[سهم النجدي]

عندما تكون جنوبياً..

سيكون لديك تدريب يومي على إخفاء دموعك

وابتلاع قطعة كبيرة من أمانيك التي غص بها واقعك

ووقف أمامها مشدوهاً..

فمن اين يأتي لك بمارد المصباح ليعيد إليك شجرة الزيتون

وطبق القش..

ورائحة البحر؟!


عندما تكون جنوبياً..

لن تستطيع ان تتمادى بابتسامتك..

فخيالات الجنوب المحتل.. تحاصرك

ودم علي عنتر الذي ينبض في شرايينك..

ويذكرك في كل مرة تحاول أن تبتسم بها

بأن ابتسامتك خيانة.. سيعاقبك عليها التاريخ!



عندما تكون جنوبياً..


ستعيش حالة من الغياب المزمن.. عن الحياة الطبيعية..

فلا صحو ولا نوم..

ولا عمل ولا راحة..

ولا وعي ولا غيبوبة..

بدون ذكرى الجنوب..

وما كانت عليه الجنوب..

وما صارت إليه الجنوب..

وما ستصير إليه الجنوب..


عندما تكون جنوبياً..


ستكون غريباً في وطنك.. وفي خارج وطنك..

ستكون مثاراً لمختلف المشاعر..

ستكون مثاراً للشفقة حيناً..

ومثاراً للحزن حيناً..

ومثاراً للاهتمام حيناً..

ومثاراً للإعجاب أحيان!


عندما تكون جنوبياً..


ستعمل قسراً.. مروجاً لخلقٍ كاسدٍ يدعى "الكرامة"..

فقد انخفض تداوله بشكل ساحق منذ أن اختُرعَت قواميس جديدة للأخلاق!


عندما تكون جنوبياً..


ستدرك أهمية الارقام..

وستحبها.. او تحقد عليها..

المهم.. أن علاقة وطيدة ستنشأ بينكما..

بعد أن يتحول اسمك إلى رقم..

وتاريخك إلى رقم..

وموقع بيتك إلى رقم..

وعدد أفراد عائلتك المفقودين إلى رقم..

وعدد من مات.. ومن سُجن..ومن عذب.. إلى أرقام..

وعدد الايام التي قضيتها _أو قضتك_ في قهر.. إلى رقم..

وأحلامك وتنبؤاتك الفاشلة لموعد رجوعك إلى وطنك.. إلى رقم..


ستدرك حتماً أهمية الأرقام..

وسيلهج لسانك بالشكر لمن اخترع الأرقام!

وإلا لكانت حياتك بلا حياة..

وبلا أرقام أيضاً!


عندما تكون جنوبياً..


ستعيش حنيناً دائماً لماضِ لم تعرفه..

ولمستقبل ليس بإمكانك ان تعرفه!


عندما تكون جنوبياً..


لن تعنيك كلمات العشق.. ومؤشرات البورصة العالمية..

ومهرجانات تقام هنا وهناك..

ولن يعنيك أن يطول الليل .. أو يختفي للأبد النهار..

ولن يعنيك أن يكون العام اثنا عشر شهراً..

أو اثنتا عشرة بطيخة..

لن يعنيك أن يصعد البشر إلى القمر.. أو ينزل هو إليهم..

لم يعنيك خسارة حزب في الانتخابات .. وفوز آخر..

لن يعنيك قيام دولة.. وسقوط أخرى..


كل ما يعنيك هو أن الجنوب سُلبَت..

ويجب أن تُعـــــــــــاد!


عندما تكون جنوبياً..


ستتوقف عن الكلام فجأة..

وستترك الرواية بلا نهاية..

والقصيدة بلا خاتمة..

فغالباً ما ستزدحم الافكار في رأسك..

حتى يدهس بعضها بعضاً

وستضطر إلى التوقف عن الكتابة .. أو الكلام فجأة

لتقوم بمراسم دفن ما دُهِس من افكارك ومات قبل أن يخرج للوجود..


ولـــــــــــذلك..

سأقطع حديثي وأغادر


حيث تموت الأفكار رافضة أن تكون بلا وطن