المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن كانوا ثوار فعليهم الاعتذار .../ حسام السلاّمي


حسين بن طاهر السعدي
2011-10-29, 02:51 PM
حياة عدن >> وجهات نظر
حسام السلاّمي : إن كانوا ثوار فعليهم الاعتذار ..
بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه .
لقد مر عامين على آخر مقالاتنا الموجهة للعالم العربي والذي حمل عنوان ( أصوات الحق تعلو فوق السحاب .. يمنان أم يمن.. كلام حول حقيقة القضية الجنوبية) الذي شرحنا فيه بشكل موجز القضية الجنوبية ، وقلنا بأن الجنوب واقع تحت احتلال من قبل سلطات نظام علي عبد الله صالح ، وطالبنا برفع الظلم عن شعب الجنوب ، وقلنا أن الوحدة التي تأتي بقوة السلاح ، وفتاوى استباحة الدماء والأعراض لن تدوم ، وسيأتي اليوم الذي يصحح فيه الخطأ ، وتكون الرغبة حين ذاك للانفصال كالرغبة في الحياة. فطلبنا من قادة دول الخليج العربي المساعدة في حل المشكلة أو الفصل بين المتخاصمين على الطريقة التشيكوسلوفاكية ( الانفصال المخملي ) ولكن لم تجد أصواتنا آذاناً مصغية ، وهو ما أدى بذلك النظام لأن يزداد تجبراً وعتواً وتغولاً...
مرت الشهور ويأتي عامنا هذا ليضع العالم اجمع ودول الخليج على وجه الخصوص أمام حقيقة ذلك النظام الفاسد ، الذي اهلك الحرث والنسل ، واغتصب الأرض والثروات، وقضى على أحلام الشباب ... نظام وصل تعلقه بالسلطة وفساده في عموم اليمن حد الهوس والجنون مما نتج عنه إدخال البلاد في دوامة العنف والقتل، والتدمير لما تبقى من مقدرات البلد بعد أن عاث هو وأتباعه فساداً فيها براً وبحراً ، وادخل المنطقة كلها والعالم في خطر إمكانية فقدان الأمان والسيطرة على أحد أهم مضايق العالم المتحكم بمرور مليارات الدولارات من نفط وبضائع ومواد خام مختلفة ، وعلى بلد يمتلك شريطاً حدودياً طويلاً مع اكبر بلد مصدر للنفط في العالم.
الثورة ما بين الشباب ورؤوس الفساد ...
لقد تابع العالم اجمع الثورة الشعبية اليمنية الشبابية ضد ذلك النظام الجهول ، وجميعنا هلل وكبر وتأمل خيراً من الشباب ، ولكن للأسف سرعان ما تبخرت تلك الآمال بثورة شبابية شعبية خالصة لا يخالطها أحزاب أو عسكريين أو (فاسدون سابقون) وذلك بعد أن شاهدنا ذلك التدفق لأحزاب المعارضة ( اللقاء المشترك ) من جهة ولكبار قادة النظام مدنيين وعسكريين من جهة أخرى للحاق بركب الثورة – كما يدعون – وحقيقة لا يمكننا أن نخفي اندهاشنا من ذلك المشهد الدراماتيكي لانضمام مجموعة من أكبر القيادات والتي تندرج أسماؤهم ضمن القائمة السوداء لرؤوس الفساد في اليمن ، إلى جموع الثوار ، فبين ليلة وضحاها أصبح من يتهمون بأنهم مهربي الآثار ، الأسلحة، النفط و ناهبي أرث وثروات البلد ثواراً يطالبون بإسقاط نظام علي عبد الله صالح الفاسد الذين هم أحد أركانه الرئيسية ولا يقلون عنه فساداً وتجبراً بحسب رأي اليمنيين !!!!!!!! فأعلنا على الملاً شكوكنا الحقيقية من تلك المسرحية الهزلية ( توبة رؤوس الفساد ) ولكننا قبلنا ذلك على مضض وقلنا أن عليهم توضيح موقفهم مما كان يحصل خلال السنوات الماضية في اليمن بشكل عام وفي الجنوب بشكل خاص من انتهاكات للبلاد والعباد ، وأن يتبرءوا صراحة من كل ما اقترفته أيديهم وأيدي النظام الفاسد ، ولكنهم ظلوا يسوفون ويؤجلون من باب أن الأولوية الآنية هي لإسقاط نظام صالح ، وفيما بعد سيكون لكل حدث حديث، وتناسوا أنهم بحاجة ماسة الآن أكثر من أي وقت لأكثر من خمسة ملايين إنسان هم سكان الجنوب مازالوا لم يشاركوا ثوار الشمال في ثورتهم على نظام الطاغية ( إلا من أعداد قليلة ممن ينتمون للتجمع اليمني للإصلاح ) وتناسوا كذلك أن الجنوبيون مازالوا يطالبون بحق تقرير مصيرهم الذي سيؤدي إن حصلوا عليه إلى إنهاء قصة الوحدة ( المعمدة بالدم ) ....
وقت المكاشفة أم المناكفة ....
لقد عانى الجنوبيون من استمرار سياسة الإهمال والتجاهل المتعمد لمطلب الاعتراف بالقضية الجنوبية ، وللاعتراف بحقيقة احتلال ونهب الجنوب من قبل النظام ، حتى من قبل ما يطلق عليهم (الثوار) ، ولكن تشاء قدرة الله سبحانه وتعالى لأن تجبرهم على كشف المستور ، وأن يشرع النظام ومن انشق عنه من كبار ناهبي الجنوب الذين تحولوا إلى مساندين للثورة السلمية ، في تبادل الاتهامات وإلصاق الكثير من الجرائم بالطرف الآخر، فلأول مرة منذ وحدة 1990م وما تلاها من حرب إخضاع الجنوب بالقوة حتى اليوم ، يبرز لنا مجموعة من أكبر قيادات المؤتمر الشعبي العام الذين انشقوا على سلطة الرئيس صالح وشكلوا ما يسمى بالجيش الموالي للثورة السلمية ليقروا ويعترفوا علناً بأن صالح احتل واستعمر الجنوب بقوة السلاح في حربه في العام 1994م ، وذلك في بيانه الرسمي يوم السبت 24 سبتمبر 2011م ، ويمكننا القول بأنه كان اعترافاً يحمل صفتين ، الأولى الشجاعة، والثانية الوقاحة ، فهو اعتراف شجاع طالما انتظره الجنوبيون ، وهو في نفس الوقت وقح لأنه رمى بالمسؤولية على نظام علي عبدالله صالح بينما جميع قادة هذا الجيش الموالي للثوار هم من أعمدة ذلك النظام ، ومن الذين يحملّهم الجنوبيون المسؤولية على ما حدث للجنوب والجنوبيين طوال الـ 21 عاماً الماضية. وفي نفس السياق كان لا بد للنظام المتهاوي أن يبرئ نفسه من ذلك الاتهام ، فما كان منه إلا بأن دفع بنائب وزير الإعلام عبده الجندي بالرد على ذلك البيان ، من خلال مؤتمر صحفي يوم السبت الأول من أكتوبر 2011م اتهم فيه الجندي قيادة الجيش المنشق ، وبشكل خاص قائد الفرقة الأولى مدرعة اللواء علي محسن الأحمر بأنه كان يقود أكبر عملية فساد ، وحول الجنوب إلى مزرعة خاصة ، وقام بتوزيع الجنوب على الأخوان المسلمين والأتباع ، وأضاف بأن الرئيس صالح كان على علم بما يحدث ولم يقصر هو كذلك في توزيع ما تبقى من الأراضي على أهل الحظوة والنفوذ والحاشية من الذين يطالبونه بحقهم في أرض الجنوب أسوة بأتباع علي محسن الأحمر وغيرهم !!! وأضاف الجندي بأن اللواء علي محسن وعدد من القيادات البارزة متورطة بجرائم استيلاء على أراضي الجنوب بشكل غير مشروع ، وتهريب النفط والسلاح ....

قرار لا بد منه ..
اليوم الجمعة الثامن والعشرون من أكتوبر 2011م كان بنظري وأعتقد بنظر جميع أبناء الجنوب يوماً اتضحت فيه بعض معالم مستقبل الجنوب والجنوبيون مع من يطلق عليهم الثوار في صنعاء ، ففي جمعة ( وما النصر إلا من عند الله ) ظهر الشيخ عبد الوهاب الديلمي ، صاحب فتوى تكفير الجنوبيون واستباحة دماءهم في حرب احتلال الجنوب 1994م ليخطب خطبة صلاة الجمعة ، لينظم إلى بقية الشيوخ الذين سبقوه مثل الشيخ عبد المجيد الزنداني ، الشيخ عبد الله صعتر .. وآخرين ممن كان لهم دور كبير في تأجيج حربهم المقدسة ( على حد زعمهم ) على الجنوب ، و الذين اشتركوا مع قيادات نظام صالح بعد انتصارهم المقدس في عمليات نهب وسلب أموال الشعب ، وأموال وأراضي الجنوب عبر عدد من الطرق ، منها على سبيل المثال لا الحصر شركة توظيف الأموال ( المنقذ ) التي تلخص نشاطها على تزوير وثائق بغرض الاستيلاء على أراضي وعقارات من أملاك الدولة ، مما نتج عن تلك الأعمال الفاسدة، السداد من خزينة الدولة تعويضات المساهمين فيها أكثر من مليار و 800 مليون ريال يمني في ذلك الوقت ....
لقد كان وقع مكاشفات النظام وقادة الجيش الموالي للثوار ، وتبادل الاتهامات ونشر الغسيل الوسخ لفترة 21 عاماً ، وخطبة الديلمي اليوم الجمعة ، وقعاً كبيراً لدى أبناء الجنوب ، فهم من تجرعوا مرارة تلك الحقبة السوداء في حياتهم ، وهم من وصموا بالكفر والإلحاد ، وتم أسلمتهم عبر حرب صالح والديلمي المقدسة ، فكيف يمكن لأبناء الجنوب أن يثقوا في تصريحات الثوار الشباب من أنها ثورة شبابية خالصة دون وصاية من أحد ، ونحن نتابع تزايد سيطرة التيار المتشدد والفاسد على ثورتهم يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر ؟ كيف يمكن أن يتخيل ثوار ساحات التغيير أن يقبل الجنوبيون باستمرار الوحدة معهم ، ومن يتصدر منابرهم غارقون في مستنقع الفساد ودماء الجنوبيون مثلهم مثل عصابة صالح ؟
يمكنني القول إن كانت هناك نية حقيقية وصادقة لإصلاح 21 عاماً من الخراب ، فأنا أنصح الثوار الشباب ومن يدعمهم بكافة مسمياتهم أكانوا عسكراً أو مدنيين بأن يبتعدوا عن أي أقوال أو أفعال تستفز أو تثير حفيظة الجنوبيين ، وأن يكرسوا الفترة القادمة لتوضيح مواقفهم وأن يعلنوا صراحة في بيان رسمي اعتذارهم للجنوبيين وطلب الصفح والعفو منهم عن 21 عاماً من الظلم والسلب والنهب والاحتلال بقوة السلاح ، والتكفير ... ، وإبداء استعدادهم لإعادة جميع الممتلكات التي استولوا عليها والتي تعود ملكيتها للأفراد أو للدولة الجنوبية في فترة ما قبل الوحدة والتي حولوها من ممتلكات عامة إلى ممتلكات خاصة ، و التي تشمل الأراضي ، المباني ، المتنفسات ، و الشركات والمؤسسات ... وغيرها ، والأهم مما سبق قبولهم بحق الجنوبيون بتقرير مصيرهم بعد إسقاط نظام صالح.
ومن المهم أن يعلم اللواء الأحمر وبقية قيادات اللقاء المشترك وعلى رأسهم قيادات حزب الإصلاح الشريك الرئيسي لنظام صالح في حربه على الجنوب صيف 1994م بأن الجنوبيين هم من قدموا التنازلات ، وهم صانعي الوحدة ، وهم من تربوا وتنشئوا على فكرها وأدبياتها، وهم من قدموا بلادهم شعباً وأرضاً وثروة ... ويقولون لكم إنهم لن يسمحوا بظهور جلادين جدد بعد اليوم ، ولن يسمحوا بأن يكونوا مطية لأحد ، لذلك أختم بالقول أن ( الاعتذار الرسمي، وإعادة الحقوق المسلوبة، والاعتراف بحق تقرير المصير ) هو حق من حقوقهم المشروعة لما اقترفتموه في حقهم من جرائم يندى لها الجبين ، هذا إذا ما كنتم تريدون حقاً فتح صفحة جديدة معهم لمستقبل بلا أحقاد أو أضغان ( أكانت ضمن دولة واحدة أو دولتين )، وإذا ما كنتم تريدون إقناع الجنوبيون بالبقاء ضمن دولة واحدة ، حتى ولو لفترة مؤقتة يعقبها استفتاء لتقرير مصيرهم بلا وصاية وبلا خطوط حمراء ... فأهل الجنوب أصحاب حق ، ولن يضيع حق وراءه مطالب.


باحث وناشط سياسي