* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * وَهْم اﻷقاليم ومخاوف الحراك
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *بقلم : احمد عبدالﻼه
ما يسمى بالحوار الوطني أخذَ اليمنيين الى البحر وأعادهم أكثر عطشاً، وأخذهم الى أعالي جبل من الوهم ولم يعصمهم من * الهاوية الحقيقية. ستة أقاليم كانت مُعدّة وجاهزة قبل الحوار، فلم يكن سفراء الغرب البعيد والمملكة السعودية الجارة بعيدين عن تجهيز أواني الطبخ بعد ان وضعوا السكِّين في أيادي محلية. اليمن مختبر بدائي لتجريب كل شيء ويحوي كل عناصر الكيمياء *اﻷولية، وما عليك اﻻ ان تفتح عينيك لترى تاريخ اﻻمم يمر في نهار واحد : منذ قبلية الجاهلية اﻻولى حتى أعراض الفدرلة... * * * * *تجمعها قواسم مشتركة محددة ، الدم والحرب والربح. * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * .لكن الخطأ الفادح يكمن في أن يثق السياسيون على اختﻼفهم بان سفراء الوصاية يفقهون شيء من أمور الحياة هنا، فﻼ احد يعرف تجربةً دسَّ الغربُ فيها أنفه ولم تتعفن او تنزلق الى مهاوي اﻻخطار، ولم يفهم احد بان منطق الواقع أقوى من قرارات مجلس اﻷمن، ومن لم يصدق فليقرأ تاريخ الوصايات اﻷجنبية في الشرق اﻷوسط، ويحاول على طريقته ايضاً ان يجد أي تاريخ عملت فيه دول اﻹقليم على خلق استقرارٍ ما في اي منطقة عربيه وكلما تمخّض حاضراً هو أنَّ تلك الدول الشقيقة ساهمت في خلق صراعات مذهبية مفتوحة على المنطقة.*المملكة السعودية، التي تسلّمت ملفَّ اليمن كامﻼً، يراها العالم من نافذتين ؛ كأكبر دولة مصدرة لرأس المال إلى بنوك الكون، واكبر دولة مصدرة للفكر الديني المتطرف الى ساحات الصراع. وفي كل تاريخها كانت تجاهد لكي تثبت ﻷمريكا بانها الحليف اﻷهم والدولة المركزية اﻷولى في الشرق اﻷوسط ، وفي كل تاريخها كانت تتمدد فوق عتبات الجيران واوصالهم فالجزيرة العربية حسب فقهها السياسي لن تكون اﻻ بحيرة لتمساح واحد.*ومن هذا المنطق البديهي يلزم فهم حقيقة واحدة بان تقسيم اﻷقاليم بشكله الجغرافي كما ورد لم يأتِ خارج هوى الجارة الكبرى التي أقتنعت بان هذا النوع من اﻷقلمة قد يلبي احتياجات أمنها اﻻستراتيجي، *وسيفهم الناس التفاصيل عاجﻼً ام آجﻼ، إن بقي لهذا المشروع آجل.*أما هاجس القوى في صنعاء فهو مُهَندَسٌ على إجهاض *مطالبة الجنوب بحقِّه في تقرير مصيره فخلقوا له مصائر متعددة ليضيع داخل أجزائه، في محاولة لهضم ما ابتلعته حرب 94 ولمحاولة زرع وعي سياسي اجتماعي جديد ينقلب على حقائق الدولة الجنوبية التي كانت طرفاً في وحدة غير متكافئة، تم إسقاطها مثلما يُسقِطُ عمال المناجم التعساء ألْماسةً زرقاء في فم ديناصور فاغر لم يكن قد نفض عن جسده ذكريات البراري الغابرة. ووجدوا في فكرة اﻷقاليم تقاطع ﻷهداف كثيرة اهمها اعادة تدوير (ريسايكلنج) مشروع الوحدة وتقديمه للعالم باقمشة جديدة ولو الى حين .*هناك أولويات للغرب ولدول اﻹقليم لن تتزحزح وسيرتبون الجنوب والشمال والشرق والغرب على أساسها غير آبهين بان اﻷعراض الجانبية لهذه الوصفة ربما قد تكون قاتلة خاصة في ظل الغياب التاريخي لدولة مركزية حقيقية .*
في الشمال ﻻ توجد في كل هذا المشهد قوة او شرائح اجتماعية مسموعة تعترف بالحقائق التاريخية كما هي *وتسعى لخلق بيئة شاملة ﻻستقرار الشمال والجنوب معاً بشكل دائم على قاعدة حل القضية الجنوبية بشكل واقعي واﻻعتراف بان الوحدة لم تكن *سوى مشروع سياسي ﻻ يتوفر اي منطق او قيَم حقيقية ﻻستمراره بعد كل هذه الدماء، وان هناك بدائل للحفاظ على الروابط والوشائج التاريخية والشعبية واﻹنسانية ربما تكون أقوى وأمتن من وحدة قسرية تنذر بالهﻼك والويﻼت. ﻻ توجد مع اﻷسف قوة منفلتة من ربقة الوﻻءات للمصالح المعنوية او المادية، وﻻ احد يرى في كل هذا الزحام برق يكاد ان ينسف ترَهُّلَ الغيوم كي تمطر السماء ويبدأ موسم آخر.*وفي الجنوب يأتي *الخوف مضاعفاً من زاويتين : اﻻولى ركود العقل امام هذه التحديات الهائلة، وركود العقل يبدأ حينما يغيب نقد الذات ونقد تجربة الحراك كثورة شعبية، وحين نذعن للتابوهات وللمسبّقات الجامدة. أما الزاوية اﻻخرى فهي الخوف بان تُستنزف طاقات الحراك من خﻼل استدراجها في معارك متفرقة. فالهدف المرسوم لقوات النظام هي المحاوﻻت المستمرة لخلق مناطق انهيارات أمنية او مربعات أو بؤر في الجنوب تثير موجات من الرعب بسيناريوهات متعددة ﻻ يهم بمن ولكن من اجل ان تبقى قضية الجنوب مسألة أمنية مفرَّغة من المحتوى السياسي الذي يفهمه العالم، ومن اجل ان يُرهق الشباب في سجال دموي يمكّنها من خلط أوراق كثيرة .النضال السلمي اليومي وتطوير أشكاله هو القوة الحقيقية الماثلة التي توحد الناس جميعاً وهو ابلغ رسالة تصل الى العالم وبتضحيات أقل. والحراك بحاجة الى ديناميكية تمنعه من الجمود والتخثّر والدوران حول الذات وبحاجة الى تنظيم أكثر وخطاب سياسي يتمتع بالكفائة والنضج، فالجماهير الموحدة والمتماسكة إن أصبحت اكثر تنظيم تستطيع ان تخلق توازن عظيم على اﻻرض تقهر من خﻼله كل القوى العسكرية. والحقيقة ﻻ يستطيع احد ان يحدد وصفة جاهزة لكل شيء لكن السؤال الكبير الحاضر في وجدان وضمير كل فرد هو ؛ كيف يستطيع الحراك ان يتجاوز محنة تفكك قياداته ومكوناته ﻻنه بدون مداواة هذا اﻻعتﻼل لن يكون هناك أفق حقيقي وتطورات ملموسة على اﻻرض ولن يصغي العالم ﻷلف مئذنة في وقت واحد.
|