يبدو إن بعض المثقفين والأكاديميين يرغبون العودة بنا إلى عهد الوصاية وإلغاء الآخر الموصوم بتكميم الأفواه وإخراس الألسن والتزام الصمت, فيتولى الوصي والوالي التفكير واتخاذ القرار نيابتا عن الآخرين, متناسين إن ذلك العهد قد ولى وذهب إلى غير رجعه.

قد لا نلوم من نشأ وسلك وعايش تلك الممارسات لأن بيئته كانت قد تشبعت بالأفكار الدخيلة على مجتمعه الجنوبي, وعاشوا في زمن طغت عليه مفاهيم الشمولية والكلمة والرأي الواحد... لكننا بالطبع نلوم غيرهم من "الفرسان" الجاهزين لقول ما لا يمكن أن يقوله الأسلاف!!

لا أعرف إن كانت صفة الخيانة والعمالة علامات فارقة تطلق على كل من يخالف رأي الدكتور العاقل وغيره ممن يسير على ذلك المنوال من الجنوبيين, أو إن اطلاق تلك الصفات والنعوت لن تموت وتنتهي من القاموس السياسي الجنوبي إلاّ حين يموت شعب الجنوب باندثار تاريخة وطمس هويته ويصبح شعب بهوية وتاريخ وثقافة أخرى, كما يتوهم البعض.

يبدو لي إن البعض من الجنوبيين قد قرروا نسيان التاريخ الطويل والحقيقي للجنوب وشعبه, فاعتمدوا تاريخا بديلا له... لا يتعدى الخمسة عقود من الزمن وينقسم إلى فترتين, الأولى:1967م ـــ 1990م, والثانية: 1990م ـــ الآن.

لم أعد ألوم ـــ كما تعودنا ـــ حكامنا الدكتاتوريين السابقين ولا قادة ثورتنا الحاليين المتحكمين بمصائرنا وبمستقبل أجيالنا ــــ نحن شعب الجنوب ـــــ لأنهم جزء منا ويشبهون البعض منا في كل شيء, فمشكلتنا الأساسية إننا لا نعي ولم نفهم ـــ بعد ــــ حركة التاريخ واستمرارية التاريخ وتطوره بالشكل الصحيح, حتى وإن كنا مثقفين وأكاديميين وساسه وقاده وصناع قرار....

علينا أن نعي تماما بأن شعب الجنوب لن يرضى ولن يقبل بأقل من التحرير والاستقلال واستعادة السيادة, مهما حاولت أحزاب اللقاء المشترك تشوية نضال أحرار الجنوب, فالجميل سيظل ويحيى جميلا والقبيح يلازمه القبح من المهد إلى اللحد.
إلى متى... إلى متى مثل هذا العبث بعقول الناس.