عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-01-08, 01:12 PM   #1
اسدالجنوب
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-04-03
المشاركات: 6,704
افتراضي كل الطرق ستؤدي إلى فك الارتباط ! | بقلم : احمد عمر بن فريد

في كثير من المراحل التاريخية من حياة الشعوب يقدم الواقع جملة من الحقائق الدامغة للقيادات السياسية والعسكرية تشير بشكل واضح وجلي الى نتائج تبدو حتمية الحدوث في المستقبل المنظور, ومع ذلك تصر تلك القيادات على تجاهل ما تراه امامها من حقائق أكيدة وتندفع بصورة جنونية غير مجدية خلف احلامها واوهامها فلا تزيد شعوبها الا شقاء ومعاناة وعذابا واستنزافا للموارد والطاقات وللوقت ايضا.

في صنعاء بشكل عام, وفي فندق الموفمبيك بشكل خاص يبدو ان لدينا حالة مماثلة تماما لما ذكرت, اذ يصر المجموع هناك على أن "الوحدة" لابد ان تبقى!.. وهم حينما يقولون هذا يعلمون يقينا ان الوحدة التي يتحدثون عنها وعن ضرورة بقائها لم يعد لها وجود على ارض الواقع في الجنوب, ومع ذلك يصرون اصرارا عجيبا وغريبا على ان عددا لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة يمكن الحديث معهم نيابة عن "الجنوب", ويعتقدون - ولا ادري وفق اي معيار منطقي او قانوني - ان توقيع اربعة الى خمسة اشخاص باعوا انفسهم لشياطينهم يمكن ان يحل مشكلة الجنوب! أو يمكنهم بما وقعوا عليه ان يلزموا اربعة ملايين جنوبي دفعة واحدة!.. بينما "هم" ايضا يدركون ان هؤلاء الخمسة او السبعة او الثمانية لم يعد بمقدورهم عطفا على ما فعلوا ان يسيروا في شوارع عدن خوفا من "ظلالهم" التي ستتبرأ منهم قبل ان يتبرأ منهم اقرب المقربين منهم، ناهيك عن شعب بأسرة تعمدوا بكل صفاقة ان يزوروا ارادته الحرة والحديث باسمه دون تفويض.

وفي خضم هذا الجنون والحمق السياسي الجاري يبدو لي شخصيا ان صوت السفير عبدالوهاب طواف هو الصوت الأشجع والأقوى والأكثر حكمة ومسئولية وشعورا بفداحة وخطورة ما يحدث من جميع الأصوات المتعالية في الفندق الشهير, والأمر الايجابي ان هناك اصواتا عديدة في صنعاء بدأت تتوافق مع ما يقوله السفير طواف, وبدأت تقتنع ان مسألة فرض الوحدة بالقوة على الجنوبيين تعتبر ضربا من الجنون ونوعا من انواع العبث والاستهتار بمصير الشعبين في الشمال وفي الجنوب معا, وأن هنالك من القوى السياسية والعسكرية والامنية - شماليين وجنوبيين - من باتت مصالحهم تقتضي ان يبقى الشعبان حبيسين لهذه الدوامة العبثية الخطيرة من حالة اللا وحدة واللا انفصال! حتى لكأن المسألة قد تحولت برمتها الى ممارسات لا تنتهي من "الابتزاز الرخيص".

ان التمحيص والتدقيق في وثيقة السيد جمال بن عمر المتعلقة بحل "قضية الجنوب" من جميع زواياها وتفاصيلها, ثم القيام بتحليلها وفقا لجميع السيناريوهات المحتملة فيما لو تم ترجمتها على ارض الواقع سينتهي بنا في آخر الطريق الى نتيجة واحدة وهي حتمية حدوث "فك الارتباط" ما بين الشمال والجنوب طال الزمن او قصر!. ومن يراهن على خلاف ذلك فهو اما واهم واما ذو تحليل استقرائي قاصر, على اعتبار ان خيار الدولة الاتحادية من اقليمين "شمالي وجنوبي" وهو خيار يبدو انه لن يكون مقبولا في الشمال ولن يكون كذلك بالنسبة للجنوبيين ضمن قوى الحراك الجنوبي المؤثرة في الشارع, وفيما لو تم اعتماد هذا الخيار على الورق وتم التوقيع عليه عبر وسائل الضغط الدولية على القوى الشمالية وخاصة المؤتمر الشعبي العام, فإن عملية تنفيذ بنوده سوف تنتهي الى وجود برلمان جنوبي موحد في "الاقليم الجنوبي" يمكن ان يعلن الانفصال من تحت قبة البرلمان في اول جلسة له تحت ضغط الشارع الجنوبي! واما خيار الستة الاقاليم المتضمن "اثنين" في الجنوب فانه ايضا سيفتح الباب ووفقا للفقرة (د) من بند تحديد عدد الأقاليم من مقترح بن عمر الى "توحيد" الاقليمين الجنوبي والشمالي في اقليم واحد طبقا لنص المادة الذي يقول: في غضون ستة اشهر بعد نهاية الدورة الانتخابية الأولى عقب تشكيل الأقاليم, يمكن لإقليمين متجاورين او اكثر الاندماج لتشكيل اقليم واحد متجاور اذا صوتت المجالس التشريعية للأقاليم المندمجة بالموافقة على الاندماج واذا نال الاندماج المقترح موافقة ما لا يقل عن ثلاثة ارباع أعضاء كل مجلس ولاية في كل اقليم من الأقاليم المعنية.

واما من الناحية العملية, وفيما يتعلق بالمادة رقم (9) من الوثيقة التي تلزم الدستور الاتحادي بأن يتمثل الجنوب بنسبة 50 % في كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية, بما فيها الجيش والأمن! تعتبر من وجهة نظري الشخصية هي المستحيل بعينه!! فلو فرضنا جدلا ان لدينا (250 الف) منتسب بالقوات المسلحة اي "الجيش" فان هذه الفقرة تعني امرين اثنين كلاهما مستحيل الحدوث او التطبيق, اذ يقضي الاحتمال الأول ان يتم تسريح نصف هذا العدد من المنتسبين الشماليين ليحل بدلا عنهم بنفس العدد جنوبيون! واما ان يضاف الى هذا العدد عدد مماثل من الجنوبيين ليصبح قوام الجيش (500 الف) منتسب مناصفة ما بين الشمال والجنوب! الأمر ذاته ينطبق على (القطاع الأمني) اي ان يكون لدينا نصف العدد من اعضاء "الأمن السياسي" جنوبيين ونصفهم الآخر شماليين والحال هكذا في هيكل قطاع "الأمن القومي"!.. وهذه مسألة مستحيلة التطبيق.

ولو فرضنا - لغرض الجدل المنطقي - في هذا المقال انه تم فعلا انجاز المستحيل بعينه وتحقيق المعجزة الخرافية بإدخال 50 % من الجنوبيين في جميع مؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية والقضائية والتشريعية والتنفيذية فماذا يمكن ان يعني ذلك؟!! وماذا يمكن ان يتولد عنه؟!!.. فكيف بالله عليكم ايها العقلاء والحكماء يمكن تصور ماذا يمكن ان يحدث في اطار (اللواء 33) في الضالع على سبيل المثال في حال ضم في هيكله (20 الف جندي) نصفهم من الشمال والنصف الآخر من الجنوب في ظرف سياسي متوتر ومحتقن كما هو سائد حاليا, او فيما لو احتقن الوضع في الضالع على كافة المستويات في مرحلة لاحقة! هل يعتقد مهندس هذه الوثيقة ان المنتسبين لهذا المعسكر المنقسمين سوف يقومون فيما بينهم بتبادل الورود في حال نشبت توترات في منطقة الضالع! او هل سيسمح الجندي الجنوبي لزميله الشمالي ان يقتل المواطن البريء في الضالع وهو صامت لا يتكلم! اي ان تكرار ما حدث في عمران إبان الأزمة السياسية عام 1993م سوف يكون نسخة مصغرة مما يمكن ان يحدث مجددا في مختلف المعسكرات!.

ولك ايضا ان تتخيل مثل هذا الأمر في مختلف قطاعات الدولة ابتداء من "الوظائف الناعمة" المكتبية التي يمكن ان تنشأ فيها خلافات حتمية ما بين الجنوبي والشمالي الى حتمية حدوث خلافات تصادمية قتالية داخل المعسكرات ما بين الجنوبيين والشماليين! فكيف يمكن ان يتصرف مسئول في جهاز الأمن القومي او الأمن السياسي مثلا مع ملف "ناشط سياسي جنوبي" وصل الى مكتبه عندما يكتشف ان هذا الناشط كان زميلا له في يوم قريب في زنزانة لذات السبب وهو النضال من اجل تحرير واستقلال الجنوب!.. ترى كيف يمكن ان يقبل هذا الموظف اي نوع من انواع التعسف او القمع تجاه زميله الذي لايزال يناضل في الشارع من اجل هدف وطني لايزال يحتل ذات المكانة في وجدانه؟ او كيف يمكن لقوة من الأمن المركزي - مثلا - قضت الاوامر ان تخرج لمواجهة مسيرة تحررية جنوبية في عدن في حين ان هذه القوة تضم اكثر من (70 جنديا) اغلبهم من الجنوبيين! هل يمكن تصور ان يقوم جندي جنوبي بقمع متظاهر جنوبي آخر كان يحمل معه ذات يوم علم الجنوب في مظاهرة سابقة!.

ان الدخول في تصور احتمالات ما يمكن ان ينتج عن تطبيق وثيقة بن عمر سينتهي بنا الى التعرف على حقيقة اننا سنقف امام حقل واسع من الالغام والقنابل القابلة للانفجار في اي وقت وامام عدد لا ينتهي من الأحداث الجسيمة الحتمية الحدوث والتي لا يمكن لها الا ان تزيد الجراح عمقا ونزيفا ولا يمكن ان تكون - بأي حال من الأحوال - مصدرا للاستقرار او الأمان, كما انها لن تؤدي الا الى وضع الشعبين الشقيقين في الجنوب والشمال امام معارك ثنائية على كافة المستويات تبدأ مع التوقيع على الوثيقة ولن تنتهي الا في حال قبلنا حقيقة ان مسألة التعايش في اطار دولة واحدة بات هو المستحيل بعينه, وان ما عدا ذلك هو الجنون وهو العبث وهو عدم المسئولية! وانه آن الأوان لصوت العقل ان يعلو وان يضع حدا "حميدا" لفك الارتباط ووضع اسس جديدة تقوم على "حل الدولتين" بما يضمن حفظ علاقات اخوية متينة متطورة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية بين الشعبين.

نقول هذا الكلام ونراهن على استحالة سير الأمور وفقا لما ذكرنا في اتجاهات اخرى خلاف لما هو متوقع بجميع حسابات العقل والمنطق والأمر الواقع, ونطالب في حال تخلت العقول عن حكمتها واعمتها المصالح ان ترتفع ما بين اوساط المثقفين والمواطنين الشماليين اصوات مؤيدة لصوت السفير طواف, بل اطالب بتكاتف القوى الشمالية والجنوبية المؤيدة لمبدأ "حل الدولتين" من اجل الخروج معا باقل الخسائر ومن اجل وقف العبث ووقف المزايدات والانتهازية باسم الوحدة من قبل اطراف شمالية وأخرى جنوبية غير مسئولة.
__________________
سبــحـان الله وبحمده سبــحـان الله العظيم


اسدالجنوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس