المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قضية حضرموت بين حقيقة التوصيف وسوء التوظيف كتب : عمر حمدون


الحضرمي ابن الجنوب
2011-06-30, 10:30 PM
مامدى شرعية ان يطرح بعض الحضارم اليوم قضية اسموها "قضية حضرموت " منطقا
وعقلا وسياسة ايضا ، في ظل ماتشهده الساحة الجنوبية من حراك جماهيري سلمي
منذ عام 2007 رافعا شعاراته ومطالبه المشروعة التي غدت معروفة ومعلومة
للجميع ؟ وربما قد يتساءل البعض الآخر من غير الحضارم وبصورة فيها من
الاستفزاز اكثر مما فيها من رغبة للمعرفة ومن حسن النية والقصد قائلين :
وهل توجد اصلا قضية تسمى قضية حضرموت ؟!! على غرار نكرانهم وتجاهلهم
لقضية تسمى القضية الجنوبية !! وبين السؤالين ينتصب واقع حضرموت الراهن
بحقائقه واوهامه ومآسيه والاعيبه ايضا ، كما يحضر ماضيها الجمهوري السابق
واللاحق ، ذلك الماضي الذي طغت فيه المآسي على المحاسن بالنسبة لحضرموت
ذاتها !! هذا الواقع الراهن والماثل اليوم وماقد تفرزه تفاعلاته مستقبلا
من واقع كارثي جديد يعيد تجديد المأساة لحضرموت واهلها ، وذلك الماضي
وتجربته وماتركته من اثر غاية في السوء على ارض وناس حضرموت قد يشفعان
للحضارم او لبعضهم اليوم لكي يتنادوا فيما بينهم للعمل – ربما بحسن نية
وقصد - لمنع تكرار المأساة والتغريبة الحضرمية ، هذه المناداة التي قد
تصل عند بعض الحضارم الى المطالبة بتحييد حضرموت والنأ ي بها عن اجندات
الاطراف السياسية المتصارعة هنا اوهناك ، هذا كحد ادنى حتى ينقشع غبار
الصراع وعندها يكون لكل حادث حديث ، وعند البعض الآخر من الحضارم قد تصل
هذه المناداة الى حدها الاقصى وهي المطالبة باستقلال حضرموت كليا او
كونفدراليا او فيدراليا تعبيرا عن رفضهم لحاضر بائس وماضي تعيس عاشته
حضرموت واهلها على ارضهم التي حباها الله بنعم كثيرة وثروات هائلة برا
وبحرا ، ولكنهم لم ينعموا بها لافي الماضي التعيس ولافي الحاضر الأتعس
كما تنعم بها شعوب جارة لهم في الجزيرة والخليج هذا ناهيك عما يغلب على
حياة الحضرمي من طابع مدني يظهر جليا في علاقاته الاجتماعية مع محيطه
الاجتماعي ، كما يبرز ايضا في طريقة تعامله مع الانظمة والمؤسسات
والقوانين المسيرة لشئونه العامة واحترامه لها كل هذا وغيره من موروث
ثقافي حضاري جعل لحضرموت واهلها شيء من الخصوصية في محيطها الجغرافي
والانساني ، وهذا مايتكي عليه الكثير من الحضارم في مطلبهم اليوم
بالاستقلال الكلي او الجزئي ، وبدلا من ان تؤدي هذه الخصوصية الحضرمية
دورها في سابق زمن مضى وتفرض استحقاقاتها المشروعة على الآخرين وتلزمهم
باحترامها ووضعها في الاعتبار حين التعامل مع حضرموت واهلها سياسيا
واقتصاديا واجتماعيا ، نجد – للأسف – انها خصوصية لم يستفد منها الحضارم
ولم تكن لها أي ميزة ذات مردود نفعي لحضرموت وناسها لافي العهد السابق
ولا في المرحلة الوحدوية – تجاوزا – بل اننا لانجافي الحقيقة ان قلنا ان
الخصوصية الحضرمية هذه قد أضحت وبالا على حضرموت واهلها ، كما كانت سببا
في استمرار معاناة الحضرمي في ارضه من قبل من تقع حضرموت تحت حكمه وقبضته
السلطوية ، فقد سعى هؤلاء بمختلف انتماءاتهم السياسية ودوافعهم المتعددة
الى انهاء هذه الخصوصية ومحاربتها كل بطريقته وبوسائله المتاحة ، ولايخفى
عن أي احد مدى انعكاسات وتأثيرات هذه المحاربة على الحضرمي ذاته وعلى
ارضه ماديا ومعنويا ، ولااريد استحضار او تذكر العديد من الوقائع التي
تثبت هذه المحاربة ، واكتفي فقط بالاشارة الى ان حضرموت كانت بمثابة حقل
تجارب ، على ارضها وناسها وممتلكاتهم كانت تجري التجارب التطبيقية
الجديدة التي يراد لها الرسوخ والاستمرار في عموم مناطق الجمهورية في
عهدها الاشتراكي ، وفي زمن الوحدة المعمدة بالدم ظلت حضرموت شوكة في حلق
مسئولي النظام المنتصر في حرب 94م وعقدة تسبب لهم حساسية مفرطة رغم انها
كانت بالنسبة لهم بقرة حلوب ايضا ، وقد عمل هؤلاء على تقسيمها ومحاولة
طمس اسمها ليحمل جزؤها الساحلي محافظة المكلا والداخلي اسم محافظة الوادي
والصحراء وليس غريبا ان يصرح احد نافذي هذا العهد "الوحدوي " بعد الحرب
بالقول انه اذا كان للجبهة القومية الحاكمة للجنوب بعد الاستقلال من فضل
فان هذا الفضل يتمثل في ان الجبهة ومن بعدها الحزب قد استطاعوا ان يجعلوا
الحضرمي يقول عن نفسه بانه يمني ، وغني عن التعليق مايحمله تصريح كهذا من
دلالات تعكس مدى ماتمثله حضرموت وخصوصيتها من قلق واضطراب وخوف لدي هؤلاء
، الامر الذي يدفعهم الي تكريس عدائهم لها !! وعلينا ان نتذكر ايضا ان
تصريحا كهذا قد صدر من مسئول رسمي رفيع هو في حالة تعارض سياسي واختلاف
فكري يصل الى حد العداء مع الجبهة والحزب ، الا ان موقفه العدائي هذا لم
يمنعه من الأعتراف بالفضل لمن يعاديه ويختلف معه سياسيا وفكريا وذلك كون
غريمهم المشترك – الضحية – واحد هو حضرموت . !! ان خصوصية حضرموت – الأرض
والأنسان – هي خصوصية لم يخلقها الحضارمة لأنفسهم ، فهي تندرج أولا في
خصائص الجغرافيا والجيولوجيا من حيث الموقع وماتختزنه ارضها وبحرها من
ثروات ، وتندرج ثانيا في مميزات وخصائص الشعوب والمجتمعات التي تميز كل
شعب او مجتمع عن آخر ، هذا الأختلاف ليس بالضرورة ان يقود الى تعالي شعب
على آخر اذ ان لكل شعب خصائصة السلبي منها والأيجابي ، وحديثنا عن خصوصية
حضرموت – الأرض والأنسان – لايجب ان يفهم – واكرر – لايجب ان يفهم على
انه حديث يكرس التعالي والغطرسة والهنجمة على الآخرين بقدر مايجب ان يفهم
على انه حديث يتناول توصيفا لواقع اجتماعي ...واقع مهما اتفقنا او
اختلفنا في درجة توصيفه الا ان الكل في الداخل والخارج يعترف له
بالخصوصية مثله مثل أي مجتمع آخر له من الخصائص مايجعله يختلف عن الآخر
دون ان يحمل هذا الأختلاف أي معنى من معاني التفرد العنصري الممقوت او
التعالي المبغوض شرعا وخلقا ، كما ان هذا الأختلاف ليس بالضرورة ايضا ان
يقودالى عداء واقتتال بين الشعوب والمجتمعات بقدر مايجب ان يقود الى
التعارف بين الشعوب امتثالا لقوله تعالى ( وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا ...) الاية ، ومن التعارف الأعتراف والأقرار بخصائص ومميزات كل
مجتمع وشعب لا العمل على الغائها وافنائها تحت أي مبرر كان . لكن التجربة
السياسية والأنسانية – البسيطة زمنا – التي مرت بها حضرموت في تاريخها
المعاصر بينت ان خصوصيتها في محيطها الجغرافي والأنساني كانت عاملا سلبيا
بالنسبة للحضارم وارضهم – كما اشرنا – اذ مثلت عامل قلق وهم للآخرين
الذين ساقتهم الأحداث لأن تكون لهم الكلمة الأولى في حضرموت رغما عن
ارادة اهلها ، وكان لزاما على هؤلاء ضرورة انهاء هذه الخصوصية ومحاربة
الحضرمة حتى في ابسط صورها ، حتى ان مهرجانا للأغنية الحضرمية في المكلا
يتم التهديد بايقافه والغائه من قبل قيادات عليا ان لم تستبدل كلمة
الحضرمية بكلمة اليمنية ، ونجزم انه لو كان مهرجانا للأغنية الصنعانية او
اللحجية او التعزية لما تم الأعتراض والتهديد بالألغاء . مااريد الوصول
اليه مما سقته من بعض توصيف موجز لحقيقة خصوصية حضرموت هو القول نعم هناك
قضية حضرمية تضافرت عدة اسباب وعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية
تسببت في وجودها الموضوعي ، ولم تكن هذه القضية وليدة ظروف الوضع الراهن
في اليمن و الجنوب اوظروف الامس القريب بقدر ماهي قضية لها من العمر
مايوازي سنوات العهد الجمهوري منذ ان عرفته حضرموت في تاريخها الحديث ،
وهذا الامر يستثير طرح التساؤلات المشروعة ، فاذا كانت هذه القضية بهذا
التوصيف وبهذا الوضوح وبهذا العمر فلماذا لم تستمر كقضية حية تتبناها
قطاعات شعبية اوتيارات نخبوية لها وجودها الفعلي طوال كل هذه السنين وفي
مختلف الاوقات والظروف السياسية المؤاتية لأظهارها او المانعة لها ؟
ولماذا لم تستطع ان توجد لها تيارا نخبويا او شعبيا حضرميا حقيقيا على
امتداد ساحة حضرموت او في مهاجر الحضارم يؤصل لها ويجعلها قضية حية في
وجدان كل حضرمي بالداخل الحضرمي والخارج المهجري ؟ !! دعك من التبرير
الذي قد يطرح وهو ان القمع والعنف السلطوي كان بالمرصاد لكل من يتبنى او
يحمل افكار القضية وهمومها ، اذ ان لكل قضية من يؤمن بها ولديه الاستعداد
للتضحية في سبيلها ، وهنا لايمكن ان ينسى ذلك الدور الريادي للأستاذ
الشيخ عمر سالم باعباد الذي اطلق مشروع الدولة الحضرمية بمسمى جمهورية
حضرموت العربية ولاقى مالاقاه من مطاردة من سلطات الأنتداب البريطاني
يومها التي حاولت اعتقاله وتقديمه للمحاكمة الا انه استمر في التنقل بين
مدن حضرموت المختلفة هذا كان قبل الأستقلال ، فاين ماتركه ذلك المشروع
السياسي الحضرمي من اثر لدي النخب الحضرمية او عند الجمهور الحضرمي في
الداخل والخارج بعد الاستقلال طالما ظل الواقع الحضرمي المعاش اليوم
وبالأمس القريب يؤكد وجود قضية حضرمية ؟ ولماذا ولماذا فقط وخصوصا في
العقدين الأخيرين لايتم ابرازها من قبل من يتحدث عنها الا وقت الأزمات
السياسية التي تعصف بالنظام السياسي فيتم ابرازها ليس كقضية عادلة لها
استحقاقاتها المشروعة في ظل أي ظرف سياسي كان وانما يتم اظهارها ككرت
لاعب في مضمار اللعبة السياسية الجارية هنا او هناك حين تتصادم ارادات
المتصارعين السياسيين ؟ .!!ان ارتهان او ربط تحريك ملف قضية ما بطبيعة
وظروف واقع سياسي مضطرب معين انما يثير ظلالا من الشك حول مرامي واهداف
من يقوم بعملية التحريك والأثارة ، بغض النظر عن صدق ومشروعية القضية
ذاتها او عدم مشروعيتها . وعلى هذا المقياس يصح القول ان اثارة قضية
حضرموت كما هي عليه اليوم من تفعيل و اثارة اعلامية ولقاءات جماهيرية
ونخبوية تعقد هنا او هناك في ظل مايشهده الجنوب – وحضرموت جزء منه – من
زخم وحراك جماهيري سلمي ، لايمكن تفسيره منطقا وعقلا وسياسة الا بانه
اصرار من قبل البعض بجعل قضية حضرموت مجرد كرت يلعبه ويديره طرف / اطراف
سياسية في صراع سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي ضد طرف / اطراف سياسية اخرى
، بغض النظر عن مدى ادراك هذا البعض اوعدم ادراكهم بانهم مجرد ادوات
يستخدمها اللاعبون الحقيقيون ، وبغض النظر ايضا عن مدى وعي هذا البعض
اوعدمه بحقيقة اهداف ومقاصد هؤلاء اللاعبين بهذا الكرت – القضية - ،
وينتهي مفعول هذا الكرت بمجرد انتهاء اللعبة الصراعية ، هكذا – للاسف –
ماهو متوقع من فعل لايقوم على عمل مؤسسي فكري وثقافي وجماهيري صحيح ،
وانما تحركه ظروف واقع سياسي معين وينتهي هذا الفعل بانتهاء هذه الظروف ،
وهنا لااتبنى قراءة الطالع او ضرب الودع كطريقة نكتشف بها مآلات هذه
اللعبة بقدر ماانني اتكي على التجربة السياسية التي مرت بها حضرموت في
تاريخها المعاصر ، هذه التجربة التي تزكي ذلك التوقع ، والا ماهي المواقف
والافعال الحازمة والرادعة التي وقفها من يتحدث اليوم عن قضية حضرموت
تجاه كل هذا الباطل الممنهج وكل هذا العبث الواضح والفساد والافساد
الحاصل اليوم في حضرموت في كل مجالات حياة انسان هذه الارض وخصوصا في
العقدين الأخيرين ؟ اين المواقف والافعال المتصدية لكل هذا التدمير
المكشوف والمخطط له لثروة الارض والبحر في حضرموت ؟ لكل هذا النهب للارض
والسطو على قطع واراضي الناس ؟ لكل هذا التدمير البيئي لمناطق انتاج
البترول ؟ ...لسرقة النفط وعدم الكشف عن ايراداته ؟ لكل هذا التواطوءمع
الظلم والانحراف السلوكي والقيمي ؟ اين....؟ واين.....؟ واين....؟ الخ .
لااريد تبني نظرية المؤامرة لكي تشفع لنا في تفسير سر استخدام البعض
لملف قضية حضرموت – بحسن نية او بسوء قصد – في هذا التوقيت بالذات ، ولكن
مبادئ المنطق والعقل والاعيب السياسة كلها تؤكد ان طرح القضية ومحاولة
عزلها عن قضية عامة تهم كل ابناء الجنوب – الدولة السابقة – انما هوطرح
وخلط للاوراق وسوء توظيف يصب في مصلحة من يخطط ويهدف لتحقيق اغراض
واهداف في الجنوب وحراكه السلمي عجز عن تحقيقها في السابق وهي اهداف
تتصادم كليا مع مصلحة حضرموت وابنائها وان بدت للبعض منهم انها تخدم قضية
حضرموت . نعم ان قضية حضرموت هي مكون اساسي وحقيقي من قضية جنوبية عامة
لم تنشأ كما يقول البعض منذ عام 90 م او عام 94م بل هي – برأيي وربما
يشاركني الكثيرون بهذا الرأي – قضية بدأت فصولها الأولى منذ ان نشأ
الكيان الوطني الجنوبي عام 67م ، هذه القضية الجنوبية العامة اضيف الى
فصولها المأساوية فصولا اخرى اشد واقسى معاناة وتهميشا واقصاء
والغاءوتزييفا ايضا ، وبالتالي فحل قضية حضرموت لايمكن ان يكون بسلخها عن
مكونها الاول الذي نشأت فيه بقدر مايكون هذا الحل بداخل اطارها الحقيقي
وهو الجنوب ، وكما كتب الدكتور سعيد الجريري في مقالته بصحيفة القدس
العربي بتاريخ 9/5/2011 من ان " القضية الشمالية هي القضية الموازية
للقضية الجنوبية وليست قضية الحوثيين الا جزأ من القضية الشمالية ومن اجل
ذلك فان حل القضية الجنوبية لايكون الا جنوبيا كما ان حل القضية الشمالية
لايكون الا شماليا اذ ليس من المنطقي ان يحل القضية الجنوبية حلا عادلا
وموضوعيا من لم يحل قضيته في الشمال او كان اداة ( شمالية او جنوبية ) من
ادوات اذكاء القضية الجنوبية ذاتها " وعلى هذا الاساس لايمكن ان نطلب حلا
حقيقيا وموضوعيا لقضية حضرموت من خارج اطارها الجنوبي كونها جزأ اصيلا من
مأساة قضية جنوبية اساسا .

عمر حمدون omar2810@gmail
منقول من جريدة الوسط اليمنية