عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-06-05, 04:09 AM   #4
مدفع الجنوب
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-07-21
الدولة: الجنـــــوب العربي
المشاركات: 8,167
افتراضي

04/02/2010
د. نضال الصالح
في أواخر عام 1989 سقط النظام الاشتراكي في الإتحاد السوفيتي و دول المنظومة الاشتراكية في أوروبا كعلب الكبريت ولقد كان السقوط مدهشا حتى لأولئك الذين سعوا إلى إسقاطه. كان لهذا السقوط تأثيرا سلبيا ضخما على الأحزاب الشيوعية والاشتراكية في العالم وخاصة في العالم العربي فتضعضعت وانقسمت على بعضها ودب الخلاف بينها كما فقدت بوصلتها السياسية وأصبحت أحزابا صغيرة شبه عائلية بدون تأثير فعال في المسيرة السياسية بعد أن كانت طليعة للنضال الوطني والاجتماعي .
لقد كتب العديد من المقالات والكتب في تحليل أسباب هذا السقوط السريع ولن أدخل في هذا الموضوع لأنه يحتاج إلى كتاب كامل من مئات الصفحات ولكنني سأكتب في هذه العجالة محاولة لوصف التغيرات التي طرأت على هذه المجتمعات بعد سقوط النظام الاشتراكي والتحول نحو الديمقراطية الرأسمالية.
سآخذ مثلا وهو تشيكوسلوفاكيا حيث عاصرت كل التقلبات التي طرأت على هذا البلد منذ نهاية الخمسينيات وحتى يومنا هذا ولا زلت أعتقد بأن النظام الاشتراكي فيها قد سقط بفعل بعض قيادات الحزب الشيوعي بالتعاون مع قوى غربية. ولقد بينت في مقال لي على هذه الصفحة بعنوان " كيف رفع الشيوعيون القدماء العداء للاشتراكية" تلون بعض قادة الحزب الذين أصبحوا من أعنف منتقدي الحقبة الاشتراكية ومن ألد أعداء الاشتراكية والشيوعية.
كانت تشيكوسلوفاكيا دولة صناعية متقدمة ولم يستلم الحزب الشيوعي الحكم في البلاد من على ظهر الدبابة السوفيتية كما حصل في بعض البلدان الاشتراكية الأخرى ولكن بواسطة حراك عمالي شعبي انتهى في النهاية إلى استلام الحزب الشيوعي الحكم وتكوين جبهة وطنية من الأحزاب الاشتراكية بقيادته.
لقد عاصرت الحراك السياسي والاجتماعي منذ عام 1959 وعايشت التقلبات المختلفة فيه. لقد عشت في ظل القيادة الستالينية بقيادة نوفوتني وعايشت انتفاضة الاشتراكية الديمقراطية أو الإنسانية كما يحلوا للبعض وصفها والتي جرت بقيادة دوبتشيك ثم تدخل جيوش الإتحاد السوفيتي وبقية الدول الاشتراكية، ما عدى رومانيا، واحتلال تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 والقضاء على الحالة الدبتشيكية وفرض عودة الاشتراكية الأصولية للحكم والعمليات التنظيفية التي جرت في الحزب والدولة التي طالت عدد ضخم من القياديين الشيوعيين على مختلف المستويات. كما عاصرت سقوط النظام على يد ما يسمى بالثورة المخملية التي أطاحت بالنظام بدون أي وسائل عنفية ومن هنا أخذت هذه التسمية.
لا يستطيع أحد أن ينكر بأن النظام الاشتراكي قد حقق نجاحات كبرى في مجال البناء التحتي ، الصناعي، الزراعي، الصحي والاجتماعي. ولا يستطيع أحد أن ينكر أيضا أن النظام قد وقع في أخطاء رهيبة، لا مجال لشرحها في هذه العجالة، كانت من أحد العوامل الفعالة في سقوط النظام.
اليوم وبعد مرور أكثر من عشرين عاما على سقوط النظام الاشتراكي وبناء الديمقراطية الرأسمالية لا يسع المراقب الحيادي أن يتساءل إن كانت قد حققت الرأسمالية وعودها ببناء الحياة الديمقراطية المقرونة بالرفاه والطمأنينة والكرامة الإنسانية؟؟؟
في الحقيقة وحسب أرقام الإحصائيات المتوفرة، الجواب لا. لقد فشل النظام الرأسمالي في تحقيق وعوده على مختلف المستويات ووسع الهوة بين الطبقات حيث تجمع رأس المال في أيدي حفنة من المستفيدين الطفيليين وأنخفض الإنتاج العام وزادت البطالة و مديونية الدولة والأفراد و أنخفض المستوى المعيشي للمواطنين وخاصة للمتقاعدين والشباب حتى وصل في حالات كثيرة تحت حد الفقر. هذا وقد أرتفع ارتفاعا ملحوظا عدد الجرائم المالية والجنسية وجرائم القتل وانتشرت المحسوبية على أعلى المستويات وانتشرت عصابات المافيا التي أرعبت المواطنين وهددت أمنهم. كما يلاحظ هبوط حاد في مستوى الأدب والفن والثقافة وانتشار الثقافة الأمريكية المشحونة بالعنف والتفكك العائلي مما نتج عنه انحدار أخلاقي عام. هذا الوضع دفع بكاردينال الكاثوليك في سلوفاكيا يان كوريتس أن يصرح بأن المجتمع ينحدر إلى هاوية السقوط الأخلاقي حيث تنتشر المحسوبية والسرقة والجنس الحر وتفكك العائلة.
الإحصاءات الرسمية تبين أن استهلاك لحم البقر نقص إلى مستوى عام 1970 أما استهلاك الحليب فقد أنخفض إلى مستوى عام 1936 والسكر إلى مستوى عام 1956 ويمكن للقارئ القياس على ذلك. كما تبين أن إنتاج البيض أنخفض نسبة 61% من إنتاجه الاشتراكي وإنتاج الحليب إلى 51% والثروة الحيوانية إلى 51 % وهكذا.
حسب الدراسة الرسمية التي قام بها معهد استطلاع الرأي في سلوفاكيا في عام 1990 أكدت النتائج أن 41 % من المواطنين أكدوا أن حياتهم كانت أفضل في العهد الاشتراكي وأن 3% فقط أكدوا أن حياتهم قد تحسنت في العهد الرأسمالي و 52% تمنوا نظاما يجمع بين الاثنين. وحسب دراسات معهد المسائل العامة وهو معهد مدعوم من الغرب كانت نتيجة الدراسة أنه:
في عام 1997: فضل الاشتراكية 49% من المواطنين
في عام 1999 : فضل الاشتراكية 56% من المواطنين
في عام 2001 : فضل الاشتراكية 59% من المواطنين
في عام 2002 : فضل الاشتراكية 66% من المواطنين
وفي دراسة مؤخرة كان نسبة المواطنين الذين أكدوا أفضلية الرأسمالية 8 % فقط لا غير. هذا وتدل الدراسات أن غالبية المواطنين السلوفاكي يؤكدون على أن حياتهم كانت أفضل في زمن الاشتراكية منها في زمن النظام الرأسمالي.
لا تعني هذه النتائج أن غالبية المواطنين السلوفاكي يرغبون في العودة إلى زمن الحكم الاشتراكي فلقد بينت الدراسات أن غالبية المواطنين ترغب في الحصول على المكاسب الاشتراكية معا مع المكاسب الديمقراطية التي اكتسبوها في العهد الجديد و التي أعطتهم مساحة واسعة من حرية الكلمة والحركة والسفر. لقد أخبرني صديق لي يعيش في قرية في جبال سلوفاكيا أنه منذ سقوط النظام الاشتراكي إلى اليوم لم يغادر سلوفاكيا ولا يتوق للسفر إلى الغرب كما فعل الكثيرون ولكنه أكد أن حصوله على جواز السفر وشعوره بأنه يمكنه أن يسافر وفي أي وقت إلى أي مكان في العالم دون قيود يعطيه شعورا بالحرية وبالطمأنينة.
إذن أغلبية المواطنين يرغبون في اشتراكية ديمقراطية تطلق الحريات الفردية بمختلف أشكالها، وفي الوقت الذي ترفض فيه هذه الأغلبية الرأسمالية فإنها أيضا ترفض العودة إلى نظام ديكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد والحد من الحريات الشخصية. وهذا ما اقتنعت فيه الأحزاب الشيوعية في البلدان الاشتراكية السابقة حيث عدلت برامجها على أساسه ودخلت في اللعبة الديمقراطية ولقد أستطاع الحزب الشيوعي التشيكي أن يصل إلى المركز الثاني في مراتبية الأحزاب التشيكية وهو حزب برلماني مؤثر في المجتمع التشيكي . أما الحزب الشيوعي السلوفاكي فبعد أن نجح في الانتخابات قبل الماضية في الحصول على نسبة خولته دخول البرلمان السلوفاكي، خسر موقعه في الانتخابات الماضية وخرج من البرلمان. ولا ندري كيف ستكون نتيجته في الانتخابات القادمة التي ستجري في جون من هذا العام.
استطلاعات الرأي تؤكد أن الاشتراكية في شكلها القديم والمبني على دكتاتورية البروليتاريا والحزب الواحد قد ماتت وإلى الأبد بالنسبة للأوروبيين وليس هناك أي أمل في عودتها. كما أنها ليست جذابة بالنسبة لسكان بلدان العالم الثالث الذين ذاقوا الأمرين ولا يزالوا من قسوة الأنظمة التوتالية وخاصة تلك المقنعة بقناع الإشراكية. إن اشتراكية المستقبل هي الاشتراكية التي تتبنى الديمقراطية والحرية الفردية بمختلف أشكالها وتؤمن بالتعددية وبتداول السلطة بناءا على قرار الجماهير الناتج عن انتخابات حرة وديمقراطية.

د. نضال الصالح / فلسطين
[email protected]
__________________
مدفع الجنوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس