المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باسندوة ودموع الحكماء *


أبو عامر اليافعي
2008-11-29, 04:33 PM
باسندوة ودموع الحكماء * جمال محمد الجعبي
نوفمبر 2008م الصحوة نت – خاص:



أدرك مثل غيري أن خطراً كبيراً يحيق باليمن، وأن الأوضاع وصلت إلى مرحلة حرجة وصعبة وليس لدي شك في أن الأوضاع تمضي من سيئ إلى اسواء بسبب سياسات النظام الكارثية, لكن لم اشعر بلحظة من الخوف أو الرهبة الحقيقية كما شعرتها عندما جرت الدموع من عيون الحكيم اليماني محمد سالم باسندوه.

كانت دموع محمد سالم باسندوه وهو يتحسر على أوضاع هذا الوطن تهوي على نفسي كالصاعقة، وشعرت بكلماته المختلطة بالدموع وكأنها طعنات خنجر تنغرس في صدري وتخرج بشلال من الدم على إطرافها.

وكيف لا تحركني هذه الدموع المشاعر وهي عنوان الضمير الحي والمسئولية الأخلاقية والتاريخية التي تتجلى في الأوقات العصيبة.

قال باسندوه " أنا حزين على وطني الذي يسير إلى الوراء بعد هذا العمر الطويل" ولم يتمالك نفسه الحساسة المرهفة، وهو القارئ للتاريخ والمحب للأدب ليدق ناقوس الخطر بأوضح صوره، ويعبر عنها بالدموع.

محمد سالم باسندوه رجل سياسة وقائد من قادة تحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني، وليس من السهل له أو عليه أن تتملكه العبرة على الأوضاع السياسية وأحوال البلد ما لم يكن الأمر جد خطير والحالة يصعب تداركها، فهو كأي إنسان لديه مشاعر ويمكن أن يشعر بالحزن أو الفرح أو الأسى والغضب في حياته الأسرية والاجتماعية، لكن كرجل سياسة عانى وقاسى وقارع أقوى قوة احتلال في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكرجل دولة تقلد ارفع المناصب وخدم وطنه وشعبه لسنوات طويلة في العديد من المواقع الدبلوماسية والوزارية يصعب أن تبلغ لحظات الحزن لديه حد الدموع ما لم يكن شأن المصيبة مهول.

انه قهر الرجال، إنها دموع العمالقة والحكماء عندما يجدون وطنهم الذي يحبون يمشي بإتجاه هاوية لا يلقي لها النظام بال.

محمد سالم باسندوة مستشار لرئيس الجمهورية ولكنه لا يستشار كما قال في إحدى المقابلات الصحفية، يدرك بحكمته وعمق تجربته أن اليمن تمام أزمة كبيرة وان رجل القرار فيها لا يكترث، بل والأسوء يبدوا انه لم يعد يستمع حتى لمستشاريه الناصحين، ولم يعد يعجبه سوى الاستماع لأصوات مستشاري السوء الذي يحيطون به في الدولة والمؤتمر.

في حياة الشعوب لحظات تلتقطها عدسات الكاميرا لتمثل رمزية للأوضاع التاريخية، فبعد نكسة حزيران 1967م التقط التلفاز صورة جمال عبدالناصر وهو يمسح دموعه عقب خطاب التنحي، وكانت صورة إسقاط تمثال صدام حسين رمز على دخول العراق مرحلة الاستعمار من جديد وغيرها من الصور الرمزية الكثير، ولعل مشهد الدموع في عيون باسندوه - وهو يتكلم في اللقاء التشاوري على طريق الحوار الوطني الذي دعت إليه أحزاب اللقاء المشترك - سيكون تعبير يمكن أن تلتقطه عدسات التلفزون بعد سنوات لتقول أن دموع هذا الحكيم اليماني إشارة أخطأت السلطة اليمنية (حينها) في عدم فهمها.