المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النسيم القادم من الشرق بقلم عبدالرب درويش


ابو البيض
2011-10-25, 02:21 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
النسيم القادم من الشرق
بقلم / عبد الرب درويش
بتاريخ 23/10/2011م – عدن

عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية ، كانت معظم الشعوب ومنها العربية ترزح تحت وطأة الاستعمار ، وكان غليان حركة التحرر الوطني يجتاح جل هذه البلدان ، وحينما انهارت الكتلة الاشتراكية معلنة عن انتهاء حقبة الحرب الباردة ، كانت أغلب الشعوب التي نالت استغلالها قابعة تحت نير الدكتاتورية المحلية وشرعيتها الثورية ومخلفات الصراع السياسي – الدموي وأنقاض الانقلابات العسكرية طيلة نصف قرن في سبيل الوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها وتوريثها والاستئثار بالقوة والثروة معاً ودون غيرها ، وتعيش حالة احتقان شديدة وتململ اجتماعي واضح منذر بخطر وشيك ... ولله در من قال : ما أشبه الليلة بالبارحة .
ولا ريب ، فإن هذه المقاربة التاريخية تنطوي على العديد من المسائل الكبرى والشائكة غير إننا سنكتفي هنا بالإشارة المقتضبة إلى دور وموقف مهندسي السلم العالمي حيال الأوضاع الناشئة في البلدان حديثة الاستقلال التي تعيش أوضاع إنسانية مزرية، وفي بلورت ورسم وصياغة الوعي الإنساني وملامح المستقبل اللاحق لكل حقبة منها .
ففي الأولى كان دور وموقف هذا الفريق بارز ومركز حول إرساء قواعد ودعائم السلم العالمي والبحث عن آلية ومشروعية ملزمة يمكن من خلالها إحلال قوة الحجة محل حجة القوة وضبط إيقاع وحركة وحدود الجموح إلى التسلح والحرب المتنامية في البلدان الصناعية ومن أجل حسم الخلافات والنزاعات ببين الدول أياً كان نوعها أو مكانها والتي قد تؤدي إلى تهديد وخطر على السلم العالمي من جهة ، ومن جهة أخرى كان واضحاً ومنحازاً ولو في حدود المعقول والمقبول لصالح البشرية ومتناغم مع حاجتها وتطلعاتها وآخذا بعين الاعتبار الأوضاع الناشئة في البلدان المستعمرة وعكسه بشكل جلي بإقرار حق الشعوب في تقرير المصير وحقوق الدول وحقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية .. وكان هذا ما تم بالفعل أثناء عقد اجتماع ( يالطا ) المقرر لبحث مستقبل الأمم المتحدة المنتظر وثبتته في المبادئ الأساسية لميثاقها على وجه التحديد .
وأما في الثانية فعلى خلاف ذلك تماماً حيث غاب أو خفت دور وموقف مهندسي السلم العالمي والإنساني بشكل لافت وترك الحبل على القارب ، لا بل وتجاهل مفكري الكتله الرأسمالية هذا الدور والموقف وهذه الأوضاع الناشئة في البلدان التي تعيش حالة الاحتقان الشديدة ومخاطرها وتبعاتها وحاجاتها وتطلعاتها وكذا الأوضاع الإنسانية في بلدانها وحاجتها لمزيد من الحرية والعدالة الاجتماعية وتوسيع مساحة الديمقراطية في اختيار صناع القرار وصناعة القرار نفسه بدلاً من حصره في دائرة الثراء والأثرياء بالإضافة إلى دور الأمم المتحدة المنتظر بعد حقبة الحرب الباردة ومستقبل الإنسانية برمتها .
وعوضاً عن ذلك بدأ التبشير بالحرب الدولية على الإرهاب وصراع الحضارات مما أثار حفيظة الشعوب المقهورة والمحرومة والمحتقنة وزاد من أحمالها وخيبة أملها وشجع أنظمتها الاستبدادية على الاستمرار فتمادت في الإنتهاك و الإفراط باستخدام القوة والإمعان بالبطش وسفك الدماء والتنكيل والقتل واستثمارها واستقلالها أيما استغلال ، ناهيك عن أنها هيجت وأنعشت نوازع العصبية والطائفية والمذهبية العمياء ونمت مشاعر الغضب والتذمر والعداء بين بني البشر وبين الوحدة البشرية الواحدة ، وأبهتت وأضعفت دور وموقف وهيبة الأمم المتحدة وجعلتها تحت طائلة الظن الأمر الذي جعل الشعوب المحتقنة تعيد حساباتها مرات لكنها وضعت نصب أعينها هذه اللحظة التاريخية الهامة التي لا يمكن التفريط بها أو المساومة عليها ، وإن عليها التأهب والإقدام بجرأة وثبات وبوسائل عصرية راقية والاستعداد لدفع الفاتورة مهما كانت باهظة وغالية في سبيل الحرية والاستقلال والكرامة والانعتاق من الاستبداد .
وما أن انقضت قرابة عقدين من انتهاء الحرب الباردة والولوج بلعبة الإرهاب حتى بدأت تباشير هبات ونسيم الربيع العربي من قبل شعب الجنوب وحراكه الوطني السلمي – الجنوبي في مطلع يوليو 2007م الرازح تحت وطأة ومأساة الوحدة والوضع الغير طبيعي بالمطلق من الوجهة الشرعية والقانونية والأخلاقية والإنسانية ، ومن وجهة ونظر القانون والشرعية الدولية ، وخارج شرعية واتفاقيات الوحدة السياسية المتفق عليها بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية والمعلن عنها في 22 مايو 1990م والتي فشلت وانتهت في الواقع والنفوس وصارت أثراً بعد عين وجرحاً وألماً وفتنه ومصدر خطر يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي منذ حرب صيف 1994م وحتى اللحظة بسبب تعنت وصلف نظام صنعاء وعدم انصياعه لصوت العقل وعدم امتثاله لقراري الشرعية الدولية (924 – 931) لسنة 1994م بشأن أزمة الوحدة السياسية والحرب ومازالت قيد النظر في الهيئة الدولية حتى اللحظة .
وكان لهذا الشعب الأبي شرف السبق في هذا المضمار ومساره السلمي وخاض غماره بجداره واقتدار وبصدور عارية قدم تضحيات جسام في ظل حصار إعلامي مطبق عليه واستخدام مفرط للقوة ضده ، وفي ظل صمت عربي وإقليمي ودولي مخجل للغاية وغفلة مؤسفة للضمير الإنساني على مدار أربع سنوات متتالية وحتى الساعة ومع ذلك فإن بواكير هذا النسيم الإنساني والأخلاقي تعالت وراجت في الأجواء ووصلت لقاحاته وشذراته إلى كل أرجاء الوطن العربي وخارجه وظهرت أولى براعمه وزهراته في تونس الخضراء وتفتحت وروده في أرض الكنانة والعروبة في مطلع النصف الثاني من يناير 2011م معلنة عن فصل الربيع العربي بكامل ملامحه وفاحت شذاه الزكية والجذابة فأنعشت كل النفوس المتعطشة والتواقة إلى الصفاء والحرية والكرامة والاستقلال وهبت نسائمه الدافئة والناعمة على البحار والمحيطات حتى وصلت أرجاء المعمورة موقظه الضمير الدولي والإنساني من غفوته وغفلته وملامسة المشاعر والقيم الديمقراطية والإنسانية وبعض خلايا الطفح والندوب في جسد وذاكرة ووجدان الشعوب الحرة ومستنهضة هممه الحية وملفته نظره إلى الواقع ومأساة الشعوب العربية وإلى الحقائق التي غيبت عن ذهنه لسبب أو لآخر .
ومن دون أدنى شك ، فإن مشاهدة الشعوب الحرة للمشهد المأساوي الذي تعيشه وتتعرض له الشعوب العربية وغيرها من قبل أنظمتها الاستبدادية كان له أثار إيجابية عليهم : فقد هزت الصورة المشوهة المحشوة في ذهنه وغيرت من نظرته وإن بشكل غير مباشر على أقل تقدير من جانب ، ومن جانب آخر أصبح هذا النسيم الربيعي القادم من الشرق بدفئه الناعم وبعبقه الأصيل – الإنساني والأخلاقي يجوب أفق أوروبا وأمريكا بل ومتداخل بأجوائها وهواءها وتتنفسه مجتمعاتها بإحسان وإعجاب وتسقطه على بعض همومها وتطلعاتها التي بدأت تباشيره تظهر على شبكة التواصل الاجتماعي وعلى الواقع في كلا المعمورتين ... فهل يا ترى سنشهد شتاءً دافئ وحاني ومضاهي للربيع العربي الناعم كي يشكلان معاً في نهاية المطاف مناخاً معتدلاً وجذاباً وأجواءً مفعمة بالعفة والعدل ومشبعه بالحكمة والشجاعة ، ويفضيان إلى لفت عناية ونظر مهندسي السلم العالمي والإنساني إلى المسائل المشار إليها سلفاً أم إن الوقت لم يحن بعد ؟ .. هذا ما ستكشف عنه الأيام عاجلاً أم آجلاً لا محالة