*جعفر محمد سعد
تعريف الأزمة
الأزمة هي لحظة حاسمة, ووقت حرج, وحالة من عدم الاستقرار, تنبىء بحدوث تغيير حاسم ووشيك, كما أنها تضاعف من معاناة الناس, وحدوثها يقع في الغالب في توقيتات لا يختاره المتأثرون بها, لذلك لا يستطيع أحدا الفرار منها وتجاهلها, كما يمكن ان تكون سبباً في التغير في الاتجاهين السلبي أو الايجابي بسبب ما قد تفرزه من نتائج ووفقا والتعامل معها.
وهناك عدد آخر من التعريفات للازمات والأقرب منها إلى تعريف الأزمات التي يمر بها اليمن التعريف الذي يعتبرها مجموعة من المشاكل تفاقمت وتعاظمت, وأدت إلى تكوين حالات وأشكال جديدة وبدايتها تبدو وكأنها مشاكل صغيرة, لم تواجه بالحلول السريعة والفورية والجذرية, لذلك فإنها تتفاقم وتتوسع وتستقطب أسباب وعناصر, أكثر من تلك التي كانت في بداية ظهور مؤشرات الأزمات.
وما يجعلنا نميل إلى ذلك التعريف هو ما ذهب إليه عدد من العلماء في علم النفس في تأكيداتهم بشان الأزمات والتي تحمل نفس بصمات الأزمات في اليمن حيث أوردوا, بأنها حالة نفسية نشأت جراء تداخل تفاعلات لانعكاسات مادية ملموسة واختلاطها بعدد من المشاعر والعواطف أدت إلى اتجاه لاإرادي ينتج عنها سلوك معين يتنافىٌ واتجاهات سلوك وقناعات المجتمع الذي يؤثر في بروز المشاكل و التي بدورها تفرز أسباب المشاكل التي تتطور وتوُادي إلى حدوث تغيرات فسيولوجية تظهر واضحة في سلوكيات أنانية ذاتية مخلة بالقيم وخارجة عن إجماع المحيط, وهي نتاج عدد من العوامل مثل الثقافة والوراثة ونمط العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, ويكون الدور الحازم في بروزها جهل التعليم والعلم كأسباب رئيسية في نشأُت الأزمات.
ذلك التعريف يتوافق مع العناوين الرئيسية للازمات التالية في اليمن: -
أزمة الدولة مع الحراك الجنوبي.
أزمة الدولة مع مجاميع الحوثييون.
أزمة الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة ( أحزاب المشترك )
الأزمة الاقتصادية.
أزمة الحكم.
وتلك الأزمات المذكورة التي ينطبق عليها أيضا التعريف الذي يعتبرها فترة حرجة وحالة غير مستقرة يمر بها اليمن,يترتب على ظهورها ,حدوث نتائج مؤثرة , تنطوي في الغالب على أحداث سريعة تهدد القيم والأهداف والمصالح التي تتصل بطرفي الأزمات في اليمن .
بالاستناد على نتائج عدد من الدراسات, التي خصصت لبحث الأزمات والتي توصلت إلى التحديد لنوع الأزمات فان عدد من تلك الأنواع لها مكانها في فهرس أزمات اليمن وهي:
سياسية, اقتصادية, اجتماعية, إعلامية, عسكرية.
وأنواع الأزمات يقسم إلى قسمين, منها ما يندرج في قائمة الأزمات الداخلية,
والقسم الثاني ما يعرف بالخارجي.
أزمات اليمن الخمس, أربع منها يمكن وضعها في قسم الأزمات الداخلية وواحدة منهم وهي الخامسة سياسية عسكرية, جدولتها علميا في القسمين, الداخلي والخارجي, وهي الأزمة بين الدولة والحوثييون, وتلك الأزمة من النوع الذي يهدف إلى تغيير حاد ومفاجئ, في الوضع الداخلي ويمكن ان
يؤثر على الوضع الإقليمي, لازدواجية نوعها ووجودها في القسمين, حيث تطورت الأزمة السياسية ونشأت أزمة عسكرية وتوسعت وأخذت طابع الصراع المسلح, في شكل قتال ومعارك داخلية, تتجه نحو حدوث متغيرات سريعة وأيضا حادة نتيجة طول فترة الأزمات والتورط في استخدامات الأسلحة, ولجوء طرف في الصراع لممارسة أعمال قرصنة يمكن وضعها في نوع أزمات الإرهاب لمواجهة الدولة في قتالها.
وإذا كان التحديد للأنواع يفرض دقة التوصيف, فان أزمات اليمن توصف بالشاملة وخاصة أزمة الدولة مع الحراك الجنوبي كنتيجة طبيعية لاصطفاف كل الجنوبيون كطرف في الأزمة مع الدولة, وفي المقابل اتفاق السلطة مع المعارضة (المشترك), وبقية الفعاليات للمجتمع المدني داخل دولة ما كان يعرف
بالجمهورية العربية اليمنية سابقاً, جميعهم كونوا طرف موحد في الأزمة بين الدولة والحراك الجنوبي. مع وجود أزمات أخرى بين الدولة وتلك التحالفات إلا ان المصلحة المشتركة للدولة والشعب في الشمال, جعلت من هذه الأزمة تصنف بالعنيفة نظرا لاستخدام القوات المسلحة وأجهزة الأمن لمواجهة الحراك
السلمي مما جعل تلك الأزمة من النوع السياسي من طرف الحراك, والسياسي العسكري من طرف الدولة, وداخل هذه الأزمة مكونات لعدد آخر من الأزمات كونها نشأت بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية في كل الجنوب, والإقصاء ألعمدي للجنوبيين من المشاركة في القرارات الإدارية والاقتصادية والسياسية وفرض سياسات أنانية في جوانب الثروة وإعادة توزيع مردوداتها والتفريط
في أراضي الجنوب, ويتقدم كل تلك الأسباب التي نشأت بسببها الأزمة الحادة الحرب التي شنتها الجمهورية العربية اليمنية ضد دولة الجنوب في مايو 1994 بعد ان نكثت بكل التزاماتها الموقعة بين قيادتي الدولتين عشية إعلان الوحدة بين البلدين في 22 مايو 1990.تلك الأسباب جعلت النوع والتقسيم للازمة بين الدولة والحراك الجنوبي من النوع السياسي والعسكري وتقسيمها يأتي ضمن
الأزمات الشاملة والعنيفة من طرف الدولة.
للازمات الجزئية مكانا بين أزمات اليمن ونوعها سياسياً, وتكون السلطة طرف وفي المقابل المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك ومعها بعض منظمات المجتمع المدني داخل دولة ما كانت تعرف قبل الوحدة بالجمهورية العربية اليمنية تلك الأزمة صنفت بالجزئية نتيجة الفصل بين الأزمات السياسية القائمة في اليمن ومواقف المعارضة منها, حيث لم تقف إلى صف أي من الأطراف الأخرى في الأزمات المختلفة في مواجهة السلطة, بينما نجدها طرف رئيس في الأزمة السياسية بين الدولة كطرف, وبين حراك الهضبة الوسطى في الجهة المقابلة, كنوع من الأزمات يشترك فيه أكثر من كيان ليكونوا فريق, وذلك نجده واضحاً في الأزمة القائمة بين السلطة والهضبة الوسطى.
الأزمة الاقتصادية في اليمن:-
الأزمات الاقتصادية بكل فروعها وفي مقدمتها قضايا المال والفساد
).نقص الحاد في احتياجات المجتمع من طعام ومواد استهلاكية وأنواع أخرى مختلفة من الطاقة, وارتفاع الأسعار والتدخل الطفيلي في رسم أو تغيير سياسات الاقتصاد من خلال القوانين أو فرض قيود على فروع الاقتصاد, والتأثير على ميزانيات التنمية, والاستخدام غير القانوني للمال العام, كل تلك المشاكل نشأت في الاقتصاد اليمني, وقادت إلى بروز أزمة اقتصادية تشمل جميع فروع الاقتصاد, وجعلها تعرف وفقا للدراسة المقدمة إلى الندوة العالمية للازمات الاقتصادية التي عقدت بمدينة جنيف السويسرية في شهر ديسمبر عام 2008 برعاية (ا ي إس ), وقدمها (باسكال لامي ), المدير العام لمنظمة التجارة العالمية الذي عرف فيها الأزمة الاقتصادية بقوله: (الأزمة الاقتصادية تحتوي على معاناة الفقراء وذوي الدخل المحدود والمعدمين من أفراد المجتمع, و هم أكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية و يكتوون بنار الأزمة الاقتصادية, وهم الأفراد المحرومون من المدخرات أو وسائل العيش المضمونة, ويواجهون كم كبير من الصعوبات ولا توجد آفاق للنجاة من واقع التدهور الاقتصادي الذي قد يوُدي إلى كوارث.) .
ان تلك الصورة المؤلمة هي واقع حياة السواد الأعظم من الشعب اليمني, وبالتالي تصبح الأزمة الاقتصادية في اليمن, هي الأقرب إلى التدهور السريع, في ظل عدم المواجهة بمعالجات سريعة, وإجراءات للحد من تأثيرات الركود في الاقتصاد العالمي, والأزمة المالية العالمية التي رمت بظلالها, على الاقتصاد في اليمن ان تلك العوامل مع بقية المشاكل فرضت واقعاً اقتصادياً خطيراً بجميع مشاكله كون أزمة اقتصادية في اليمن.
وهناك تعريفات أخرى توضح الأزمة الاقتصادية باعتبارها واحدة من الأزمات التي يمكن ان توُدي إلى فشل وانهيار الدولة, في حالات التدخل الفاشل في شؤون المؤسسات الاقتصادية الذي ينجم عنه سقوط للنظام أو تضارب المصالح الاقتصادية المؤدية إلى الفشل, وتطابق مفاهيم التعريف العلمي مع الأوضاع المعيشية في المجتمع اليمني بسبب التناسق والانسجام مع السلوك المتبع في التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى الأزمة وكذلك نمط الاستهلاك وانعكاسات عدد من القوانين المنظمة للتجارة, وإنفاق السلطة وسياسات الضرائب وتحصيل المال العام, وعادة في الأزمات الاقتصادية يبرز التبلد الفكري, وانحطاط الثقافات, والأوضاع تكون مهيأة للتدخل الخارجي مع وجود مناخات غير صحية يسهم فيها الإعلام في مضاعفة تأثيرات الأزمة الاقتصادية.
ان الحقيقة التي تلامس تلك التعريفات, هي التي تشير إلى التدهور المتلاحق للأوضاع الاقتصادية بسبب عدم وضع السياسات والمعالجات في وقت ظهور مؤشرات بدايات المشاكل التي أوصلت إلى الأزمة الاقتصادية.
ومجمل التعريفات للازمة الاقتصادية في اليمن, تحمل أفكار الركود في المواجهة للازمة المالية العالمية, والاستمرار في تغليب الإنفاق الحكومي, دون وضع اعتبارات لمواجهة تأثيرات تلك الظروف الناشئة دولياً. وبالتالي تتجه الأزمة لتعرف بأنها:
تبلد فكري وانحطاط لثقافات مع تدخل خارجي في شكل استشارات
أو مساعدات, لم تستوعب حقائق وسلوكيات كانت لها مكاناً في ظهور المشاكل
وتحديدا الفساد الذي عم جميع فروع الاقتصاد.
الأزمة العسكرية في اليمن:
الأزمة العسكرية في اليمن هي نسيج يتكون من عدد من الأزمات المتراكمة التي تعصف بالبلاد, وهي نتاج لفشل واضح في معالجات أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية, قادت إلى ردود أفعال عنيفة اثر افتقار الأطراف المعنية بالأزمة العسكرية إلى التصورات البديلة والمسبقة لمعالجة ظواهر الأزمات الأخرى, التي كانت سبباً في وجود الأزمة العسكرية, وبالتالي بدأت ظواهر تشير إلى نشوُ مشاكل وطنية قادت إلى وجود أزمة عسكرية, والتي هي الأخرى حرمت من الاستعداد المبكر لمواجهة المشاكل وتحديد فكر التعامل معها, وتحديد الأطراف المؤثرة على اتجاهات نموُها وتطورها, والأبعاد التي يمكن ان تصل إليها, واختيار العناصر, أو الجهات القادرة على توفير الحلول لتلك المشاكل قبل استفحالها من منطلق الواقع الذي لا يحتمل أزمات إضافية, بل يتطلب العقلانية في تحديد المسؤوليات الوطنية, مع الحرص الواعي للمعالجة وفقاً وبرنامج أو جدول زمني تلتزم به الأطراف أو الجهات التي تم اختيارها لمعالجة ظواهر الأزمة العسكرية, ذلك يؤكد حقيقة عدم امتلاك الخبرات, والروُية العلمية في الاستعداد للتعامل مع القضايا ومقدمات الأزمات التي تظهر في شكل مشاكل, تتطلب ملفات جاهزة تحمل مختلف الحلول المتكاملة لمواجهة المشاكل والقضايا, التي أدت إلى وجود الأزمة العسكرية في اليمن, لقد كان الموقف من هذه الأزمة لا يختلف عن المواقف السابقة من الأزمات الأخرى حيث لم تحظى بمعالجات إلا بعد اندلاعها, أنها أزمة من نوع خاص جداً, لنتائجها التي تؤكد كل المؤشرات إلى احتمالات الكوارث التي تهدد النظام والمجتمع على حد سواء. وفي تحديد ذلك النوع من الأزمات أخذت الأزمة العسكرية القائمة بين الدولة والحوثييون, والقضية الجنوبية, كنموذج في بحث السلوك والممارسات التي أوصلت إلى تلك الأزمة التي غاب عن المعنيين بها, خطورتها في كونها ظرف انتقالي فرض وبقوة عدم التوازن الذي يقود إلى تحولات جذرية في حياة الناس وبقية التكوينات في اليمن وبالتالي قد توُدي تلك التحولات إلى تغيير حاسم, لا تستطيع السلطة روُيته بسبب عوامل عديدة, أهمها منهج التوتر في نظرتها وتقديرها وتقيمها للمشاكل وإسقاطها مبدأ الحوار لحل المشاكل على قاعدة تنازل الأطراف المتحاورة, مع غياب صريح للقرارات ت لمعالجة الأزمات في الأوقات المناسبة أي قبل استفحالها وبلوغها مستوُى الأزمات, التي يجعل منها دائرةً قابلة للاتساع بقدر طول فترات إهمال المعالجات, وتصبح شاملة بتأثيراتها السلبية وهو واقع اليوم الذي أصبح يتسم بالأوضاع الحرجة, وغير المستقرة, ينتظر ان ينجم عنها تغييرات حاسمة تمس كل المكونات المعنية بالأزمة وقد تصل إلى أماكن أخرى تفرض عليها مسؤوليات قد تكون غير محسوبة, وذلك يمكن ان يكون له مكان بحكم القوى المؤثرة في أزمة اليمن (العسكرية) تحديداً والتي قد تلعب أدوارا متنوعة فالقوات المسلحة التي تنحدر قياداتها وضباطها وأفرادها من الطرف الثاني في الأزمة العسكرية, لقد قدموا إلى المؤسسة العسكرية للدولة من فئات اجتماعية ومناطق جغرافية وانتماءات عشائرية وقبلية تلعب الدور الرئيسي كطرف هام في هذه الأزمة وبالتالي من المرجح ان تلعب القوات المسلحة دوراً في بروز روُية وتبلور مواقف حاضنة للحلول التي قد تقود إلى انفراج اجتماعي على حساب سقوط أو فشل مرتقب لمؤسسة الدولة, التي أهملت الظواهر الدالة على الزوال كنتيجة حتمية للتغيير المرتقب, في ظل الاستفحال والتفاقم والتعاطي السطحي لمكونات الأزمة العسكرية, وفيما إذا احكم الإمساك بزمام المبادرات القادمة من الخارج, الرامية إلى إيجاد هدنات مؤقتة, من قبل القوى التي يرجح ان تكون بديل مقبول, في ظل دعم القوات المسلحة التي لو لعبت الدور الوطني في هذه الأزمة يمكن جهودها ان توُدي إلى إيجاد مناخات قد توفر الشروط المطلوبة لفك بعض الطلاسم, والبدء في التغيير كبديل جديد يحل محل الأسباب التي أوصلت البلاد إلى هذه الأزمة والأزمات الأخرى. وخاصة بعد ان فقدت السلطة في اليمن المفاتيح التي تتيح الدخول إلى قلب الأزمات, وأصبحت تستخدم أوراق لا قيمة لها كبدائل للحلول للازمات وعلى سبيل المثال, توزيع استمارات المؤتمر الشعبي العام ومن يقبل يملئ الاستمارة, يمنح قطعة ارض, وحفنة من النقود ويمكن الحصول على سيارة أيضا, لقد جسدت السلطة فشلها الواضح في معالجات الأزمات بتلك الرؤية الطفولية, بعد ان فقدت السيطرة على مجمل المشكلات معتقدة ً بان الأزمات تدار بالإغراءات المادية, وهي نفس النظرة والمنهج في إدارة الدولة التي أدت إلى وجود الأزمات وأنتجت الأزمة العسكرية الحادة, في اليمن والمستمرة إلى يومنا هذا بعد ان مر عليها أكثر من 93 يوماً, والأزمة تتخذ مناحي خطيرة في الاتجاهين الأفقي والرأسي, في ظل عدم القدرة على فرض حلول القوة, لحمل الأطراف الأخرى على التراجع والوصول إلى تسوية تنهي الأزمة العسكرية, دون المساس بالمصالح الجوهرية.
ذلك جعل الأزمة العسكرية في اليمن الناجمة عن الأزمات السياسية والاقتصادية والحكم المتسبب في الظلم والاضطهاد, ولجوُ السلطة لتغذية مشاكل الثارات وإشعال فتيل الفتن الطائفية, والإقدام على الاغتيالات واختطافات, واحتضان الخلاياٌ الإرهابية, واستخدامها محلياً وخارجياً وإبعاد و تصفية قوى سياسية وكذلك تصدير الإرهاب إلى دول إقليمية مثل السعودية والكويت ومصر بعد تدريب وتمويل عناصر خلايا الإرهاب في اليمن.
أزمة الحكم في اليمن:
التعريف العلمي لازمة الحكم في اليمن هو ذلك التعريف الذي ورد في التقرير العالمي للازمات والصادر عن المركز الاستراتيجي للدراسات في لندن الذي حاء فيه
فشل الدولة في إيجاد توازن بين احتياجات المواطنين وفي التفريط لامتلاك القبضة الحديدية واحتكار العنف بقوة عسكرية لحماية النظام السياسي تفوق كل اقتصاديات البلاد حينها يصبح الحكم على السلطة بالفشل إذا كانت قوية جداً عسكرياً لأنها تخنق الحياة في مجتمعها, وترغم المواطنين على ممارسات تعبر فيها عن رفضها للسلطة وإسقاطها وفي أحيان كثيرة أخرى, قد توُدي ممارسات المواطنين إلى الفشل العام للدولة بكاملها.)
وبناءاً على ذلك التعريف الذي يتوافق مع حال الحكم والحاكم في اليمن فان أزمة الحكم تعد نتاج لتراكم أزمات, كانت أزمة الحكم سبباً رئيس في وجود المشاكل التي أوصلت إلى الأزمات الأخرى, ويظهر ذلك في فكر المؤامرة في التعامل مع قضايا المجتمع, وروح تأجيج الصراعات والخلافات في المجتمع, وأنانية الاستحواذ لحقوق الآخرين في المجتمع, والإقصاء والتنكيل بالخصوم السياسيين, ونشر ثقافة الفساد بكل أنواعه في المجتمع ليشكل مظلة حماية للنظام يضاف إليها القوة العسكرية التي تسخر لحماية الفساد نفسه والنظام السياسي. وطوال ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن والمجتمع اليمني يعيش حالة من الاحتقان , بعد فشل الحكم في التوصل إلى حلول حقيقية للمشاكل , حيث اعتمد على فلسفة سياسة الهروب إلى الأمام في ترحيل المشاكل , مرة بالترحيب غير الصادق بالشورى التي عمد إلى إيجاد تشريعات صورية لها , وفتح نافذة جديدة للفساد , وتارة بالإقرار أللفضي للديمقراطية , التي يرفض حتى الهامش الاولي من عناوينها , وذهب بعيداً عن المحتوى الحقيقي للمضامين التي تكفل حق المشاركة , واحترام حقوق الاخرين وارساء النظام والقانون , وبعد الفشل في ايجاد الصيغ الضرورية لمواجهة تلك المشاكل ,تفاقمت الأزمة في الحكم لتكون من اصعب الأزمات في اليمن بالنظر الى الأزمات الاخرى وخاصة بعد ان دخلت مشكلة توريث الحكم كعنصر ضاعف من تأثيرات هذه الأزمة ,واصبحت تهدد المجتمع ودول الجوار والشرق الاوسط لتورط النظام القائم على القوة المفرطة بالارهاب المدعوم بقوة التشكيلات المخصصة لحماية الحكم , بعد ان انشاٌ درع فولاذي من القوة العسكرية المستحدثة لحماية الرئاسة فقط ,تفوق احتاجات البلد بكامهله ,وتتكون تلك القوات من الوية الحرس الجمهوري والوية القوات الخاصة وألوية الامن المركزي يضاف اليهم الوية الشرطة العسكرية , ويدخل في تسليح تلك التشكيلات المدرعات والمدفعية والصواريخ والطيران العمودي , وتخضع جميع الوحدات للرئيس مباشرة, ويساعده في قيادتها نجله احمد وابن شقيقه يحيى , وجميع تلك القوات خارجة عن هيكل القوات المسلحة التابعة لوزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة , الذين لا تربطهم اي علاقة او معرفة بتلك التشكيلات . وفي كل الظروف تقوم قيادات تلك الوحدات بمهام الشرطة المدنية والنيابة العامة والقضاء ويتم التدخل المباشر في شؤون المؤسسات التجارية والخدماتية, حيث جعلت تلك القيادات البلاد بأسرها اقطاعية يمتلكها الحاكم ويتصرف بكل مقدرات البلاد, رامياً عرض الحائط بالأنظمة والقوانين .
ان الاوضاع الناجمة عن أزمة الحكم في اليمن ,اسس لواقع محاصراً بدائرة من الأزمات البحث فيها ياخذ طابع الشمولية الموُدي الى منهج البحث عن الحقائق , بشكل استثنائي تتداخل فيها الأزمات التي تعصف باليمن بعضها ببعض بالنظر الى المؤسسة الشكلية الحالية فاقدة الصلاحيات والتي لم تعطى لها فرص عملية للبحث عن حلول ومعالجات للمشاكل , بسبب التفرد في الحكم ومصادرة حق المشاركة الحكومية في ممارسة المهام المناطة بها ,الامرالذي جعل ولادة جميع الأزمات الأخرى من رحم أزمة الحكم , الذي يتصف بفاقد الشرعية الشعبية لعدم التزامه بالضوابط القانونية والاخلاقية تجاه شعبه الذي يعيش تحت وطأت الفقر ,والخوف والتوترات , في ظل الحرمان من حقوق المواطنة المتساوية , بالرغم من ادعاءات الحكم التزامه بالنظام المؤسسي القائم على المشاركة المحددة في التشريعات ,إلا ان الواقع يختلف كلياً عن الزيف الإعلامي , الذي يمجد الحاكم وساهم في وجود مؤسسات شكلية وصورية فاقدة كل الصلاحيات لرسم صورة جميلة تختفي خلفها ,ممارسات الحكم الفردي الاستبدادي بمواقفه على الصعيديين الداخلي والخارجي التي اتصفت بعدم التوازن , في القضايا الوطنية والقومية والدولية ,ومن ابرز ما يمكن الاستدلال به لفكر ومنطق وفلسفة ومصالح الحكم , قرار الحرب ضد الجنوب , والموقف من احتلال الكويت , والقمع المسلح للانتفاضات السلمية في الجنوب وفي المناطق الوسطى والغربية , وردود الافعال غير المفهومة في الأزمة السياسية والعسكرية مع جماعات الحوثييون ,وممارسة سياسة الرعب والارهاب والملاحقات العدوانية للمعارضيين السياسيين في الداخل والخارج والتصفيات الجسدية لعشرات من الشخصيات السياسية والوطنية . ففي ظل تلك العوامل التي اصبحت ملازمة لسلوك الحكم تتزايد وباطراد جراثيم أزمة الحكم الموُدية الى امراض الأزمات التي لا يستطيع المجتمع معالجتها ,في ظل بقاء الأزمة الام (أزمة الحكم ) ,والحل الجذري للازمة الام , سيقود الى الطريق الصحيح لحلحلة الأزمات الاخرى , التي لن يتاتىٌ معالجتها , إلا بكسر الأزمة المركزية في اليمن ,بعد ان اصبح الحكم يفتقر الى الشرعية الشعبية , بدليل ما يجري في الجنوب,وما تشهدة صعده وعمران وحرف سفيان والجوف ومارب من محافظات الشمال واي محاولات لاجراء انتخابات صورية مبنية على التزوير المعتاد ,بموجبها قد توُدي الى اعادة انتاج الأزمة ,التي قد تعمق الهوة وتفرض الفشل للدولة .
أزمة الحكم في اليمن قد انشاٌ ت اقوى ثلاث أزمات كفيلة بان تعصف بالأوضاع وتقلبها راساً على عقب وتلك الأزمات هي نتاج ملموس لازمة الحكم , التي انجبت الأزمة الاقتصادية وازمة الوحدة مع الجنوب وازمة القتال مع الحوثييون والاخيرة التي اسهم النظام في نموها وتوسيع قاعدتها ,بدعم مباشر لمؤسس حركة الشباب الموُمن رجل الدين الشيعي حسين بدر الدين الحوثي عضو مجلس النواب السابق , في التسعينيات من القرن الماضي ,وفي فترة وجيزة اصبحت حليف قوي للسلطة , وحظيت بدعم مادي وتشجيع معنوي , وتسهيلات كثيرة من قبل الرئيس صالح نفسه , ويتزامن ذلك الدعم مع القطيعة المؤقتة بين التحالف القائم بين الرئيس والتيار السلفي حينها , حيث اراد ان يستبدل السلفييون بالشيعة , الذين بدأوا بخطاب سياسي معادي لاٌمريكا , ووجد ذلك الخطاب ترحيب وارتياح من قبل الرئيس صالح نفسه , وبعد احتلال العراق توجه الرئيس لجماعة الحوثييون بخطاب مفتوح يقول فيه
إن على الشباب المؤمن ان يجد طريقه الى العراق لمحاربة القوات الامريكية هناك ) .
وبناً على ما تقدم يمكن وضع الخلاصة للازمات في اليمن على النحو التالي :
ان نشأت الأزمات اساسه فكر صناعة الخلافات والصراعات وتغذية النعرات القبلية وتمويل مرتكبي جرائم الثارات, والاغتيالات , وتبني الإرهاب ونشر الفساد , ومصادرة حقوق الناس , وغياب العدل والمساواة بين الموطنين وإلغاء النظام والقانون , واستبدالهم بعرف الحكم القبلي , ونهب المال العام قراءات لتعريفات الأزمة الأم في اليمن واستبدال مؤسسات اتخاذ القرار بمجلس الاسرة الحاكمة وحرمان المجتمع من المشاركة في الحياة السياسية . وذلك بسبب الفشل الذريع في ادارة شؤون البلاد وعدم القدرة على التعامل مع المشاكل وإيجاد الحلول حتى في حدودها الدنيا .
ومجموع تلك المقدمات للازمات اوجدت أزمات حقيقية قد توُدي الى تحديد مصير الدولة والمجتمع بشكل عام ان لم يتم استئصال الأزمة الأم التي قد ترمي بظلالها القاتمة وتحرق الاخضر واليابس , فهناك لازال القليل القليل من الزمن المتاح ليتدارك المجتمع ويفرض الحلول لإنقاذ البلاد واستئصال مسببات تلك الأزمات قبل فوات الأوان وايجاد الحلول السريعة كمهمة وطنية لا تحتمل التأخير حيث تقع مسؤوليتها على عاتق كل فئات واطياف المجتمع , باعتبارها استحقاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وامنية , قد لا تستطيع النخب السياسية وحدها التصدي وفرض الحلول , الامر الذي يجعل المشاركة الشعبية , ضرورية في شكل الرفض الحضاري السلمي الموُدي الى التغيير والذي اذا لم يتحقق سوف تفرض على المجتمع خيارارت تفضي الى واقع مجهول , في ظل المستجدات في العلاقات الدولية ومصالح الدول المؤثرة في المنطقة , التي قد تدخل لحماية مصالحها وخاصة ان الموقع الجغرافي لليمن كمنطقة استراتيجية للتجارة العالمية يجعل منها محل اهتمام خاص ,ووجود أزمات في اليمن لها تأثيراتها المباشرة على امن واستقرار المنطقة والشرق الأوسط , لذلك تدخل المجتمع بكل فئاته لإرساء أسس الدولة الحديثة دولة النظام والقانون , التي تضمن المساواة والعدالة والمشاركة الواسعة في تسيير وبناء الدولة القادرة على معالجة كل المشاكل وتفادي حدوث وتطور الأزمات , بعد ان أثبتت العقود الماضية عدم قدرة النظام السياسي في اليمن , إدارة الأزمات والخروج منها دون مخاطر تهدد انهيار وفشل الدولة , التي أصبحت آيلة للسقوط بسبب كثرة وصعوبة الأزمات المعاصرة في اليمن .
أكتوبر 2009
* باحث في الشُؤون العسكرية والاستراتيجية
مقيم في لندن