عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-02-13, 02:36 AM   #1
الجنـــوب المحتل
قلـــــم نشيـط جــــداً
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-24
المشاركات: 137
افتراضي في الليل 'ملكي'.. وبالنهار 'جمهوري'! بقلم أحمد عمر بن فريد ..القدس العربي

في الليل 'ملكي'.. وبالنهار 'جمهوري'!
أحمد عمر بن فريد

12/02/2010



قيلت هذه العبارة وراجت في ستينات القرن الماضي في اليمن، حينما كانت المعارك تدور مابين قوى (الجمهوريين) وقوى (الملكيين) حول صنعاء وتخومها، في زمن قيل فيه أن حوالي ثلث الجيش المصري كان يتواجد على الأراضي اليمنية لنصرة الثورة والجمهوريين. لكن القوات المصرية التي وصلت إلى هناك بأمر سياسي نابع من صدقية زعيم عربي كبير، عانت الأمرين وتكبدت الكثير من الخسائر البشرية والمادية بسبب (تذبذب) القوى السياسية والاجتماعية والعسكرية اليمنية ما بين معسكر الجمهوريين ومعسكر الملكيين المدعوم من قبل السعودية في ذلك الوقت. أي أن المصريين والسعوديين معا، سجلوا حيرة كبيرة أمام عدم وضوح الصورة بشكلها النهائي فيما يخص القوى التي يمكن (الاعتماد) عليها بصفتها ملكية أو جمهورية، لأن واقع الحال كان يبدو ذا خصوصية يمنية غريبة، حيث كان الولاء يتحدد وفقا لمعيار 'من يدفع أكثر'. وعلى أساس ذلك يمكن أن تتبدل المواقف للفرد الواحد خلال فترة (24 ساعة) ليصبح جمهوريا بعد أن أمسى ملكيا.
وإذا ما استحضرنا تلك الظاهرة العجيبة بمفهومها الغريب إلى الواقع الراهن في اليمن، فان الكثير من الأمور التي تبدو غامضة وغير مفهومة للكثير من المثقفين والساسة العرب والأجانب، يمكن فهمها وتفسيرها استنادا إلى ذلك.
فعلى خلفية اعتقال تاجر السلاح اليمني المعروف (فارس مناع) شقيق محافظ صعدة (حسن مناع)... تساءل احد الكتاب العرب في عموده اليومي عن وجود سر وتناقض كبير لا يمكن فهمه بسهولة في مجمل العملية التي تمت، ومرد التناقض المطروح يستند إلى إشكالية قبول وفهم ان يكون تاجر السلاح المقبوض عليه شقيقا لمحافظ المحافظة التي تشتعل فيها النيران بكثافة شديدة مابين القوات الحكومية من جهة والحوثيين من جهة أخرى؟! على اعتبار ان الرجل الذي هو متهم بتوريد السلاح وبيعه للحوثيين هو شقيق المحافظ الذي يفترض تقديمه كافة سبل الدعم للقوات الحكومية، بالإضافة إلى أن التاجر (فارس) يعتبر احد فرسان وأركان النظام في صنعاء.
وفي الحقيقة ان هذا التناقض على منطقيته ومع ما يطرحه من شكوك وحيرة وريبة في مجمل العملية الجارية، إلا انه يمثل جزئية صغيرة في شبكة تناقضات اكبر تعتري المشهد السياسي في اليمن ككل، وهي تناقضات متشابكة ومعقدة ومذهلة في نفس الوقت، ولكي تفهم مجريات الأمور في اليمن كما هي، فلا بد من إجراء عملية (فك) لطلاسم تلك التناقضات، وحلحلة عقدها وخيوطها التي حيكت بحنكة ودهاء من قبل المشرفين عليها والمستفيدين منها. إذ ان (فارس مناع) وشقيقه المحافظ ليسا سوى حلقة واحدة فقط ضمن حلقات أخرى ذات تأثير أقوى واكبر على مجريات الأحداث في اليمن والمنطقة المجاورة ككل.
لكن الأكيد في الأمر ان تلك الحلقات المترابطة تبدأ وتنتهي من والى داخل القصر الجمهوري ذاته، وهي في نهاية المطاف تعمل ضمن منظومة الحكم في صنعاء وجزء لا يتجزأ من طبيعة النظام نفسه، كما ان نتائجها النهائية تصب في وعاء واحد، حتى وان اختلفت وتعددت مهامها وبدت منذ الوهلة الأولى متناقضة او غير منسجمة وفقا لحسابات المنطق المثالية.
ففي ذلك الوعاء الكبير، يمكن توظيف جميع القوى (الفاعلة) على المسرح اليمني بما يخدم بقاء النظام أولا، وبما يخدم مصالح باقي الأطراف المشتركة في لعبة التوازنات على مستوى الداخل اليمني .. فلا عجب بعد ذلك ان يخرج (القيادي القاعدي) من البوابة الرئاسية التي سيدلف عبرها السفير الأمريكي في لقاء رسمي معد له مسبقا، دون ان يعلم سعادة السفير ان من سبقه إلى ذات الكرسي الذي سيجلس عليه كان قياديا من القاعدة... مع ضرورة الانتباه إلى ان كل ذلك يحدث ضمن إستراتيجية (الرقص على رؤوس الثعابين) وهي الإستراتيجية التي طالما تفاخر بإجادتها الرئيس صالح أكثر من مرة.
وللمزيد من تسليط الضوء على تلك الإستراتيجية (اللعبة) الخاصة بنظام الرئيس صالح، نجد أن اللامنطقي يصبح منطقياً، واللاممكن يتحول إلى ممكن ... ولا غرابة أن يلتقي (مناع ) بـ (حسين الأحمر) الصغير في (مخيم) دولة عربية سخية طلبا للدعم. حيث يحصل الأول على دعم كبير لنصرة الحوثيين فيما يتلقى الثاني دعما آخر لتعزيز مكانته في وجه الرئيس صالح. وفي سبيل إتمام المسرحية بصورة مقنعة لأصحاب الخيمة، فلا بأس أن يغضب الشيخ الصغير في خطاب قبلي ساخن في مسقط رأسه، ويخرج الرئيس اليمني من نسب قبيلة سنحان قبل زيارة تلك الدولة الثورية الكريمة، ثم تجده بعد ذلك يسير بهدوء وود إلى جوار الرئيس بعد أن أنهى مهمته بنجاح.
وفي نفس السياق أيضا، يمكن ان تشاهد الشيخ ذاته، ينشئ مجلسه الوطني المدعوم من الجارة الكبرى لكي يستوعب قوى سياسية أخرى من شأنها إحداث توازن سياسي كان قد استطاع إقناع المانحين بجدواه وضرورته، في حين ان شقيقه الأكبر يحتل منصبا رسميا ضمن الهيئة الحكومية لإدارة مجلس النواب. .. وعلى الجانب البعيد يقوم الشقيق الأبرز بتولي زمام المعارضة كزعيم فعلي لتكتل أحزاب اللقاء المشترك، لتصبح مهمته الرئيسية العاجلة، احتواء القيادات الجنوبية (التاريخية) وإقناعها ان الجنوب لا يعاني الا من تصرفات صالح غير المسؤولة وان عليهم السير معه وخلفه لكي يحدثوا معا (التغيير) بدلا عن (التشطير) .. علما بأن التغيير لدى القيادي الشاب يحمل معاني مخالفه تماما لما تظنه (القيادات التاريخية) ذات الخبرة السياسية الكـــبيرة.. ولتذهب دماء شهداء الجنوب التي سفكت في ساحات النضال السلمي سعيا للاستقلال الثاني فداء لهذا التغيير الـ (حميد).
ولأن الحديث قد تناول التاجر (فارس مناع) .. فمن العدل والإنصاف ان نتحدث قليلا عن (فارس طماح) الشاب الجنوبي المناضل، الذي تم اعتقاله وقتله بدم بارد، في زنزانته الانفرادية قبل أيام قليلة بعدن، بطلقة رصاص أصابت رأسه واردته قتيلا في حادثة لم تشهد لها حتى سجون الاحتلال الإسرائيلي مثيلا من قبل . ويبقى دم (فارس الجنوب) من نوعية الدماء التي تسترخصها صنعاء لتعمد بها وحدة احتلال الجنوب . وأما (فارس الشمال) فيخطئ من يعتقد بوجوده في المعتقل بمعناه الحقيقي.. فجل ما في المسألة انه قد سحب من الملعب الرئيسي إلى (دكة الاحتياط)، لأن الرئيس اليمني من النوعية التي لا تفرط برجالها بسهولة. كما ان (دكة الاحتياط) هذه متخمة بالنجوم الكبار ذوي المهارات والقدرات العالية، وهي دكة تزخر بعناصر متعددة ومتنوعة تضم بين صفوفها عناصر القاعدة، وشيوخ القبائل ومثقفي السلطان وعاشقي المناصب على حساب كرامتهم، والمجرمين ومهربي السلاح والمخدرات وكل ما يمكن تخيله. انها لعبة الرقص على رؤوس الثعابين. اللعبة السياسية الممتعة والخطيرة التي يجيدها ويتقنها الممسكين بزمام الأمور في اليمن. وهي لعبة خطيرة دفع ثمنها الجنوب وشعبه المسالم، ويدفع ثمنها حاليا الجوارالعربي دون ان يدرك مصدرها وحقيقتها.

" كاتب وسياسي جنوبي"
الجنـــوب المحتل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس