عرض مشاركة واحدة
قديم 2013-05-17, 08:53 PM   #65
اسد الاحقاف
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2011-01-19
المشاركات: 96
افتراضي

رأي الإمام الشافعي في الصوفية

لا يعرف على وجه التحديد من بدأ التصوف في الأمة الإسلامية ومن هو أول متصوف وإن كان الإمام الشافعي رضي الله عنه عندما دخل مصر قال: تركت بغداد وقد أحدث الزنادقة فيها شيئاً يسمونه السماع.. والزنادقة الذين عناهم الشافعي هنا هم المتصوفة (والسماع) هو الغناء والمواجيد والمواويل التي ينشدونها ومعلوم أن الشافعي دخل مصر سنة 199هـ وكلمة الشافعي توحي بأن قضية السماع هذه قضية جديدة ولكن أمر هؤلاء الزنادقة يبدو أنه كان معلوماً قبل ذلك. بدليل أن الشافعي قال كلاماً كثيراً عنهم كقوله مثلاً (لو أن رجلاً تصوف أول النهار لا يأتي الظهر حتى يكون أحمق) (تلبيس إبليس لابن الجوزي ص370) وقال أيضاً: ما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً (المصدر السابق ص370)، وكل هذا يدل على أنه قد كان هناك قبل نهاية القرن الثاني الهجري فرقة معلومة عند علماء الإسلام يسمونهم أحياناً بالزنادقة وأحياناً بالمتصوفة..
وأما الإمام أحمد فقد كان معاصراً للشافعي وتلميذاً له في أول الأمر فقد أثر عنه أقوال كثيرة في التنفير من أفراد معينين نسبوا إلى التصوف. كقوله في رجل جاء يستفتيه في كلام الحارث المحاسبي: قال أحمد بن حنبل: "لا أرى لك أن تجالسهم" وذلك بعد أن اطلع أحمد بن حنبل على مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها للبكاء -ومحاسبة النفس كما يزعمون- والكلام على الوساوس وخطرات القلوب. فلما اطلع الإمام أحمد على ذلك قال لسائله محذراً إياه من مجالستهم وكتبهم "إياك وهذه الكتب، هذه كتب بدع وضلالات". والذي يبدو أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه قال هذا الكلام في مطلع القرن الثالث، ولكن هذا القرن ما كاد يكتمل حتى ظهر التصوف على حقيقته، وانتشر في الأمة انتشاراً ذريعاً، واستطاع المتصوفة أن يظهروا ما كانوا يخفونه سابقاً.
والمطلع على الحركة الصوفية من أول نشأتها إلى حين ظهورها العلني على ذلك النحو يجد أن أساطين الفكر الصوفي جميعهم بلا استثناء في القرن الثالث والرابع الهجريين كانوا من الفرس ولم يكن فيهم عربي قط، وعند مقابلة الدين الصوفي ستجد أن التصوف هو الوجه الآخر للتشيع (اقرأ الفصل الخاص بذلك: الصلة بين التصوف والتشيع) وأن أهداف التصوف والتشيع كانت واحدة تقريباً، في السياسة والدين،،..، والمهم هنا هو التذكير بأن التصوف بلغ غايته وذروته من حيث العقيدة والتشريع في نهاية القرن الثالث حيث استطاع الحسين بن منصور الحلاج أن يظهر معتقده على الملأ ولذلك أفتى علماء العصر بكفره وقتله فقتل سنة 309هـ وصلب على جسر بغداد، وسئل الصوفية الآخرون فلم يظهروا ما أظهر الحلاج.. وسيأتي وصف تفصيلي لعقيدة الحلاج عند بيان العقيدة الصوفية.
وعلى الرغم من ذلك فإن الصوفية ظلت تواصل انتشارها في أرض فارس على الخصوص ثم العراق.. وساعد على انتشارها في فارس أن أقام رجل يسمى أبو سعيد الميهني نظاماً خاصاً للخانات الذي أصبح فيما بعد مركزاً للصوفية، وقلده في ذلك عامة رجال التصوف ومن هنا نشأت في منتصف القرن الرابع الهجري بدايات الطرق الصوفية التي سرعان ما انتشرت في العراق ومصر، والمغرب، وفي القرن السادس ظهرت مجموعة من رجال التصوف كل منهم يزعم أنه من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم واستطاع كل منهم أن يقيم له طريقة صوفية خاصة وأتباعاً مخصوصين، فظهر الرفاعي في العراق، والبدوي في مصر وأصله من المغرب ولا يعرف له أم ولا أب ولا أسرة ولا هو من المغرب، وكذلك الشاذلي في مصر وأصله كذلك من المغرب. وتتابع ظهور الطرق الصوفية التي تفرعت من هذه الطرق، وفي القرون السادس والسابع والثامن.. بلغت الفتنة الصوفية أقصاها وأنشئت فرق خاصة بالدراويش وظهر المجاذيب وبنيت القباب على القبور في كل ناحية، وذلك بقيام الدولة الفاطمية في مصر وبسط سيطرتها على أقاليم واسعة من العالم الإسلامي، وبنائها للمزارات والقبور المفتراة كقبر الحسين بن علي رضي الله عنهما في مصر والسيدة زينب، وإقامتهم بعد ذلك الموالد والبدع والخرافات الكثيرة، وتأليههم في النهاية للحاكم بأمر الله الفاطمي؛ لقد بدأت الدعوة الفاطمية بالمغرب لتكون بديلاً للحكم العباسي السني، واستطاعت هذه الدولة تجنيد هذه الفرق الصوفية وغزو العالم الإسلامي بهذه الجيوش الباطنية التي كان لها أعظم الأثر بعد ذلك في تمكين الجيوش الصليبية من أرض الإسلام كما ستطالعه بأدلته في هذه الرسالة.
وأخيراً عم الخطب وطم في القرون المتأخرة التاسع والعاشر والحادي عشر إذ ظهرت آلاف الطرق الصوفية، وانتشرت العقيدة والشريعة الصوفية في الأمة، واستمر ذلك إلى عصر النهضة الإسلامية الحديثة.
اسد الاحقاف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس