الاسم
البريد الالكتروني
التعليق
الرجاء إدخال الرمز.
الاسم
البريد الالكتروني
اسم الصديق
بريد الصديق
التعليق
ارسل نسخة اليّالرجاء إدخال الرمز.
المحاولة الانفصالية الثانية لـ "البيض" .. فرص النجاح والفشل
2009-06-01
ما فرص مشروع الانفصال في نسخته الثانية، والذي قرر نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض أن يطلقه مرة أخرى بعد أن فشلت نسخته الأولى قبل خمسة عشر عاما، وانتهت باندحاره عسكريا وفراره إلى سلطنة عمان، واستقرار دعائم الوحدة اليمنية بناء على تلك النتائج؟.. هل سيلاقي نفس المصير أم ثمة احتمالات لنتيجة مغايرة هذه المرة؟، وما المخاطر المحدقة باليمن من جراء هذا التحرك؟
قبل الإجابة عما سبق لا بد من الإشارة إلى أن كلا من صانعي الوحدة علي عبدالله صالح والبيض ارتكبا مع الأسف أخطاء كبيرة أدت بالأمور إلى هذا المآل كما تشير إلى ذلك قراءة الأحداث وتطوراتها، فالبيض مازال يكرر خطأ سابقا يسيء به إلى المصلحة الوطنية العليا لبلاده، ويتجاوزها إلى ثوابت الأمة وخيارات الشعوب وتطلعاتها في جمع الشمل ورصّ الصفوف، لما من شأنه الإسهام في تعزيز منعتها ومكانتها بين مثيلاتها، بدلا من أن ينادي بإصلاح أوضاع بلاده تحت مظلة الوحدة.
أما الرئيس صالح فإنه يتحمل كما ترى كل أطياف المعارضة وأصوات من داخل حزبه الحاكم مسؤولية وصول الأوضاع في بلاده إلى حد المطالبة بالعودة إلى ماضي التشطير المقيت في المحافظات الجنوبية والشرقية، وتجاوز الأمر ذلك إلى نمو النزعات المناطقية، بسبب عدم معالجة الآثار التي ترتبت على حرب عام 1994، لأن الانتصار العسكري والقوة لا يكفيان لضمان الاستقرار السياسي، ثم عدم الإصغاء للأصوات التي دعته للاعتراف بالمسألة الجنوبية على أساس الاستناد إلى شراكة وطنية في السلطة والثروة، خصوصا منذ أن بدأ الاحتجاج على يد المتقاعدين العسكريين المحسوبين أصلا على الحزب الاشتراكي قبل عامين، ثم ما لبث أن تدحرج ككرة الثلج لتنضم إليه فعاليات قبلية واجتماعية وحزبية، وصار يعرف فيما بعد بالحراك الجنوبي الذي تصاعد نشاطه وامتد من عدن إلى حضرموت، وارتفعت سقوف مطالباته وتنوعت وتطورت من الحكم الذاتي والفيدرالية إلى المطالبة بعودة دولة الجنوب اليمني، معبرا عن حركته الاحتجاجية الساحظة بأشكال سلمية من خلال المظاهرات في الأغلب، وبشكل أكثر عنفا من خلال رفع السلاح أحيانا، في حالة قابلة للاشتعال تشبه وضع الجمر تحت الرماد.
لأكثر من سبب تبدو حظوظ المحاولة الانفصالية الثانية التي يريد علي سالم البيض تزعمها في بلوغ مبتغاها معدومة أو شبه مستحيلة:
أولا: ليس هناك إطار منظم وقيادة واضحة تقود هذا التحرك، ولا رؤية واضحة المعالم لتحركها الاحتجاجي كما كان الحال قبل حرب عام 1994، حيث كان الحزب الاشتراكي هو الحاكم الفعلي والمهيمن على المحافظات الجنوبية والشرقية، وأغلب معسكرات الجيش الموجودة فيه كانت تدين بالولاء له.
ويتضح أن نشأة الحراك الجنوبي بدأت عفوية احتجاجا على إجبار ضباط وكبار موظفين من الجنوب على التقاعد وهو حتى الآن بدون تشكيل تنظيمي صارم، ويتكون في نسيجه من خليط غير متجانس فكريا وسياسيا، إذ يضم في تركيبته شخصيات خارجة عن الحزب الاشتراكي (كالنائب البرلماني صلاح الشنفرة) من جهة، وأخرى في جذورها تعود إلى سلطنات قبل استقلال الشطر الجنوبي (طارق الفضلي أحد أبناء السلاطين في الفترة الاستعمار البريطاني) من جهة أخرى، فضلا عن شخصيات ذات نفوذ قبلي واجتماعي.
ثانيا: رغم وجود حركة احتجاجية في المحافظات الجنوبية تطالب بالانفصال بقيادة يسمى بالحراك الجنوبي، فإن السواد الأعظم من المعارضة التي يمثلها تكتل أحزاب اللقاء المشترك (حزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي ولكليهما حضور واسع في المحافظات الجنوبية، والحزب الوحدوي الناصري إضافة إلى أحزاب أخرى) رغم مطالبتها بمعالجة المسألة الجنوبية وإصلاح الأوضاع المتوترة في البلاد إلا أنها تطالب بأن يكون ذلك تحت سقف الوحدة ملتقية في هذه الجزئية مع الرئيس على عبدالله صالح وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، وقد قاد المشترك مع فعاليات وطنية مستقلة ملتقى للتشاور الوطني قبل أيام تحت شعار "من أجل شراكة وطنية تحمي الوحدة وتبني الدولة اليمنية الحديثة"، ويضاف إلى ذلك رفض التيار السلفي لأية محاولات تستهدف النيل الوحدة في اجتماع عقدوه مؤخرا واعتبروا فيه الحراك الجنوبي "خروجا على طاعة ولي الأمر"، ورغم عدم انخراط هذا التيار في العمل السياسي إلا أنه يتمتع بحضور كبير ومنظم جنوبي وشمال البلاد.
ثالثا: ورغم إشارات وردت بأن البيض لم يكن ليتحرك ويضخ الدماء من جديد في عروق معارضة الخارج عبر البوابة الجنوبية لولا تلقيه ضوءا أخضر من طرف دولي وربما إقليمي أيضا، إلا أن الرئيس صالح في مواجهة ذلك حرص على تجديد دعم الإدارة الأمريكية لوحدة بلاده واستقرارها، إذ أوردت الأنباء حرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما على دعم واشنطن ليمن موحد ومستقر في ظل معاناة جنوب اليمن وما يشهده من نبرة انفصالية متصاعدة، وذلك خلال اتصال جرى بين الرئيسين صالح وأوباما، والتأكيد على حرص البلدين على التعاون المشترك لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب.
وعلى نفس الصعيد تشير الأنباء إلى أن قمة يمنية سعودية ستعقد في الأول من يونيو الجاري (اليوم) سيركز فيها الرئيس اليمني على طلب دعم واضح للجمهورية اليمنية في وجه دعوات الانفصال، إضافة إلى طلب موقف محدد وعملي إزاء العناصر والقيادات التي تطالب بالانفصال ممن تقيم على الأراضي السعودية.
لذا فإن مراهنة البيض ومن معه على ورقة الخارج بناء على ذلك والركون إليها للوصول إلى مآربه الانفصالية غير مأمونة العواقب في ظل تعقيدات الأوضاع الإقليمية والدولية، وتنامي مخاطر التوترات والبؤر الساخنة على أمن واستقرار المنطقة.
ومجمل ما سبق لا يعني أن وحدة اليمن وأمنه واستقراره بل حتى السلطة الحاكمة بمنأى عن المخاطر المحدقة، خصوصا في ظل المشاكل المزمنة التي يعاني منها كالفقر والبطالة وتفاقم الأوضاع المعيشية وتفشي الفساد المالي والإداري، والحروب لمواجهة الاضطرابات مثلما يحدث في شمالي البلاد لمواجهة الحوثيين والاختلالات الأمنية القبلية والـ "القاعدة" وغيرها.
حتى وإن كانت خيارات التشطير معدومة أو ضعيفة فإن ثمة حاجة ملحة لحوار وطني حقيقي بين أبناء اليمن ومكوناته يقبل به الحزب الحاكم والسلطة بدون مراوغة لمواجهة الأزمات التي قد تفضي لا قدر الله إلى ما هو أكبر وأخطر من التجزئة والتشظي، ونقصد بذلك الحرب الأهلية "اليمننة" تشبيها بما يجري غير بعيد عنه: "الصوملة"، أو تركه في حالة معاناة من القلاقل والاضطرابات بحيث يشجع بعضها الآخر على حساب استقراره وتنميته، فوق ما يعانيه حاليا من مشاكل وتحديات.
[email protected]
http://www.al-sharq.com/articles/more.php?id=148947