منتديات الضالع بوابة الجنوب

منتديات الضالع بوابة الجنوب (http://www.dhal3.com/vb//index.php)
-   المنتدى السياسي (http://www.dhal3.com/vb//forumdisplay.php?f=18)
-   -   ما زلنا بحاجة إلى الإيديولوجيات (http://www.dhal3.com/vb//showthread.php?t=12800)

أبوسعد 2009-04-11 02:27 AM

ما زلنا بحاجة إلى الإيديولوجيات
 
http://www.alkhaleej.co.ae/App_Theme...haleejlogo.jpg
التاريخ : السبت ,11/04/2009
ما زلنا بحاجة إلى الإيديولوجيات
علي محمد فخرو
المطالبون بضرورة موت الإيديولوجية في الحياة السياسية العربية إنما يطالبون في واقع الأمر بموت الحياة السياسية نفسها. وهم على أي حال لا يفعلون ذلك إلا كتقليد أعمى لحركة ما بعد الحداثة الغربية التي رفضت عبر مسيرتها الطويلة فكرة الإيديولوجيات في الحياة السياسية الغربية بسبب تاريخ تلك الإيديولوجيات في مسيرة المجتمعات الغربية عبر القرن العشرين.

دعنا أولاً نوضح خلفية الموضوع قبل أن ندخل في تلك الجدلية ما بين الحداثة وما بعد الحداثة بشأن أهمية وجود الإيديولوجيات أو ضرورة اختفائها. فمن بين ما أنتجته حداثة الغرب، التي كانت حصيلة ما عرف بعصر الأنوار في أوروبا وحصيلة الثورتين الأمريكية والفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر، من مفاهيم عديدة كالعقلانية والفردية والحرية والتقدم كان مفهوم الإيديولوجية. والإيديولوجية هي إذن مفهوم خرج من رحم الحداثة، وهو عبارة عن نظرية عامة تتكون من ثلاثة عناصر: نقد للمجتمع، تصور لمجتمع مثالي يراد له أن يحلّ مكان ذلك المجتمع المملوء بالنواقص، ووسيلة أو أداة لإحداث ذلك الانتقال من مجتمع الحاضر الى مجتمع المستقبل.

والنتيجة أن عدداً من الإيديولوجيات ولدت، تمثل أبرزها في الحركات الليبرالية الديمقراطية، والاشتراكية (ومن بينها الشيوعية)، والمحافظة، والقومية - الوطنية (ومن بينها النازية والفاشستية). وكانت تلك الحركات الإيديولوجية تدّعي أن منطلقاتها هي منطلقات الحداثة، العقلانية والحرية والتقدم إلخ.. ولكن بعضاً منها انتهى الى ارتكاب أبشع الموبقات والجرائم. فكانت إحدى نتائج ذلك تشكيك فكر ما بعد

الحداثة في مبدأ أحقية الإيديولوجيات في أن توجد لأنها تحمل أخطاراً كبيرة في ممارساتها بسبب الشمولية والتصلّب في أفكارها.

وقد اقترحت حركات ما بعد الحداثة أن يصبح النشاط السياسي قطاعياً، بمعنى أن يركز على أهداف خاصة بمجموعات ك “نشاطات الدفاع عن المرأة” أو أهداف خاصة بإشكالية مجتمعية ك “حركات الخضر البيئيين” وعلى الرغم من أن هذا تبسيط مخل للفكر السياسي وتشظية للعمل السياسي وتجزئة مضرة لكل إصلاح سياسي، الذي لا ينجح إن لم يكن شاملاً ومتوازناً.. على الرغم من كل ذلك إلا أن المقترح الأوروبي ما بعد الحداثي لا يمكن أن ينجح إلا بوجود مجتمع مدني ناضج، يتمتع بحرية كبيرة، راسخ في أنظمته الديمقراطية، تتمثل أمته في دولة واحدة، أي مجتمع غير مقموع وغير مبتلع من قبل سلطاته السياسية. مثل هكذا مجتمع مدني غير موجود في الأرض العربية، ويحتاج لكي يوجد بذلك الشكل النشط الحيوي أن تسبقه حركات إيديولوجية كبرى تقوم على العناصر الثلاثة التي ذكرنا سابقاً.

المجتمع العربي يحتاج الى أن يصنع حداثته الخاصة به، كما فعل الآخرون، وأن تنبثق من حداثته إيديولوجيات فكرية تعتمد على فلسفة ومفاهيم ومنطلقات ومرجعيات تلك الحداثة العربية. وحتى الآن فإن قسماً كبيراً من الإيديولوجيات التي عمّت الوطن العربي عبر القرن الماضي كانت مرتبطة بمفاهيم حداثات الآخرين أو مقلّدة لهم بصور مشوّهة أو مبتذلة، وبالتالي تحتاج الى مراجعات عميقة من جهة وإلى الانتقال بعد ذلك الى العمل النضالي السياسي الشامل والذي يؤدي في النهاية الى استبدال المجتمعات العربية المتخلفة الحالية بمجتمعات مدنية راقية إنسانية أخلاقية عادلة وديمقراطية. عند ذلك فقط دعنا نتحدث عن مدى المنطق في اقتصار الحياة السياسية في الأرض العربية على النشاطات القطاعية والابتعاد عن الإيديولوجيات الكلية.

مأساة هذه الأمة هي في بعض أبنائها الذين ما إن يسمعوا عن، أو يشاهدوا صرعة فكرية في مجتمعات الغرب حتى يسارعوا الى تبنّيها ونشرها في مجتمعاتهم العربية. وفي غمرة حماستهم تلك ينسون الاختلاف في التطورات التاريخية، وعلى الأخص الفكرية والثقافية، ما بين مجتمعات الآخرين ومجتمعاتهم.

واقع الحياة السياسية العربية يقول بضرورة طرح المزيد من الإيديولوجيات وتنقيح ما سبق منها حتى اليوم الذي يصل فيه الوطن العربي الى بذخ الخيارات التي يطرحها علينا المقلّدون الذين ما إن يروا أحداً يعزف على وتر حتى ينبروا إلى الرقص بصورة مضحكة مبتذلة.


Loading...

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.