المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد طوفان حضرموت.. مع الوفاء عينه !!


أبو غريب الصبيحي
2008-11-16, 03:57 PM
بعد طوفان حضرموت.. مع الوفاء عينه !!
http://www.aljazeeratalk.net/forum/upload/1/1226757847.jpg

نبيل لطف الحـمْـيَري - الجزيرة توك - صنعاء

رأيناه واضعاً رأسه بين فخذيه متلفعاً بالأسى والحزن قيل لنا : أن أمطاراً غزيرةً هطلت دون سابق
إنذار

على منطقة ٍ مرتفعة فاندفع السيل جراراً صوب منطقة منخــفضــــة

تعيش جواً صحواً ليجرف منازل كثيرة بنيت على جانبي مجرى للسيول .. كانت مربــيتــــــه
الوحيدة مع منزلها ضمن الذين جرفهم السيل ورغم جهود الكلب الكبيرة لإنقاذها لكنه لم يفلح
عندها اتخذ من التل المجاور لمنزلها الذي أصبح أثراً بعد عين سريراً ينام عليه مع ذكرياته حلوها
ومرها لكن عواءه يتفطر له القلب .

ذهبنا لمواساته حاملين له الطعام لعلمنا أن يومين من الكارثة مرا عليه دون طعام ولما دنونا
منـــــــه

قربنا له الطعام فلم يعره اهتماماً وكأنه يعاقب نفسه : الطعام وحده لايـــكفي
يجب أن تتكاتفوا يداً تعطي وأخرى تبني تلك كانت سنة آبائكم الأولين في بناء الحدائــــــق
المعلقة والمدن الموحدة البناء . استأذنته بطرح مجموعة من الأســــــئلة ، فردّ وقد خدّتِ
الدموع وجنتيه قائلاً :

توفيت الآمال بعد (موحـّدة ) ** وأصبح في شغل عن سؤالك الكلب
أرجوك دعني وشأني فلا شيء بعدها ذا قيمة . قلت : لقد وفيّت مع موحـّدة والآن حـــولك
مجتمع وفاءك كلمات تنفعه كي لاتتكرر الكارثة ، فهز رأسه موافقاً ، فقلت :
ـــــ أين كنت قبل وقوع الكارثة ؟
ـــ كنت أجري أمام السيل بيني وبينه نصف الكيلو أو يزيد لقد بذلت كل ما في وسعي لجذب
انتباه أصحاب المنازل القائمة على جانبي السائلة لكن (إذا حلّ القــدر عمي البـــصر ) وأما
مربيتي الفاضلة ( موحــّدة ) ــ يا للأسف ــ لم تفهم ما كنت أرمي إليه رغم نباحي المشحون
بالبكاء والألم ، حسبتني ــ رضي الله عنها ــ جائعاً فكنت أطبق فمي على قطعة اللحم ، ثــــم
أرميها في وجهها بقوة و هربت إلى الجانب الآخر من السائلة راجياً أن تتبعني فأبـــــــطأتِ
الخطى فجرفها السيل فـنبحت بأعلى طاقة صوتية مخزونة في أعماقي لأجذب انتباه المارة
لمساعدتها فاحتشد الناس معترضين طريقها بالحبال والأخشاب لكن وسائلهم بدت ضئيلة
أمام قوة السيل الخارقة ، ثم( خنقته عبرة البكاء لبعض الوقت )

ـــــ لمَ لمْ تحاول مربيتك إيجاد قطعة أرض بديلة للبناء عليها ؟

ــــ لقد كانت الظروف أكبر من قدراتها فأسعار الأراضي مبالغ فيها وأما أراضي الوقف ــ التي
ما أوقفها أصحابها إلا لتلبية حاجة الفقراء والمساكين ـــ فقد ذهبت من نصيب الحيتان الكبيرة
( وفجأة ً قام قومة الأسد ينهب الأرض بقوائمه أثار زئيره فينا الرعب مصوباً نظراته نحــــو
الجهة الأخرى المقابلة للتــل ، منطــلقاً كالصاروخ فوقع على وجه شــخص تبين فيـــــما بعد
أنه مسؤول حكومي راح الرجل يصيح والدماء تسيل من وجهه ومن قفاه .
غيّر الكلب وجهته ليعود إلى التل نفسه وكأن شيئاً لم يحدث .
ــــــ سألته : لمً اخترت ذلك الرجل دون غيره من العالمين ؟

ــــ ( ردّ وللغيض في صدره زفير ) أولاً ليـــس برجُـل بل مجـــرد ذ َكـَر ؛ لأن ( مِن
المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) وهذا اللعين خان عــــهد الله بما أوكل إليه من
مسؤولية معتبراً إياها مغنماً ، لقد اصطحبتني مربيتي يوماً إلى مكتبه للــــتوقيع على ورقة
استئجار قطعة أرض وقف لكن مسؤولاً كبيراً لعيناً دخل عليه فتغيرت الأمور فلجأت مضطرة
إلى قطع رخصة بناء منزل في هذا المكان غير الصالح للسكنى ، لكن أنا لهم بالمــرصاد فأنا
أعرفهم بسيماهم الشيطانية ولن أفلتهم ما حييت إنهـــم مجــــرمون لايرعون في مســلم إلاً
ولا ذمـّة وعلى رأس القائمة السوداء اللذان ابـــتلعا الميزانية المخصصة لتحويل الســــائلة
إلى مجاري كبيرة تحت الأرض وإنشاء سدّ عند بدايتها .

ـــــ لكن ألا تعتقد أن القدر أقوى من كل الاحتياطات التي يتخذها البشر ؟

ـــ ( نظر إلينا بغضب وكأننا لانعي) أين انتم من ( أعقلها وتوكل ) أين أنتم من قول عمر
ابن الخطاب حينما أمر جيشه بعدم دخول بلاد الطاعون فقالوا له : أنـــــــــــفر من قدر الله ؟
فقال : نفر من قدر الشر إلى قدر الخير . ألم تسألوا أنفسكم عن ســـر ذلك البناء الضــخم
الذي لازال الدهر يفخر به حتى اللحظة . ألم يق ِ مدينة عدن شر الكوارث ! ماذا لو تـــرك
ذلك الممر بلا صهاريج ؟ وهل جرف سيل العرم سدّ مأرب قضاء وقدر ؟ أم أن أهــــله في
فترة من فتراتهم انشغلوا باللهو وكفران النعمة عن صيانته ؟
إنكم واقعون تحت تأثير ترهات المجرمين ومســــوغاتهم الخـــــــرقاء . إن أجدادكم أخذوا
بالأسباب متوكلين على مسببها فاستحقوا بجدارة أن يكونوا أنشودة الزمان ، أما أنتم فسحقاً
لكم إنْ هــمـّكم الجيب ولم يسؤكم العيب وسحـــــقاً لكم إن تركــتم الذين يــــعانون من نزيف
المسؤولية ومن شلل الأمانة وموت الضمير يعبثون بمقدرات البلاد في شراء الســـــيارات
الفارهة والبيوت الضخمة الزائدة عن حاجتهم وحاجة أسرهم وأحياناً قد يحرقونها لبيان أنهم
لأهميتهم قد صاروا هدفاً للمتربصين بأمن البلاد ، ليعوضوا بأكثر مما عندهم . لم لا ترفعوا
شعار ( من أين لك هذا ) ليعاقب الحكومي المتبختر والمعارض المتنكر ؟

ــــــ أما علمت بوجود هيئة عليا لمكافحة الفساد وجهاز رقابة ومحاسبة ؟
ــــ ما فائدتهما إن كان المسؤول يلعب معهما لعبة جحا مع الخليفة . وافق جحا ــــ
على أن يعلم حمار الخليفة القراءة والكتابة مقابل عشرين ألف دينار خلال مدة حددها هو
بعشرين سنة وللخليفة الحق في قتله إن لم يفِ بوعده ــــ فسئل عن سر موافقته ، فقال وهو
يضحك : دعني أعيش فخلال هذه المدة إما أن يموت الحمار أو أموت أنا أو يموت الخليفة .
أليس هذا هو حال الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي تمهل المـسؤول شهرين أو أكثر لتــــسليم
براءة الــذمة .

ـــــ هل وصلتكم المساعدات ؟ وهل هناك توزيع عادل لها ؟

ــــ إن وُجد من يشك في وصولها إلينا أو في عدالة التـــوزيع فالأولى أن يضغــــط على جهة
الاختصاص لتعيينه مراقباً فإن قوبل بالرفض فقد امتلك الدليل المادي لإدانة القائمين عليها أما
أن يرمي بالغيب فقد دخل في دائرة ( ولايحظ على طعام المسكين ) إن الكارثة كبيرة ولاوقت
للعب العيال وللاســــــتغلال البغيض، كما يجب على جهة الاختصاص إرسال قـــــــوافل إعلامية
للقــــيام بمهمة الـــــتحقــــيق مع الموزع والمستفيد للوقوف على الحقيقة.

ــــــ بماذا كانت تناديك مربيتك ؟

ـــ ( تنهد بحرارة ) : كانت تناديني ب ( الوفي) وهذا الوسام سأظل أعتز به ما حييت.

ـــــ هل لك أن تطلع القراء على ملفك الشخصي ؟

ـــ إذا لمسوا مني الوفاء فما جدوى أن يعرفوا من أيِّ سلالة أنا ؟ قالت الحكماء مازال المرء
في خير حتي يعلن عن مذهبه وماله وعمره.

قلت: لقد سمعت عنك ما أكره وأريد أن أحاجهم بما أعرفه عنك .

قال : حسناً أنا الكلب ابن الكلب جدي الذئب جرت عملية تدجين من قبل بعض البشر لبعض
أحفاده في زمن مغرق في القدم قبل تدجين العنزة والخروف والثور والحمار والديك الرومي ..الخ
يروي الرواة أن نوحاً عليه السلام هو أول من اتخذني لحراسة سفينته من عبث العابثين أثناء صناعتها
،واتخذني المجوس والروم طبيباً لاختبار حالات الوفاة فلا يحملون الميت إلى النار أو إلى الدفن إلا
بعد أخذ مشورتي لعلمهم أن التماوت لاينفع عندي ، وجعل المصريون أشهر آلهتهم ( أنوبيس) على
هيئة إنسان برأس كلب ، واعتبر اليهود وجودي شرطاً لوجود المدينة ، وأما العرب فقد تسمت قبائل
كثيرة باسمي اعتزازاً لما عرفته عني كقبيلة كلاب بن مرة في قريش وقبيلة كلاب بن ربيعة في هوازن و.... إلخ، ثم ــ وهو الأهم ــ ذكر الله لي ست مرات في القرآن الكريم .
وأ ُفردت للحديث عني كتب كثيرة ونازعتِ الشعراء قرائحُهم في مدحي من ذلك على سبيل المثال لا الحصر
قال الشاعر : اشدد يديك بكلبٍ إن ظفرت به ** فأكثر الناس قد صاروا خنازيرا
وقال أبو نواس : أنعَـتُ كلباً أهله في مكْـده ***قد سعدت جدودهم بجدِّه
وكل خير ٍ عندهم من عنده ** يظلُّ مولاه لهُ كعــــبـدِه

قلت وأنا أزيد ك : لاتنسبِ الكلب للخوّان تظلمه ** فإن ديّة الكلب ألف ألف خوّان ِ
فتبسم وشكرني . فقلت : ولكن كيف يمكن لهم أن يصغوا لكلامك وأنت في نظرهم نجسيغسلون أثر لعابك بالماء والتراب سبعاً ؟
ـــ أنا في حياتي لم أسمع بغير كلمة ( وفي) أما نجاسة اللعاب فتلك نعـــــمة من الله عليَّ
لحكمة أرادها فلقد كانت فيما مضى أقوام تجازيني ( جزاء سنمار) فتأكل لحمي ، ثم إن
نجاسة لعابي لاتعني نجاسة روحي وإلا لكنتم الأنجس ؛ لأنكم تحتاطون لأبوا لكم وتغتسلون
من جنابتكم أليس كذلك ؟

قلت : بلى .ـــــــ ذكرت في ملفك أن الله ذكرك في القرآن . ألا تعتقد أنه ذكرك إيجاباً وسلباً ؟

ــــ ذلك لأني وبني جنسي لسنا جميعاً على الخير ، وأنتم كذلك . ثم إن العظيم هو ذلك الذي
يتساوى فيه المدح والذم . وأما قوله فيّ(( كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو ......الخ))
فتلك صفة من طبيعة تكويني ومن البلادة أن يكون ابن آدم منتحلاً لها وليست من طبيعته.

لكن قل لي : هل أنت من السباع أم من البهائم ؟

الحقيقة أنني لست سبعاً تاماً فلو تمّ لي صفات السباع ما ألفت الناس ولا بهيمة تامة فلو
تمّت لي طباع البهيمة ما أكلت اللحوم .

في نهاية هذا اللقاء معك أيها الوفاء أُعزيك في مصابك وأسأل الله أن يلهمني وإياك
وجميع المسلمين الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون .