الموضوع: كش قيصر!
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-04, 07:36 AM   #1
سم الدحابيش
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2014-04-17
المشاركات: 2,143
افتراضي كش قيصر!

كش قيصر!





تصاعدت نذر الحرب الروسية الأمريكية بعد القرار المفاجيء لروسيا بإرسال طائراتها الحربية للتدخل في الأزمة السورية التي طال أمدها واستعصى حلها على دول القرار العظمى في مجلس الأمن الدولي.
وباتت المراوحة في حلها هي السمة الأساسية للوضع السوري المتفجر منذ أكثر من أربعة سنوات سوداء كئيبة.ودخلت ضمن تركيبتها قوىً خارجيةً متعددة الأطراف لاتمت إلى سوريا بأية صلةٍ سوى مصالحها الأنانية الضيقة.


فالتنافس الإقليمي الجديد القديم وجد له موطيء قدم في سوريا كونها تتوسط بين الجارتين اللدودتين تركيا وإيران اللتان تسعيان كلاً منهما على حدة لإخضاع سوريا لنفوذهما وإحياء المشروع الإمبراطوي لكل من الدولة العثمانية والدولة الفارسية في دول الشام والجزيرة العربية حيث كان التنافس شديداً بينهما على حكم هذه البقعة الجغرافية الهامة والتي تتوسط الكرة الأرضية بكل ماتحويه من موقع استراتيجي هام ومقدسات وثروات ضخمة تسيل لها لعاب جميع الأمم منذ قديم الزمان بما فيها الدولتين البيزنطية والساسانية.




وقد كانت روسيا تتجنب التدخل المباشر في الشأن السوري وتحاول تجنب الإصطدام المباشر بينها وبين أمريكا فأصبحت حرب روسيا وأمريكا في سوريا حرباً بالوكالة بين الأقطاب حيث تدعم روسيا "نظام بشار الاسد" الحليف القديم وحليفته إيران بينما دعمت أمريكا مايسمى ب "الثوار السوريين" وحليفتهم تركيا.




وبعد أن أدخل كل طرف من القوى الإقليمية والدولية أطرافا أخرى لاعلاقة لها بالأزمة السورية كداعش والنصرة والقاعدة عبر تركيا، بينما أدخلت إيران قوات حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وحزب الله العراقي ، فقد أصبحت المشكلة أكثر تعقيداً من ذي قبل وانفلت عقالها من بين أيدي المتصارعين أكثر فأكثر. وبدا يغلب على المشهد السوري جنون وعربدة وفوضى عارمة وكأن الصراع يحدث فيها لغرض الصراع والإنتقام من الآخر بغض النظر عن الأعداد المهولة للقتلى والجرحى والنازحين من قبل الطرفين والضحية في الأخير هو ملايين من الشعب السوري الأعزل والذي ليس له ناقة في هذه الحرب ولاجمل!


فكل فريق مستميت لإنهاء الآخر ولو كان في ذلك نهايته هو ولسان حاله كلسان حال شمشون الجبار يقول: (علي وعلى أعدائي)!
وباستمرار الدوران في حلقة مفرغة من العناد المستمر العبثي بين المتحاربين استفادت القوى الإرهابية بكافة مسمياتها من الوضع المأساوي والهش في الداخل السوري.




ومنذ أن بدأت أمريكا الإعلان عن مساندة الحشد الشعبي العراقي في محاربة الإرهاب وروسيا تراقب الوضع عن كثب وعندما بدأت طائرات أمريكا تقصف مواقع " الإرهابيين" في سوريا حسب ادعائها إستنفرت روسيا كل طاقاتها واعتبرت أن امريكا قد تخطت الخط الأحمر في الإتفاق البيني بين دول القرار في عدم التدخل المباشر في الشأن السوري والإكتفاء بالحروب بالوكالة فاتخذت إجراءات سريعة عبر برلمانها واستصدرت قراراً يقضي بالسماح للقوات الجوية الروسية بالمشاركة في الحروب خارج روسيا ومنها سوريا التي يقال بأن رئيسها بشار الأسد هو من طلب تدخل روسيا المباشر في الشأن السوري.




وقد كان لهذا القرار بُعدا خطيراً وخاصة عندما طلب الرئيس الروسي من الإدارة الأمريكية سحب طائراتها من سوريا فكان الرد هو الرفض التام على الطلب الروسي وازداد الإحتقان أكثر بعد الضربات الجوية الروسية ضد مواقع من أسمتهم ب "الإرهابيين" في سوريا مما أدى إلى ردود فعل قوية من أمريكا التي رأت في تدخل روسيا تحدٍ مباشرٍ لها . بينما اعتبر حلفاء روسيا (أي النظام السوري وإيران) بأن تدخل روسيا في سوريا بشكل عملي هو دعم واضح وصريح لجهودهم التي لم تثمر عن أي شيء طيلة السنوات الأربع العجاف، بل أن البعض من محلليهم اعتبرها نقله نوعية في السياسية الروسية التي تشبة نقلة الشطرنج في وضعية كش ملك ضد أمريكا!




ومن الأهمية بمكان التذكير بأن دخول روسيا على خط التماس مع أمريكا رافقته حملة إعلامية كبيرة من أمريكا اتهمت فيها روسيا بأنها تدك مواقع لقوات سورية معارضة لنظام الأسد قامت أمريكا بتدريبها. وأن روسيا تستهدف المدنيين بدلاً عن استهدافها للإرهابيين الذين ادعت روسيا تدخلها للقضاء عليهم ، بينما اتهمت روسيا أمريكا في وقت سابق بأنها تمارس لعبةً عبثيةً خطيرةً في الشرق الأوسط ستؤدي إلى الإضرار بالسلام العالمي.




وبغض النظر عن حقيقة مايقوله كل طرف من الأطراف الكبرى فإن النتائج التي ستترتب على أي تصادم مباشر بين القوتين العظميين ستكون بكل تأكيد عظيمة وكارثية! بل ربما قد تكون الشرارة الأولى لاندلاع حرب عالمية ثالثة حتى وإن كانت في رقعة محدودة المساحة كسوريا، فإن كل طرف سيحشد حلفائه لكسر الطرف الآخر كسراً لن ينجبر بعده أو "هكذا قد يظن".


وحيث أن القوتين العظميين تمتلكان من الأسلحة مالايعد ولايحصى فإن الخطورة الأكبر بالنسبة للطرفين هي في اتساع رقعة الحرب وخروجها عن نطاق السيطرة لتتعدى حدود سوريا إلى حدود الدولتين العظيميين ذاتهما بعد أن تلتهم بلدان حلفائهما أيضا.




إن الخطوة الروسية قد تكون محسوبة العواقب سياسياً وعسكرياً "مبدئياً" ولكن الدخول المباشر في صدام مع دولة عظمى بحجم أمريكا مغامرةً كبرى يُخشى من عواقبها على روسيا أكثر من خشية عواقبها على أمريكا. والسبب في ذلك هو أن أمريكا من الناحية الإقتصادية أقوى بآلاف المرات من روسيا التي تعاني أزمة إقتصادية خانقة بسبب انخفاض أسعار البترول إضافة إلى التحديات الكبيرة المحيطة بالدولة الروسية نفسها كالوضع في جارتها اللدودة أوكرانيا وكذلك البركان المشتعل تحت الرماد في الجمهوريات الإسلامية التي تحكمها روسيا والتي تطالب بالإستقلال عن روسيا أسوة بجمهوريات لتوانيا ولاتفيا وإستونيا وأوكرانيا.




وحتى لو انضمت الصين إلى روسيا وتحالفت معها ضد أمريكا فإن بريطانيا وفرنسا والمانيا ستنضم إلى الحلف الأمريكي بطريقة أوتوماتيكية بل وستنضم كل ماكانت تعرف بدول المعسكر الغربي إلى هذا الحلف، بينما لن ينضم لحلف روسيا أياً مما كان يعرف بدول المعسكر الإشتراكي ولن يبقى أمام روسيا سوى "بعضاً" من دول حلف البريكس وسيبقى البعض الآخر ضمن قائمة المحايدين كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.




وبالرغم من إنشاء روسيا لصندوق نقد لدول البريكس مقره في شنغهاي بالصين يقابل صندوق النقد الدولي والذي مقره في نيويورك والذي استطاع أن ينافس صندوق النقد وقام باقراض أمريكا نفسها وإغراقها في الديون له ، وإعلان امريكا عن تراجع وضعها الإقتصادي والمالي في الآونة الأخيرة بسبب الحروب الكثيرة التي استنزفتها، إلاَّ أن المخزون المالي الخاص بالجانب العسكري لدى صناديق أمريكا لاينضب سواءً جاء هذا الدعم من خلال شركاتها الإحتكارية العملاقة العابرة للقارات أو من خلال حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط والذين سيضطرون إلى ضخ أموالهم إلى أمريكا لتدعمهم عسكرياً ضد الأجندة الإيرانية في المنطقة والمدعومة والمتحالفة مع روسيا.




إنَّ الأحداث المتسارعة لاتبشر بخير أبداً، وربما أن روسيا لم ترَ بُدَّا من أن تذهب إلى سوريا لإيقاف ماأسمته بالعبث الأمريكي فيها قبل أن تمتد نارها إلى تخوم حدود حليفتها إيران ومن ثم إلى حدود دولتها، لاسيما وإن مايسمى ب"الدولة الاسلامية" قد تمددت على رقعة كبيرة مابين العراق والشام وأصبحت قوة لايستهان بها. وتسببت في تحطيم الكثير من القوى العسكرية والبشرية والإقتصادية والعمرانية لكل من العراق وسوريا على حد سواء وخلفت دماراً هائلاً لن يكون من السهل إعماره لسنوات إن لم يكن لعقود طويلة.




ولكن ماهي السيناريوات التي سترسم ملامح العالم في حالة حدوث كارثة المواجهة المباشرة بين القوتين العظميين ؟

وهل هما مستعدتان لدفع التكاليف الباهظة لهذه الحرب القذرة والتي ستكون بكل تاكيد أقذر بكثير من جميع حروبهما السابقة ؟




في الواقع ، إن احتمال انزلاق الوضع عسكرياً في منطقة محمومة بالصراعات والنزاعات هو أكبر بكثير من احتمالات ضبط النفس وجهود العمل الدبلوماسي التي تخضع في الأخير للقرار السياسي والعسكري الذي ترى فيه كل دولة منهما مُجسدا لمصالحها وينهي أية تهديدات لتلك المصالح.

وبالتالي فإن الحسم العسكري سيكون آخر العلاج بعد أن تصل الجهود الدبلوماسية إلى طريق مسدود أو إلى حين يضعف أي طرف من الأطراف داخلياً لأي سبب من الأسباب وتنهار منظومته وبالتالي سيسهل ابتلاعه من قبل الطرف الآخر كما حصل أثناء إنهيار المعسكر الإشتراكي في نهاية ثمانينات القرن الماضي . ويبدو أن روسيا مرشحة لهذا الإنهيار أكثر من أمريكا نظراً للتحديات الكثيرة والخطيرة التي تحدق بها من كل جانب.




فهل كان قرار بوتين صائباً حينما قرر المغامرة بالدخول إلى سوريا وضرب "أهداف فيها (...)"، وتعارُض هذه الضربات مع الأجندة الأمريكية أو ماتسميه ب "الفوضى الخلاقة" لإبقائها في سوريا على حالها من أجل إضعاف العرب بل والعالم الإسلامي برُمَته تدريجياً وإدخاله في أُتون صراعات لاتنتهي تحرق الأخضر واليابس من أجل تأمين دولة إسرائيل بإشغال العرب والمسلمين بحروب داخلية مذهبية وطائفية عبثية تدميرية، وكذا تحقيقاً للنبوءات التلمودية اليهودية التي تُبشر ببناء هيكل سليمان في القدس و"تطهير" فلسطين وبيت المقدس على وجه التحديد من العرب أو من يسمونهم " الغوييم" أي الأغيار، والتهيئة لظهور مسيحهم المزعوم. إضافة إلى تحقيق النبوءة اللاهوتية المسيحية عن ملحمة هرمجدون وخصوصاً بعد ما أعلنته الكنيسة الأرثوذكسية من أن ورسيا تقوم ب"حرب مقدسة في سوريا"!


و
هل سيكون في تلك الحرب هلاك الروس وحلفائهم فقط أم أن فيها هلاكنا نحن كعرب وكمسلمين أيضاً؟!
وهل هناك أمل في حلول ومقايضات بينية بين الدول العظمى وحليفاتها تسمح بالخروج من ملف سوريا وملف اليمن المرتبط بالملف السوري ارتباطاً عضوياً أفقياً ورأسياً على هيئة لاغالب ولا مغلوب أم أن الأزمة ستزداد توتراً؟


وأخيراً، هل بوتين استعجل في قراره وبدلاً من أن ينقل نقلة شطرنج موفقة أصبح هو في موقع "كش قيصر"؟!


سم الدحابيش
1 أكتوبر 2015


التعديل الأخير تم بواسطة سم الدحابيش ; 2015-10-04 الساعة 07:52 AM
سم الدحابيش غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس