عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-01-22, 12:56 AM   #1
بائع المسك
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2009-10-08
المشاركات: 630
افتراضي فضلاً دعونا نعبر دعونا نمر

بسم الله الرحمن الرحيم
فضلاً دعونا نعبر دعونا نمر
قادمون يا أماه .. قادمون من رحم المعاناة .. من وسط ركام الأحزان .. قادمون بقلوب طاهرة ونفوسٍ صافية كالسماء ، وعقولٍ واعية مدركة لحقيقة وجودها وتاريخها وغاياتها .. قادمون يا عدن لنمسحك عن وجهك الأحزان ، لنطوي عنك سنين الحرمان والجحود والنكران ، لنعتذر عن هفوات وخذلان آبائنا لك ونطلب منك لهم الغفران ليغفر الله لهم .. قادمون لنقف بين يديك وعند قدميك فتحملقين في وجوهنا ودمعتان تنحدران على وجنتيك فرحاً وتهمسين هاهم أحفادي رشدوا ها هم أحفادي نضجوا هاهم أحفادي شبوا عن الطوق وقدموا إليًّ بشموخ وإباء ليدفعوا عني الظلم والأذى واستبداد الغرباء .. ونرد على همسك قائلين لا تحزني ولا تهني يا أماه فظلام ليلك أوشك على الرحيل وفجر أحفادك أزف بزوغه لا تحزني فأحفادك اليوم ينسجون وينقشون بدمائهم وأرواحهم وآلامهم وأوجاعهم ثوب عرسك القادم الذي سيزفونك فيه للعالم في يوم تتطاول فيه أعناق الخلائق وتشخص فيه أبصارهم إليك اندهاشاً وإعجاباً بجمالك المنبعث فجأة من وسط ركام أوجاعك وانبهاراً بإخلاص أبنائك لك يا سيدة الدنيا وبحارها .. لا تحزني فلن يثننا عن بلوغ ذلك اليوم حال آبائنا المضطرب اليوم فقد حسمنا أمرنا وحددنا خيارنا ، حاولنا فقط إشراكهم معنا في تحقيق ذلك الخيار طمعاً في نيل رضاهم وإحسانا إليهم حسبما نص الله في كتابه العزيز ، أما وقد صاروا عائقاً عن تحقيق آمالنا في الحياة ..
فإنًّا نقول لهم : عذراً آباءنا أفسحوا لنا الطريق .. دعونا نعبر دعونا نمر .. فلا متسع لدينا من الوقت للسير خلف خطوات إقدامكم المتعثرة والمرتعشة التي أثقلت كاهلها صروف الدهر وسنون العمر ..
عذراً آباءنا لا نطلب ذلك من منكم عقوقاً أو تأففاً أو تضجراً ــ حاشا لله ــ بل طاعةً وإكراماً وتقديراً لتأريخكم وتضحياتكم ومآثركم العظيمة التي سطرتموها طيلة حياتك الماضية لأجلنا ، وقد حان الوقت لتضعوا عن كاهلكم أعباء كل ذلك وتجعلوها على كاهلنا نحن فتطمأنوا بذلك على أن تضحياتكم آتت ثمارها فهاهم أبناؤكم يحملون راية التقدم نحو المستقبل الذي أرسيتم قواعده وانتم تراقبون مسيرة التقدم تلك بعين المرشد والناصح والمحذر من هفوات الأبناء أو اندفاعاتهم وبهذا تتراكم وتتوارث الخبرات والتجارب بين الأجيال بشكل منطقي وطبيعي وسلمي بدلاً من التشبث بسلطان الأبوية المفرط حتى الممات فيجد الأبناء حينها أنفسهم أمام تركة مليئة بالتعقيدات لا يدرون كيف يتعاملون معها أوكيف يستغلونها الاستغلال الأمثل ..
عذراً آباءنا لا نقصد من طلبنا إفساح الطريق لنا إلغاءكم أو تسفيهكم أو التقليل من شأنكم وتضحياتكم أو تركينكم بالبيوت ودور العجزة ، لا لا نقصد ذلك ، بل أننا نقدر ونجل ونفتخر بكل تلك التضحيات ونجعل منها الأساس الذي ننطلق منه نحو المستقبل ونتفهم ـــ أيضاً ـــ اعتزاز كل منكم بتأريخه وتضحياته وخوفكم من العبث فيها أو الإساءة إليها أو القفز عليها أو محوها ... الخ ، نتفهم كل ذلك بعقول واعية واعتقاد راسخ منطلق من حقيقة أن أحداث ووقائع تاريخ الأمم والشعوب عبارة عن سلسلة حلقات مترابطة مع بعضها كل حدث (حلقة) يعد نتيجة منطقيه للأحداث السابقة له وهو في نفس الوقت يشكل مقدمة للأحداث اللاحقة له وهكذا تنتظم وقائع وأحداث التاريخ الإنساني في مقدمات ونتائج يبنى بعضها على بعض وبالتالي فأي بناء خارج هذا التراكم الطبيعي لأحداث التأريخ يعد بناءً شاذاً خارج سياق حركة التاريخ لن يولد إلا الخراب والتعثر لأي شعب أو أمه ومكتوب عليه الزوال ولو بعد حين .. وهذا ما علمتنا إياه أحداث التاريخ الماضية ... لذلك فكونوا مطمئنين فلن نقفز على حقائق التاريخ والواقع السابقة التي انتم جزء منها بل سنبني عليها بناءً طبيعياً وهادئاً وفقاً لقانون حركة التاريخ السابق ذكره دون أن ننصب محاكماً لأخطائه أو مشانقاً لصانعيه بل سنعيد قراءته قراءة واعية وعقلانية لاستخلاص العبر والدروس النافعة منه للانطلاق نحو المستقبل إيماناً منا أنه لا يمكن محاكمة الماضي بعيون الحاضر وقوانينه .. فإذا كنا نتفهم كل ذلك طبقاً لما سبق ، فإنه يتعين عليكم أن تتفهموا طلبنا في إفساح الطريق لنا لشق طريقنا نحو المستقبل الذي ننشده فهذا هو منطق الحياة الطبيعي فالماضي هو إرثكم الذي تحرصون على عدم المساس به أو تشويهه وتفهمنا ذلك كما سبق ، والحاضر هو ارثنا الذي اكتسبناه منكم ونحرص كل الحرص على عدم المساس فيه أو إعاقة تطوره ، وعليكم أن تتفهموا ذلك الحق لنا ، وإذا قيل بأنكم صناع الماضي وشركاء في الحاضر طالما تعيشون فيه فإن هذا القول من الناحية النظرية قد يبدو صحيحاً ، ومع ذلك فإنكم لا تعترفون به ، فسلطان الأبوية المستبد لديكم لا يقر بشراكة الأبناء وإنما يقر تبعيتهم المطلقة لآبائهم مع أن منطق الحق والشرع يفسر شراكة الآباء في حقوق وحياة أبنائهم في النصح والمشورة والتوجيه مقابل الإحسان والطاعة .. لذلك نكرر قولنا : عذراً آباءنا أفسحوا لنا الطريق دعونا نعبر دعونا نمر فقد بدأت خياراتنا معكم تنفذ بعد أن صرتم عائقاً أمام طريقنا بدلاً من أن تكونوا مرشداً ودليلاً لنا للسير بثبات في تلك الطريق ، وهذا وضع لا أظنكم ترغبون أن تضعوا أنفسكم فيه ولكنه حدث ، وحدوثه جعل من واجبكم الأخلاقي والوطني والعقائدي التنحي عن طريق أبنائكم وتطلعاتهم والتحول إلى دور المرشد والمشير ..
فهل ستفعلون ذلك أم أن على الأبناء الجهر بعقوق آباءهم ...
الخيار لكم لتدعونا نعبر ونمر بسلام واطمئنان .
بائع المسك = متفكر
بائع المسك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس