حتى في الأحلام والأماني ..مختلفون !
 

أمنياتنا كانت الخيرللشعب وعودة من هم في الشتات وأمنياتهم كانت الشر والنهب ومزيدا من المعتقلات ! حتى في الأحلام والأماني كنا ولازلـنــا
وسنظل مختلفون وهذا أمر بديهي لايختلف أحدا عليه وهذا هو حال الرأي أو مايطلق عليه حرية الرأي فالأراء مختلفة حتى داخل الأسرة الواحدة لن تجد هناك إجماعا على مسألة ما إلا إذا كان رب الأسرة ديكتاتورا فسيختلف الحال هنا وحتى علماء وفقهاء الإسلام أجمعوا على أن ليس هناك إجماع. ستجد أن هناك أراء شتى ولكن كما قال الشاعر/أحمد شوقي في إحدى مسرحياته العظيمة (مسرحية مجنون ليلى) الإختلاف في الرأي لايفسد للود قضية . وهناك قول مأثور للزعيم الهندي المهاتماغاندي :الإختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء.وإلا لكنت أناوزوجتي من ألد الأعداء. إن التعامل مع مسألة (الإختلاف ) أيا كان نوعه ينبغي ألا يؤدي إلى مالايحمد عقباه ..فلو تأملنا واقع ماعشناه بالأمس ومانعيشه اليوم سنجد أن الثمن كان باهضا,ودمويا,ومحزنا ومأساويا دفعنا في ثمنا باهضا لايمكن تعويضه . فلوكانت الحكمة وسعة الصدر وتقبل الرأي والرأي الأخرسائدا داخل ماكان يعرف بالحزب الإشتراكي اليمني الذي كان يحكم(ج ي د ش ) لحقنت دماء الأبرياء التي..للأسف أزهقت بدم بارد ولإعتبارات فكرية (شيطانية) لم تكن واقعية أومقنعة أومن صميم ثقافتنا وعاداتناأدت إلى فناء ذلك الحزب المقبور.
إن مانعيشه اليوم في هذا الزمن.. زمن الإنحطاط (الوحدوي) والفساد العظيم لسلطة 17يوليوالمجرمة تجعلنا نفرد لها الصفحات والكتب حتى يعلم القاصي والداني حقيقة مانعانية نحن أبناء الجنوب من بطش وتمييز وإضطهاد بسبب رأي ومطالب وحقوق مشروعة من حقنا أن نؤمن بها وأن نناضل سلميا من أجلها وأن نعلنها على الملأ وليس من تحت الطاولات أو تحت جنح الظلام ومن حقنا أن نقول أن الوحدة مع نظام (ج ع ي ) كانت غير مدروسة وتمت بطريقة غير ديمقراطية حيث هرول (المهرولون) قادة الحزب والدولةالخائفون من إنتفاضة (البرويسترويكا) إلى حضن الوحوش المجردون من الإنسانية والقيم الدينية والأعراف القبلية الأصيلة .وماذا كانت المحصلة ؟ . إن الغالبية العظمى من قيادات وكوادر الحزب والدولة قد أرتمت في أحضان الوحوش أماالفتات المتبقي إما مع اللقاء (المخترق) وليس المشترك وإما لازالوا يحلمون بإمكانية إحياء الميت ! وجهة نظري المتواضعة تقول أن من حقكم ياأعزائي أن تأسسوا الحزب الذي يعبرعن أفكاركم وتطلعاتكم بعد فك الإرتباط وحتى الوحدويون من أبناء الجنوب من حقهم تكوين الحزب الذي يعبر كذلك عن أفكارهم وتطلعاتهم لاينبغي لأحد أن يضع الخطوط الحمراء فهي تعني المزيد من الدماء الحمراء ,وليعلم من لديه النزعة السلطوية والديكتاتوريةأن أول المتضررين من وضع الخطوط الحمراء هم واضعوها.
أعود إلى موضوع الأحلام والتمنيات حين فرحنا وفرح إخوتنا أبناء اليمن بيوم 22مايو1990وكيف أن تلك الأحلام والأماني قد تبخرت وذهبت أدراج الرياح ,فبدلا من أن نرتقي ونزدهر وتسخر إمكانيات وموارد البلدين في سبيل عزة الوطن والمواطن ,فإذا بنا نسيرنحوالهاوية .لقد أثبت هذا النظام فشله حين شن الحرب على الجنوب وضرب بعرض الحائط كل الإتفاقيات والعهود منهيا بذلك كل الأحلام والأمنيات التي ظلت تراودنا وترسخت في عقولنا ووجداننا حتى الرأي الذي من حقنا أن نقوله وضعوا له خطوطا وبنوا له سجونا وأشتروا من خيراتنا سلاحا وعتادا ظنوا واهمين أن بإستطاعتهم إسكاتنا والقضاء على أحلامنا في فك الإرتباط وإستعادة دولتنا دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية .وأختتم مقالتي ببيت شعر خالد قاله أبوالقاسم الشابي وعنوانها لحن الحياة : .
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
فــويل لمــن لــم تَشُــقهُ الحيـا ة مــن صفْعــة العــدَم المنتصـرْ
كـــذلك قــالت لــيَ الكائنــاتُ وحـــدثني روحُهـــا المســـتترْ
*****
ودمــدمتِ الــرِّيحُ بيــن الفِجـاج وفــوق الجبــال وتحـت الشـجرْ:
إذا مـــا طمحــتُ إلــى غايــةٍ ركــبتُ المُنــى, ونسِـيت الحـذرْ
ولــم أتجــنَّب وعــورَ الشِّـعاب ولا كُبَّـــةَ اللّهَـــب المســـتعرْ
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فعجَّــتْ بقلبــي دمــاءُ الشـباب وضجَّــت بصـدري ريـاحٌ أخَـرْ...
وأطـرقتُ, أصغـي لقصـف الرعـودِ وعــزفِ الريــاحِ, ووقـعِ المطـرْ
*****
وقـالت لـي الأرضُ - لمـا سـألت: أيــا أمُّ هــل تكــرهين البشــرْ?
أُبــارك فـي النـاس أهـلَ الطمـوح ومــن يســتلذُّ ركــوبَ الخــطرْ
وألْعــنُ مــن لا يماشــي الزمـانَ ويقنـــع بــالعيْشِ عيشِ الحجَــرْ
هــو الكــونُ حـيٌّ, يحـبُّ الحيـاة ويحــتقر المَيْــتَ, مهمــا كــبُرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
ولــولا أمُومــةُ قلبِــي الــرّؤوم لَمَــا ضمّــتِ الميْـتَ تلـك الحُـفَرْ
فــويلٌ لمــن لــم تشُــقه الحيـا ة, مِــن لعنــة العــدم المنتصِـرْ!
*****
وفــي ليلــة مـن ليـالي الخـريف مثقَّلـــةٍ بالأســـى, والضجـــرْ
ســكرتُ بهـا مـن ضيـاء النجـوم وغنَّيْــتُ للحُــزْن حــتى ســكرْ
سـألتُ الدُّجـى: هـل تُعيـد الحيـاةُ, لمـــا أذبلتــه, ربيــعَ العمــرْ?
فلـــم تتكـــلّم شــفاه الظــلام ولــم تــترنَّمْ عــذارى السَّــحَرْ
وقــال لــيَ الغــابُ فــي رقَّـةٍ مُحَبَّبَـــةٍ مثــل خــفْق الوتــرْ:
يجــئ الشــتاءُ, شــتاء الضبـاب شــتاء الثلــوج, شــتاء المطــرْ
فينطفــئُ السِّـحرُ, سـحرُ الغصـونِ وســحرُ الزهــورِ, وسـحرُ الثمـرْ
وســحرُ السـماءِ, الشـجيُّ, الـوديعُ وســحرُ المـروجِ, الشـهيُّ, العطِـرْ
وتهـــوِي الغصــونُ, وأوراقُهــا وأزهــارُ عهــدٍ حــبيبٍ نضِــرْ
وتلهــو بهـا الـريحُ فـي كـل وادٍ, ويدفنُهَــا الســيلُ, أنَّــى عــبرْ
ويفنــى الجــميعُ كحُــلْمٍ بــديعٍ, تـــألّق فـــي مهجــةٍ واندثــرْ
وتبقــى البــذورُ, التــي حُـمِّلَتْ ذخــيرةَ عُمْــرٍ جــميلٍ, غَــبَرْ
وذكــرى فصــولٍ, ورؤيـا حيـاةٍ, وأشــباحَ دنيــا, تلاشــتْ زُمَـرْ
معانقــةً - وهـي تحـت الضبـابِ, وتحــت الثلـوجِ, وتحـت المَـدَرْ -
لِطَيْــفِ الحيــاةِ الــذي لا يُمَــلُّ وقلــبِ الــربيعِ الشــذيِّ الخـضِرْ
وحالمـــةً بأغـــاني الطيـــورِ وعِطْــرِ الزهــورِ, وطَعـمِ الثمـرْ
*****
ويمشـي الزمـانُ, فتنمـو صـروفٌ, وتــذوِي صــروفٌ, وتحيـا أُخَـرْ
وتُصبِـــحُ أحلامُهـــا يقظَـــةً, مُوَشَّـــحةً بغمـــوضِ السَّــحَرْ
تُســائل: أيــن ضبـابُ الصبـاحِ, وسِــحْرُ المسـاء? وضـوء القمـرْ?
وأســرابُ ذاك الفَــراشِ الأنيــق? ونحــلٌ يغنِّــي, وغيــمٌ يمــرْ?
وأيـــن الأشـــعَّةُ والكائنــاتُ? وأيــن الحيــاةُ التــي أنتظــرْ?
ظمِئـتُ إلـى النـور, فـوق الغصونِ! ظمِئـتُ إلـى الظـلِ تحـت الشـجرْ!
ظمِئـتُ إلـى النَّبْـعِ, بيـن المـروجِ, يغنِّــي, ويــرقص فـوقَ الزّهَـرْ!
ظمِئــتُ إلــى نَغَمــاتِ الطيـورِ, وهَمْسِ النّســيمِ, ولحــنِ المطــرْ
ظمِئـتُ إلـى الكـونِ! أيـن الوجـودُ وأنَّـــى أرى العــالَمَ المنتظــرْ?
هـو الكـونُ, خـلف سُـباتِ الجـمودِ وفـــي أُفــقِ اليقظــاتِ الكُــبَرْ
*****
ومـــا هــو إلا كخــفقِ الجنــا حِ حــتى نمــا شــوقُها وانتصـرْ
فصَـــدّعت الأرضَ مــن فوقهــا وأبْصــرتِ الكـونَ عـذبَ الصُّـوَرْ
وجـــاء الـــربيعُ, بأنغامِـــه, وأحلامِـــه, وصِبـــاه العطِــرْ
وقبَّلهـــا قُبَـــلاً فــي الشــفاهِ تعيــدُ الشــبابَ الــذي قـد غَـبَرْ
وقــال لهــا: قـد مُنِحْـتِ الحيـاةَ وخُــلِّدْتِ فــي نســلكِ المُدّخَــرْ
وبـــاركَكِ النُّـــورُ, فاســتقبلي شــبابَ الحيــاةِ وخِــصْبَ العُمـرْ
ومَــن تعبــدُ النــورَ أحلامُــه, يُبَارِكُـــهُ النّــورُ أنّــى ظهــرْ
إليــكِ الفضــاءَ, إليــكِ الضيـاءَ إليــك الــثرى, الحـالمَ, المزدهـرْ!
إليــكِ الجمــالَ الــذي لا يَبيــدُ! إليــكِ الوجـودَ, الرحـيبَ, النضِـرْ!
فميـدي - كمـا شئتِ - فوق الحقولِ, بحــلوِ الثمــارِ وغــضِّ الزّهَــرْ
ونــاجي النســيمَ, ونـاجي الغيـومَ, ونــاجي النجــومَ, ونـاجي القمـرْ
ونـــاجي الحيـــاةَ وأشــواقَها, وفتنــةَ هــذا الوجــود الأغــرْ
*****
وشـفَّ الدجـى عـن جمـالٍ عميـقٍ, يشُــبُّ الخيــالَ, ويُــذكي الفِكَـرْ
ومُــدّ عـلى الكـون سِـحرٌ غـريبٌ يُصَرّفــــه ســـاحرٌ مقتـــدرْ
وضـاءت شـموعُ النجـومِ الوِضـاءِ, وضــاع البَخُــورُ, بخـورُ الزّهَـرْ
ورفــرف روحٌ, غــريبُ الجمـال بأجنحــةٍ مــن ضيــاء القمــرْ
ورنَّ نشـــيدُ الحيـــاةِ المقـــدّ سُ فــي هيكـلٍ, حـالمٍ, قـد سُـحِرْ
وأعْلِــنَ فــي الكـون: أنّ الطمـوحَ لهيـــبُ الحيــاةِ, ورُوحُ الظفَــرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر