المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زنزانة انفرادية وشبك مزدوج لعلي هيثم الغريب


saifnaser
2008-06-01, 12:28 PM
عندما ذهب الأطفال: هيثم، سيف، آمال، فاطمة، إلى السجن أجهش الجميع بالبكاء أثناء مشاهدة والدهم خلف الحاجز. لقد واجهوا أباهم بالدموع وتعرضوا للتفتيش الدقيق قبل السماح لهم بلقائه
زنزانة انفرادية وشبك مزدوج

«النداء»: صنعاء - مشعل محمد - عدن
بحلول اليوم الأربعاء يكون المعتقل علي هيثم الغريب قد غادر سجن الأمن السياسي. لكنه لن يذهب إلى منزله، بل إلى قاعة المحكمة الجزائية المتخصصة بصنعاء التي قررت عقد أول جلسة محاكمة له ولاثنين من رفاقه: حسن باعوم والمحامي يحيى غالب الشعيبي.
مع رفيقيه سيبدأ الغريب فصلاً جديداً من المواجهة مع السلطة على خلفية مواقفهم المساندة للفعاليات الاحتجاجية في الجنوب.
وربما لم يحن الوقت بعد لإيقاف عداد انتظار الأسرة الذي يرحل الآن نحو الــــ60 يوماً وهو قابع في السجن منذ اعتقاله.
في وقت متأخر من مساء 31 مارس الفائت، جابت شوارع وأحياء عدن حملة مدججة بالأطقم العسكرية.
في حي خور مكسر تحديداً كان ثمة مهمة عاجلة لعدد منها: اعتقال علي هيثم الغريب.
لا تستطيع الأجهزة الامنية تجريب إحكام قبضتها على نشاط التهريب المزدهر في بحار عدن. لكنها تفعل ذلك بكل سهولة لتطويق منازل النشطاء السياسيين.
بحسب رواية عمر، الأبن الثالث للغريب، فإن ما يزيد عن 30 عسكرياً معززين بالأطقم العسكرية وسيارات مدنية، حاصروا العمارة التي يسكن أحد شققها مع 11 فرداً هم جميع أسرته.
«كان هناك جنود انتشروا في كل مكان حتى فوق منارة مسجد علي بن ابي طالب المقابل لشقتنا»، يقول عمر لـــ«النداء» باستنكار.
عند تنفيذ عملة الاعتقال لا تحافظ الأجهزة الأمنية حتى على الاجراءات الشكلية. وتبدو أكثر إصراراً على تأكيد صورتها النمطية في أذهان الناس: العجرفة.
كان يتوقع الشاب الحالم، في أسوأ الأحوال، أن يطرق العسكر باب شقتهم طرقاً كأي زائر. لقد خاب ظن عمر.
على باب شقة الغريب ما تزال آثار الحملة ماثلة كشروخ جراء محاولة العسكر خلعه.
«تمركز العسكر أمام جميع أبواب شقق العمارة ومنعوا خروج الجيران الذين استيقظوا مذعورين»، يقول عمر.
حينها شاهد العسكر وهم ينقضون على والده «بقوة» بعد أن فتح لهم الباب «بينما بقية العسكر ظلوا محاصرين الشقة لمدة ساعة، ولم يسمح لنا بالخروج من الشقة وكذلك الجيران».
يتذكر الشاب الواقعة بكثير من الاستياء: «كان بامكانهم أن يطرقوا الباب بهدوء دون الحاجة لاستخدام القوة والانتشار العسكري إلى حد أنهم تسلقوا منارة المسجد».
بالنسبة للناشط السياسي ذي السنوات الــــ47 والمولود في يافع، فليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للإعتقال بسبب آرائه.
فقد سبق أن اعتقل في مارس عام 99م بسبب مقال كتبه في صحيفة «الأيام» وتمت محاكمته وناشر الصحيفة حيث حكم عليه بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ.
ومؤخراً كتب عديد مقالات مساندة لمطالب الاحتجاجات التي اندلعت في المحافظات الجنوبية منذ نحو عام نصف.
كان الغريب ميَّالاً للعمل في الصحافة بعد تخرجه من الثانوية برغم حصوله على وظيفة في وزارة الداخلية.
عندما سافر للدراسة في روسيا التحق بقسم الصحافة في إحدى جامعاتها، لكنه سرعان ما توقف، مفضلاً دراسة القانون. فعاد إلى اليمن الجنوبي -سابقاً- وهو يحمل شهادة الماجستير ليواصل عمله بوزارة الداخلية.
بعد نهاية حرب 94 أوُقف عن العمل قسرياً كما الآلاف غيره، وظل عند رتبة نقيب التي حصل عليها قبل الحرب.
عقب ذلك عاودت الغريب هوايته القديمة القريبة من الصحافة، فألفَّ كتاباً عن الأزمة والحرب والانفصال. وزاول الكتابة في عديد صحف حكومية وحزبية وأهلية تضمنت مطالبات بمعالجة الأوضاع التي خلفتها الحرب.
وقد حصدت أنشطته وكتاباته غضباً متزايداً من قبل السلطات الرسمية؛ أدت إلى مضايقته في كثير من الأوقات، ومراقبة منزله حد رواية أسرته.
أثناء ذلك كان يواجه ظروفاً معيشية قاسية دفعت ولديه شعماد» و«عمار» إلى ترك الدراسة والبحث عن عمل.
«اضطرينا أنا وأخي للعمل دون علم والدنا حيث كان مصراً على مواصلتنا الدراسة، لكننا اشتغلنا في الأعمال العضلية وحمالين»، قال عماد الذي عاد إلى أسرته من السعودية عقب اعتقال والده.
لقد قرر «عمار» الابن الأكبر للغريب ترك دراسته الثانوية والتوجه للسعودية لمساعدة أسرته. وكذلك فعل أخوه عماد.
لكن عمار ما يزال هناك حيث بقي للعمل لضمان استمرار توفير مصاريف الأسرة.
الأحد الماضي كان «عمر» الأبن الثالث في زيارة لوالده. قبلها كان «عماد» الإبن الثاني للغريب تمكن من زيارة والده رفقة 4 من إخوانه الصغار.
عقب اعتقال الغريب نقل وزملائه على الفور إلى سجن الأمن السياسي بصنعاء. ووضع الكثير منهم في زنازن إنفرادية لا تتجاوز مساحتها 2 متر في متر.
عندما تمكن عماد من زيارة والده بعد حصوله على أمر من النيابة، فوجئ بعراقيل كثيرة تحول بينه وأبيه.
بالاضافة إلى المسافة التي تفصله عن والده في مكان الزيارة، فإن ثمة شبكاً مزدوجاً من الجانبين يعوق أي تواصل بين المعتقل وزائريه.
لقد أجهش الأطفال بالبكاء «بعد اكتشافهم أن الزيارة لن تمكنهم من الوصول إلى حضن والدهم».
«أي تعامل هذا، نحن لسنا نازيين»، تلك كانت صرخة الغريب التي انطلقت من الطرف الآخر تأثراً لبكاء أطفاله. «إنه المشهد الذي سيظل عالقاً في ذهني ما حييت»، يقول عماد الذي بدا متأثراً وهو يروي لـــ«النداء» تفاصيل الزيارة.
لقد سمح للأطفال بالدخول إلى والدهم «بعد مشارعة وبكاء طويل» كلاً، على حده «وفتشوهم تفتيشاً دقيقاً».
«كان والدي لا يحضن واحداً منهم (هيثم، سيف، آمال، فاطمة) حتى يسحبوه مباشرة من بين يديه ولم يستطع حتى أن يقبلهم»، يضيف عماد.
كان المشهد مؤثراً بالنسبة للأب. وقد طلب -رغم أشواقه- عدم إحضار الصغار مرة أخرى. أما عماد فلم يسمح له بالدخول برغم «أننا لدينا أمر من النيابة بزيارة خاصة تسمح للزوار الالتقاء والجلوس منفردين».
عاد «عمر» من صنعاء في زيارته الأخيرة وهو متعب نفسياً بسبب المعاملة التي يلقاها والده. وهو يشعر أنه يعاني صحياً.
«هذه الزيارة مختلفة بالنسبة لي ولوالدي، أشعر أنه يخفي شيئاً، وقد فقد الكثير من وزنه».
مع ذلك قال عمر إن والده يحاول التحلي بمعنويات عالية كما كل زيارة «لكن هذه المرة شعرت أنه يكذب، ويخفي شيئاً».
يخشى الشاب، الذي يضطر إلى السفر إلى صنعاء أسبوعياً للظفر بالزيارة الوحيدة المسموحة، أن يكون والده قد تعرض للتعذيب.
لا يرى عماد أحداً يتحمل مسؤولية ما يتعرض له و الده سوى «الرئيس والنظام»،
وإذ يطالب بالافراج عنه وعن جميع المعتقلين فإن الابن الثالث «عمر» لا يجد سبباً لمناشدة «الرئيس والنظام» فعل ذلك لأبيه، «فهو ليس مجرم ولم يرتكب أي جرم حتى طالبهم بالافراج عنه». لكنه يركز حديثه في اتجاه آخر «أدعو جميع المنظمات الحقوقية والمدنية المحلية والدولية للوقوف إلى جانب والدي الذي تم اعتقاله ظلماً وعدواناً».
قبل اعتقال الكاتب الغريب، كانت والدته المسنة طريحة الفراش وهو «تعود الاعتناء بها».
لقد تضاعف مرضها منذ اعتقاله. إنها الآن لا تتمنى شيئاً سوى «أن يعود ابنها إلى المنزل لتراه قبل أن يحضرها الموت»، يقول حفيدها عمر.
يمثل الغريب مع رفيقيه أمام محكمة مختصة بقضايا الإرهاب بتهم سياسية: الاساءة للوحدة, والدعوة للإنفصال.