عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-12-16, 03:12 PM   #22
فتحي بن لزرق
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2007-08-27
الدولة: عدن المحتلة
المشاركات: 1,103
افتراضي

عن الحراك الجنوبي


مولد وتركيبة الحراك الجنوبي

طبقاً لأغلب اليمنيين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش، فإن مولد الحركة الاحتجاجية القائمة في جنوب اليمن بدأ بسلسلة من الاحتجاجات الصغيرة التي شنتها في عام 2007 منظمة للضباط العسكريين من الجنوب الذين أُجبروا على التقاعد، وطالبوا بإعادتهم إلى الوظيفة وزيادة معاشاتهم. شكل الضباط المحالون إلى التقاعد جمعية العسكريين المتقاعدين، وبدأوا في تنظيم سلسلة من الاعتصامات والمسيرات الاحتجاجية. وعلى الفور واجهت القوات الأمنية الاعتصامات والاحتجاجات بالعنف والاعتقالات التعسفية.
وقد أدى تفشي عدم الرضا عن الأداء الاقتصادي والتهميش في جنوب اليمن بعناصر أخرى من المجتمع إلى الانضمام إلى حركة الاحتجاج. وانضم الموظفون – وقد أحيل للتقاعد الكثير منهم قسراً عام 1994 – إلى الحركة على الفور. وثمة ما يُقدر بنحو 100 ألف عسكري وموظف مدني في الجنوب أحيلوا للتقاعد جبراً بعد عام 1994، وكانت معاشاتهم في صميم الاحتجاجات الأساسية في عام 2007. [20] وقد وسع المحامون والأكاديميون والطلاب والصحفيون والكثير من أهالي الجنوب من مجال الاحتجاجات. وسرعان ما استخدمت فروع الأحزاب الجنوبية السياسية، بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، ومعها فروع محلية لحزب الإصلاح وناصريين وبعثيين، استخدمت شبكاتها في تحريك الدعم للحراك. [21] وتشمل المطالب الآن المزيد من فرص العمل للجنوبيين، ووضع حد للفساد، ونصيب أكبر من أرباح النفط للمحافظات الجنوبية. [22] وكما أوضح أحد المعلقين: "ثمة إحساس بأن الجنوبيين مستبعدين من شبكات رعاية الشمال في مجالات الأعمال والسياسة والجيش". [23]
وانضمت هياكل قيادية أكثر تقليدية – منها شيوخ القبائل وكذلك السكان العاديين من أهل الريف – إلى الحراك الجنوبي. [24] ومع مطلع عام 2009 كسب الحراك الدعم العريض من مجتمع جنوب اليمن، وتصاعدت المطالب إلى دعوات صريحة بالانفصال وإعادة إنشاء الدولة المستقلة في الجنوب. ووصف ناشط يمني حقوقي الوضع كالتالي:
الآن، بحلول أواسط عام 2009، جميع الفصائل الجنوبية صارت تطالب بالانفصال عن الشمال. حكومة صنعاء لا تنظر إلا في كيفية وقف هذه الجماعات، وليس كيفية حل المشكلات التي تسببت في ظهورها. هناك عناصر نخبوية في الجنوب تشعر بالتهميش، لكن الجماعات التي يشرفون عليها تمثل المظالم الحقيقية للناس. الناس تريد أسعار مخفضة وخدمات أفضل وفرص عمل أكثر. هذا هو السبب في اصطفافهم وراء شعارات الانفصال. [25]
وقد حاول الحراك الجنوبي تطوير بعض المؤسسات المركزية كي يجمع حولها العناصر المتعددة المشاركة في الاحتجاجات. وفي يونيو/حزيران 2009 تناقلت التقارير تعيين الحراك الجنوبي لـ "مجلس قيادة الثورة السلمية للجنوب" [26] الذي وطبقاً لمن قابلتهم هيومن رايتس ووتش، يتشكل من خمسة مسؤولين، هم تحديداً حسن باعوم من حضرموت، رئيساً لمجلس الحزب الاشتراكي اليمني، وصلاح الشنفرة من الضالع، نائب الحزب الاشتراكي بالبرلمان، وناصر نوبة من شبوة، رئيساً لجمعية العسكريين المتقاعدين، وطارق الفضلي من أبين، الزعيم القبلي وحليف الفصيل الإسلامي، الذي انضم حديثاً إلى الحراك الجنوبي بعد أن كان في تحالف قوي مع الرئيس صالح، بالإضافة إلى يحيى سعيد، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن. [27]
ويبدو أن هناك جهات وشخصيات كثيرة متنافسة يصور كل منها نفسه على أنه قيادة الحراك الجنوبي، ومن غير المرجح وجود جهة قيادية واحدة، بل عدة جماعات محلية وإقليمية تنسق أنشطتها فيما بينها إلى حد ما، لكنها تتحرك في العادة بشكل مستقل عن بعضها البعض. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تقييم فعالية مجلس القيادة هذا أو قدرته في الوقت الحالي على العمل كجهة مستقلة، نظراً لأن جميع أعضائه إما يختبئون أو فروا إلى الخارج. كما أن الكثيرين قدموا أنفسهم لـ "هيومن رايتس ووتش" على أنهم "قيادات الحراك". والانطباع الذي وصلنا ممن قابلناهم هو أن الحراك مهلهل إلى حد ما ويتسم بالقليل من التماسك الداخلي.
إعلان عدم اللجوء للعنف والمصادمات المسلحة

منذ بدء الاحتجاجات عام 2007 أصر الحراك الجنوبي علناً على أنه حركة سلمية، ورفض مراراً استخدام المقاومة المسلحة في تحقيق أهدافه. [28] وعلى الجانب الآخر فإن السلطات اليمنية والصحف التي تسيطر عليها الدولة تكرر اتهامها للحراك الجنوبي باحتضان عناصر مسلحة وقد اتهمت المشاركين المسلحين في التظاهرات بوفيات المحتجين. [29]
وطبقاً لسياسي على صلة بالحراك الجنوبي:
لقد واجهنا عنفاً كثيراً من قبل الدولة... كلما تم تنظيم مسيرة [حاشدة] يُقتل الناس. لكن الناس في هذا الحراك سلميون، وهذا تطور تاريخي في مجتمع قبلي الجميع فيه مسلحون. وأغلب المتظاهرين لديهم أسلحة مرخصة في بيوتهم، ويعرفون كيف يستخدمونها، لكنهم يفضلون السبل السلمية. [30]
أبحاث هيومن رايتس ووتش تشير إلى أن الأغلبية العظمى من المظاهرات الموسعة في جنوب اليمن، لا سيما تلك التي وقعت في مراكز حضرية مثل عدن والمُكلا، لم يكن فيها متظاهرين مسلحين. وتسجيلات الفيديو لهذه المسيرات في مناطق الحضر، والكثير من الاحتجاجات على مستوى القرى، يظهر فيها بالاساس متظاهرون عُزل في اعتصامات ومظاهرات غير مسلحة. وروايات شهود العيان التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تزعم أيضاً أن أغلب المظاهرات كانت سلمية. إلا أن المظاهرات الأساسية التي شهدت العنف من قبل المتظاهرين، في أحيان كثيرة كان العنف يقع بعد محاولات من الأمن لوقف المظاهرات أو إطلاق الأمن النار على الحشود، مما أدى لرمي الحجارة رداً من المتظاهرين. وفي مناسبات نادرة، شمل عنف المتظاهرين إلقاء متفجرات بدائية مثل زجاجات المولوتوف وعجلات السيارات المحترقة. [31]
إلا أنه على حد علم هيومن رايتس ووتش في مرتين على الأقل وقعت مصادمات مسلحة بين رجال مسلحين وقوات الأمن، مما أدى لاتهام السلطات اليمنية للحراك الجنوبي بإيواء جناح مسلح. وقد وقعت الصدامات المسلحة في جبال الأحمرين بالقرب من الحبيلين، على بعد 100 كيلومتر تقريباً شمال شرق عدن، أواخر أبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار 2009، وخلفت عدة جنود قتلى ومدنيين مصابين. وفي يوليو/تموز 2009، وقع صدام في زنجبار، عاصمة محافظة أبين، وخلف 12 قتيلاً على الأقل.
كما وقعت حوادث عنف هنا وهناك ضد مدنيين من الشمال في جنوب اليمن، مما يشير إلى تصاعد حدة التوترات بين أبناء المنطقتين. وفي يوليو/تموز 2009 قُتل ثلاثة شماليين في ردفان على يد من يُشتبه في كونهم متعاطفين مع الحراك الجنوبي. وفي الشهر نفسه، هاجم المتظاهرون وأحرقوا ونهبوا متاجر يملكها شماليون في المُكلا.
وفيما ما زالت هذه الحوادث استثنائية – وفيما تتناقض مع التوجه السلمي المُعلن ومسلك أغلب الحراك الجنوبي، وضمن ذلك مظاهرات ومسيرات من تنظيم المناصرين للحراك – فإن كل من هذه الحوادث تلقي الضوء على الطبيعة المشتعلة للموقف وخطر تصعيد العنف. والمصادمات المسلحة على الأخص تُظهر احتمالات نشوب نزاع مسلح يشمل جميع أرجاء الجنوب، ويبدو أنها مؤشر على وجود عناصر متعاطفة مع أهداف الحراك الجنوبي لكنها على استعداد لتحقيق هذه الأهداف عبر وسائل عنيفة.
المصادمات المسلحة

رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من زيارة مواقع المصادمات في الحبيلين وزنجبار، فقد قابلنا أشخاصاً تحدثوا عن هذه الوقائع، وتحصلنا على توثيق شامل بتسجيلات الفيديو للأحداث في المنطقتين.
28 أبريل/نيسان – 7 مايو/أيار 2009: المصادمات في الحبيلين

في 28 أبريل/نيسان بدأ الجيش اليمني في نقل قوات جديدة إلى جبال الأحمرين في بلدة الحبيلين، وفي إنشاء مواقع عسكرية تشرف على القرى في المنطقة، ونصب نقاط تفتيش جديدة. ومع تفاعل بعض أهالي القرى والبلدات المحليين بتنظيم الاحتجاجات السلمية في الحبيلين، فإن عناصر أخرى نفذت هجمات مسلحة استهدفت المواقع العسكرية البعيدة عن القرى والبلدات. وطبقاً للتقارير الإعلامية، فإن المصادمات أسفرت عن وفاة خمسة عناصر أمنية على الاقل وشخصين مسلحين. [32]
وحصلت هيومن رايتس ووتش على تسجيل فيديو من صحفي محلي سافر برفقة مسلحين أثناء القتال إلى المنطقة، كما قابلنا الصحفي نفسه. ويُظهر تسجيل الفيديو جماعات صغيرة من المسلحين يطلقون الرصاص من رشاشات أيه كيه 47 الأوتوماتيكية، تجاه مواقع عسكرية على قمم الجبال البعيدة، بعيداً عن القرى المأهولة بالأسفل. [33] ثم يُرى في تسجيل الفيديو موقعاً للجيش يتم منه إطلاق قذائف للدبابات والمدافع على القرية بالأسفل، مع تصاعد الدخان من أثر انفجار القذائف وسط البيوت. كما يُظهر التسجيل عدة مدنيين يظهر أنهم مصابين بشظايا من قصف الجيش للقرية. [34]
وأحد المسلحين على الشاشة يقول للصحفي أسبابه وراء اللجوء للقتال المسلح:
إننا نقاتل لصوص، محتلين. اليوم نسأل، أية وحدة؟ وحدة الدبابات القابعة فوق بيوتنا؟ لقد بدأوا إطلاق النار. ونهبوا أرضنا، واستهلكوا ثروتنا، ونفد صبرنا على هؤلاء الطغاة ونفضل الموت. [35]
وبعد نحو أسبوع من المصادمات، في 3 مايو/أيار، حضر وزير الإدارة المحلية السابق – عبد القادر هلال – إلى الحبيلين لتسوية المواجهة بين الجيش والمسلحين المحليين. [36] وتم التوصل لاتفاق بين الشيوخ المحليين، وليس الحراك الجنوبي، والجيش، على إبعاد بعض النقاط العسكرية المُنشَئة حديثاً عن جبال الأحمرين، لكن لم تُنفذ الاتفاقات إلا جزئياً، طبقاً لأهالي القرى المحليين. إلا أنه منذ ذلك الحين توقفت الهجمات المسلحة على الجيش إلى حد كبير في تلك المنطقة. [37]
ويبدو أن المصادمات المسلحة في الحبيلين لا علاقة تربطها بالحراك الجنوبي، بما أن رجالاً مسلحين نفذوا هجمات على أهداف عسكرية باسمهم وليس استجابة لدعوات التحرك من الحراك الجنوبي. وهؤلاء المسلحون أنفسهم لم يستخدموا السبل السلمية أو أدّعوا اللجوء للمظاهرات السلمية أثناء شنهم للهجمات.

23 يوليو/تموز 2009: المصادمات حول بيت طارق الفضلي في زنجبار

صدام عنيف آخر وقع في 23 يوليو/تموز 2009، حول بيت الشيخ طارق الفضلي، الحليف الجنوبي السابق للرئيس علي عبد الله صالح، وأسفر عن مقتل 12 شخصاً على الأقل وإصابة 18 آخرين على الأقل. [38]
وأصبح الفضلي حليفاً للرئيس صالح أوائل التسعينيات، وفي الحرب الأهلية عام 1994 حارب إلى جانب صالح ضد الانفصاليين في الجنوب. وظل مورداً هاماً للمقاتلين "العرب الأفغان" خاصة في حرب 1994، ومناصراً للرئيس صالح منذ ذلك الحين. [39] إلا أنه في أبريل/نيسان 2009، غيّر الفضلي من ولاءاته، وتناقلت التقارير أنه أخر القيادات الخمسة لمجلس قيادة الثورة السلمية للجنوب، والذي كما هو مذكور أعلاه، يزعم أنه الجهة القيادية للحراك الجنوبي، وتم تشكيله في يونيو/حزيران 2009. [40] إلا أنه وكما قال لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلة هاتفية، فإنه لا يبدو على وفاق مع المنهج السلمي للناشطين الآخرين في الحراك الجنوبي:
أخوتي في الحراك الجنوبي لا ينصتون لي، لكن هذا النظام لا يفهم الحوار السياسي، لا يفهم إلا القوة. أنا أفضل المقاومة [المسلحة] وإنشاء فرق عسكرية. [41]
وصدّق الفضلي على أن قلة من الحراك الجنوبي وافقوا على دعوته للمقاومة المسلحة، وقال: "بصراحة، لا أجد أن أي من حلفائنا يفضلون رأيي. جميعهم بالإجماع يفضلون الدفاع [المحدود] عن النفس والخيار السلمي". [42]
وفيما أفاد الفضلي أنه انضم إلى الحراك الجنوبي فقط لأن جنوب اليمن "قضية احتلال الشعب وسلبه ثروته"، [43] فقد رفض دعاوى بأنه يريد إنشاء نظام إسلامي في الجنوب، وأعلن ترحيبه بالتعاون مع الدول الغربية. [44]
ووقعت مصادمات زنجبار في "مهرجان" نُظم في 23 يوليو/تموز ونظمه الفضلي لدعم الحراك الجنوبي في بيته بزنجبار، عاصمة محافظة أبين، الواقعة على مسافة نحو 50 كيلومتراً شمال شرق عدن. وحصلت هيومن رايتس ووتش على تسجيل فيديو يُظهر صوراً مختلفة تماماً عن الأحداث وروايات متظاهرين آخرين غير مسلحين قابلتهم المنظمة.
فتسجيل الفيديو يُظهر حشد غفير يلوحون بالأعلام المناصرة لدولة جنوب اليمن قبيل الوحدة (رمز انفصالي) والدعوة للانفصال. ويظهر رجال مسلحون بين الحشد، منهم من يرفعون أسلحتهم في بعض الأحيان دعماً للمتحدثين على المنصة، وكذلك على أسطح البنايات وراء علم كبير للجنوب. [45] ويُرى مسؤولين أمنيين حكوميين في عربات عسكرية وشرطية على أطراف الحشد.[46]
ويظهر في تسجيل الفيديو تبادل لإطلاق النار بين مسلحين حول بيت الفضلي وقوات الأمن. وليس من الواضح كيف اندلع القتال. [47] وفي مقابلة هاتفية لـ هيومن رايتس ووتش، أنكر الفضلي المزاعم الرسمية بأن أتباعه حاولوا إخلاء سبيل السجناء من السجن المحلي، وأوضح أن قوات الأمن حاصرت المتظاهرين وأغلقت جميع الطرقات، مما لم يدع مجالاً لهم إلا السجن الواقع على مسافة ثلاثة كيلومترات. وقال الفضلي لـ هيومن رايتس ووتش أن ضابطاً من الأمن السياسي هو أول من فتح النار، على المتظاهرين، وأن قوات الأمن انضمت إليه على الفور.[48]
أدلة تسجيلات الفيديو التي جمعتها هيومن رايتس ووتش تُظهر رجالاً مسلحين للفضلي يتعاملون فيما يبدو مع أسلحة مألوفة تشمل رشاشات أوتوماتيكية طراز أيه كيه 47، وقاذفات صواريخ منخفضة طراز إم 72، وسلاح مضاد للدروع أو الدبابات. القتال في بيت الفضلي دام يومين بين مناصرين مسلحين للفضلي وقوات الأمن، وهو من ثم مختلف عن إطلاق الذخيرة الحية دون استفزاز على المتظاهرين السلميين، وهي الأعمال التي وقعت بحق متظاهرين آخرين (موثقة أدناه). إلا أن التورط في مثل هذه المصادمات الخاصة بالفضلي – أحد من يُزعم أنهم من قيادات الحراك الجنوبي – تُعد تصعيداً مُقلقاَ للموقف السياسي الراهن.
تصعيد التوترات بين أهالي الجنوب والشمال

ازدادت التوترات بين "الجنوبيين" و"الشماليين" في الجنوب، الذين يرون في الأغلب الأعم أنهم متمايزون ثقافياً عن أحدهم الآخر. أثناء المقابلات مع هيومن رايتس ووتش كثيراً ما أبدى الجنوبيون آراءً سلبية عن "تخلف" الشماليين، وفي بعض الأحيان سبّوا (لفريق هيومن رايتس ووتش) الشماليين المارين في الشوارع أثناء الانتقالات ما بين الاجتماعات والمقابلات.
وفي بعض الحالات تحولت التوترات إلى هجمات. ففي المُكلا، هاجم المتظاهرون ونهبوا وأحرقوا متاجر يملكها شماليون. واتهم المتظاهرون رجال الأعمال الشماليين باتخاذ جانب قوات الأمن في قمعها للمتظاهرين، أو حتى المشاركة الفعالة في أعمال المداهمة والعنف ضد المتظاهرين. ولجان حماية الوحدة، برعاية الدولة، وتتم مناقشتها في موضع آخر من التقرير، شاركت في العنف ضد أهل الجنوب، ويزيد تشكيل هذه الجماعات من احتمالات العنف بين الطائفتين على المستوى المجتمعي.
حادث آخر مميت أودى بحياة ثلاثة شماليين صباح 10 يوليو/تموز 2009، في منطقة حبيل جبر في ردفان. عبد الحميد سعيد القطبي، 55 عاماً، وابنيه، فايز 14 عاماً، وياسين، 19 عاماً، وصهره، خالد علي عبد الله، 25 عاماً، كانوا في طريقهم من منزلهم إلى متجر الحلوى في منطقة "العسكرية" عندما أوقفهم مسلحون في سيارتهم وأطلقوا عليهم النار. ياسين القطبي الذي فر بعد أن لحقت به إصابات ثم اعتقد المهاجمون أنه لقي حتفه، قال لقناة اليمن التلفزيونية التي تديرها الدولة أن أسرته تلقت تهديدات متلاحقة بمغادرة المنطقة:
طلبوا منّا مقابلة علي سيف [الشعيبي] بالقرب من منزله في حبيل جبر. وبرفقة ثلاثة مسلحين، استجوب [الشعيبي] أبي واتهمه بالتعاون مع المخابرات اليمنية وطالبه بالرحيل عن المنطقة لأنه شمالي ولا ينتمي للمكان. وقال له أبي أن يأخذ كل شيء ويتركنا لحالنا، لكنه أصر على أن يعترف أبي بأننا عملاء للمخابرات. ثم أمر رجاله بإطلاق النار على أبي، فلقي مصرعه. وقتل أيضاً أخي وعمي. [49]
وقالت قوات الأمن إنها كانت تبحث عن أربعة "مجرمين على صلة بالحراك الجنوبي". [50] ورفض زعيم الحراك الجنوبي ناصر الخبجي الإقرار بأية صلة بين واقعة القتل وحركته، وقال: "لقد قمنا بإدانة هذه الجريمة الشنعاء ضد أصحاب المتاجر. وليس بيننا وبين أخوتنا من الشمال أية عداوة، فهم يعانون القمع كالجنوبيين". [51]
القاعدة في اليمن والحراك الجنوبي

اليمن ملجأ لعدد كبير من قدامى المحاربين "الأفغان العرب" ممن شاركوا في الحملة ضد السوفييت في أفغانستان، وحاولت السلطات اليمنية ربط الحراك الجنوبي بالقاعدة، باتهامها كما هو واضح طارق الفضلي بالتواطؤ مع القاعدة. ورفض زعيم الحراك الجنوبي والنائب السابق بالبرلمان صلاح الشنفرة هذه الصلة بقوله: "لا صلات تربطنا بالقاعدة ونحن لا نقبل أي حديث أو موقف من هذا النوع [العنيف]". [52]
زعيم القاعدة في اليمن، ناصر الوحيشي، أعرب علناً عن تأييده للحراك الجنوبي. وفي 14 مايو/أيار 2009 في بيان صوتي له، قال الوحيشي لشعب الجنوب: "نحن في تنظيم القاعدة نؤيد ما تفعلونه من رفض للقمع ونؤيدكم ضد الحكومة". [53]
وربما كان الوحيشي يتحدث بالنيابة عن التنظيم في اليمن فقط، إذ ندت عن زعيم القاعدة على المستوى الدولي تعليقات بعد شهر يعلن فيها أن لا علاقة للتنظيم بدعم انفصال جنوب اليمن. وفي 22 يونيو/حزيران 2009 أنكر مصطفى أبو اليزيد – العضو بمجلس الشورى الأعلى للقاعدة على المستوى الدولي والمعروف بلقب "القائد العام" للقاعدة في أفغانستان – أي دعم من القاعدة لانفصال الجنوب. أوضح أن القاعدة تناضل لإنشاء دولة إسلامية موحدة، في اليمن أولاً، ثم في العالم الإسلامي:
أصل [حركتنا] هو توحيد الأمة الإسلامية بأسرها ودول الإسلام... إننا لا ندعم الفصل [الانفصال]... سوف يأتي الحُكم الإسلامي ويحكم هذه الدولة العظيمة بدلاً من تشرذمها جماعات. [54]
وقد قلل بعض المحللين السياسيين اليمنيين واثنين من الدبلوماسيين الأجانب قابلتهم هيومن رايتس ووتش من شأن مزاعم وجود صلات مباشرة بين الحراك الجنوبي والقاعدة. وأحد السفراء الأوروبيين نعت هذه المزاعم بأنها "أداة لتشتيت الانتباه" استخدمها المسؤولون الحكوميون. [






. الاستخدام غير القانوني للقوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين

منذ عام 2007 والحراك الجنوبي يُنظم مظاهرات واعتصامات ومهرجانات ومسيرات، هي في الغالب سلمية، بشكل شبه يومي، بالإضافة إلى غير ذلك من أشكال الاحتجاج العلني، لإظهار صوت قضيتهم. وقوات الأمن من طرفها تلجأ بشكل مُتسق على نحو مقلق إلى فتح النيران على المتظاهرين، لتقتل وتصيب المتظاهرين العُزّل. ويبدو أن السلطات اليمنية غير مستعدة للسماح بالعرض العلني لمظالم الحراك الجنوبي، بغض النظر عن الطبيعة السلمية للحراك.
الأحكام القانونية الخاصة بحرية التجمع واستخدام القوة المميتة

الحق في حرية التجمع تصونه المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتنص على: "لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".[56] واليمن دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ عام 1987.
وأي قيد على حرية التجمع بناء على السلامة العامة أو الأمن القومي أو النظام العام يجب أن يخضع لتفسير ضيق، وإلا فإن الأسس المبهمة الفضفاضة لفرض هذه القيود قد تُستخدم لمنع جميع أشكال حرية التجمع تقريباً، لا سيما الاحتجاجات. [57]
والقانون اليمني الصادر عام 2003 بشأن تنظيم المظاهرات والمسيرات يدعو منظمي المظاهرات والمسيرات إلى إخطار السلطات ثلاثة أيام قبل الموعد المزمع للفعالية، إلا في حالة الاحتجاجات والتجمعات الصغيرة التي يعفيها القانون من هذا المطلب الإجرائي. [58] وينبغي على المتظاهرين ألا يزرعوا "الفتنة" أو يشككوا في "وحدة البلاد". [59] وفيما يسمح القانون الدولي لحقوق الإنسان للحكومات بالتحرك ضد الجماعات التي تستخدم العنف أو تروج له، فإنه لا يسمح للحكومات بحظر الجماعات لمجرد أنها من منطقة بعينها أو تروج للحكم الذاتي أو حتى الانفصال. [60]
القانون اليمني الخاص بالمظاهرات يحظر حمل السلاح في الفعاليات العامة. [61] ويطالب قوات الأمن بحماية المشاركين في المظاهرات وتوفير الرعاية الطبية لهم. وعلى قوات الأمن أن تُفرق حشود المتظاهرين في حالة ارتكاب جرائم، أو عندما تكون المظاهرات غير مُعلنة، أو في حالة أعمال الشغب. [62]
استخدام القوة من قبل قوات الأمن الحكومية ذات صلاحيات إنفاذ القانون محكوم بالمعايير الدولية. ومدونة الأمم المتحدة الخاصة بسلوك مسؤولي إنفاذ القانون ورد فيها أن "مسؤولي إنفاذ القانون عليهم الامتناع عن استخدام القوة إلا في حالة الضرورة القصوى وبالدرجة المطلوبة لأداء مهامهم". [63] ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية الخاصة باستخدام القوة والأسلحة النارية تنص على أن على مسؤولي إنفاذ القانون "وبقدر الإمكان، اللجوء إلى السبل غير العنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة"، ولا يحق لهذه القوات استخدام القوة "إلا إذا تبينت عدم فعالية السبل الأخرى". [64] وفي حالة وجود ضرورة لاستخدام القوة، على مسؤولي إنفاذ القانون "ممارسة ضبط النفس في استخدام هذه القوة وبالدرجة المتناسبة مع جدية الجريمة". [65] وورد في المبدأ 9 من المبادئ الأساسية:
على مسؤولي إنفاذ القانون الامتناع عن استخدام الأسلحة النارية ضد الأشخاص إلا في حالة الدفاع عن النفس أو عن آخرين ضد تهديد قائم بالموت أو الإصابة الجسيمة، أو لمنع ارتكاب جريمة جسيمة معينة تشمل تهديد جسيم للحياة، أو لاعتقال شخص يفرض مثل هذا الخطر ويقاوم سلطاتهم، أو لمنع فراره، وفقط في حالة عدم كفاية السبل الأقل خطورة في تحقيق هذه الأهداف. وعلى أية حال، فإن الاستخدام المميت عمداً للأسلحة النارية يجب عدم اللجوء إليه إلا إذا كان لا بديل له لإنقاذ الأرواح.
والمبدأ 10 من المبادئ الأساسية تطالب بأن يقوم مسؤولي إنفاذ القانون "بتوفير تحذير واضح لنيتهم استخدام الأسلحة النارية". [66] وتوضح المبادئ الأساسية بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن التحلل من هذه الأحكام بناء على "ظروف استثنائية مثل الاضطرابات السياسية الداخلية أو أية طوارئ عامة". أي أنها معايير لا يمكن التحلل منها. [67]
وفي الاحتجاجات الستة التي تعمقت هيومن رايتس ووتش في التحقيق فيها، انتهكت قوات الأمن اليمنية جميع أوجه المبادئ الواردة أعلاه تقريباً. ففي أغلب هذه الاحتجاجات، لم يمثل المحتجون تهديداً على الشرطة أو آخرين بشكل يستدعي استخدام القوة المميتة، فأغلب المظاهرات كانت سلمية وراح يردد فيها مدنيون عُزل شعارات ويرفعون اللافتات. وعندما بدأت أعمال إلقاء الحجارة أو غير ذلك من أعمال العنف، كان بإمكان قوات الأمن اللجوء إلى سبل غير مميتة لاحتواء هذا العنف. ولم تقم قوات الأمن في أي من المظاهرات التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، بدعوة المتظاهرين إلى التفرق، أو هي أطلقت أعيرة نارية تحذيرية، أو غير ذلك من سبل تحذير المتظاهرين بأنها مقدمة على استخدام القوة المميتة. وفي أغلب هذه المظاهرات، لم تبذل الشرطة محاولات جدية تُذكر لاستخدام سبل غير مميتة لتفريق الحشود، مثل خراطيم المياه أو الرصاصات المطاطية أو القنابل المسيلة للدموع. وعندما استخدمت الغاز المسيل للدموع تلتها على الفور باستخدام الذخيرة الحية.
وبالإضافة إلى شهادات الشهود التي جمعتها هيومن رايتس ووتش وتحقيقاتها الميدانية في جنوب اليمن، تم التوصل إلى لقطات فيديو لهواة من المتظاهرين وُضعت على مواقع إلكترونية عامة. وأغلب هذه اللقطات تمثل تغطية خام وغير خاضعة لأي إعداد يُذكر وتُظهر قوات الأمن في مواجهتها لمن يبدو أنهم متظاهرين سلميين عُزل، بالقوة المميتة، وتتفق مع شهادات الشهود الموثقة أدناه.
وهذه الحالات الست تمثل النذر اليسير من إجمالي عدد حالات استخدام القوة المميتة من قبل قوات الأمن أثناء المظاهرات في جنوب اليمن، لكنها تُظهر نمطاً متسقاً بشكل مقلق للاستخدام غير القانوني للقوة من قبل قوات الأمن. والمنافذ الإعلامية مثل الجزيرة وثقت استخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين في تظاهرات أخرى. [68]
وقالت وزيرة حقوق الإنسان اليمنية، د. هدى البان لـ هيومن رايتس ووتش إن وزارتها أوصت قوات الأمن بمختلف أشكال السيطرة على الحشود، رداً على وقائع القتل في الاحتجاجات الجنوبية. [69]
والحوادث التي وثقتها هيومن رايتس ووتش أدناه مُنظمة في ترتيب زمني عكسي، بدءاً بالحالات الأحدث ثم الأقدم. حالات إطلاق النار بشكل غير قانوني في مناطق حضرية مثل ساحة الهاشمي في عدن، موثقة بقدر أكبر من التفصيل، أكثر من الحالات في مناطق ريفية بعيدة، حيث كان من الأصعب الاستماع إلى شهادات متعددة من شهود عيان على هذه الفئة الأخيرة من الحالات.
فتحي بن لزرق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس