نـــداء عام إلـــى الـــرأي الـــعـــام



د/مـــســـدوس



في البدايه أوجه هذا النداء العام الى اصحاب الحراك السلمي في الجنوب ، ثم الى الرأي العام ، و أوجزه في التالي :

أولاً : أقول لإصحاب الحراك السلمي في الجنوب إحذروا الشغب و العنف الذي تجركم السلطه اليه و اعتبروا الشغب و العنف حراماً في نضالكم السلمي مهما كان عنف السلطه و قمعها . و عليكم ان تدركوا بأن نقطة ضعف السلطه هي في النضال السلمي ، و ان نقطة قوتها هي في الشغب و العنف الذي تجركم اليه . و عليكم ان تدركوا ايضا بأن الرأي العام العربي و الدولي لن يتعاطف الاَّ مع النضال السلمي الخالي من الشغب و العنف . و لهذا صعدوا النضال السلمي حتى يتم الافراج عن المعتقلين .

ثانياً : اقول للرأي العام بان السلطه هي التي افتعلت الشغب من أجل تبرير القمع و الاعتقالات ، بدليل انها قامت بتعميم الاعتقالات على محافظات الجنوب خارج مناطق الاحداث . و هذه الاساليب سبق و ان عرفناها فيهم عندما كنا و إياهم معاً في السلطه . فبعد اعلان الوحده كان هناك شعور لدى سكان محافظة تعز الاكثر سكان في محافظات اليمن بأن القادمين من عدن هم المنقذين لهم ، و بسبب ذلك قامت الاجهزه الأمنيه بإفتعال احداث الشغب التي حصلت في محافظة تعز عام 1993م و بررت تأديب المحافظه و اشعارها بان القادمين من عدن لا يستطيعون ان يحمون انفسهم ، و هو ما حصل بالفعل . و في عام 1997م عندما تمسّكنا بقضية ازالة آثار الحرب و اصلاح مسار الوحده ، قامت الاجهزه الامنيه بإفتعال تفجيرات في عدن و أتهموني بها و أنا في لندن للعلاج و ابلغوني بذلك و بعدم رغبتهم في عودتي الى البلد . و قد قاموا باعتقال بعض من أسرتي و أصدقائي في عدن و فتشوا منازلهم و نهبوا نقودهم و مازال بعضها مع ضابط أمني أسمه ((قرقر)) حتى الآن . كما قاموا بتعذيبهم جسديا و مازال أحدهم معاق حتى الآن ايضا . حيث حاولوا اجبارهم على اعترافات كاذبه بأنهم قاموا بالتفجيرات بتوجيهات من قِبلي ، و حكموا عليهم بخمس سنوات سجن ظلم و عدوان . و لذلك فاننا نطالب السلطه بالافراج الفوري عن المعتقلين و نحملها مسؤولية ما سيحدث لهم خاصه و ان بعضهم يعانون من امراض مختلفه .
ان القضيه الملتهبه الآن في الجنوب و التي بسببها تمت هذه الاعتقالات ليست قضيه ذاتيه تتعلق بافراد يمكن اخمادها بالقمع و الاعتقالات كما تعتقد السلطه ، و انما هي قضيه موضوعيه تتعلق بشعب فقد أرضه و ثروته و فقد تاريخه السياسي و هويته لصالح غيره و تمت تصفية ابنائه من الوظيفه العامه و تعرض للجوع بأسم الوحده . فعلى سبيل المثال لو كانت له مصلحه اقتصاديه و اجتماعيه في هذا الوضع و جاءت قوى خارجيه تدفعه الى الكراهيه و رفض الوحده كما تقول السلطه ، فهل سيستجيب لها ، أم انه سيرفضها بالضروره و العكس صحيح . فالسلطه تستطيع ان تقول ما تريد و تستطيع ان تقتل من تريد و ان تعتقل من تريد ، و لكنها لا تستطيع ان تحل القضيه بالقوه . فهي الآن في صراع مباشر مع الشعب في الجنوب بعد ان جردته من قواه السياسيه و دجّنت اغلبها بالترهيب و الترغيب .

ان اكثر السياسيين المنحدرين من الشمال هم معترفين بغياب الشراكه الجنوبيه بعد الحرب، و لكنهم بسبب فهمهم الخاطئ للوحده يصرون على وجودها . و هذا منطق متناقض ، لأنه اذا ما كانت الشراكه الجنوبيه غائبه فمن البديهي بأن تكون الوحده غائبه و ان يكون الوضع القائم أسوأ من الاحتلال . فعلى سبيل المثال كان الوضع في عهد الاحتلال البريطاني أفضل من الآن و كنا نسميه احتلال ، فماذا نسمي هذا الوضع الأسوأ ؟؟؟. و هل يعقل بأن نسميه وحده و هو أسوأ من الاحتلال البريطاني ؟؟؟. و بالتالي فان من يدّعي الدفاع عن الوحده ، فانما هو يدافع عن الاحتلال و ليس عن الوحده بالضروره . فمن فهمهم الخاطئ للوحده انهم ينطقون بالوحده و يرفضون مفهومها الجغرافي ، أي يرفضون مفهوم الجنوب فيها ، و هذا نكران للوحده ذاتها ، لان الدليل على وجودها هو مفهومها الجغرافي فقط و لا غير و بالضروره ايضا . كما انهم يسمونها بالوحده الوطنيه و كأنها وحده بين اطراف من دوله واحده و ليست وحده سياسيه بين دولتين . و لهذا فانه لا يمكن فهم القضيه و فهم حلها الا بالاعتراف بان اليمن لم يكن يمناً واحداً ، و انما كان يمَنين بدولتين و بهويتين . فنحن اليمن الجنوبيه باعترافهم و اعتراف العالم ، و هم اليمن الشماليه باعترافنا و اعتراف العالم و تم اعلان الوحده على هذا الاساس .
ان القضيه الجنوبيه قد أظهرتها الحرب و نقلتها الى مجلس الامن الدولي . و قد تعمقت هذه القضيه برفض الحوار بعد الحرب و بعدم الاعتراف بأي تمثيل سياسي للجنوب بعد الحرب و بحل كافة مؤسسات الجنوب العسكريه و المدنيه لصالح مؤسسات الشمال ، و تعمقت اكثر بنهب الارض و الثروه و حرمان أهلها منها و بطمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال . صحيح بان هناك بعض الموظفين الجنوبيين في السلطه ، و لكن السلطه ترفض بان يكونوا ممثلين للجنوب . و بالتالي فان عدم الاعتراف بوجود القضيه و رفض الحوار حول حلها هو يعني عدم حلها باتجاه تصعيدها اكثر فأكثر بالضروره كذلك .

ان النظام السابق في الجنوب قد أمم الملكيه الخاصه و منع ظهورها و جعل كل شئ ملكا للدوله مقابل ان تكون الدوله هي رأسمال الجميع و مسئوله عن كامل شؤون حياتهم بموجب النهج الاشتراكي . و هذا ما أدى الى وجود اختلاف اقتصادي و اجتماعي جذري بين الشمال و الجنوب ، ناهيك عن الاختلاف الثقافي بينهما . و هذا الاختلاف الجذري كما قلنا سابقا ما كان يسمح موضوعيا بالوحده بينهما الاَّ بازالة الآثار الاقتصاديه و الاجتماعيه للنظام السابق في الجنوب لصالح أبناء الجنوب و ازالة الثقافه القبليه في الشمال لصالح الثقافه المدنيه في الجنوب أو إيجاد دوله بنظامين كما هو حاصل في الصين . و لكن حكام الشطرين اعلنوا الوحده بارادتهما السياسيه خارج أسسها الموضوعيه و دون استفتاء الشعب عليها . و جاءت الحرب و اسقطت هذه الاراده و حولت دولة الوحده الى دولة الشمال و نظامها السياسي بكامل صوره السيئه . حيث قام بنهب الارض و الثروه في الجنوب و حرم اهلها منها دون ان يكون هو مسئول عن أي جانب من جوانب حياتهم . فهل يستطيع أي يمني أو عربي من دعاة الوحده ان ينكر ذلك أو أن يأتي بغيره ؟؟؟.

انه بعد ان تم اسقاط شرعية اعلان الوحده باعلان الحرب ، و بعد اسقاط اتفاقيات الوحده و استبدال دستورها ، و بعد نهب الارض و الثروه و حرمان اهلها منها ، و بعد طمس الهويه و التاريخ السياسي للجنوب لصالح الشمال ، و بعد تعميم ثقافة الشمال القبليه على ثقافة الجنوب المدنيه ، هل يمكن لأي يمني أو عربي من دعاة الوحده ان يقنعنا بوجودها و يقنعنا بأن العلاقه بين الشمال و الجنوب هي علاقة وحده ، و ما هو دليله المادي على ذلك ؟؟؟. ثم ماهو مفهوم الوحده لدى دعاتها من اليمنيين و من العرب و الاسلاميين ؟؟؟. و هل هيمنة القوي على الضعيف و نهب ارضه و ثروته و حرمان اهلها منها هي وحده ؟؟؟. و هل غياب المصالح الاقتصاديه و الاجتماعيه و المعنويه للضعيف لصالح القوي هي وحده ؟؟؟. و هل يعلمون بان العوامل الاقتصاديه و الاجتماعيه و تناقضاتها هي التي أسقطت الخلافات الاسلاميه و هي التي منعت قيام الوحده العربيه و هي التي اسقطت الاتحاد السوفيتي بشكل حتمي ؟؟؟. و سؤالي الاخير لعلماء الدين في اليمن الذين شحنوا العساكر حقدا على ابناء الجنوب ، هو : هل المظلوم هو الذي يخون الوحده ، أم انه من البديهي بان الظالم هو الذي يخونها منذ ظهور الخلافه الاسلاميه ؟؟؟ .

تحية خالصة لك يامفكر الجنوب كتاباتك تلامس الوجدان وتدخل القلب بدون إستإذان