المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائع بن القيم رحمه الله في فضل الصبر وأهميته


الفارس النبيل
2012-07-28, 07:03 PM
من روائع بن القيم رحمه الله في فضل الصبر وأهميته


يقول بن القيم رحمه الله

أما بعد فإن الله سبحانه جعل الصبر جوادا لا يكبو - وصارما لا ينبو - وجندا لا يهزم - وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم -
فهو والنصر أخوان شقيقان فالنصر مع الصبر والفرج مع الكرب والعسر مع اليسر
وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد ولقد ضمن الوفى الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب واخبره أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين
فقال تعالى وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة وفازوا بها بنعمة الباطنة والظاهرة وجعل سبحانه الامامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى وبقوله اهتدى المهتدون وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِأايَاتِنَا يُوقِنُونَ
وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكدا باليمن فقال تعالى وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ
وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط فقال تعالى وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال أنه إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ
وعلق الفلاح بالصبر والتقوى فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وأخبر عنه محبته لأهله وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين فقال تعالى وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ
ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون فقال تعالى وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَائِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَائِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ
وأوصى عبادة بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَواةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ
و جعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به الا الصابرون فقال تعالى إِنِى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُواْ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ
وأخبر أن الرغبة في ثوابه والاعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها
- إلا ألوا الصبر من المؤمنين - فقال تعالى
وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقَّاهَآ إِلاَّ الصَّابِرُونَ
وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسىء كأنه ولي حميم فقال وَلاَ تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ
وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
وقسم خلقه قسمين أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وخص أهل الميمنة أهل التواصى بالصبر والمرحمة
وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييز لهم بهذا الحظ الموفور
فقال في أربع آيات من كتابه
إِنَّ فِى ذالِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
وعلق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر وذلك على من يسره عليه يسير
فقال إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ
وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور
فقال وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاٍّ مُورِ
وأمر رسوله بالصبر لحكمه وأخبر أن صبره انما هو به وبذلك جميع المصائب تهون
فقال وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا
وقال وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِى ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ
والصبر آخيه (عود لربط الدابة بالأرض ) المؤمن التى يجول ثم يرجع اليها وساق ايمانه التى لا اعتماد له الا عليها فلا ايمان لمن لا صبر له وان كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه ممن يعبد الله على حرف فان اصابه خير اطمأن به وان أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ولم يحظ منهما الا بالصفقة الخاسرة فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم وترقوا إلى أعلى المازل بشكرهم فساروا بين جناحى الصبر والشكر إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واله ذو الفضل العظيم اهـــ رحمه الله ( عدة الصابرين ج1/ص3,ص4,ص5 )