المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقائع ومشاهدات وملاحظات حضارمة وجنوبيــون في مريديان الهرم بالقاهرة


بن عفرير
2012-01-15, 08:54 PM
وقائع ومشاهدات وملاحظات حضارمة وجنوبيــون في مريديان الهرم بالقاهرة
(2-2) 1/14/2012 المكلا اليوم / كتب: الدكتور/ عبدالله سعيد باحاج
ما بعد المؤتمر والقاهرة بمشاهدات جديدة في عين زائر قديم
بعد التوقيع على هذا البيان انتهت علاقتي الفعلية بهذا المؤتمر، فقررت في صباح اليوم التالي أي الاثنين الخروج من الفندق، لأنه لا مبرر لوجودي فيه اللهم إلا مزيداً من الأكل والرفاهية. واتفقت مع العزيز المهندس بدر باسلمة على الانتقال إلى فندق آخر في وسط القاهرة وبكلفة بسيطة ريثما يحل موعد عودتنا إلى حضرموت بعد يومين. وقد عرض علينا العزيز الأستاذ أبوبكر باخطيب الإقامة في شقته بشارع التحرير القريبة من وسط البلد، خصوصاً وأنه يعيش حالة عزوبية لسفر عائلته إلى مدينة الإسماعيلية، فشكرناه على عرضه الطيب وكرمه، ومعتذرين له عن عدم قبول ذلك.
وكنت قد تحدثت طويلاً مع الأستاذ أبوبكر حول كيفية إنشاء قناة فضائية حضرمية باعتباره مخرجاً تليفزيونياً وعلى دراية طيبة ومعرفة جيدة بعمل القنوات الفضائية، وما هي المتطلبات المالية والإجرائية والفنية والتقنية الواجب توافرها لذلك. وقد أفادني بكثير مما لديه من معلومات في هذا الشأن. وبأنه سيكون على اتصال بي لإفادتي بما يستجد في هذا المجال. وأوضحنا له بأننا في (جبهة إنقاذ حضرموت) نسعى ومع الخيرين من الحضارمة في حضرموت وخارجها إلى إنشاء قناة حضرموت الفضائية، وأن تكون هذه القناة ذات طابع اجتماعي وثقافي وعلمي وتراثي وتنويري، وتهدف إلى الحفاظ على مكونات الهوية والتاريخ والحضارة الحضرمية. وأن تبتعد قدر الإمكان عن كل ما له علاقة بفرض الرأي السياسي أو الحزبي البحت، أي أنها لا تتعاطى مع القضايا السياسية المباشرة التي تعبر عن اتجاهات حادة أو مختلف عليها وتفرّق أكثر مما تجمّع. وهي بوجه عام ستتعامل مع القضايا والهموم والشؤون الحضرمية في الوطن والمهجر وذات الصفة العلمية والتراثية والاجتماعية والحضارية وغيرها. أما تمويلها فسيعود للراغبين من المقتدرين من أبناء حضرموت في الداخل والخارج، وهم الذي سيحددون كيفية إدارة شؤونها. وسيقتصر دورنا في (جبهة إنقاذ حضرموت) على التنويه والإشارة الإعلامية بأهمية وضرورة وجود قناة فضائية لحضرموت، وبما يخدم أحد الأهداف الإستراتيجية والأساسية للجبهة وهو ترسيخ وتعزيز المقومات الايجابية للهوية الحضرمية وبدون استعلاء أو استعداء، والتعاون المثمر والإيجابي مع الآخرين. وقد وجدت مع العزيز أبوبكر استجابة طيبة في هذا المسعى، وبأنه سيبذل قصار جهده وكل ما يمكنه لتحقيق ذلك في خدمة حضرموت العزيزة التي لها مكانة كبيرة وغالية في نفسه، وهي بلا شك غالية وعزيزة علينا جميعاً أينما كنا وحيثما وجدنا، ولا يدفعنا إلى ذلك أي مآرب سياسية أو دوافع أنانية فردية أو شخصية.
واستقر بي الحال مع زميلي بدر باسلمة في (فندق تيوليب) الذي يقع على ناصية شارع صبري أبو علم ويطل مباشرة على ميدان طلعت حرب أو (سليمان باشا سابقاً) بل ويطل على شارعي قصر النيل ومحمود بسيوني (الانتيكخانة سابقاً)، وهما من الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، والذي يعد القلب النابض لمدينة القاهرة. وحوله كل خطوط المواصلات التي تغطي القاهرة الكبرى من حلوان والمعادي جنوباً إلى شبر الخيمة شمالاً وعلى طول ضفتي نهر النيل الشرقية والغربية بما فيها الجيزة وامبابة وغيرها، فكل هذه المناطق للقاهرة الكبرى يربطها ميدان التحرير بخطوط مواصلات متعددة وأهمها مترو الأنفاق الذي يصل القاهرة بالجيزة بخط تحت مياه النيل وسيارات الأجرة والحافلات إلى جانب الأتوبيس النهري الذي له محطات عدة عند أرصفة الشوارع المتصلة بميدان التحرير. ولهذا ليس غريباً أن يجعل منه ثوار 25 يناير معقلاً مهماً ومركزياً لاعتصامهم ونشاطهم لأن من هذا الميدان تبدأ خطوط المواصلات في القاهرة وكذلك تنتهي إليه.
وفندق تيوليب الذي نزلنا فيه هو من طراز كلاسيكي ينتمي في معمار بنائه إلى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية كمعظم عمارات وسط القاهرة. ويقابلك المصعد (الأثري) عند مدخل العمارة التي بها الفندق، وهو مصعد يقاوم عوامل الزمن ويصرّ على رفعك بكل عطف وحنان وتؤده إلى حيث الطوابق التي بها قاعة الاستقبال وغرف الفندق. وكل ما في هذا الفندق ينقلك إلى عالم وزمن قد وليا منذ عقود، ومن ذلك شكل الغرف والأبواب والشبابيك والأسقف والجدران والسلالم والردهات والحمامات وما إلى ذلك، فأنت في هذا الفندق تعيش مع التاريخ الذي مضى، ولكنه لا ينسى ولا يندثر، فهو ماثل أمامك يذكرك بما كان، وإذا أطللت من نافذة أو شرفة بالفندق على ميدان طلعت حرب تجد أمامك أشهر معلمين في وسط البلد، وهما مكتبة مدبولي والتي عرفت بأنها مكتبة المطبوعات الممنوعة سياسياً. وهي لم تعد كذلك اليوم، وإنما كانت في عهد السادات والشطر الأكبر من عهد مبارك تبيع كتباً بألوان سياسية ممنوع تداولها في مصر آنذاك، ولذلك كانت مقصد من يروق له الحصول على مثل هذه المطبوعات والمؤلفات. أما المعلم الآخر في هذا الميدان فهو (جروبي) وهو مقهى فسيح إلى الداخل يبيع الحلويات والشاي والعصائر وقد عرف هذا المقهى بأنه مقصد للعشاق والمحبين ومكان للمواعدة بين الجنسين، وأشارت إليه العديد من الأفلام المصرية وكتابات المؤلفين المصريين.
ولا يقتصر الأمر على هذين المعلمين فقط، ففي ميدان طلعت حرب تجد أمامك كل الخدمات التي تحتاجها، فهي في متناولك وتحت ناظريك، فإلى جانب مكتبة مدبولي التي أشرنا إليها تجد تحتك مباشرة مكتبة أخرى هي (مكتبة الشرق) وعلى يمينك وعلى يسارك تجد مكتبات هنا وهناك وخاصة في شارع شريف كدار المعارف ومكتبة الانجلو المصرية وفي شارع عبد الخالق ثروت تجد دار النهضة المصرية ومكتبة الهيئة المصرية العامة للكتاب، وتكاد تكون كل الشوارع في وسط القاهرة تحوي مكتبة أو أكثر، مما يدل على أهمية الكتاب في المجتمع المصري، وأن كان هذا الاهتمام أقل مما هو مطلوب فعلياً.
وتنتشر في الشوارع المؤدية إلى ميدان سليمان باشا محلات الفول والطعمية والكشري والوجبات السريعة والحلويات والمحلات التجارية بكافة أصنافها. ومن يهوى دخول السينما والمسرح وغيرها من أماكن اللهو المباح وغير المباح سيجد في هذا الشوارع بغيته وضالته.
وكان الوصول إلى هذه الشوارع – وهي ضمن المنطقة المسماة وسط البلد – فيما مضى أي منذ سنين قليلة خلت شاقاً ومضنياً بسبب الكثرة السكانية المترددة عليها راكبين ومركوبين، وكان من المشقة أن تجد تاكسي ينقلك إلى هذه المنطقة أو منها، بالإضافة إلى عدم التزام سائقي التاكسيات باستخدام العداد لاحتساب الأجرة، مما يخلق مشاكل ومشاحنات مع زوار هذه المنطقة. كما أن استخدام الحافلات العامة كان حينها معاناة لا تطاق، أما خطوط المترو فلم تكن قد وصلت بعد إلى أطرافها.
أما اليوم فقد أصبحت الحركة (المرورية) من وإلى هذه المنطقة تتم بسلاسة ويسر، فقد حدثت زيادة ملحوظة في عدد التاكسيات وإلزام سائقيها باستخدام العداد. كما أن محطات خطوط مترو الأنفاق قد أحاطت بهذه المنطقة من الجهات الأربع تقريباً، أي من جهة ميدان التحرير غرباً وجنوباً، ومن جهة عابدين شرقاً، ومن جهة شارع فؤاد (أشهر شوارع القاهرة) واتصاله بشارع رمسيس شمالاً.
ورغم أن المساجد قليلة في منطقة وسط البلد هذه لطابعها التجاري البحت ولكون نشأتها ارتبطت بمجموعات تجارية (غير مسلمة) إلا انتشر فيها منذ حوالي ثلاثة عقود من الزمن أماكن محددة وصغيرة تستخدم للصلاة. وهذه المصلات – وهي جمع مصلى أن صح التعبير – تجدها في أسفل بعض العمارات الكبيرة، وأحياناً في الشوارع المبلطة المقفلة أي الزنقات. كما أن وسط البلد هذه لا يبعد كثيراً عن (القاهرة الإسلامية)، حيث الجوامع الشهيرة كالأزهر والحسين والسيدة زينب وغيرها، ولذلك نجد أن وسط البلد (التجاري) يكاد يكون محاطاً بمجموعة من المساجد والجوامع الكبرى، فمن جهة الغرب والجنوب يبرز جامع عمر مكرم ويقع جنوب ميدان التحرير وهو من الجوامع الشهيرة في القاهرة ومما يزيد من شهرته ومعرفة الناس به أنه يكاد يتخصص في (مراسيم) العزاء وتلاوة القرآن الكريم على الموتى قبل نقلهم إلى مثواهم الأخير، وخاصة لكبار القوم من المصريين المسلمين. وعمر مكرم هذا هو أحد زعماء المقاومة المصرية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1798م. ومن جهة الشرق يوجد جامع كبير بالقرب من تقاطع شارعي قصر النيل والجمهورية، وآخر بين شارعي شريف ورشدي. أما من جهة الشمال وحيث ميدان رمسيس فيوجد بالقرب منه وتحديداً في نهاية شارع رمسيس باتجاه هذا الميدان جامع كبير كنت أشاهد عمارته تعلو يوماً بعد يوم خلال عهد السادات عندما كنت مقيماً في مصر للدراسة العليا، حتى ظن البعض أنه ربما يسمى جامع السادات ولكنه لم يسم كذلك.
والمعروف أن ميدان رمسيس هذا به المحطة المركزية لسكة حديد مصر ويسمى محلياً (باب الحديد)، ولعلها أقدم سكة حديدية في الوطن العربي، فقد شيدت في عام 1856م من أجل نقل القطن المصري إلى ميناء الإسكندرية لتصديره إلى الخارج. وحيث كان هذا القطن المصري بالفعل الذهب الأبيض كما يقال عنه حينها، وكان مصدر العملة الصعبة المهم للخزينة المصرية، واليوم ورغم تراجع وضع هذا الذهب الأبيض في مدخولات مصر إلا أن السكة الحديدية التي أنشئت لتصديره لا تزال باقية، بل وتطورت تطوراً هاماً لصالح التنمية في مصر، فهي تسهل انتقال البشر والبضائع والمنتجات المصرية وغيرها من مكان إلى آخر في أرجاء مصر الواسعة والتي تقدر مساحتها بحوالي مليون كيلو متر مربع، وبتعداد من البشر يربو على (85) مليون إنسان. وقد ربطت هذه السكة الحديدية جميع الأراضي المصرية من الإسكندرية وساحل المتوسط شمالاً إلى أسوان والسد العالي ووادي حلفا جنوباً، ومن مرسى مطروح وسيوه والواحات والوادي الجديد غرباً إلى ساحل البحر الأحمر حيث السويس وسفاجا وكذلك شبه جزيرة سيناء شرقاً. ولا شك أن هذه السكة الحديدية الواسعة وما يجري عليها من تحديث وتطوير مستمر هي إحدى مفاخر ومنجزات مصر الحديثة، رغم ما يعتريها بين حين وآخر من بعض المعوقات والاختلالات.
وفي منطقة وسط البلد هذه تقع الجامعة الأمريكية بالقاهرة وهي جامعة ظهرت في مطلع خمسينات القرن الماضي وتطل على ميدان التحرير وبجوارها يقع مقر الجمعية الجغرافية المصرية وهي أقدم جمعية جغرافية في الوطن العربي. وقد ظهرت خلال القرن التاسع عشر الماضي، ولها دور بارز في كشف كثير من الحقائق عن وادي النيل ومجاهل إفريقيا والوطن العربي. وقد شاركت هذه الجمعية ببعثات علمية إلى حضرموت في عامي 1936م و1939م لمعرفة أوضاعها الجغرافية الطبيعية والبشرية ومنها الشؤون البحرية.
تلك كانت إطلالة عامة على وسط البلد حيث فندق (تيو ليب) والذي نزلت فيه أول مرة منذ حوالي عشر سنوات ونيف وأنجزت فيه بحثاً عن الهجرة شاركت به في أحد مؤتمرات المغتربين في صنعاء. وقد راق لي هذا الفندق بموقعه وما يغمره من هدوء وبساطة وكلفة مالية محتملة، وما لقيته من معاملة حسنة من مسئولي وعمال الفندق واحترامهم لكل وافد عليهم. وعلى رأسهم العم سيف وأبنه حنفي وقد علمت أن هذا الفندق من بقايا العهد الناصري، حيث لا تزال تشرف على إدارته وشؤونه (الهيئة المصرية العامة للسياحة) أي أنه قطاع عام. ولا شك أنه في حاجة إلى تطوير في بعض خدماته لجذب النزلاء إليه.
وشدني الحنين والذكريات إلى تلك الأيام التي قضيتها في هذا الفندق الصغير، وحيث أنجزت فيه ذلك البحث، فأطللت على تلك الغرفة التي أقمت فيها بالفندق وبرفقتي زميلي بدر باسلمة – وهي غرفة تطل مباشرة على ميدان طلعت حرب – فوجدتها مغلقة وعلمت من أحد عمال الفندق أن بها سائحاً ألمانياً.
وتجولت مع صديقي بدر في أنحاء متفرقة من وسط البلد وخاصة في مكتباتها المعروفة في ذلك المكان، وكذلك في سور الأزبكية، وهو من أهم أماكن بيع الكتب المستعملة في القاهرة، ولم يعد سوراً كما كان في الماضي، وحيث كانت توجد أكشاك بيع الكتب تستند على سور لحديقة تسمى (حديقة الأزبكية) كان بها فيما مضى كازينو وملهى ليلي معروف في تاريخ القاهرة خلال الخمسينات والستينات الماضية وبجواره قسم للشرطة لحبس ومعاقبة السكارى ومثيري الشغب في هذا الملهى. أما اليوم فقد اختفى ذلك الملهى ولكن بقي قسم الشرطة لحاجة الناس إليه. أما سور حديقة الأزبكية والذي أطلق شهرته على أهم مكان لبيع الكتب المستعملة في مصر وربما في الوطن العربي، فقد أصبح أكثر مساحة بل وتحيط به أسوار للدخول إليه، أي أنه أصبح داخل السور لا خارجه كما كان في الماضي.
وبعد وصولنا مباشرة إلى فندق تيو ليب كنا قد رتبنا – الزميل بدر وأنا - على الذهاب إلى الإسكندرية في اليوم التالي أي الثلاثاء للتعرف على معالمها التاريخية والحضارية وخصوصاً مكتبة الإسكندرية الشهيرة. وبالنسبة لي لاستعادة ذكريات غالية وعزيزة لا زالت أتذكرها عندما أنجزت فصولاً من أبحاثي في مرحلتي الماجستير والدكتوراه التي تقدمت بها للجامعة التونسية خلال عامي 1982 و 1988م. وحيث أقمت في المعمورة في الطرف الشرقي لمدينة الإسكندرية. واتفقنا مع أحد سائقي التاكسيات على نقلنا إلى هناك صباحاً وإعادتنا إلى القاهرة عصراً، وكذلك اشترينا من مكتبة مدبولي خريطة لمدينة الإسكندرية وهي شاملة لخريطة أخرى للقاهرة ولعموم أراضي مصر. غير أننا لم نستطع الذهاب إلى الإسكندرية بسبب الوضع الأمني المشحون والمضطرب فيها مع اندلاع ثورة الشباب في العديد من أحيائها، بل وفي كل الأراضي المصرية، فأثرنا السلامة والأمان على المغامرة غير المحسوبة نتائجها، خصوصاً وأننا في صباح اليوم التالي أي الأربعاء سنغادر القاهرة إلى صنعاء ومنها إلى حضرموت.
وفي مطار القاهرة التقينا مع زملائنا الحضارمة الذين فضلوا البقاء في المريديان، وعلمنا منهم ما انتهى إليه المؤتمر في جلسته الختامية مساء الثلاثاء 22 نوفمبر وما أصدره من قرارات وتوصيات، ومنها القرار رقم (5) بتشكيل قيادة مؤقتة من الأخوة: علي ناصر محمد وحيدر أبوبكر العطاس وصالح عبيد أحمد ومحمد علي أحمد ومصطفى العيدروس (منصب عدن)، ويضاف إلى هؤلاء رئيس المجلس الأعلى للحراك السلمي ونوابه، ثم رؤساء لجان التواصل بالمحافظات، ثم رؤساء مجالس الحراك بالمحافظات. كما أشار القرار رقم (7) من قرارات هذا المؤتمر إلى تشكيل ما اسماه (لجنة مصالحة وتوافق) من خمسة أشخاص. وفي التوصيات أوصى المؤتمر بإنشاء صندوق لدعم ثورة الجنوب وحراكه السلمي. ووضع آلية لجمع التبرعات والاشتراكات لدعم هذا الصندوق. والملاحظ أنه القرار رقم (3) من قرارات هذا المؤتمر قد أقر تشكيل إطار تنظيمي مرجعي تحت مسمى (مجلس التنسيق الأعلى لأبناء الجنوب) قوامه (351) عضواً. ولم يشر هذا القرار إلى نصيب كل محافظة من محافظات الجنوب والتي يفترض أن تكون ست محافظات في عضوية هذا المجلس. غير أن المراسل الخاص لموقع (المكلا اليوم) في تغطية أخبار المؤتمر ووقائعه أشار في تغطيته هذه والتي نشرها هذا الموقع في 21 نوفمبر إلى أن هذا المؤتمر قد شهد تشكيل مجلس تنسيق أعلى من (301) عضواً، لكل من حضرموت وعدن والضالع (55) عضواً وبالتساوي، ولكل من لحج وشبوة والمهرة وأبين (45) عضواً وبالتساوي. وهذا يعني ما يلي:
أولاً... أن الضالع أصبحت في هذا المؤتمر محافظة سابعة للجنوب، أي أنه إقرار وقبول من قبل القائمين على هذا المؤتمر بما سنته سلطة صنعاء في 1999م من تقسيم إداري للجنوب، وهو عكس ما يصرح به قادة الجنوب دوماً بأنه لا قبول لأي إجراءات تنفذها صنعاء في أرض الجنوب بعد 1994م، ويبدو أنه من أجل الضالع (فقط) تسقط كل المطالب والدعاوى.
ثانياً... أن الضالع كإحدى مديريات محافظة لحج وفق تعداد 2004م لم يزد سكانها عن (100.000) مائة ألف نسمة، في حين بلغ سكان حضرموت في التعداد حوالي (1.000.000) مليون نسمة. فهل من أجل عيون الضالع وأهلها تتساوى في القدر السياسي في هذا المجلس مع حضرموت؟؟؟ وهل هذه هي الديمقراطية الحقيقة المنشودة لدولة الجنوب القادمة؟ أم هي (كوسة) جنوبية وعلى الطريقة المصرية. وهل هذه العقلية التي تنتج مثل هذه الأفكار وتفرض هذه التشكيلات مؤتمنه وألا تخيفنا حقاً من مستقبل قادم؟ وعلينا أن نقول في النهاية أن مطلع القصيدة كفر، وعلى اللبيب أن يفهم ويعي أن خلفنا نصف قرن قد انتهى وإلى غير رجعة بعون الله تعالى، ولن يسمح شعب حضرموت بتكرار معاناته والاستخفاف من قدره.
وأثناء تداولنا الرأي والمشورة مع زملائنا من حضارمة المريديان بمطار القاهرة، وما تمخض عنه هذا المؤتمر من فشل ملحوظ في تجميع وتوحيد الصف الجنوبي انبثقت فكرة بضرورة السعي مجدداً بتوحيد الصف الوطني ولو ببداية حضرمية تكون نواتها مجموعة 19 والتي عرفت في هذا المؤتمر أكثر مما عرفت قراراته وتوصياته. وتتلخص الفكرة التي انطلقت في مطار القاهرة بضرورة إنشاء تكتل حضرمي يشمل كل الفصائل والتنظيمات الوطنية العاملة في حضرموت بما فيها فروع الحراك السلمي وجبهة إنقاذ حضرموت والمجلس الأهلي والمجلس الشعبي وأي فصائل تقبل بهذا التوجه ولتكون تحت مظلة حضرمية واحدة تتفق على القواسم المشتركة فيما بينها، وعلى أن تحتفظ هذه الفصائل أو التنظيمات بكياناتها الذاتية. وقد رحبت بهذه الفكرة مبدئياً، طالما وأنها تخدم المصلحة العامة لحضرموت وللجنوب عامة، كما أنها لا تلغي أي تشكيل أو فصيل أو تنظيم منظم إلى هذا التكتل. وتركنا التفصيلات الأخرى للمداولة بعد عودتنا إلى حضرموت، وعلى أن تتبنى مجموعة 19 هذه الحركة الجديدة الساعية إلى توحيد الصف الحضرمي، والتي بلا شك سيكون لها الأثر الإيجابي في توحيد الصف الجنوبي وباعتبار أن الثقل السكاني والبشري والفكري والثقافي والاجتماعي والحضاري هو في حضرموت فعلاً وليس في أي مكان آخر أو منطقة أخرى من مناطق الجنوب.
وحوالي الرابعة عصراً طارت بنا طائرة (اليمنية) من مطار القاهرة إلى صنعاء ومنها إلى حضرموت. وغادرنا هذه المدينة التي عمرها من عمر الزمن الذي عرف فيه الإنسان الحضارة والاستقرار، وهي وأن لم تكن أقدم مدينة على وجه الأرض كدمشق بسوريا أو أريحا بفلسطين، إلا أن موقعها وبالأخص موضعها أي مساحتها الأرضية قد استخدم منذ حوالي خمسة آلاف عام مضى في بناء أحدى أهم العواصم الفرعونية وهي (منف) وذلك في عام 3200 قبل الميلاد، وفي عهد الملك مينا والذي يعتبر موحداً لوادي النيل مع دلتاه. وتقع أطلال هذه العاصمة الفرعونية في جنوب الجيزة غربي النيل وتحديداً في منطقة البدرشين، أي على بعد حوالي 30 كيلو متراً من الجيزة.
وفي العصر المسيحي (القبطي) استخدم موضع القاهرة لبناء مدينة مهمة في الدولة البطلمية التي كانت عاصمتها الإسكندرية. وقد سميت هذه المدينة (حصن بابليون)، وهي تقع شرقي نهر النيل وفي حي (مصر القديمة) أحد الأحياء العريقة في القاهرة اليوم.
وفي العصر الإسلامي استخدم موضع القاهرة كذلك وفي ذات الحي (مصر القديمة) لبناء مدينة الفسطاط شمال حصن بابليون، وهي المدينة التي شيدها عمرو بن العاص فاتح مصر عام 641م. وبجوار الفسطاط أقيمت في عام 868م مدينة القطائع والتي بناها أحمد بن طولون، ولتكون عاصمة ثانية لمصر الإسلامية. وفي عام 969م بنيت العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية والعربية والتي سميت (القاهرة) على نجم ظهر في سمائها عند بنائها ولم يكن متوقعاً ظهوره حينها، فسميت بالقاهرة لأن هذا النجم كان قاهراً في ظهوره ولم يكن منتظراً. وقد تم بناء القاهرة على يد جوهر الصقلي قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي. وبدأ بناء القاهرة كما هو معروف بتشييد الجامع الأزهر واختير لموقعه أن يكون شمال العاصمتين الإسلاميتين السابقتين أي الفسطاط والقطائع.
وقد احتفلت القاهرة منذ حوالي أربعين عاماً بمرور ألف عام على إنشائها، وهي المدينة التي توصف حالياً بأنها مدينة الألف مئذنة، وبعضهم يقدر عدد مساجدها اليوم بحوالي خمسة آلاف مسجد وجامع لكثرة عدد سكانها، وحيث يصل عدد هؤلاء إلى حوالي (15.000.000) خمسة عشر مليون نسمة، أي ما يصل إلى حوالي (18%) من جملة سكان مصر. ويقال أن عدد سكان القاهرة في الليل يقل عن النهار بحوالي (3.000.000) ثلاثة ملايين نسمة لأن هؤلاء هم من قاطني الأقاليم والأرياف القريبة من القاهرة ويأتون إليها صباحاً لقضاء حوائجهم وأعمالهم ويساعدهم في ذلك شبكة المواصلات الجيدة المنتشرة في القاهرة وما حولها.
وهذه المدينة التي لا تهدأ ولا تنام تخوض اليوم بشبابها ورجالها وكافة فئات مجتمعها ذكوراً وإناثاً معركة المصير والمستقبل نيابة عن كل المصرين وبملايينهم الثمانين. وبعد أن نجحت في ثورتها المباركة في الخامس والعشرين من يناير من عام 2011م في خلع رأس النظام المستبد، وهي اليوم تتطلع إلى غد أفضل يحقق الكرامة والاستقرار والتنمية الجادة والعادلة للشعب المصري الشقيق، وهو الشعب الذي تربطنا به نحن الحضارمة علاقات تاريخية وحضارية وثيقة منذ عصور ما قبل الإسلام ومع الرحلات البحرية الفرعونية إلى سواحل حضرموت للحصول على البخور واللبان وهي السلعة الإستراتيجية في تلك العصور الخوالي. وفي العصر الإسلامي منذ عهد الراشدين ومروراً بالعهدين الأموي والعباسي كان العديد من قضاة مصر المعروفين هم من الحضارمة، كما أن هجرة بني هلال من وادي حضرموت إلى صعيد مصر لا تزال حية في الذاكرة المصرية وخاصة عند صعايدة مصر وهم يرتبطون بعلاقات نسب وقربى مع بني هلال. وفي العصور الحديثة هاجر إلى مصر مجموعات من أبناء حضرموت واستقرت في مدنها وبلداتها وقراها وبرز من هؤلاء أدباء وكتّاب معروفون ومنهم علي أحمد باكثير. وعلى ذلك فليس غريباً أن تجد في قلب القاهرة الإسلامية مكاناً يسمى (وكالة بازرعة)، وقد كان فيما مضى سوقاً مصغرة على نمط (الهايبر أو السوبر ماركت). وجاء في صفــ71ــحة من كتاب جمال الغيطاني (ملامح القاهرة في 1000 سنة) والصادر عن دار الهلال بالقاهرة عام 1983م أن الوكالة تعتبر سوقاً وفندقاً معاً، وهي بناء كبير مربع الشكل من عدة طوابق كل طابق مختص ببضاعة أو خدمة، وبهذا المبنى غرف يسكنها التجار الغرباء. والعبارة المصرية الشعبية الشهيرة التي تقول (وكالة من غير بواب) تعني أن هذه الوكالات كانت مفتوحة أمام عامة الناس. وكانت هذه الوكالات منتشرة في أسواق القاهرة القديمة خلال العهدين المملوكي والعثماني. ومع بداية القرن التاسع عشر كانت هناك أكثر من مائتي وكالة لم يبق منها سوى عدد محدود تشرف على شؤونها وترميمها وصيانتها وزارة الثقافة المصرية ويستخدم بعض حجراتها عدد من الفنانين في الرسم والنحت، وكذلك بعض الصناعات التقليدية من أعمال النحاس والخشب والزجاج وغيره. ومن أهم هذه الوكالات المتبقية في القاهرة القديمة (وكالة الغوري) نسبة إلى السلطان المملوكي قنصوه الغوري. كما أن للحضارمة وكالة بازرعة التي أشرنا إليها آنفاً، وهي تقع بحي الجمالية إلى الشمال من الجامع الأزهر. وكان ينزل بها التجار الحضارمة في تلك الأزمنة.
هذه إذن مشاهدات وانطباعات وملاحظات عابرة لأيام قليلة عشناها في مصر العربية وفي قلبها النابض مدينة القاهرة، وفي خضم ثورتها العارمة والمباركة بعون الله تعالى من أجل المستقبل الأفضل لشعبها الطيب والصبور، وهي المدينة التي تعد من أكبر مدن إفريقيا والوطن العربي سكاناً ونشاطاً وحيوية وإثارة للذهن والوجدان العربي. وقد كانت لنا فيها فيما مضى سنوات طويلة لتلقي العلم والدراسة علنا نجد فرصة أفضل للكتابة عنها، وبحلوّها ومرّها، ولعل في ذلك فائدة ونفعاً. وهي منذ سنوات خلت تضم في ثراها الطاهر رفات خمسة من الأحبة والأعزة لنا من ذوي القربى والصلة المباشرة، كما أنها تضم رفات أحبة وأعزة لغيرنا من الحضارمة وغيرهم. وقد شاءت إرادة المولى عز وجل أن يكون مثواهم الأخير هذه البقعة الطيبة من أرض الكنانة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرحمهم ويغفر لهم وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يلهمنا جميعاً الصبر والسلوان، أنه على كل شيء قدير.
حضارمة وجنوبيون في ميرديان الهرم بالقاهرة (1-2)
[email protected]

لبيك ياجنوب
2012-01-15, 09:22 PM
الجنوب يتكون من ست محافظات ويجب ان يكون التمثيل متساوي