عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-11-08, 11:45 AM   #6
نبيل العوذلي
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2007-10-06
المشاركات: 885
افتراضي مواصلة1

وأما استحلال السحت باسم الهدية ـ وهو أظهر من أن يذكر ـ كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما، فإن المرتشي ملعون هو والراشي؛ لما في ذلك من المفسدة، ومعلوم قطعاً أنهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية، وقد علمنا وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع الى الحيل أنها رِشْوَة. وأما استحلال القتل باسم الأرهاب الذي تسميه وُلاَة الجور سياسة وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر
وهؤلاء يستندون الى فلسفة تجويز
وقال ايضا رحمه الله
اعلام الموقعين ج2 ص 168
في إعراب هذا الكلام وجهان؛ أحدهما: أن قوله: {جزاؤه مَنْ وجد في رحله} جملة مستقلة قائمة من مبتدأ وخبر، وقوله: {فهو جزاؤه} جملة ثانية كذلك مؤكدة للأولى مُقَررة لها، والفرق بين الجملتين أن الأولى إخبار عن استحقاق المسروق لرقبة السارق، والثانية إخبار أن هذا جزاؤه في شرعنا وحكمنا؛ فالأولى إخبار عن المحكوم عليه، والثانية إخبار عن الحكم، وإن كانا متلازمين، وإن أفادت الثانية معنى الحصر فإنه لا جزاء له غيره. والقول الثاني: أن «جزاؤه» الأول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية، والمعنى جزاء السارق أن مَنْ وجد المسروق في رَحْله كان هو الجزاء، كما تقول: جزاء السرقة مَنْ سرق قطعت يدُه، وجزاء الأعمال مَنْ عمل حسنة فبعشر أو سيئة فبواحدة، ونظائره.
قال شيخنا رضي الله عنه: وإنما احتمل الوجهين لأن الْجَزَاء قد يراد به نفس الحكم باستحقاق العقوبة، وقد يراد به نفس فعل العقوبة، وقد يراد به نفس الألم الواصل إلى المعاقب؛ والمقصود أن إلهام الله لهم هذا الكلام كيدٌ كاده ليوسف خارج عن قدرته؛ إذ قد كان يمكنهم أن يقولوا: لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سَرَق؛ فإن مجرد وجوده في رَحْله لا يوجب ثبوت السرقة، وقد كان يوسف عادلاً لا يأخذهم بغير حجة، وقد كان يمكنهم أن يقولوا: يفعل به ما يفعل بالسراق في دينكم، وقد كان في دين ملك مصر ـ كما قاله أهل التفسير ـ أن يضرب السارق ويغرم قيمة المسروق مرتين، ولو قالوا ذلك لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم، ولهذا قال تعالى: {كذلك كدْنَا ليوسف، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله} أي ما كان يمكنه أخذه في دين ملك مصر؛ إذ لم يكن في دينه طريق له إلى أخذه، وعلى هذا فقوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء منقطع، أي لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر، أو يكون متصلاً على بابه، أ أي إلا أن يشاء الله ذلك فيهيء له سبباً يؤخذ به في دين الملك من الأسباب التي كان الرجل يعتقل بها، فإذا كان المراد من الكَيْد فعلاً من الله ـ بأن ييسر لعبده المؤمن المظلوم المتوكل عليه أموراً يحصل بها مقصودُه من الإنتقام من الظالم ـ كان هذا خارجاً عن الحيل الفقهية؛ فإن كلامنا في الحيل التي يفعلها العبد، لا فيما يفعله الله تعالى، بما في قصة يوسف تنبيه على بطلان الحيل وأن مَنْ كاد كيداً محرماً؛ فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده وبمثل عمله، وهذه سنة الله في أرباب الحيل المحرمة أنه لا يبارك لهم فيما نالوه بهذه الحيل، ويهيء لهم كيداً على يد من يشاء من خلقه يُجْزٌّونَ به من جنس كيدهم وحيلهم






من الأدلة على تحريم الحيل

ومما يدل على بطلان الحيل وتحريمها أن الله تعالى إنما أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومَعَادهم؛ فالشريعة لقلوبهم بمنزلة الغذاء الذي لا بد لهم منه والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به، فإذا احتال العبدُ على تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرض الله وتعطيل ما شرع الله كان ساعياً في دين الله بالفساد من وجوه:
أحدها: إبطالها ما في الأمر المحتال عليه من حكمة الشارع ونقض حكمته فيه ومناقضته له.
والثاني: أن الأمر المحتال به ليس له عنده حقيقة، ولا هو مقصوده، بل هو ظاهر المشروع؛ فالمشروع ليس مقصوداً له، والمقصود له هو المحرم نفسه، وهذا ظاهر كل الظهور فيما يقصد الشارع؛ فإن المرابي مثلاً مقصوده الربا المحرم، وصورة البيع الجائز غير مقصودة له، وكذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك ماله لمن لا يهبه درهماً واحداً حقيقةٌ مقصودِهِ إسقاطُ الفرض، وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودة له. الثالث: نسبته ذلك إلى الشارع الحكيم وإلى شريعته التي هي غذاء القلوب ودواؤها وشفاؤها، ولو أن رجلاً تحيل حتى قلب الغذاء والدواء إلى ضده، فجعَل الغذاء دواء والدواء غذاء، إما بتغيير اسمه أو صورته مع بقاء حقيقته؛ لأهلَكَ الناس، فمن عمد إلى الأدوية المسهلة فغير صورتها أو أسماءها وجعلها غذاء للناس، أو عمد إلى السموم القاتلة فغير أسماءها وصورتها وجعلها أدوية، أو إلى الأغذية الصالحة فغير أسماءها وصُوَرَها؛ كان ساعياً بالفساد في الطبيعة، كما أن هذا ساع بالفساد في الشريعة؛ فإن الشريعة للقلوب بمنزلة الغذاء والدواء للأبدان، وإنما ذلك بحقائقها لا بأسمائها وصورها.
وبيان ذلك على وجه الإشارة أن الله سبحانه وتعالى حرم الربا والزنا وتوابعهما ووسائلهما؛ لما في ذلك من الفساد، وأباحَ البيع والنكاح وتوابعهما؛ لأن ذلك مصلحة محضة، ولا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة، وإلا لكان البيع مثل الربا والنكاح مثل الزنا، ومعلوم أن الفرق في الصورة دون الحقيقة مُلْغًى عند الله ورسوله في فِطر عباده؛ فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت ومعناها واحد كان حكمها واحداً، فإذا اتفقت الألفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفاً، وكذلك الأعمال إذا اختلفت صورها واتفقت مقاصدها، هذه القاعدة يبنى الأمر والنهي والثواب والعقاب، ومَنْ تأمل الشريعة علم بالاضطرار صحة هذا؛ فالأمر المحتال به على المحرم صورته صورة الحلال، وحقيقته ومقصوده حقيقة الحرام؛ فلا يكون حلالاً فلا يترتب عليه أحكام الحلال فيقع باطلاً، والأمر المحتال عليه حقيقته حقيقة الأمر الحرام وإن لم تكن صورته صورته، فيجب أن يكون حراماً لمشاركته للحرام في الحقيقة. ويالله العجب! أين القياس والنظر في المعاني المؤثرة وغير المؤثرة فرقاً وجمعاً؟ والكلام في المناسبات ورعاية المصالح وتحقيق المَنَاطِ وتنقيحه وتخريجه وإبطال قول مَنْ عَلّقَ الأحكام بالأوصاف الطَّرْدية التي لا مناسبة بينها وبين الحكم، فكيف يعلقه بالأوصاف المناسبة لضد الحكم؟ وكيف يعلق الأحكام على مجرد الألفاظ والصُّور الظاهرة التي لا مناسبة بينها وبينها ويَدَع المعاني المناسبة المُفَضية لها التي ارتباطُهَا بها كارتباط العلل العقلية بمعلولاتها؟ والعجب منه كيف ينكر مع ذلك على أهل الظاهر المتمسكين بظواهر كتاب ربهم وسنة نبيهم حيث لا يقوم دليل يخالف الظاهر ثم يتمسك بظواهر أفعال المكلفين وأقوالهم حيث يعلم أن الباطن والقصد بخلاف ذلك؟ ويعلم لو تأمل حقَّ التأمل أن مقصود الشارع غير ذلك، كما يقطع بأن مقصوده من إيجاب الزكاة سد خَلَّة المساكين وذوي الحاجات وحصول المصالح التي أرادها بتخصيص هذه الأوصاف من حماية المسلمين والذَّبِّ عن حَوْزة الإسلام، فإذا أسقطها بالتحيل فقد خالف مقصود الشارع وحَصَّل مقصود المتحيل، والواجب الذي لا يجوز غيره أن يحصل مقصود الله ورسوله ويبطل مقاصد المتحيلين المخادعين، وكذلك يعلم قطعاً أنه (إنما) حرم الربا لمن فيه من الضرر بالمحاويج، وأن مقصوده إزالة هذه المفسدة؛ فإذا أبيح التحيل على ذلك كان سَعْياً في إبطال مقصود الشارع وتحصيلاً لمقصود المرابي، وهذه سبيل جميع الحيل المتوسَّل بها إلى تحليل الحرام وإسقاط الواجب، وبهذه الطريق تبطل جميعاً، ألا ترى أن المتحيل لإسقاط الاستبراء مُبْطِل لمقصود الشارع من حكمة الاستبراء ومصلحته؛ فالمعين (له) على ذلك مُفوت لمقصود الشارع محصل لمقصود المتحيل، وكذلك التحيل على إبطال حقوق المسلمين التي ملكهم إياها الشارع وجعلهم أحق بها من غيرهم إزالة لضررهم وتحصيلاً لمصالحهم؛ فلو أباح التحيل لإسقاطها لكان عدم إثباتها للمستحقين أولى وأقل ضرراً من أن يثبتها ويوصي بها ويبالغ في تحصيلها ثم يشرع التحيل لإبطالها وإسقاطها، وهل ذلك إلا بمنزلة من بَنَى بناء مشيداً وبالغ في إحكامه وإتقانه، ثم عاد فَنَقَضَه، وبمنزلة من أمر بإكرام رجل والمبالغة في بره والإحسان إليه وأداء حقوقه، ثم أباح لمن أمره أن يتحَيَّل بأنواع الحيل لإهانته وترك حقوقه، ولهذا يسيء الكُفّار والمنافقون ومَنْ في قلوبهم المرض الظّنّ بالإسلام والشرع الذي بعث الله به رسوله حيث ظنوا أن هذه الحيل مما جاء به الرسول وعلموا مناقضتها للمصالح مناقضة ظاهرة ومنافاتها لحكمة الرب وعدله ورحمته وحمايته وصيانته لعباده؛ فإنه نهاهم عما نهاهم عنه حميةً وصيانةً، فكيف يبيح لهم الحيل على ما حماهم عنه؟ وكيف يبيح لهم التحيل على إسقاط ما فَرَضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي أحقها عليهم لبعضهم لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتم إلا بما شرعه؟ فهذه الشريعة شَرَعَها الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضد ذلك، وهذا أمر ثابت لها لذاتها وبائن من أمر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها، فالمأمور به مصلحة وحَسَنٌ في نفسه، واكتسى بأمر الرب تعالى مصلحة وحسناً آخر، فازداد حُسْناً بالأمر ومحبة الرب وطلبه له إلى حسنه في نفسه، وكذلك المنهى عنه مَفْسَدة وقبيح في نفسه، وازداد بنهي الرب تعالى
نبيل العوذلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس