المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وحدوية ديمتروف في اليمن كوحدوية الأنجلوكنديين نحو كيبك


اسدالجنوب
2008-06-19, 10:38 PM
د.محمد علي السقاف
في مرة سابقة اختلفت في الرؤى مع ما طرحه السيد بيتر ديمتروف مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي بصنعاء في مقابلته الصحفية مع صحيفة «الصحوة» العدد (1074)، وعقبت على ما جاء في إجاباته بخصوص الانتخابات الرئاسية ودور اللجنة العليا للانتخابات في عدد «الصحوة» رقم (1075) بتاريخ 26 إبريل 2007م. وفي هذه المرة أود التوقف قليلاً عند ما جاء في مقابلته الصحفية الأخيرة والمطولة مع رئيس تحرير صحيفة «الوسط» الزميل جمال عامر في العدد (195) بتاريخ 11 يونيو 2008م وموضوعها ينحصر حول قضيتين تطرق إليهما في إجابته عن سؤالين، تتعلق إحداهما بقوله «... إن ارتفاع دعوات من هنا أو هناك تنادي بالانفصال يجب أن يكون للأحزاب موقف واضح منها، على اعتبار أن هؤلاء الناس يمثلون قلة قليلة، وأعتقد أن الصوت الغالب في اليمن هو الصوت الوطني الوحدوي الواحد.. قد تختلف (الأحزاب) فيما بينها حول السياسات، ولكن يفترض أن تتفق على وحدة الوطن وسلامته وتضامنه السياسي، باعتبارها القواعد الأساسية للعبة السياسية الديمقراطية، لأن الأحزاب حين تحاول أن تضعف وطنها فإنها تضعف نفسها ..».

والأمر الثاني الذي أثاره السيد ديمتروف حول اختلاف موقف الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك من حرب صعدة والاتهامات المتبادلة بينهما يعود بدون مناسبة إلى التطرق لموضوع الوحدة في هذا السياق بقوله: «أعتقد أن المؤتمر الشعبي يعي تماما أن اللقاء المشترك وحدوي حتى العظم، وكذلك المشترك يدرك أن المؤتمر وحدوي تماما، وكلاهما يحافظان على سلامة ووحدة هذه البلاد ...».

ومن نافلة القول إن هذه التصريحات حظيت مثل تصريحات القيادة السياسية بتغطية واسعة على جميع وسائل الإعلام الرسمية وللحزب الحاكم، في حين امتنعت - حتى الآن - أي من قيادات أحزاب اللقاء المشترك أو المتحدث باسمها عن التعليق على الأقوال الخطيرة التي وجهها تارة بشكل مبطن، وتارة بشكل صريح لمواقف أحزاب اللقاء المشترك من الحراك السلمي لأبناء الجنوب من جهة، ومن حرب صعدة من جهة أخرى. ولعل الأخطر في هذه التصريحات أنها جاءت على لسان مدير المعهد الديمقراطي الأمريكي حيث يفترض أن يكون دور المعهد وقيادته مساعدة الدول النامية في مرحلة تحولها إلى الديمقراطية في فهم أسس النظم الديمقراطية والمبادئ التي تقوم عليها كالحريات العامة، وحرية التعبير، وحقوق الأقليات والتعددية الحزبية التي لا تعنى فقط بعدد الأحزاب الموجودة وإنما أيضا بوجود رؤاها وسياساتها المختلفة عن السياسات المتبعة من قبل الحزب أو الأحزاب في السلطة، الذي بحجة ضرورة تضامن أحزاب المعارضة وتحمل مسؤولية السياسات الخاطئة التي اتبعت لتفادي المساس بالوحدة الوطنية وسلامة الوطن، ألم يكن في هذه الحالة من الأجدى، حتى لا نقول بتشكيل حكومة وحدة وطنية طالما أن تلك السياسات جرّت البلاد إلى حافة الهاوية، أن يتم التنسيق على الأقل مع أحزاب المعارضة في جعل معالجة تلك التحديات إن لم يكن حل البرلمان قبل موعده وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يعبر فيها الناخب إما عن موافقته للسياسات التي اتبعت من قبل الحزب الحاكم بتجديد أغلبيته في مجلس النواب، أو إدانة تلك السياسات باختيار أغلبية برلمانية جديدة؟ هل قول ديمتروف بأنه إذا كان من حق المعارضة النزول إلى الشارع للدفاع عن المعتقلين يعتبر أمرا شرعيا للمعارضة؟، لكنه قيد هذا الحق بالقول «ينبغي للأحزاب أن تعمل ذلك ضمن الإطار السياسي للوطن..»، بمعنى آخر إن الاعتصامات والمظاهرات المطالبة بالانفصال كما سماهم إذا تم اعتقال السلطة لقياداتهم فلايستحق هؤلاء التضامن معهم ولو من باب حقوق الإنسان لأنهم يمسون وحدة الوطن وسلامة أراضيه! إضافة إلى ذلك، إن أولئك الناس المنادين بالانفصال حسب زعمه يمثلون قلة قليلة، وأعتقد - حسب قوله - أن الصوت الغالب في اليمن هو الصوت الوطني الواحد». يا لها من مفاهيم ديمقراطية لمؤسسة مهامها نشر الديمقراطية والمساعدة على إقامة أنظمة ديمقراطية، فلا تضامن إلا مع الأفراد الذين يتفقون مع رؤيا أو رؤى الأحزاب وليس منظور حقهم في التعبير عن رؤاهم وإن تعارضت معي أو مع الأحزاب من جهة، ومن جهة أخرى أية رؤى أو مواقف لأقلية عديدة إذا تعارضت مع رؤى الأغلبية يجب الوقوف ضدها، وبذلك فهو ينفي للأقليات حقوقها التي تقرها كل الأنظمة الديمقراطية والمواثيق الدولية. فالسيد بيتر ديمتروف أشك في مفاهيمه الديمقراطية وأستغرب ترؤسه لهيئة تتبع الحزب الديمقراطي الأمريكي وموقعه المفترض أن يكون رئيسا للمعهد الجمهوري التابع لنفس المهام للحزب الجمهوري الأمريكي، بل الى فئة المحافظين الجدد من بين أعضاء الحزب الجمهوري. ونقاط الاختلاف المدهشة من تصريحات بيتر ديمتروف تتعلق بمن أسماهم بالأقلية التي تنادي بالانفصال مقارنة بالصوت الغالب في اليمن وهو الصوت الوطني الوحدوي وهذا يعني إما انتهازية سياسية أو جهلاً بتكوين دولة الوحدة اليمنية بين دولتين إحداهما ذات كثافة سكانية محدودة ومساحة جغرافية واسعة (ثلث المساحة) ومصادر ثروة تغذي موارد نفط أراضيها أكثر من 73-75 من موازنة دولة الوحدة وهذه الدولة هي (ج.ي.د.ش) سابقا يقابلها دولة (ج.ع.ي) ذات الكثافة السكانية المخيفة وصغر مساحة أراضيها ومحدودية موارد ثروتها المادية في الوقت الحالي. فإذا كان سكان الجنوب قلة عددية ضمن إجمالي سكان الدولة الموحدة فهم أغلبية في إطار حدود دولتهم السابقة، فهل من حق أي طرف محلي أو أجنبي أن يصدر أحكاما بشرعية أو عدم شرعية مطالب أبناء الجنوب لأنهم أقلية عددية ولا ينظر إليهم كأغلبية عددية في إطار أهداف مطالبهم وفي إطار حدود دولتهم السابقة لاختلف الأمر كليا لو طرحت مطالب أبناء الجنوب حول قضايا تخص بامتياز الغالبية العددية لسكان الشمال سابقا؟

والأمر الآخر المثير استنكار ديمتروف تبني أحزاب المشترك بعض قضايا الحراك الجنوبي، حيث يرى في مطالبهم مساسا بالوحدة الوطنية وهنا واضح للعيان أن ديمتروف ربما يجهل أن الحزب الاشتراكي اليمني كحزب حكم الجنوب ووقع باسم دولته اتفاقية الوحدة أمينه العام يعتبر سياسيا وقانونيا إن لم يكن أخلاقيا مسئوليته المباشرة عنه يتحتم عليه الخروج بحل لما آلت إليه شراكة الوحدة المفترضة مع الشمال وبالتالي من الطبيعي أن يهتم مع قطاع من أحزاب اللقاء المشترك بما يجري في الجنوب. وهذا بامتياز إحدى وظائف ومهام الأحزاب السياسية، ما الغلط في ذلك لماذا لا توجه الانتقادات نفسها إلى الأحزاب الكندية - الفرنسية التي تؤيد حق مقاطعة كيبك الفرنسية؟ البعض يؤيد حقها في الانفصال عن الفيدرالية الكندية والبعض الآخر يقبل الاستمرار في ظل الدولة الكندية الفيدرالية شريطة الاعتراف والإقرار بحق الكنديين الفرنسيين في مساواتهم بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأنجلوكنديون الذين يتصرفون في علاقتهم بالكنديين الفرنسيين مثل مواقف السلطة الراهنة في علاقتها مع الجنوبيين برغم الاختلاف الكبير لصالح الجنوب عن وضع مقاطعة كيبك الفرنسية في علاقتها بكندا الانجليزية والعكس صحيح بما أعطاه النظام الفيدرالي للدولة من بعض الضمانات للحفاظ على هوية الكنديين الفرنسيين مقارنة بغياب ذلك كلية من ضمانات لصالح أبناء دولة الجنوب السابقة .

لايزال عالقا في ذهني صرخة ديجول المدوية في 24 يوليو 1967م من على شرفة (هوتيل ده فيل) في مونتريال قوله «تحيا كيبك حرة مستقلة» والتصفيق الحاد المتواصل لعدة دقائق من مواطني كيبك الذين أحيت فيهم عبارات ديجول وهو محرر فرنسا في الحرب العالمية الثانية آمالا واسعة في التأكيد على حقوقهم وخصوصيتهم.

وكما هو معروف وربما السيد ديمتروف يجهل تاريخ بلاده التي ربما حصل على جنسيتها منذ فترة غير بعيدة، أن أغلب الأحزاب الكيبيكية التي توالت في الدفاع عن حقوق مواطني مقاطعة كيبك تحت مسميات «أنصار السيادة» والذين يفضل الأنجلوكنديون تسميتهم «بالانفصاليين» مثل أصدقاء ديمتروف في اليمن، وصل بهم الأمر إلى حد تنظيم استفتاء شعبي عام مثل استفتاء عام 1995م الذي أثبت أن التيار الفرانكفوني في كيبك ليس مجرد سراب عابر بل يعبر عن خيار وإرادة سياسية واسعة تتمسك بهويتهم ولغتهم الفرنسية حيث صوت آنذاك 49.4% من الكيبيكيين لصالح السيادة (أو الانفصال) بينما صوت 50.6% لصالح البقاء ضمن الاتحاد الفيدرالي الكندي فقد أشارت هذه الأرقام أنه كان يكفي أن يقتنع 1% من الكيبيكيين بالتصويت في استفتاء قادم حتى تتحقق لهم السيادة وهم يوعزون بأن سياسة الهجرة التي تطبقها الحكومة الفيدرالية في اتجاه المقاطعة تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية في مقاطعتهم لصالح البقاء في ظل النظام الفيدرالي. لماذا لا يتهم ديمتروف دور الأحزاب في كندا بتأييد حقوق مواطني كيبك أنهم يهددون الوحدة الوطنية الكندية؟

أريد هنا أن أذهب إلى بعد من ذلك وهو ما يجهله ديمتروف من أن الحكومة الفيدرالية الكندية طلبت رأيا استشاريا من المحكمة العليا الكندية (بمثابة محكمة دستورية) أقرت بموجبه بأنه يحق للحكومة الفيدرالية إذا تبنت مقاطعة من المقاطعات الكندية طلب الانفصال أن تدخل معها في تفاوض حول شروط تحقيق ذلك وأصدر البرلمان الفيدرالي بعد هذا الرأي الاستشاري قانونا في يونيو 2000 سمي «قانون الموضوع». جاء رد برلمان كيبيك المحلي بإصدار قانونه في إطار المقاطعة في 7 ديسمبر 2000 وهو ساري المفعول بدءا من 28 فبراير 2001 تحت مسمى قانون حول ممارسة الحقوق الأساسية لشعب كيبيك ولدولة كيبيك، يقرر فيها حقوقه في تقرير المصير، وهو ما قيده القانون الفيدرالي بشروط مجحفة.

من خلال الأمثلة العابرة تناولت الأحزاب السياسية والمؤسسات الدستورية في كندا موطن السيد ديمتروف، بشكل مباشر، موضوع الحق في الانفصال والمطالبة به، فهل برأيه أن أحزاب اللقاء المشترك بمجرد أن تعبر عن تأييدها ودعمها لبعض جوانب الحراك السلمي في الجنوب تعمل ضد الوحدة الوطنية وسلامة أراضيها، فهل هذا يعني أنه بقوله ذلك ينسى أنه ينتمي لبلد تقر مؤسساته الدستورية وتشريعاته ما يرفضه هنا للقوى السياسية والمعارضة؟ فواحد من اثنين إما أنه يجهل تشريعات بلده أو أنه يرى أن لا مجال للمقارنة بين ديمقراطية كندا والديمقراطية اليمنية التي لا تحتمل قبول ما يمكن أن تقبل به كندا.

نريد الاختتام في هذه العجالة أن الوحدة التي تمت في اليمن في 22مايو 1990م تمت بإرادة دولتين ذاتي سيادة كاملة ومستقلة عضوين في الأمم المتحدة، بينما الدولة الكندية أساسها قائم على اتفاق الفرنسيين والإنجليز من المهاجرين إلى كندا الموقع في عام 1841، ثم في إقامة الفيدرالية في الأول من يوليو 1867م، لا واحد من الطرفين كان دولة مستقلة عن الآخر كلا الشعبين من المهاجرين انظموا تحت مسمى الدولة الكندية لعضوية عصبة الأمم بتوقيع اتفاقية فرساي عام 1919، ثم لعضوية الأمم المتحدة بعكس تجربة دولتي اليمن سابقا كانا عضوين في الأمم المتحدة وبعد الوحدة أصبح لهما مقعد واحد.

أبو عامر اليافعي
2008-06-20, 02:47 AM
الله يهديك اسد الجنوب
مقال له اكثر من سنة وتاتينا به اليوم؟
لاحول الله