عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-16, 03:22 PM   #26
فتحي بن لزرق
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-27
الدولة: عدن المحتلة
المشاركات: 1,103
افتراضي

اعتقالات تعسفية أخرى

واجه بعض الناشطين الآخرين في الحراك الجنوبي معاملة شبيهة. نصر نصر عبد الله حموزيبة، ضابط الجيش المتقاعد، روى لـ هيومن رايتس ووتش كيف تم احتجازه برفقة ثلاثة أصدقاء بشكل تعسفي في 13 يناير/كانون الثاني 2009، على مقربة من ساحة الهاشمي، حيث كان الناس متجمعين في احتجاج. وضعته الشرطة في شاحنة للشرطة برفقة 50 محتجزاً آخرين ونقلته إلى مركز شرطة المندانة أولاً، قبل إحالته إلى الاستخبارات العسكرية لأنه جندي متقاعد. وقال:
أمضيت ثمانية أيام في الاستخبارات، لكن أحسست كأنها ثمانية أعوام. كنا جميعاً في حجرة صغيرة ليس فيها إلا مروحة واحدة، نحو 70 شخصاً في 3 حجرات. لكن لم نتعرض للضرب، فكانوا يسبونا فقط ويوجهون إلينا الإهانات. ثم أفرجوا عني وفقدت معاش [التقاعد] العسكري لمدة 6 أشهر.[114]
وفي 5 أو 6 يونيو/حزيران 2009، كان وليد قاسم أسعد شعيبي – رئيس اتحاد شباب الجنوب في الضالع – خارجاً من سكن الطلاب في عدن عندما توقفت سيارة لشرطة النجدة إلى جواره، وجذبه أربعة رجال مسلحين إلى داخل السيارة بعد أن أقر بشخصيته. ثم وضعوا حقيبة سوداء على رأسه ونقلوه إلى مقر الأمن المركزي في خور مكسر بعدن. وفي الطريق إلى هناك سأله رجال الأمن: "لماذا تحاول بث الكراهية بين الناس؟" وفي مقر الأمن، تم ربط يديه ووضع في هنجر كبير. بدأ رجلان في استجوابه فيما كانا يلكمانه في رأسه وصدره وهما يقولان له: "أنت هندي، أنت صومالي، أنت لست يمنياً".[115] وعندما أوضح أنه انضم للحراك الجنوبي للنضال من أجل حقوقه، قال له رجال الأمن: "لن تنال حقوقك إلا إذا اختفى الأمن المركزي من الوجود".
وبعد الضرب والاستجواب، الذي يُقدر شعيبي أنه دام 25 دقيقة، رفض المسؤولون السماح له بالاتصال بأسرته. وظل في نفس الحجرة ثلاثة أيام، دون مرحاض (وكان يتخلص من فضلاته في ركن من الحجرة) والقليل من المياه والطعام، ودون المزيد من الاستجواب. وفي منتصف الليلة الثالثة، نقلوه بالسيارة إلى مفرق فندق عدن، وركلوه من السيارة إلى الطريق. وقال: "ركلوني خارج السيارة بأحذيتهم. كنت نصف عارٍ، وراح المارة ينظرون إليّ كأنني مجنون".[116]
وقبل احتجاج كان من المقرر عقده في عدن يوم 7 يوليو/تموز 2009، وهو يوم الوحدة اليمني، صعدت قوات الأمن والشرطة من حملة الاعتقالات التعسفية الوقائية لدرجة غير مسبوقة. فقد نصبت الشرطة حواجز على الطريق في شتى أنحاء المدينة وعلى مدار اليومين السابقين على الاحتجاجات قبضت على الآلاف من الساعين للوصول إلى ساحة الهاشمي في الشيخ عثمان. وطبقاً لمحامي على دراية بأحداث ذلك اليوم:
احتجازات 7 يوليو/تموز مختلفة عما حدث من قبل. فالتحرك الأمني كان جاهزاً تحضيراً لذلك اليوم، واعتقلوا ناس كثيرين. لم تكن السجون كبيرة بما يكفي لتسعهم جميعاً، فنقلوا بعض المحتجزين إلى هناجر بل وحتى استاد 22 مايو الرياضي. أغلب الناس اعتقلوا في نقاط التفتيش في طريقهم إلى الاحتجاج. وفي 7 يوليو/تموز لم يقع احتجاج موسع في عدن بسبب الاعتقالات.[117]
وفي 2 يوليو/تموز، قبل خمسة أيام من احتجاج 7 يوليو/تموز، اعتقلت السلطات اثنين من قيادات الحراك الجنوبي، قاسم الضعيري وعلي محمد السعدي، العضو في مجلس قيادة الثورة السلمية، والظاهر أن القصد وراء الاعتقال كان منع الاحتجاجات.[118]
الاحتجاز طويل الأجل دون نسب اتهامات

رغم أن السلطات اليمنية أفرجت عن الأغلبية العظمى ممن احتجزتهم على ذمة الاحتجاجات على وجه السرعة، إلا أن المئات من المؤيدين والزعامات المشتبهين بالحراك الجنوبي احتجزوا لفترات أطول من ستة أشهر، وفي الأغلب دون مراجعة قضائية لاحتجازهم أو اتصالهم بمحاميهم. ولم يُسمح بالاتصال بالأسرة أو المحامين إلا بعد عدة أيام من الاحتجاز. وفي زيارة غير مُعلنة إلى المُكلا يوم 14 يوليو/تموز 2009، قابل باحثو هيومن رايتس ووتش في يوم واحد أهالي 24 شخصاً في ذلك الحين كانوا خاضعين للاحتجاز طويل الأجل دون اتهامات، وأشار الأهالي إلى وجود المزيد من المحتجزين الآخرين. ويُقدر أحد أعضاء حزب سياسي مُعارض أن المحتجزين منذ مايو/أيار 2009 يتراوح عددهم حول 200 شخص ما زالوا متهمين دون نسب اتهامات. وفي 27 أبريل/نيسان اتخذ احتجاج في المُكلا طابع العنف، وكان سجن الشرطة والسجن المركزي ومقر الأمن السياسي في المُكلا جميعاً مزدحمة بالمحتجزين الذين تم القبض عليهم أثناء الحملة التي تلت الاحتجاج العنيف. ومن بين المحتجزين أطفال (انظر أدناه) وكذلك مسنين: سليم عبادي، أحد من ظلوا رهن الاحتجاز حتى كتابة هذه السطور للاشتباه بتطوره في الحراك الجنوبي، يبلغ من العمر 81 عامأ.[119] وقد فر المئات الآخرون من المُكلا إلى مناطق جبلية للفرار من الاعتقال والاحتجاز التعسفيين.
اعتقالات المُكلا إثر عنف 27 أبريل/نيسان يبدو أنها كانت معممة وتعسفية. على سبيل المثال، في 28 أبريل/نيسان داهم رجال الأمن المركزي فندقاً في المُكلا، واعتقلوا منه 15 رجلاً كانوا يمضغون القات في ذلك التوقيت، والكثير منهم حضروا احتجاج اليوم السابق.[120] ومن المُحتجزين السعيد بافراج، في الثلاثينات، وابن أخته، نصر عبد الله بامثقال، 25 عاماً، وكلاهما حضر احتجاج 27 أبريل/نيسان. وتعرض الرجال للضرب المبرح حتى إن نصر عبد الله بامثقال نُقل إلى المستشفى (في ظل حراسة الشرطة) بعد ذلك. وفي وقت زيارة هيومن رايتس ووتش أواسط يوليو/تموز، كان الاثنان رهن الاحتجاز في السجن المركزي للمُكلا، للاشتباه في "المساس بالوحدة الوطنية"، لكن لم يمثلا للمحاكمة، مثل الكثير من المحتجزين في المُكلا.[121]
وتستمر قوات الأمن في البحث عن شقيقي نصر عبد الله بامثقال، ياسر عبد الله بامثقال، 33 عاماً، ومحمد عبد الله بامثقال، 40 عاماً، وقد فرا إلى الجبال التماساً لحماية قبيلتهما، كما فعل الكثير من المطلوبين من ناشطي الحراك الجنوبي. ولمّا لم يتمكن الأمن من الوصول إلى الرجلين، احتجزت أحد أصهارهما في 27 يونيو/حزيران، واستجوبته لمدة ساعة عن مكانهما. كما تكرر احتجاز قوات الأمن لشقيق آخر للرجلين المطلوبين، وهو جمال عبد الله بامثقال، وهو مُعاق ذهنياً، واحتجزته "رهينة" لإجبار الشقيقين على التسليم.[122]
وفي قضية نموذجية أخرى على أعمال الأمن، احتجز الأمن السياسي ناصر محفوظ باقزقوز، 32 عامأ، وهو مُعلم جغرافيا يرأس فرع المُكلا لحزب التجمع الوحدوي، بعد يومين من إلقاءه كلمة في مسيرة 27 أبريل/نيسان. وتم احتجازه 45 يوماً، وأُفرج عنه لمدة أربعة أيام ثم عاودوا القبض عليه. وكان رهن الاحتجاز في السجن المركزي بالمُكلا في التوقيت الذي زارت فيه هيومن رايتس ووتش المدينة أواسط يوليو/تموز.[123]
ورغم صعوبة مراقبة الاعتقالات والاحتجاز التعسفيين المعممين في ريف جنوب اليمن، فيبدو أن مثل هذه الأعمال وقعت في عدة مناطق ريفية جنوبي اليمن. فطبقاً لعبد الله سليم جمبين، رئيس الحزب الاشتراكي اليمني في بلدة الشحر، الواقعة نحو 30 كيلومتراً شرقي المُكلا، فإن 83 شخصاً كانوا رهن الاحتجاز (وقت زيارة هيومن رايتس ووتش أواسط يوليو/تموز) بعد اعتقالهم بين 28 و30 مايو/أيار. وفي 7 يوليو/تموز، كان 20 شخصاً آخرين محتجزين في الشحر، منهم سبعة قُصّر. أربعة من الأشخاص المحتجزين يوم 7 يوليو/تموز تعرضوا للضرب المبرح من قبل قوات الأمن، ومنهم اثنين نُقلوا للمستشفى جراء الإصابات.[124]
الإحالة إلى الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي

منذ بدء الاحتجاجات في عام 2007، فإن بعض المحتجزين في الجنوب، خاصة من يُعتقد أن لهم دور قيادي في حركة الاحتجاجات، أحيلوا إلى الاستخبارات العسكرية والأمن السياسي في صنعاء للمزيد من التحقيق والاستجواب. وفي قضايا نادرة، تحركت السلطات لمحاكمة قيادات من الحراك الجنوبي بناء على اتهامات منها المساس بالوحدة، لكن لم تنتهي أي من هذه المحاكمات حتى الآن إلى صدور أحكام.
ومن بين أول من تعرضوا للاعتقال العميد المتقاعد ناصر النوبة، رئيس جمعية العسكريين المُسرحين، وهي منظمة ظهرت مبكراً للاحتجاجات والاعتصامات من قبل العسكريين المتقاعدين قسراً. النوبة تعرض للاحتجاز من بيته في عدن في 2 سبتمبر/أيلول 2007، وبصفته ضابط عسكري، فقد أحيل إلى الاستخبارات العسكرية في 8 سبتمبر/أيلول 2007، وبعد ذلك نسبت إليه محكمة عسكرية الاتهام بالخيانة لطعنه في وحدة اليمن باعتبارها غير قانونية. وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2007، تم الإفراج عنه قبل أن تصل المحكمة إلى حُكم، بموجب عفو رئاسي.[125]
محتجزون آخرون في الأمن السياسي بصنعاء لم يُنسب إليهم الاتهام قط أو هم مثلوا أمام المحكمة، كما يتطلب القانون اليمني. فقد احتجزت قوات الأمن اثنين من الحرس الشخصي لنائب البرلمان ناصر الخبجي في 13 مايو/أيار 2008، في اعتصام للضباط العسكريين المسرحين في الحبيلين، وفيه تحدث الخبجي، ونقلوهما إلى الأمن السياسي في صنعاء بعد خمسة أيام. وأحد الحارسين، نصر محمد صالح، 24 عاماً، تحدث عن معاملته في الأمن السياسي في صنعاء:
وضعونا في الحبس الانفرادي [لمدة 17 يوماً] وفي الاحتجاز لمدة 3 أشهر و14 يوماً في صنعاء. كانوا يقومون باستجوابنا في الليل بدءاً من اليوم الأول. كانوا يعصبون أعيننا ويوثقون رباط أيدينا، ويستجوبونا في قبو تحت المبنى، بعد أن يوقظونا ليلاً. كان يستجوبنا اثنان، ويسألون عن علاقتنا بالنائب ناصر الخبجي، وأين يختبئ، ومن هم زعامات الحراك. تعاونت مع أسئلتهم، وقلت لهم ما يريدون معرفته. ولم أتعرض للضرب أو التعذيب، فقط سوء المعاملة نفسياً، لاستيقاظي ليلاً، لكن كنت أسمع آخرين [من المحتجزين] يصرخون من الألم.
نُقلت إلى المحكمة أثناء هذه الشهور الثلاثة، ولم يُسمح لي بإجراء مكالمات هاتفية، ولم أر أي من أقاربي أو محامين... وفي سبتمبر تم التوصل إلى قرار بالإفراج عني [والحارس الشخصي الآخر].[126]
تم اعتقال 12 قيادياً آخر من الحراك الجنوبي ونقلوا إلى صنعاء في أبريل/نيسان 2008، ومنهم حسن باعوم ويحيى غالب شعيبي.[127] أمضوا ستة أشهر في سجن الأمن السياسي في زنازين تحت الأرض، ثم نُسب إليهم الاتهام فيما بعد بالمساس بوحدة اليمن. الرئيس صالح أفرج عن القيادات الاثني عشرة في قرار عفو صدر في سبتمبر/أيلول. وفر باعوم إلى خارج البلاد بعد الخروج، والشعيبي مختبئ في منطقة ريفية خشية التعرض للاعتقال مجدداً إذا عاد للمدينة.[128] وأغلب قيادات الحراك الجنوبي مختبئون في الجبال فراراً من الاحتجاز التعسفي والاتهامات السياسية.[129]
وفي عام 2009 استمرت السلطات في الاعتماد على اتهامات سياسية مريبة ضد زعامات الحراك الجنوبي. في أبريل/نيسان اعتقلت السلطات قاسم عسكر جبران، السفير السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية إلى موريتانيا، واتهمته بـ "المساس بالوحدة والتحريض على قتال السلطات".[130] وتم نقل جبران إلى سجن الأمن السياسي في صنعاء وقُدم للمحاكمة، وتم تجميد المحاكمة بعد جلستين دون إبداء أسباب. وأفادت صحيفة يمن تايمز أن أثناء جلسة 3 يونيو/حزيران، أدخلت النيابة ضمن الأدلة "خطب ووثائق ومنشور بعنوان: مشروع عن رؤية النضال السلمي لقضية الجنوب ومستقبل شعب جنوب اليمن، ووثيقة تفيد بالانتماء إلى المجلس الوطني الأعلى للتحرير واستعادة دولة اليمن الجنوبي".[131] وهو ما زال رهن الاحتجاز.
فتحي بن لزرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس