عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-17, 01:28 PM   #1
التحرير أفضلي
قلـــــم جديــد
 
تاريخ التسجيل: 2010-02-21
المشاركات: 3
افتراضي بحث حول ورود لفظ (البروباغندا) في البيان رقم (174) لمكتب سيادة الرئيس علي سالم البيض

بسم الله الرحمن الرحيم

بحث حول ورود لفظ (البروباغندا) في البيان رقم (174) لمكتب سيادة الرئيس علي سالم البيض
13 مارس 2010 بقلم: صبري باحاتم

ورد لفظ (البروباغندا) في بيان التضامن مع قناة الجزيرة رقم (174/2010) بتاريخ 12 مارس 2010م لمكتب سيادة الرئيس علي سالم البيض. رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية، حيث جاء ضمن البيان " إننا نستنكر وندين أشد الإدانة الإجراءات الترهيبية بحق قناة الجزيرة، ونعلن تضامننا معها، ووقوفنا إلى جانبها في معركتها من أجل الدفاع عن شرف المهنة الإعلامية، كما نثمن حسها المهني العالي وأمانتها الأخلاقية وشجاعتها في عدم الانحناء أمام سطوة ترهيب صنعاء، الذي يعتمد على تزييف الحقائق والكذب والدس والمزايدات الرخيصة والبروباغندا التي عفى عليها الزمن" ومن خلال هذا البحث نستوضح بعض الأساليب المبتذله لمصطلح (البروباغندا) التي تبناها نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح وأصبح يمارسها باحتراف ، وهي من مقومات سياسته طيلة 30عاماً سواء في الجمهورية العربية اليمنية أو في الدولة الجديدة بعد قيام الوحدة اليمنية عام 1990م.

إن عالم اليوم بات تحت رحمة البروباغندا. ففي عالم اليوم تلجأ الكثير من الدول فاقدة الشرعية أو الدول الاستعمارية، بل تلجأ حتى الجماعات والأحزاب وغير ذلك إلى البروباغندا من أجل تحقيق أغراض كثيرة عن طريق إقناع الآخرين بما يريدون. وما الحملات الإعلامية بأنواعها إلا أشكال من البروباغندا التي تكاد تطغى على كل شيء هذه الأيام، فتبهر عيوننا وتصم آذاننا، وربما تعبث بعقولنا.

يا لها من وسيلة بشرية ذكية. في كل يوم يتم قصفنا بالبروباغاندا الذكية من أجل سرقة عقولنا وقلوبنا معاً. هذه البروباغاندا تستخدم فيها الرموز في مداعبة العواطف الإنسانية من أجل التحكم بها في مرحلة لاحقة. وتساهم وسائل التكنولوجيا الحديثة في دعم البروباغاندا ونشرها من أجل أن تتغلغل في حياتنا حتى تكاد تحبس أنفاسنا. نعيش في عصر الثورة المعلوماتية ونقع ضحايا كل لحظة، فالرسائل تجد طريقها إلينا أينما تواجدنا وبأشكال لم تخطر على بال أحد من آبائنا أو أجدادنا.

المتخصصون في هذا الفن البشري وأعني به البروباغاندا يسوقوننا نحو ما يريدون، بإثارة عواطفنا من أجل كسب تعاطفنا مع الأفكار التي يتبنونها، والأعمال التي يمارسونها. يلجأ هؤلاء العباقرة في فنون الدعاية والإعلام إلى أساليب تستثمر شعورنا بانعدام الأمن والخوف، وإلى تطويع اللغة والبلاغة حيث يتفنون باستعمال العبارات اللغوية الرنانة والغامضة في الأغلب في محاولاتهم الجريئة لكسر عقولنا والعصف بقلوبنا. يلجأ أخصائيو البروباغاندا إلى التلاعب باللغة وتزييف المنطق من أجل إيصال معلوماتهم إلى عقلنا الباطن، تمهيدا لغسل أفكارنا وتحويلنا إلى متعاطفين مع أغراضهم.

البروباغاندا بالضرورة استعمال للخدعة وبأساليب متعددة. وللأسف يقع الكثيرون في حبائل البرباغنديين وذلك لعدم وجود الحصانة الكافية ضد تأثيرهم. إن من حق الناس أن يفكروا لأنفسهم وأن يقرروا ما يفعلونه بأنفسهم دون تأثير من أحد، لكن البروباغانديين لا يتركون أحدا في حاله، فلا ينامون ولا يتركوننا ننام؛ يدسون أنوفهم في حياة كل منا دون أن ندري، من خلال سمومهم التي ينفثونها مع كل نشرة أخبار أو دعاية إعلانية.

يستعمل هؤلاء الشتائم ولكن بكلمات مغلفة يتم اختيارها بعناية. ويستخدمون الرموز السلبية لربطها بشخصية ما، أو جماعة ما طمعا منهم في إفساد رأي الجمهور حول الموضوع الذي يريدونه. فهم بدلاً من أن يستعرضوا الحقائق يقومون باللمز من خلال استغلال الرموز السلبية التي تلطخ سمعة شخص ما أو مؤسسة ما. إن استخدام ألفاظ نابية ضد شخص معين هي من نوع البروباغاندا، فمثلاً يتم وصف شخص معين بأنه "سارق" أو" خائن" أو "غريب الأطوار" أو "عميل للخارج" وغير ذلك من التسميات التي تستعار عادة لكي لا تعاد ضدهم وهي في الأصل تنطبق عليهم ، للعب بعواطف الشعب.

وهناك استعمالات لغوية ترمز إلى أنواع السلوك التي قد يقوم بها أشخاص يراد أن نلطخ سمعتهم، فيتم وصفهم بالعتوه، أو الطمع، أو حتى في الشرف والأصل. إن إطلاق الكلمات والوصوف على الأشخاص أو المجموعات أو المؤسسات هكذا وتصنيف سلوكياتهم وأفكارهم في قوالب معينة - تترك أثرها في النفس وان لم تتقبل - يراد منه الإساءة والتزوير وجذب انتباه العامة إلى غير ما هو حقيقي. وضرب خصومهم حتى في وضح النهار وتكثيف الضباب الذي يتخصصون بنشره في الأفق من أجل خلط الأوراق وإنكار الحقيقة لغايات معينة.

ويميل البروباغانديون إلى استعمال كلمات رنانة لها تفسيرات مختلفة مثل الديمقراطية والحرية والحق والانتماء والإخلاص وغيرها من كلمات يستطيع أي شخص أو أي مجموعة ادعاءها. يتشدق البعض عن الديمقراطية مثلاً فنكتشف لاحقاً أنهم يعنون النمط الخاص بهم من الديمقراطية التي قد تعني أحياناً استعباد الآخرين تحت نفس الشعار.

الشعارات البراقّة سلعة يتاجر بها أهل البروباغاندا. فهم يلجؤون إلى وسائل من شأنها تهدئة الجمهور وجعلهم يتقبلون الحقيقة المرة على أنها قدر لا بد منه. فهناك يتم تسويق شرور بعينها مثل الحرب والدمار على أنها ضرورة لا يمكن تجنبها، فكل شيء يهون من أجل الشعارات الجميلة التي يدعونها، حتى آلة الدمار يطلق عليها تسميات لطيفة لها إيحاءات لدى بعض الفئات من الناس من أجل تبرير استخدامها في قتل مخلوقات الله وإهلاك الحرث والنسل.

في البروباغاندا يستخدمون أسلوب التباكي على جرائمهم والأزمات التي من صنعهم، كما تستخدم رموز أخرى مثل العلم الوطني والرموز الدينية في محاولة لإثارة مشاعر الناس العاديين البسطاء، ومن ثم توجيههم في سبيل قضية معينة.

ويلجأ أهل البروباغاندا إلى " النجوم " من البشر فيقنعونهم بأن من الضروري أن يستثمرون " نجوميتهم " مقابل المال، فيزجونهم في مخططاتهم، ولأننا جميعاً نحب النجوم، فإن البروباغاندا تنجح في جّرنا نحوهم.

فمثلاً للتعبير عن إنسانية فقدها صاحبها فيظهر الشخص مثلاً يداعب طفلاً بريئاً في محاولة للإيحاء للجماهير بأنه يهتم بالناس العاديين وأنه " ابن الشعب البار" ، وإلا فما الذي يدفعه لمداعبة الأطفال أمام الكاميرات؟ وطبعاً ينجح أهل البروباغاندا في إثارة عواطف الملايين من الناس إيجابا أو سلباٌ مع القضية التي يتبناها.

إن البروباغانديين على قدر كبير من الذكاء ، فهم يعرفون من أين تؤكل الكتف. هؤلاء يحشرون أنوفهم في كل زاوية من عالمنا المعاصر. يستأجرون القاعات يملؤون المدرجات صخباً برموز وموسيقى وألوان وطقوس من أجل إيصال رسالتهم إلى الكون. يستعملون أنواع الفنون ويعطوننا انطباعات بأنهم وحدهم على حق وأن من يعاديهم أو يشكك بهم هم الشياطين فقط. يريدون أن يتوصلوا إلى عقولنا وقلوبنا من خلال الإيحاء أن كل الجماهير معهم وأنهم حقاً يمثلون الجميع، فلا مجال إذن إلا للانضمام إلى جوقتهم.

ومن أساليب البروباغاندا المعروفة تخويف الناس بشكل غير مباشر. فهم يحاولون الإيحاء بأن البشرية في خطر إذا لم يهب الجميع لاعتناق أفكارهم والانضمام إلى صفوفهم. إنهم يعرفون علم النفس جيداً ويسخرونه لمصلحتهم، فهم يدركون المخاوف الداخلية المزروعة في كل منا.

باختصار، البروباغاندا تلعب بأعصابنا كل لحظة ، وأساليبها في كل مكان ومنتشرة، تستخدم أساليب ملتوية، تطوي عنق الحقيقة وتلوي أذن المنطق من أجل دفع الناس لتبني فكرة ما، أو إنكار واقعاً مأساوياً يرونه بأم اعينهم، لكن العلم بالشيء خير من الجهل به، والله أعلم.
التحرير أفضلي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس