المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «لقاء بروكسل .. الاقتراب مما ليس منه بدُ» 1-2


نصر شاذلي
2011-07-01, 03:19 PM
أحمد عمر بن فريد
«لقاء بروكسل .. الاقتراب مما ليس منه بدُ» 1-2
التاريخ : الخميس / 30 يونيو حزيران 2011


"يغلب على الأدب السياسي العربي, للأسف, منهج المواجهة اللفظية العنيف والرفض الإيديولوجي الحاد للرأي الآخر, مع ان حساسية الموضوع وأهميته تتطلب رؤية وحكمة وتفكير هادئ واعتراف مطلق بحرية الآخر في التعبير عن رأيه , ومحاورته نقديا وايجابيا بدلا من تخوينه أو تكفيره أو تلفيق التهم الخطيرة له". د.فواز جرجس

ان الاستحقاق الوطني يكتسب أهميته على أرض الواقع من خلال توقيته الزمني ونتائجه ومخرجاته النهائية, ولقاء بروكسل قبل أن يكون تظاهرة سياسية ذات رسالة وطنية واضحة, استطاعت ان تلقي بصخرة ثقيلة في مياه قضية الجنوب التي أريد لها ان تكون راكدة تماما بفعل جملة من الجهود الحثيثة التي يقوم بها أكثر من طرف محلي وإقليمي ودولي , كان قبل كل ذلك "استحقاق جنوبي" لا يحتمل التأخير ولا التأجيل أكثر مما مضى , خاصة ونحن نعيش مرحلة بدا فيها واضحا أن خلط المفاهيم وتنوع التأويلات لـ "قضية الجنوب" أصبح هدفا استراتيجيا قائما بذاته لكثير من القوى السياسية على أكثر من مرتبة ونوعية في داخل الساحة وخارجها!

فمن وجهة نظري الشخصية أرى ان لقاء بروكسل جاء ليقول لجميع الأطراف المتكالبة علينا : أن قضية الجنوب .. القضية الخاصة بدولتنا العربية القطرية التي تم احتلالها في ثنايا وحدة فورية بالحرب وقوة السلاح من قبل دولة عربية أخرى عام 1994 م , هي قضية شعب لا يرى ولا يقبل ان توضع لها الحلول من قبل مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية بمعزل عن إرادته ورغباته , في سياق التسويات السياسية لعدد من القضايا التي تستوجب الحل في إطار دولة "الجمهورية اليمنية" وهي ذات الطروحات التي لم تفصح عنها بشكل واضح مختلف المبادرات المعلنة حاليا هنا وهناك ... وهل هناك من ازدراء , واستخفاف بقضيتنا أكثر من ذلك؟

ان لقاء بروكسل الذي لا يدعي المجتمعون فيه الكمال فيما خرج به نتائج وتصورات للمستقبل , جاء ليؤكد وهذه هي الرسالة الأهم ان القوى السياسية الجنوبية التي تصطف خلف هذا المفهوم (الجوهري – الحقيقي) لقضية الجنوب هي قوى تملك من الإمكانيات والمقدرة والإيمان بما تفعل, على ان تنظم نفسها وتحشد طاقاتها وفقا لرؤية إستراتيجية متكاملة تستوجب حضورها, الحاجة الوطنية الملحة لقضيتنا المصيرية في هذه المرحلة بالذات . واللقاء حينما فعل ذلك وأكده على ارض الواقع , يكون قد اسقط بصورة واضحة المقولة التي طالما واجهنا بها "الآخر الجنوبي" ممن لا يتفق معنا في هذا التعريف لقضية الجنوب لمتبني لخيار الاستقلال الناجز, من حيث أنكم تحلقون في فضاءات الأحلام والرومانسيات بعيدا عن الواقع, و دون ان تنتقلوا "عمليا" بخطوة واحدة عملية على الأرض! .. إذا هاهو لقاء بروكسل يضع تصوره للمسيرة النضالية الجنوبية من اجل التحرير والاستقلال ويضع القدم الجنوبية الحرة على الطريق الصحيح.

وفي معنى آخر ذا دلالة كبيرة .. اثبت الحضور في لقاء بروكسل قدرا عاليا من المسئولية من خلال تأكيدهم على ضرورة الانفتاح والحوار مع الآخر الجنوبي مهما كانت توجهاته مختلفة ومهما كانت درجة التباين واسعة أو حتى مجحفة في حق الجنوب , على اعتبار ان البحث عن قواسم مشتركة يمكن الاتفاق حولها أمرا ممكنا في حال حسنت النوايا وفي حال أدرك الجميع معنى وقيمة القبول بـ "الآخر السياسي" وأهمية البحث عن نقاط التوافق والبناء عليها بدلا من البحث عن نقاط الخلاف وبناء المتاريس المتقابلة لتأصيلها وتحويلها الى قدر يعبث بنا جميعا.

ان فرز القوى الوطنية لنفسها وفقا لمفاهيمها المتباينة حول قضية الجنوب وسبل حلها , هي مرحلة كان لابد من الوصول اليها والقبول بها كنتيجة حتمية لا يمكن للواقع الوطني ان يقدم بديلا عنها سوى "الكذب والمجاملة" تجاه بعضنا البعض! .. فكان يمكن ان تستمر قوى الجنوب في حالة مستمرة من الشتات والتبثعر وهي تنتظر ان تصطف جميعها تحت "راية واحدة" غير مدركين ان مثل هذه الحالة المثلى التي كنا ننشدها ونتطلع إليها هي حالة تشترطها "الحالة الدينية" فقط وليس بالضرورة ان تكون كذلك في الحالة السياسية او حتى الحالة الوطنية كما هو وضعنا حاليا. وعلى هذا الأساس يمكن القول ان ما حدث ويحدث الآن سيكون قادرا بكل تأكيد على "صناعة" الحوار الوطني (الجنوبي – الجنوبي) في المرحلة القادمة , كما انه سيكون قادرا من جانب آخر على ضبط "آليات" هذا الحوار وتحديد نتائجه وفقا للمفاهيم والأهداف المتباينة.

ملاحظة :

في الجزء الثاني من هذا المقال سيتم الحديث – إنشاء الله - حول مسألتين هما من وجهة نظري في غاية الخطورة والأهمية ..الأولى هو ما يشاع من حديث هنا وهناك حول (المناطقية) ومحاولة البعض التعامل معها كواقع... والثانية تتعلق بخطورة إقحام "الذات" على حساب "العام".

أحمد عمر بن فريد