2010-08-10, 08:02 PM
|
#4
|
قلـــــم فضـــي
تاريخ التسجيل: 2009-04-17
المشاركات: 2,341
|
الحلقة الربعة (( 4 )
عبدالله خليفة تكبير الخط
كان الحراكُ الجنوبي في اليمن يمثلُ طابعَ تاريخهِ النضالي، وتقاليد الناس المتحضرة في المعارضة، وعلى رغمِ قسوةِ السلطةِ وتعنتها ظل العمالُ والبسطاء والجنود في جنوب اليمن يتبعون أساليب حضارية في رفضهم غلواء الحكم وعدم اهتمامه بالناس وتوجه جماعتهِ للاستيلاء على الثروات والأملاك، وهي معارضةٌ اقتصرتْ بشكلٍ أساسي على المظاهرات السلمية.
الفرقُ واضحٌ بشكلٍ كبير بين معارضةٍ شمالية تمزيقية للوطن، ومعارضة بناءة جنوبية توحيدية، تدعمُ تشكلَ يمنٍ مختلف بعيد عن مركزية السلطة وشخصنتها.
كان جنوبُ اليمن ينعمُ رغمَ كل شيء بظروفٍ معيشية مستقرة، وبهذا اصطدمتْ رأسماليةٌ حكوميةٌ جنوبيةٌ متشددةٌ ومحدودة النظرِ في البناءِ الاقتصادي وضابطة للأسعار وحدود الأملاك وأوضاع العاملين بالأجور وفي التعاونيات، بإقطاعٍ سياسي شمالي لديه بعضُ الحرياتِ الاقتصادية، وفوضوي في حراكهِ السياسي وبرغبتهِ التسريعية الحادة في التهامِ الثروات العامة خاصةً الجنوبيةَ منها، مما أدى إلى إصطدامِ تكوينين اجتماعيين مختلفين، فتفجرتْ الأوضاعُ خاصةً بعد غيابِ الضابط (الاشتراكي) الذي يخففُ من وقع الصدام بين البنيتين المتضادتين.
وقد صبر الجنوبيون طويلاً على هذه التعديات على الأملاك العامة، وأوضاعهم المعيشية، ومركزية الخدمات والمنافع لعاصمة الشمال، ثم انفجرتْ الأوضاعُ بسببِ الأزمةِ العامة الاقتصادية التي تحولت إلى أزمة سياسية عامة، فلم يعدْ الشعب في الشمال والجنوب بقادرٍ على استمرار العيش بهذه الظروف والأجور، لكن الشمال لم تكن لديه قوى ديمقراطية متجذرة، في حين كان الجنوبُ لديه تاريخٌ من النضالِ المطلبي ومن قوى النقابات التي هزتْ الاستعمارَ البريطاني.
بدأ الحراكُ الجنوبي بمطلبِ إعادة عسكريين جنوبيين مفصولين، بسببِ التمييز في الجيش بين شماليين وجنوبيين، وبعد تحقق هذا الهدف تنامتْ المطالباتُ في كلِ اتجاه.
حتى وحدة الجيش الصلبة تطرقَ لها الفسادُ، ولكن الجيشَ بقي كأداةٍ في يدِ القوى الشمولية الحاكمة، بسببِ التجنيد الواسع للأميين ووضع الميزانية في خدمته وصارَ الجيشُ يتهمونه بأنه أداةً للقمع ولتآمر الحزب الحاكم، واختفى الجيشُ العقائدي الجنوبي المرتبط بتقاليد الجمهور اليمني النضالية.
لقد بانَ ضعفُ السلطةِ واضحاً في عدمِ قدرتِها على إيجاد طبقةٍ حاكمة موحدة ذات برنامج مستقبلي واعدٍ بأهدافٍ معقولة لعموم الشعب، بل هي نفسُها تصارعتْ وفتتْ صفوفَها، وحلتْ الفرديةُ المطلقةُ والانتفاخُ السياسي فيها، كما أنها لم تؤسس قواعدَ في الفئاتِ المتوسطة تساندُها، التي تحولتْ هي الأخرى إلى فسيفساء من الأحزابِ الصغيرة، وغابتْ المعارضةُ الحكيمةُ التوحيدية.
هكذا تحولتْ الصراعاتُ السياسيةُ في الطبقةِ السياسية العليا إلى أزمةٍ شاملة، أزمة أدخلتْ كل الطبقات والسكان في صراعات محمومة فوضوية.
وقد بانَ التباينُ الاجتماعي العامُ بين الشمال المميز وبين الجنوب المهمل، وتباين الشمال نفسه بين سنة وزيدية، بين عاصمة مسيطرة وأرياف مُستبعدة، بين جيش وعامة.
واستمر مسلسل السلطة في الهروب للامام، بدلاً من إعادةِ النظر في كل هذا التاريخ الانقلابي العائد للوراء، فاستغلتْ شبحَ القاعدة، وربما فتحتْ البابَ ليكبر ويتم توظيفه، فغدتْ الأزمةُ عالمية، وتم دغدغة مشاعر القوى الغربية المرهفة للمساعدة وتخويف دول الجوار وليتم وضع اليمن بين الدول المُعرضة للإرهاب والمحتاجة إلى المساعدات.
يتوجه قسم من الجنوبيين للانفصال وهدم دولة الوحدة بالأسس نفسها التي قبلوا بها بالوحدة، أي بالتشنج العاطفي، وردود الأفعال الحادة، وعدم الاعتماد على تنمية العناصر الديمقراطية وتطويرها في كل اليمن، وأن ليس لهم سوى الصبر السياسي والإنتاج التراكمي النضالي الديمقراطي الطويل لهذه العناصر، وهي المهمةُ التي رفضوها في كلِ لحظاتِ تطورهم السياسي، حين اشتغلوا على القفزات وحرق المراحل.
إن تغييرَ طابع الدولة المركزية وتشكيل حكومة ديمقراطية هو الهدف الحقيقي للمرحلة الذي ينبغي أن تلتف حوله كل القوى العقلانية، وبالحفاظ على المؤسسات الوطنية المختلفة، فليس الانفصال سوى مجموعة جديدة من الحروب والاقاليم المتصارعة أي جعل اليمن صومالاً آخر.
__________________
|
|
|