسهاما» منه في التسريع بازاحة حكم جثم على اليمن 33 عاما. ولا يخفي الرجل، وهو موظف في مؤسسة انتاجية حكومية، سعادته حين يقول «إنها أيام ويرحل الرئيس وحاشيته وكل من معه، وذلك بفضل ثورة الشباب المعتصمين في ساحة التغيير في صنعاء وفي بقية المحافظات اليمنية».
بالمقابل، لا تخفي زوجة عبد الغني خوفها من تعرض ابنها لأي مكروه، خصوصا بعد أن لقي نحو 130 من المعتصمين والمتظاهرين مصرعهم على يد قوات الأمن اليمنية، التي لا تكف عن تصديها للمسيرات والتظاهرات التي لم تنقطع يوميا منذ أن بدأت الاعتصامات المطالبة بسقوط نظام الرئيس صالح في فبراير الماضي. كما أدت تلك الملاحقات الى إصابة المئات بالاختناق بالغازات المسيلة للدموع وبالرصاص الحي، وباصابات مختلفة جراء التعرض للضرب من قبل من يوصفون بـ«البلاطجة»، وهم إما مناصرين للنظام أو من جنود قوات الأمن الذين يرتدون ملابس مدنية.
جمعة الكرامة
نحو 53 من الشباب المعتصمين في ساحة التغيير سقطوا قتلى يوم 18 مارس الماضي في هجوم مباغت ومباشر نفذه مسلحون. وفي حين أكدت المعارضة أن هؤلاء المسلحين كانوا من قوات الأمن والجيش، تصر السلطات على إخفاء هوياتهم والقول إنهم من سكان الأحياء القريبة لساحة التغيير «كانوا يحاولون الدفاع عن أنفسهم من مضايقة المعتصمين لهم ولأسرهم»!
علامة فارقة في مسار ثورة التغيير في اليمن، فذلك الهجوم على المعتصمين بالرصاص الحي وبالقنص المباشر في الرأس والصدر، والذي نجم عنه أيضا إصابة المئات من المعتصمين، دفع بالمئات من الشخصيات العسكرية والحكومية والصحافيين والقبليين الى اتخاذ موقف مساند ومؤيد لثورة التغيير، وأعلنت تأييدها وانضمامها للثورة وللمعتصمين وقدمت استقالاتها من مناصبها الحكومية والحزبية.
هذا العلامة الفارقة، التي مدت المعتصمين بزخم من القوة والثابت وحددت اتجاه مساندة الثورة وتأييد مطالبها وحماية المعتصمين، بعد أن أعلن عدد من رموز حكم نظام الرئيس صالح، وفي مقدمتهم اللواء على محسن صالح قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية، وقائد الفرقة أولى مدرع، وكذلك شيخ قبيلة حاشد الشيخ صادق عبد الله الأحمر، وتبعهم العشرات من كبار الشخصيات العسكرية والقبلية والسياسية، الذين أعلنوا تأييدهم وانضمامهم لساحات التغيير والحرية، في خطوة لا يمكن الاستهانة بها نظرا لما حملته من دلالات.
فمن بين المنضمين الجدد للمعتصمين في ساحة التغيير الصحافي والكاتب ونقيب الصحافيين اليمنيين السابق نصر طة مصطفى، الذي قدم استقالته من منصبة كرئيس لمجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية ومن الحزب الحاكم، عقب مذبحة جمعة الكرامة. وكل هؤلاء لا يريدون أن يكونوا شهودا لتبرير تلك الجريمة التي ارتكبت بحق المعتصمين وتم التخطيط لارتكابها عن قصد وتعمد.
خونة وخائفون
هذا الموقف قابله توجيه اتهامات بالخيانة ووصف من انشقوا عن النظام وأيدوا ثورة المعتصمين بأنهم من العناصر الفاسدة التي سارعت الى النجاة بنفسها «بركوب الثورة»، والانضمام للانقلابيين واستغلال مطالب الشباب. هذه الاتهامات وجهها رأس النظام نفسه، الرئيس صالح، عندما اتهم من أيد الثورة والمعتصمين بأنهم «لم يستطيعوا الوقوف على أقدامهم أمام هذه الأزمة، فقدموا استقالاتهم لأنهم ليس عندهم أجندة وإنما خطة لترتيب أوضاعهم في المستقبل فيما لو انتصر الإنقلابيون، ليكونوا بذلك قد ضمنوا ترتيب أوضاعهم.. وهؤلاء معظمهم من رموز الفساد، سواء كانوا وزراء أو موظفين في مؤسسات حكومية أو عسكريين، وقد كانوا نهابي أراضي ومهربين للنفط والغاز الى أفريقيا، ومحتالين فاسدين.. والآن يدعون الطهارة وهم رموز الفساد. وسواء كانوا عسكريين أو مدنيين فهم ليس عندهم أجندة أو برامج إصلاح اقتصادية وثقافية وتنموية».
ما بين جمعة وجمعة
لقد فرضت الأزمة السياسية الراهنة في اليمن واقعا جديدا على اليمنيين، الذين انقسموا ما بين مؤيد «للأمن والآمان»، ويعنون بذلك بقاء الوضع على ما هو عليه والتمسك بالرئيس صالح وتأييد بقائه حتى إكمال ولايته الرئاسية التي تنتهي في 2013، وبين من يرى أن ثورة الشباب التي قوبلت بالعنف والقمع وسفك الدماء قد كتبت خاتمة ونهاية حكم صالح، الذي يقول مؤيدوه إنه كلما قدم تنازلا ارتفع سقف مطالب المعارضة. وتقول المعارضة إن سنوات حكم صالح قد أغرقت البلاد والعباد في كم من الأزمات والمصائب التي لم يعد من سبيل لمواجهتها سوى اسقاط هذا النظام.
وما بين وجهتي النظر المتنافرة في أوساط المجتمع اليمني بافراده البسطاء ونخبه السياسية والقبلية والحزبية، ينخرط مئات الآلاف من اليمنيين في كل يوم جمعة في مسيرات مناوئه للرئيس صالح وأخرى مؤيدة. فمن «جمعه الوفاء» الى «جمعة التسامح» و«جمعة الآخاء» و«جمعة التصالح» و«جمعة الصمود» و«جمعة التحدي» و«جمعة الرحيل» و«جمعة الزحف».. وآخرها «جمعة الفرصة الأخيرة»، التي تحشد لها المعارضة ومناوئي النظام والرئيس صالح أنصارها وأتباعها.
واقع الخوف
وكما يقال، فإن الثورات، وأي مطالب جماعية وشعببية، مهما كان تنافرها، تجدد حيوية المجتمع ومسلمات الحياة وسننها، ولا تقف عند حد الجمود والتحجر. فالأمر في محصلته النهائية هو انبعاث جديد لرؤية مغايرة للحياة ولفكر الإنسان، لكن الخوف هو مما يرافق تلك المتغيرات التي تمر بها المجتمعات من سلوكيات وتصرفات وممارسات.
فالحراك السياسي والاجتماعي الذي فجرته ثورة الشباب ومطالب التغيير في اليمن، مع ما رافق ذلك حتى الآن من تجاذب في رؤى الأطراف المؤيدة والمناوئه لها، التي وصلت في أحيان كثيرة الى استخدام أساليب قاسية وقوية في تجريم وتخوين هذا الطرف أو ذاك، جميعها تشير الى أن على اليمنيين مسؤولية كبيرة في الحفاظ على رابط أنهم «أهل الإيمان والحكمة».
وأي خيار آخر غير ذلك يعني الكارثة بعينها. ولعل في ما كشفه نائب وزير الإعلام عبده محمد الجندي ما يكفي لايضاح ذلك. فقد قال الجندي إنه اتصل بابنه المعتصم في ساحة التغيير يوم الجمعة 18مارس الماضي التي سقط فيها 53 قتيلا للاطمئنان عليه، ولم يكن يعرف بالهجوم الذي تعرض له المعتصمون، وفوجئ بابنه يوجه له كلمات وعبارات شديدة وقاسية قبل أن يغلق الهاتف في وجه والده.
ويضيف الاستاذ عبده الجندي، والذي عين في منصبه قبل عدة أسابيع كنائب لوزير الإعلام ضاحكا إن دعاءه لأبنه بالهدية يقابله دعاء مماثل من ابنه له أن يبصره بما يجعلة يتخلى عن دفاعه عن النظام الحالي.
http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=30042011