المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكايتان من كتاب المعذبون في زنجبار.. ( الحزن فيه سطرين.. والباقي كله عذاب )


عيدروس ابن الجنوب
2012-04-07, 12:53 AM
حكايتان من كتاب المعذبون في زنجبار.. ( الحزن فيه سطرين.. والباقي كله عذاب )
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash3/547516_334672143255684_167637163292517_918244_4216 45008_n.jpg
الجمعة 06 أبريل 2012 11:20 مساءً

عدن (( عدن الغد )) خاص:

كتب / شكري حسين

في ركن صغير بمدرسة ( الضياء ) للنازحين بمدينة - كريتر – مدينة عدن يجلس ( محمد سالم عبدالله مكحل ) شاب معاق ذهنيا ً وحركيا ً في الثلاثينات من عمره وأمه ( سعده علي محمد ) _ 75 _ عاما .



عجوز خط الزمن خطوطا ً عريضة على وجهها كانت تجلس إلى جانبه وتحاول عبثا منحه شئ من ( وهج ) الحياة المفقود في عينية ..تمسح رأسه بيد حانية ( وقلب ) روؤف رحيم ولسان حالها يقول : ( ليس الحزن وحده هو المكتوب ياولدي !! ) ولكنه العذاب !!



شعرت وأنا أدلف عليهما باب الغرفة أن ( مستعمرات ) الحزن كلها اجتاحت تلك البقعة المغلقة من كل شئ ألا من رحمة المولى جل جلاله ،، حزنا (جاثما ً) وألما عاصفا ً وحياة ممزقة بين واقع كثير المنغصات ومشاهد تترى ( بالملمات ) نطقت بها جدران الغرفة قبل الألسنة لتحكي فصل جديد من كتاب عنوانه ( المعذبون في الأرض ) الحزن فيه كما يبدو ( سطرين ) والباقي كله عذاب .



اجتمعت على الخالة ( سعده ) ظروف الحياة القاهرة ( مرض ابنها وكبر سنها وقلة ذات يدها ) ثم أعقبه قهر وتشريد ونزوح وضياع جرا الحرب الدائرة في أبين فأصبح الهم ( همين ) والألم ( ألمين ) .



في الصباح الباكر تسحب الخالة ( سعده ) قدميها المتثاقلتين إلى خارج مكان نزوحها ، تفترش الشارع وتمد ( يدها ) للمارة بحثا عن ماتسد به حاجة ابنها المستلقي على فراش المرض منذ أن رأت عينية ( النور ) ثم تعود قبل الظهيرة لترمي ماحملته يداها وتطبع ( قبلة )على رأس ولدها حين تكتشف أنه لايزال على قيد الحياة .





سألتها : أليس له أحد غيرك ؟ قالت بصوت متهدج وعينان دامعتان ( توفي والده قبل فترة طويلة وله أخ يصغره بسنوات _ عسكري _ في حضرموت وأختان انتقلتا إلى بيت الزوجية الأولى في ( إب ) والثانية في ( عدن ) وبقيت وحدي معه أشاركه ( العناء ) وأقاسمه ( الشقاء ) .



ابحث كل يوم عن ما استطيع به تغطية حاجياته الضرورية من ( حفاظات ) وطعام خصوصا وهو لايستطيع الحركة ولا الكلام !! أعامله كمولود صغير أمسح ( العذرة ) من تحته واغسله وهو في مكانه لأن جسمي الضعيف لايقوى على حمله إلى دورات المياه في المدرسة .



أحسست وأنا استمع لمعاناتها أن ( جبالا ً ) من الهموم قد وضعت على رأسها ( ونارا ) من الحزن تلفح جسدها المنهك وقد أجبرت على الوقوف بين أمرين كلاهما مر :

( ترك ولدها دون رعاية وإطعام وليس له في الحياة غيرها أو التغلب على عجزها وتحمل ماليس بوسعها )



يااااااه !! ما أصعبها من حياة !! وأمرها من أيام !! وأشدها من سنوات !! فلم يعد للحياة في نظر الخالة ( سعده ) رونقا أو جمال !! إذ تحولت البسمة إلى ( دمعة ) والسرور ( مصيبة ) والسكينة فزع وكارثة .



اسودت الدنيا في عينيها يوم وجدت نفسها ( طريدة ) خارج ديارها تلتحف العناء وترتشف الشقاء وأكثر من ذلك ( ملزمة ) برعاية ابنها المعاق وهي المحتاجة أصلا ً إلى من يرعاها ويمسح ( غبار ) التعب من على جسدها النحيل ( المثقل ) بالا لآم وكثرت الأوجاع .



قبل مغادرتي لها وابنها خاطبتني بصوت متهدج وبصرخة ( أم ) موجوعة مما آل أليه المآل : ( أنا عاجز بابني كما ترى وليس لي وابني مصدر للحياة غير مايتم التفضل به علينا !! فمن يكفيني ( ذل ) السؤال والتنقل في الشوارع والأركان ) ؟؟

تركتها وأنا أتمتم ( لك الله ياخاله سعده ..لك الله ) .





( المصائب لأتأت فرادى )

في مكان غير ذات بعيد هناك ( هما ً ) آخر ( ومعاناة ) ثانية تبدو مشابهة ربما اختلفت تفاصيلها ألا أن ( الألم ) واحد والمصيبة مشتركة .



( عبدا لله خميس علي ) الملقب ( عباد ) _ 38 _ عاما ً وثلاثة من أولاده يتقاسمون تفاصيل حياة ( مؤلمة ) بكل ماتحمله الكلمة من معنى 00 ( خضر ومحمد وجمال ) أكبرهم ( 13 ) عاما ً جميعهم ( معاقون ) تئن أجسادهم من الألم وتصيح لياليهم من الأسى .



ألمت به وأطفاله مصائب ( جمة ) وكربات عديدة لكنه ظل واقفا صامدا ً يتحدى الظروف مستمدا ً قوته من إيمانه بخالقه، لم يطرق بابا الا ( باب ) الله الواسع الكريم الذي بذكره يجد الإنسان سعادته وراحة باله .



يحاول بين الفينة والأخرى تخفيف حدة المعاناة عن أطفاله وتوفير من ماتيسر من مستلزمات الحياة الضرورية ولم يكن يعلم أن الأقدار ستدفعه ذات يوم للقعود ( معاقا ) أمامهم ينظر إليهم بحسرة وألم وينظرون إليه وليس غير الدموع ( المتهاطلة ) لغة الحديث بين الجانبين .



حاول مرارا وتكرارا علاجهم لكنه في كل مرة يعود خائبا ً فتكاليف العلاج كبيرة واليد قصيرة وليس هناك من يشد ( أزره ) أو يمكنه مساعدته في محنته فكانت نظرات أولاده له ( سهام ) تقطع نياط قلبه وتمزق أحشاء قلبه !!



كان ذلك قبل أن تحمل له الأيام حدثا غير سار تحولت أيامه على أثره إلى جحيم لايطاق .. يقول : عبدالله ( وهو ينظر إلى الأرض بعينين شاردتين وقلب منكسر حزين كنت أحاول توفير ماتيسر لأولادي – المقعدين _ من خلال العمل في سوق الصيد بمدينة زنجبار ، كان ذلك يمنحني شئ من السعادة المسروقة من قلبي ولكن !!

اغروقت عيناه بالدموع وهو يتذكر الحادث الأليم الذي جعله هو الأخر معاقا إلى جانب أطفاله و يستطرد ( ذات يوم وبينما أنا خارج من المسجد عقب صلاة الجمعة كنت واقفا ً أمام بائع الخضار الفواكه كي اشتري ما أستطيع به إدخال السرور على أطفالي الخمسة ( 3 ) منهم معاقين .



كانت هناك مسيرة لأنصار الحراك الجنوبي قادمة من طرف الشارع وبينما كنت أراقب المشهد وأثناء مرور المسيرة من أمامنا أطلق إفراد الأمن المركزي وابل من الأعيرة النارية مستخدمة حتى مضادات الطيران لتفريق المتظاهرين فاخترقت رصاصة ( دوشكا ) فخذي الأيمن وأدت إلى كسور بليغة وتقطع في الشرايين والأوردة .



لم اشعر بنفسي إلا وأنا في مستشفى النقيب بعدن وأجريت لي العديد من العمليات أثقلت كاهلي المثقل أصلا وكلفني ذلك الكثير من المال الذي ساعدني به أهل الخير إلى جانب الحالة النفسية السيئة التي أصبت بها جرا الحادثة الأليمة !!

وأضاف ( كنت أنظر إلى قدمي المعلقة على السرير واستذكر أطفالي اللذين لاعائل لهم غيري !! كنت أطلق زفرات أسى مبحوحة ودموع حارة وأتساءل في نفسي : من أين لأمهم ( المعدمة ) والفقيرة رعايتهم وتدبير شئون حياتهم ) .



بعد أشهر من العلاج خرجت من المستشفى وأنا غير قادر على المشي وماهي إلا أيام بسيطة حتى نزلت بساحة أيامنا كارثة ( النزوح ) القسري من زنجبار جراء الحرب هناك لتزداد مساحة ( الألم ) وتكبر صور ( المأساة ) .



( المصائب لأتأت فرادى ) هكذا هو حال عبدالله وأولاده فبعد المعاناة الشديدة مع المرض والألم والنزوح تلقى بعد حوالي شهر فقط تقريبا خبر تهدم منزله جراء القصف العشوائي على زنجبار لتزداد أوجاعه وتكبر صنوف ( مآسيه ) .



كم هي مؤلمة تلك الصور وقاسية تلك الأحداث التي تجرع مراراتها ( عباد ) في بلد يبدو أن الطمأنينة سافرت عنه وبلا رجعة .



( جمال ) أصغر المعاقين الثلاثة يعاني من حالة نفسية غاية في التعقيد ضاعفت من ألم والده وزادت من رقعة المأساة عند الأسرة كلها .. يقول والده ( يعاني من أمر غريب عكس أخوانه الباقين إذ (يعضض ) يديه بعنف ويعمل على تقطيع جسده بأسنانه وهو مادفعنا في آخر المطاف إلى نزعها حتى لا يؤذي جسمه فمنظر مشاهدة الدماء وهي تسيل على جسده أمر مفجع لنا ولوالدته المكلومة وكما تشاهد يديه مربوطة بسبب عضه الدائم لها .



يعيش ( عباد ) مأساة النزوح كباقي أبناء أبين في منزل متواضع بمدينة الشيخ عثمان مع عدد كبير من الأشقاء والشقيقات بعد أن استحال عليه العيش وحده في ظل الظروف القاهرة التي يعاني منها .



تلك ( نتوف ) لمشاهد وروايات غير مستوفاة أخذتها على عجل أثناء زيارتي للأسرتين المنكوبتين ويقيني أن مثلهما ربما يكون كثير ولكن حسبنا أننا اجتهدنا فيمن قدرنا على الوصول إليهما .



( مأساة ) عبدالله والخالة سعده بين يدي المنظمات الحقوقية والإنسانية ورجال الخير والإحسان فأقصى مايتمنيانه توفير الحد الأدنى من الرعاية والاهتمام للمرضى المعاقين ( حفاظات وأطعمة ) مع التذكير أن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ، وعوائد الإحسان والخير ( عقاقير ) مباركة تصرف من صيدلية الذين عمرت قلوبهم بالبر والإحسان !! فهل نأمل ؟؟ نتمنى ذلك .

رعد الجنوب 1
2012-04-07, 01:22 AM
يا ليتني ما قرات يا صاحبي وين عادنا بانام اليوم من القهر
خالص القهر