المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة فلسفية في سلوك الحكومة اليمنية مع الجنوبيين


نبيل العوذلي
2007-10-06, 04:47 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما يستغرب الجنوبيين لسلوك الحكومة اليمنية والذي هو عبارة عن خلطة اجتهادات دينية لمذاهب عدة وخلطة من اراء وفلسفيات باطنية وفاطمية وتنجيمية ...الخ ..ولكن القارىء الفاحص لهذا السلوك يجد ان له فلسفته الخاصة..وانوه ان هذا الموضوع اصلا امتداد للموضوع المقيد تحت الرابط ..ولن يكتمل فهمه الا اذا تم قراءته..وهو
http://dali.275mb.com/vb/showthread.php?t=464
المدرسة الاحتمالية الكمية في فرنسا فلسفة المغامرة والحيل
ان هذه الفلسفة على عكس فلسفة بيغ بن تتعامل مع الواقع على اساس اللاحتمية واللاانضباطية محكمة واضحة بل ترى ان الواقع الموجود هو عبارة عن فوضوية عشوائية من الصعب التعامل معها على اساس الكلاسيكية الحتمية الموجودة في الناس ..فالواقع في نظر اصحاب برج ايفل عبارة عن حركة غير منظمة , غير متوقعة.غير محددة..في الناس والاجسام بشكل عام ..ولذا يرون ان الاصل في التعامل مع هذا الواقعية الموجودة في الناس هو غير تلك الحتمية المحكمة الموجودة في الكلاسيكية الرومية لبيغ بن ...انه واقع متشابه ليس محكم مضطرب ليس ثابت فوضوي ليس منظم
..ولذا لايرون انه يمكن تحديد تتابع حتمي من الخطوات التي تلزم هذا الواقع ان يسير عليه ..بل ان ذلك عندهم هو من الظلم .. لانهم بنظرهم ان هذا الواقع يصعب التببؤ بشخصية محددة للمجتمع خير او شر حسنة او سيئة بل هي خلطة من الخير والشر والحسنات والسيئات .....الخ وبالتالي فأن هذا الواقع لايصلح التعامل معه سوى بالحيل والتقدير والقفز والخطفة الضاربة ..يقول لويس دي بورولي في كتابه الفلسفي الفيزياء والميكروفيزياء
وعلى ذلك لم تعد فيزياء الكم- أي النظرة الفلسفية الجديدة للحقيقة والحكمة الكونية- لم تعد تقودنا الى وصف موضوعي للعالم الخارجي متفق بشكل غريزي مع المثل العليا للفيزياء الكلاسيكية – أي النظرة الفلسفية القديمة لمدرسة بيغ بن والتي تحدثنا عنها –. انها لم تعد تمدنا بشيء سوى العلاقة بين حالة العالم الخارجي ومعرفة كل راصد – أي الشخص المكلف بمسؤلية وزارية او حكومية في ما يتعلق بموضوعنا- وهي علاقة اصبحت لاتعتمد على العالم الخارجي وحدة بل ايضا على المشاهدات والقياسات التي يجريها الراصدون وهكذا تفقد الحقيقة جزء من طابعها الموضوعي ..اذ لم يعد العلم تأملا سلبيا لكون مثبت وانما اصبح عراكا بالايدي-وهذه اهم وابرز الخلافات بين نظرة الشماليين والجنوبيين لشكل النظام كما سيتبين- ينال الباحث بغيته اذ يختطف من العالم الفيزيائي – أي الواقع – الذي يود ان يفهمه معلومات معينة وهي دائما جزئية تسمح لهذا الخاطف الذكي بأن يتنبأ تنبؤات ناقصة وعلى العموم ليست الا محتملة الوقوع ٍ-
وكثيرا ما يتهم الفرنسيين البريطانيين بأنهم جامدين غير قادرين على التعامل سوى مع واقع محدد قد اختطوه لهم ..ولعل هذا هو جوهر الخرف بين فرنسا وبريطانيا..وهو نفس الاتهام الذي يوجهه اليمنيين من ابناء المحافظات الشمالية لليمنيين من ابناء المحافظات الجنوبية ..وكثيرا ما سمعنا قياداتهم يتهمون الجنوبيين بالعجز عن التعامل مع الواقع الجديد والمتمثل بالوحجة اليمنية والتي ادخلت فئة جديدة هم ابناء المحافظات الشمالية والذين تأثرت سلوكياتهم وشخصياتهم بهذه الفوضوية .والتي اعتبرها غير متصلة بسلوك اليمنيين العرب وانما جاءت من اليمنيين العجم ابان تداول هؤلاء الغير عرب حكم اليمن

نبيل العوذلي
2007-10-06, 04:48 PM
وحقيقة مثل هذا الواقع المتشابه قد تكلم عنه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله ..وهو الواقع الذي يحصل فيه اختلاط الحسنات بالسيئات وازدحام الواجبات واجتماع المحرمات حيث يقول رحمه الله في المجلد التاسع عشر من مجموع الفتاوى
--- فأذا ازدحم واجبان لايمكن جمعهما فقدم اوكدهما لم يكن الاخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لاجل فعل الاوكد تارك واجب في الحقيقة ..وكذلك اذا اجتمع محرمان لايمكن ترك اعظمهما الا بفعل ادناهما لم يكن فعل الادنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وان سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الاطلاق لم يضر ...الى ان قال ....وهذا باب التعارض باب واسع جدا لاسيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها اثار النبوة وخلافة النبوة فان هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من اسباب الفتنة بين الامة.فانه اذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فاقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة واقوام قد ينظرون الى السيئات فيرجحون الجانب الاخر وان ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الامرين قد لايتبين لهم او لاكثرهم مقدار المنفعة والمضرة او يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات لكون الاهواء قارنت الاراء
ولكن نجد ان ابرز ما يظهر لاقطاب هذه الفلسفة الكونية للواقع من اجل التعامل معه هو
اولا التعامل بالحيل مع هذا الواقع ..ولاتستغرب ان لهؤلاء فلسفة تأويلية للحيل
فلسفة الحيل
تعتبر مصر واليمن البوابتين الرئيسيتين اللتان دخلت منهما فلسفة الحيل الى العرب في الجزيرة العربية بسبب توغل الباطنية الفاطمية الصفوية فيهما..ولهم في هذه الفلسفة حجج دينية يستندون اليها كما ذكره ابن القيم في اعلام الموقعين
فصل(حجج الذين جوزوا الحيل

قال أرباب الحيل: قد أكثرتم من ذم الحيل، وأجلبتم بخَيْل الأدلة ورَجْلها وسمينها ومهزولها، فاستمعوا الآن تقريرها واشتقاقها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأئمة الإسلام، وأنه لا يمكن أحداً إنكارها.
قال الله تعالى لنبيه أيوب: {وَخُذْ بيدك ضِغْثاً فاضرب به ولا تحنث} فأذن لنبيه أيوب أن يتحلل من يمينه بالضرب بالضِّغْث، وقد كان نَذَرَ أن يضربها ضرباتٍ معدودة، وهي في المتعارف الظاهر إنما تكون متفرقةً؛ فأرشده تعالى إلى الحيلة في خروجه من اليمين، فنقيس عليه سائر الباب، ونسميه وجوه المخارج من المضائق، ولا نسميه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها.
وأخبر تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام أنه جعل صُوَاعَه في رَحْل أخيه يتوصل بذلك إلى أخذه من إخوته، ومَدَحَه بذلك، وأخبر أنه برضاه وإذنه، كما قال: {كَذَلِكَ كِدْنا ليوسف، ما كان لِيَأخُذَ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله، نرفع درجاتٍ مَنْ نشاء، وفوق كل ذي علمٍ عليمٌ} فأخبر أن هذا كيده لنبيه، وأنه بمشيئته، وأنه يرفع درجة عبده بلطيف العلم ودقيقه الذي لا يهتدي إليه سواه، وأن ذلك من علمه وحكمته.
وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً، ومكرنا مكراً، وهم لا يشعرون} فأخبر تعالى أنه مكر بمن مكر بأنبيائه ورسله، وكثير من الحيل هذا شأنها، يمكر بها على الظالم والفاجر ومن يعسر تخليص الحق منه؛ فتكون وسيلة إلى نصر مظلوم وقهر ظالم ونصر حق وإبطال باطل.
والله تعالى قادر على أخذهم بغير وجه المكر الحسن. ولكن جازاهم بجنس عملهم، وليعلم عباده أن المكر الذي يتوصَّلُ به إلى إظهار الحق ويكون عقوبة للماكر ليس قبيحاً.
وكذلك قوله: {إنَّ المنافقين يُخَادعون الله وهو خادعهم} وخداعه لهم أن يظهر لهم أمراً ويبطن لهم خلافه. فما تنكرون على أرباب الحيل الذين يظهرون أمراً يتوصلون به إلى باطن غيره اقتداء بفعل الله تعالى؟
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر، فجاءهم بتمر جنيب، فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاث، فقال: لا تفعل، بع الجميع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيباً» وقال في الميزان مثل ذلك، فأرشده إلى الحيلة على التخلص من الربا بتوسط العقد الآخر، وهذا أصل في جواز العِيَنةِ.
وهل الحيل إلا معاريض في الفعل على وِزان المعاريض في القَوْل؟ وإذا كان في المعاريض مَنْدوحة عن الكذب ففي معاريض الفعل مَنْدُوحة عن المحرمات وتخلص من المضايق

نبيل العوذلي
2007-10-06, 04:50 PM
وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم طائفةً من المشركين وهو في نَفَرٍ من أصحابه، فقال المشركون: ممن أنتم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن مِنْ ماءٍ» فنظر بعضهم إلى بعض، فقالوا: أحياء اليمن كثير، فلعلهم منهم، وانصرفوا.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احملني، فقال: «ما عندي إلا ولد ناقة» فقال: ما أصنع بولد الناقة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وهل يلد الإبلَ إلا النوقُ؟». وقد رأت امرأة عبد الله بن رواحة عبد الله على جارية له، فذهبت وجاءت بسكين، فصادفته وقد قضى حاجته، فقالت: لو وجدتك على الحال التي كنت عليها لوَجَأتك، فأنكر، فقالت: فاقرأ إن كنت صادقاً، فقال:

شَهِدْتُ بأنَّ وَعْدَ الله حقٌّ

وأن النار مَثْوَى الكافرينا وأن العرش فوق الماء طَاف وفوق العرش رَبُّ العالمين وتحمُله ملائكة كِرَام ملائكة الإلٰهِ مُسَوَّمينا

فقالت: آمنت بكتاب الله وكذبت بصري، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك ولم ينكر عليه، وهذا تحيل منه بإظهار القراءة لما أوهم أنه قرآن ليتخلص به من مكروه الغيرة.
وكان بعض السلف إذا أراد أن لا يطعم طعاماً لرجل قال: أصبحت صائماً، يريد أنه أصبح فيما سلف صائماً قبل ذلك اليوم، وكان محمد بن سيرين إذا اقتضاه بَعْضُ غُرَمائه وليس عنده ما يعطيه قال: أعطيك في أحد اليومين إن شاء الله، يريد بذلك يومي الدنيا والآخرة، وسأل رجل عن المروزي وهو في دار أحمد بن حنبل، فكره الخروج إليه، فوضع أحمد أصبعه في كفه، فقال: ليس المروزي ههنا، وما يصنع المروزي ههنا؟ وحضر سفيان الثوري مجلساً، فلما أراد النهوض منعوه، فحلف أنه يعود، ثم خرج وترك نَعْله كالناسي لها، فلما خرج عاد وأخذها وانصرف، وقد كان لشُرَيح في هذا الباب فقه دقيق كما أعجب رجلاً فرسه وأراد أخذها منه، فقال له شريح: إنها إذا أربضت لم تقم حتى تقام، فقال الرجل: أف أف، وإنما أراد شريح أن الله هو الذي يُقيمها، وباع من رجل ناقة، فقال له المشتري: كم تحمل؟ فقال: احمل على الحائط ما شئت، فقال: كم تحلب؟ قال: احلب في أي إناء شئت، فقال: كيف سيْرُها؟ قال: الريح لا تُلْحَقُ، فلما قبضها المشتري لم يجد شيئاً من ذلك، فجاء إليه وقال: ما وجدت شيئاً من ذلك، فقال: ما كذَبتك. ..الى ان قال رحمه الله قالوا: وقد قال الله تعالى: {ومَنْ يَتَّقِ الله يجعل له مَخْرَجاً} قال غير واحد من المفسرين: مخرجاً مما ضاق على الناس، ولا ريب أن هذه الحيلَ مخارجُ مما ضاق على الناس، ألا ترى أن الحالف يضيق عليه إلزام ما حلف عليه، فيكون له بالحيلة مخرج منه، وكذلك الرجل تشتد به الضرورة إلى نفقة ولا يجد مَنْ يُقْرضه فيكون له من هذا الضيق مخرج بالعِينة والتورق ونحوهما، فلو لم يفعل ذلك لهلك ولهلكت عياله، والله تعالى لا يشرع ذلك،
ولعلك تجد هنا ان فلسفة الحيل عند هؤلاء الى جانب ان لها اصل علمي كوني نظري والمتمثل بالميكانيكا الموجية ..تجد ان لها اصل شرعي يحتجون به ...ولعل هذا بالضبط الذي جعل العديد من ابناء اليمن شمالا وجنوبا يعتبرون ان سلوك الحيل الذي غزا البلاد اليمنية من العجم والمتأثرين بهم كالحزب الحاكم وبعض احزاب اللقاء المشترك ..وصار سلوكا لايستطيع المرء ان ينجح في عمله اذا لم يجيد فلسفة الحيل- الدحبشة- وهي كما اقول ليست يمنية اصلا بل اعجمية ...لان النبي صلى الله عليه وسلم يقول الايمان يمان والحكمة يمانية- ..وهذه الفلسفة تضاد الحكمة وتقف معها على طرفي نقيض ..اي نعم ان الجزء الشمالي كان ابلغ تأثرا في بهذه الفلسفة – فلسفة سبَر حالك_ او كما يسميها اهل عدن ابين – تقلبوا- او- تدحبشوا- ولكن المتأثرين بهذه الفلسفة برزوا بسبب الحكم فقط ..كذلك الحال في مصر تجد ان هذه الفلسفة ازدادت برزت في غير العرب من المسلمين والاقباط اللذين اوصى بهم النبي صلى الله عليه وسلم خيرا ...وفلسفة الحيل هذه لايحبذها اهل السنه كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى
في اعلام الموقعين ج2
فلسفة الرشوة والسحت عندهم
.اما يوسف عليه السلام فقد كان بنظرهم الفلسفي للنصوص سارقا..((( ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل)))..وهي الصورة التي كانت قبل الرشد اما بعد الرشد فقد هداه الله تعالى للكيد ((( وكذلك كدنا ليوسف))) ..(((ايتها العير انكم لسارقون)))..ولعل هذا ما يفسر تجاوز بعض الحكومات التي تسير على فلسفة الفاطميين للنصوص ولعل اظهرها الحكومة اليمنية في عدم معاقبة ومحاسبة السرق والمختلسين للمال العام ..لانهم يرون ان يوسف عليه السلام كان يتصرف في المال العام مع اهل الصفوة من ابناء يعقوب عليه السلام دون الاستناد الى قانون الملك المصري ..
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في اعلام الموقعين ج1


وأما استحلال السحت باسم الهدية ـ وهو أظهر من أن يذكر ـ كرشوة الحاكم والوالي وغيرهما، فإن المرتشي ملعون هو والراشي؛ لما في ذلك من المفسدة، ومعلوم قطعاً أنهما لا يخرجان عن الحقيقة وحقيقة الرشوة بمجرد اسم الهدية، وقد علمنا وعلم الله وملائكته ومن له اطلاع الى الحيل أنها رِشْوَة. وأما استحلال القتل باسم الأرهاب الذي تسميه وُلاَة الجور سياسة وهيبة وناموساً وحرمة للملك فهو أظهر من أن يذكر
وهؤلاء يستندون الى فلسفة تجويز

نبيل العوذلي
2007-10-06, 04:52 PM
وقال ايضا رحمه الله
اعلام الموقعين ج2 ص 168
في إعراب هذا الكلام وجهان؛ أحدهما: أن قوله: {جزاؤه مَنْ وجد في رحله} جملة مستقلة قائمة من مبتدأ وخبر، وقوله: {فهو جزاؤه} جملة ثانية كذلك مؤكدة للأولى مُقَررة لها، والفرق بين الجملتين أن الأولى إخبار عن استحقاق المسروق لرقبة السارق، والثانية إخبار أن هذا جزاؤه في شرعنا وحكمنا؛ فالأولى إخبار عن المحكوم عليه، والثانية إخبار عن الحكم، وإن كانا متلازمين، وإن أفادت الثانية معنى الحصر فإنه لا جزاء له غيره. والقول الثاني: أن «جزاؤه» الأول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية، والمعنى جزاء السارق أن مَنْ وجد المسروق في رَحْله كان هو الجزاء، كما تقول: جزاء السرقة مَنْ سرق قطعت يدُه، وجزاء الأعمال مَنْ عمل حسنة فبعشر أو سيئة فبواحدة، ونظائره.
قال شيخنا رضي الله عنه: وإنما احتمل الوجهين لأن الْجَزَاء قد يراد به نفس الحكم باستحقاق العقوبة، وقد يراد به نفس فعل العقوبة، وقد يراد به نفس الألم الواصل إلى المعاقب؛ والمقصود أن إلهام الله لهم هذا الكلام كيدٌ كاده ليوسف خارج عن قدرته؛ إذ قد كان يمكنهم أن يقولوا: لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سَرَق؛ فإن مجرد وجوده في رَحْله لا يوجب ثبوت السرقة، وقد كان يوسف عادلاً لا يأخذهم بغير حجة، وقد كان يمكنهم أن يقولوا: يفعل به ما يفعل بالسراق في دينكم، وقد كان في دين ملك مصر ـ كما قاله أهل التفسير ـ أن يضرب السارق ويغرم قيمة المسروق مرتين، ولو قالوا ذلك لم يمكنه أن يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم، ولهذا قال تعالى: {كذلك كدْنَا ليوسف، ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله} أي ما كان يمكنه أخذه في دين ملك مصر؛ إذ لم يكن في دينه طريق له إلى أخذه، وعلى هذا فقوله: {إلا أن يشاء الله} استثناء منقطع، أي لكن إن شاء الله أخذه بطريق آخر، أو يكون متصلاً على بابه، أ أي إلا أن يشاء الله ذلك فيهيء له سبباً يؤخذ به في دين الملك من الأسباب التي كان الرجل يعتقل بها، فإذا كان المراد من الكَيْد فعلاً من الله ـ بأن ييسر لعبده المؤمن المظلوم المتوكل عليه أموراً يحصل بها مقصودُه من الإنتقام من الظالم ـ كان هذا خارجاً عن الحيل الفقهية؛ فإن كلامنا في الحيل التي يفعلها العبد، لا فيما يفعله الله تعالى، بما في قصة يوسف تنبيه على بطلان الحيل وأن مَنْ كاد كيداً محرماً؛ فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده وبمثل عمله، وهذه سنة الله في أرباب الحيل المحرمة أنه لا يبارك لهم فيما نالوه بهذه الحيل، ويهيء لهم كيداً على يد من يشاء من خلقه يُجْزٌّونَ به من جنس كيدهم وحيلهم





من الأدلة على تحريم الحيل

ومما يدل على بطلان الحيل وتحريمها أن الله تعالى إنما أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومَعَادهم؛ فالشريعة لقلوبهم بمنزلة الغذاء الذي لا بد لهم منه والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به، فإذا احتال العبدُ على تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرض الله وتعطيل ما شرع الله كان ساعياً في دين الله بالفساد من وجوه:
أحدها: إبطالها ما في الأمر المحتال عليه من حكمة الشارع ونقض حكمته فيه ومناقضته له.
والثاني: أن الأمر المحتال به ليس له عنده حقيقة، ولا هو مقصوده، بل هو ظاهر المشروع؛ فالمشروع ليس مقصوداً له، والمقصود له هو المحرم نفسه، وهذا ظاهر كل الظهور فيما يقصد الشارع؛ فإن المرابي مثلاً مقصوده الربا المحرم، وصورة البيع الجائز غير مقصودة له، وكذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك ماله لمن لا يهبه درهماً واحداً حقيقةٌ مقصودِهِ إسقاطُ الفرض، وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودة له. الثالث: نسبته ذلك إلى الشارع الحكيم وإلى شريعته التي هي غذاء القلوب ودواؤها وشفاؤها، ولو أن رجلاً تحيل حتى قلب الغذاء والدواء إلى ضده، فجعَل الغذاء دواء والدواء غذاء، إما بتغيير اسمه أو صورته مع بقاء حقيقته؛ لأهلَكَ الناس، فمن عمد إلى الأدوية المسهلة فغير صورتها أو أسماءها وجعلها غذاء للناس، أو عمد إلى السموم القاتلة فغير أسماءها وصورتها وجعلها أدوية، أو إلى الأغذية الصالحة فغير أسماءها وصُوَرَها؛ كان ساعياً بالفساد في الطبيعة، كما أن هذا ساع بالفساد في الشريعة؛ فإن الشريعة للقلوب بمنزلة الغذاء والدواء للأبدان، وإنما ذلك بحقائقها لا بأسمائها وصورها.
وبيان ذلك على وجه الإشارة أن الله سبحانه وتعالى حرم الربا والزنا وتوابعهما ووسائلهما؛ لما في ذلك من الفساد، وأباحَ البيع والنكاح وتوابعهما؛ لأن ذلك مصلحة محضة، ولا بد أن يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة، وإلا لكان البيع مثل الربا والنكاح مثل الزنا، ومعلوم أن الفرق في الصورة دون الحقيقة مُلْغًى عند الله ورسوله في فِطر عباده؛ فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الأقوال والأفعال، فإن الألفاظ إذا اختلفت ومعناها واحد كان حكمها واحداً، فإذا اتفقت الألفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفاً، وكذلك الأعمال إذا اختلفت صورها واتفقت مقاصدها، هذه القاعدة يبنى الأمر والنهي والثواب والعقاب، ومَنْ تأمل الشريعة علم بالاضطرار صحة هذا؛ فالأمر المحتال به على المحرم صورته صورة الحلال، وحقيقته ومقصوده حقيقة الحرام؛ فلا يكون حلالاً فلا يترتب عليه أحكام الحلال فيقع باطلاً، والأمر المحتال عليه حقيقته حقيقة الأمر الحرام وإن لم تكن صورته صورته، فيجب أن يكون حراماً لمشاركته للحرام في الحقيقة. ويالله العجب! أين القياس والنظر في المعاني المؤثرة وغير المؤثرة فرقاً وجمعاً؟ والكلام في المناسبات ورعاية المصالح وتحقيق المَنَاطِ وتنقيحه وتخريجه وإبطال قول مَنْ عَلّقَ الأحكام بالأوصاف الطَّرْدية التي لا مناسبة بينها وبين الحكم، فكيف يعلقه بالأوصاف المناسبة لضد الحكم؟ وكيف يعلق الأحكام على مجرد الألفاظ والصُّور الظاهرة التي لا مناسبة بينها وبينها ويَدَع المعاني المناسبة المُفَضية لها التي ارتباطُهَا بها كارتباط العلل العقلية بمعلولاتها؟ والعجب منه كيف ينكر مع ذلك على أهل الظاهر المتمسكين بظواهر كتاب ربهم وسنة نبيهم حيث لا يقوم دليل يخالف الظاهر ثم يتمسك بظواهر أفعال المكلفين وأقوالهم حيث يعلم أن الباطن والقصد بخلاف ذلك؟ ويعلم لو تأمل حقَّ التأمل أن مقصود الشارع غير ذلك، كما يقطع بأن مقصوده من إيجاب الزكاة سد خَلَّة المساكين وذوي الحاجات وحصول المصالح التي أرادها بتخصيص هذه الأوصاف من حماية المسلمين والذَّبِّ عن حَوْزة الإسلام، فإذا أسقطها بالتحيل فقد خالف مقصود الشارع وحَصَّل مقصود المتحيل، والواجب الذي لا يجوز غيره أن يحصل مقصود الله ورسوله ويبطل مقاصد المتحيلين المخادعين، وكذلك يعلم قطعاً أنه (إنما) حرم الربا لمن فيه من الضرر بالمحاويج، وأن مقصوده إزالة هذه المفسدة؛ فإذا أبيح التحيل على ذلك كان سَعْياً في إبطال مقصود الشارع وتحصيلاً لمقصود المرابي، وهذه سبيل جميع الحيل المتوسَّل بها إلى تحليل الحرام وإسقاط الواجب، وبهذه الطريق تبطل جميعاً، ألا ترى أن المتحيل لإسقاط الاستبراء مُبْطِل لمقصود الشارع من حكمة الاستبراء ومصلحته؛ فالمعين (له) على ذلك مُفوت لمقصود الشارع محصل لمقصود المتحيل، وكذلك التحيل على إبطال حقوق المسلمين التي ملكهم إياها الشارع وجعلهم أحق بها من غيرهم إزالة لضررهم وتحصيلاً لمصالحهم؛ فلو أباح التحيل لإسقاطها لكان عدم إثباتها للمستحقين أولى وأقل ضرراً من أن يثبتها ويوصي بها ويبالغ في تحصيلها ثم يشرع التحيل لإبطالها وإسقاطها، وهل ذلك إلا بمنزلة من بَنَى بناء مشيداً وبالغ في إحكامه وإتقانه، ثم عاد فَنَقَضَه، وبمنزلة من أمر بإكرام رجل والمبالغة في بره والإحسان إليه وأداء حقوقه، ثم أباح لمن أمره أن يتحَيَّل بأنواع الحيل لإهانته وترك حقوقه، ولهذا يسيء الكُفّار والمنافقون ومَنْ في قلوبهم المرض الظّنّ بالإسلام والشرع الذي بعث الله به رسوله حيث ظنوا أن هذه الحيل مما جاء به الرسول وعلموا مناقضتها للمصالح مناقضة ظاهرة ومنافاتها لحكمة الرب وعدله ورحمته وحمايته وصيانته لعباده؛ فإنه نهاهم عما نهاهم عنه حميةً وصيانةً، فكيف يبيح لهم الحيل على ما حماهم عنه؟ وكيف يبيح لهم التحيل على إسقاط ما فَرَضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي أحقها عليهم لبعضهم لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتم إلا بما شرعه؟ فهذه الشريعة شَرَعَها الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضد ذلك، وهذا أمر ثابت لها لذاتها وبائن من أمر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها، فالمأمور به مصلحة وحَسَنٌ في نفسه، واكتسى بأمر الرب تعالى مصلحة وحسناً آخر، فازداد حُسْناً بالأمر ومحبة الرب وطلبه له إلى حسنه في نفسه، وكذلك المنهى عنه مَفْسَدة وقبيح في نفسه، وازداد بنهي الرب تعالى عنه وبغْضه له وكراهيته له قبحاً إلى قبحه، وما كان هكذا لم يجز أن ينقلب حُسْنه قبحاً بتغير الاسم والصورة مع بقاء الماهية والحقيقة، ألا ترى أن الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حَرَّم بيع الثمار قبل بُدُوِّ صلاحها لما فيه من مفسدة التشاحن والتشاجر، ولما يؤدي إليه ـ إن منع الله الثمرة ـ من أكل مال أخيه بغير حق ظلماً وعدواناً، ومعلوم قطعاً أن هذه المفسدة لا تزول بالتحيل على البيع قبل بدوّ الصلاح؛ فإن الحيلة لا تؤثر في زوال هذه المفسدة، ولا في تخفيفها، ولا في زوال ذرة منها؛ فمفسدة هذا العقد أمر ثابت له لنفسه، فالحيلة إن لم تَزِدْه فساداً لم تُزِلْ فساداً، وكذلك شرع الله تعالى الاستبراء لإزالة مفسدة اختلاط المياه وفساد الأنساب وسَقي الإنسان بمائه زَرْع غيره، وفي ذلك من المفاسد ما تُوجِبُ العقول تحريمه لو لم تأت به شريعة، ولهذا فَطَر الله الناس على استهجانه واستقباحه، ويرون

نبيل العوذلي
2007-10-06, 04:56 PM
ويرون من أعظم الهجن أن يقوم هذا عن المرأة ويخلفه الآخر عليها، ولهذا حرم نكاح الزانية وأوجب العِدَدَ والاستبراء، ومن المعلوم قطعاً أن هذه المفسدة لا تزول بالحيلة على إسقاط الاستبراء، ولا تخِفّ، وكذلك شرع الحجِّ إلى بيته لأنه قوام للناس في معاشهم ومعادهم، ولو عطل البيت الحرام عاماً واحداً عن الحج لما أمهل الناس، ولَعُوجلوا بالعقوبة، وتوعَّد من ملك الزاد والراحلة ولم يحج بالموت على غير الإسلام، ومعلوم أن التحيل لإسقاطه لا يزيل مفسدة الترك، ولو أن الناس كلهم تحيلوا لترك الحج والزكاة لبطلت فائدة هذين الفرضين العظيمين، وارتفع من الأرض حكمهما بالكلية، وقيل للناس: إن شئتم كلكم أن تتحيلوا لإسقاطهما فافعلوا، فليتصور العبد ما في إسقاطهما من الفساد المضاد لشرع الله وإحسانه وحكمته، وكذلك الحدود جعلها الله تعالى زَوَاجرَ للنفوس وعقوبة ونكالاً وتطهيراً، فشَرْعُهَا من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم، ومعلوم ما في التحيل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله وتسليط النفوس الشريرة على تلك الجنايات إذا علمت أن لها طريقاً إلى إبطال عقوباتها فيها، وأنها تسقط تلك العقوبات بأدنى الحيل؛ فإنه لا فرق عندها البتة بين أن تعلم أنه لا عقوبة عليها فيها وبين أن تعلم أن لها عقوبة وأن لها إسقاطها بأدنى الحيل، ولهذا احتاج البلد الذي تظهر فيه هذه الحيل إلى سياسة وال أو أمير يأخذ على يَدِ الجُنَاة ويكف شرهم عن الناس إذا لم يمكن أرباب الحيل أن يقوموا بذلك، وهذا بخلاف الأزمنة والأمكنة التي قام الناس فيها بحقائق ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم لم يحتاجوا معها إلى سياسة أميرٍ ولا والٍ، كما كان أهل المدينة في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم، فإنهم كانوا يحدُّون بالرائحة وبالقَيْء وبالحبَل وبظهور المسروق عند السارق، ويقتلون في القسامة، ويعاقبون أهل التهم، ولا يَقْبَلُون الدعوى التي تكذبها العادة والعرف، ولا يرون الحيل في شيء من الدين ويعاقبون أربابها، ويحبسون في التهم حتى يتبين حال المتهم، فإن ظهرت براءته خلوا سبيله، وإن ظهر فجوره قرروه بالعقوبة اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة المتهمين وحبسهم؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة وعاقب في تهمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى من ذكر ذلك عنه وعن أصحابه ما فيه شفاء وكفاية وبيان لإغناء ما جاء به عن كل وال وسائس، وأن شريعته التي هي شريعته لا يحتاج معها إلى غيرها، وإنما يحتاج إلى غيرها مَنْ لم يُحِطْ بها علماً أو لم يقم به عملاً.
والمقصود أن ما في ضمن المحرمات من المفاسد والمأمورات من المصالح يمنع أن يشرع إليها التحيل بما يبيحها ويسقطها، وأن ذلك مناقضة ظاهرة، ألا ترى أنه بالَغَ في لعن المحلِّل للمفاسد الظاهرة والباطنة التي في التحليل التي يعجز البشر عن الإحاطة بتفاصيلها؛ فالتحيل على صحة هذا النكاح بتقديم اشتراط التحليل عليه وإخلاء صُلْبه عنه إن لم يَزِدْ مفسدتَه فإنه لا يُزِيلها ولا يخففها، وليس تحريمه والمبالغة في لعن فاعله تعبداً لا يُعْقَل معناه، بل هو معقول المعنى من محاسن الشريعة، بل لا يمكن شريعة الإسلام ولا غيرها من شرائع الأنبياء أن تأتي بحيلة؛ فالتحيل على وقوعه وصحته إبطال لغرض الشارع وتصحيح لغرض المتحيل المخادع. وكذلك الشارع حَرَّم الصيد في الإحرام وتوعَّدَ بالانتقام على مَنْ عاد إليه بعد التحريم، لما فيه من المفسدة الموجبة لتحريمه وانتقام الرب من فاعله، ومعلوم قطعاً أن هذه المفسدة لا تزول بنصب الشِّبَاك له قبل الإحرام بلحظة، فإذا وقع فيها حالَ الإحرام أخذه بعد الحل بلحظة، فإباحته لمن فعل هذا إبطال لغرض الشارع الحكيم وتصحيح لغرض المخادع.
وكذلك إيجاب الشارع الكفارة على مَنْ وطىء في نهار رمضان فيه من المصلحة جبر وَهن الصوم، وزجر الواطىء، وتكفير جُرْمه، واستدراك فرطه، وغير ذلك من المصالح التي علمها مَنْ شرَع الكفارة وأحبها ورضيها، فإباحةُ التحيل لإسقاطها بأن يتعدى قبل الجماع ثم يجامع نقضٌ لغرض الشارع، وإبطال له، وإعمال لغرض الجاني المتحيل وتصحيح له، ثم إن ذلك جناية على حق الله وحق العبيد؛ فهو إضاعة للحقين وتفويت لهما.
وكذلك الشارع شَرَعَ حدود الجرائم التي تتقاضاها أشَدَّ تَقَاضٍ لما في إهمال عقوباتها من مفاسد الدنيا والآخرة، بحيث لا يمكن سياسة ملكٍ ما من الملوك أن يخلو عن عقوباتها البتة، ولا يقوم ملكه بذلك، فالإذن في التحيل لإسقاطها بصورة العقد وغيره مع وجود تلك المفاسد بعينها أو أعظم منها نَقْضٌ وإبطال لمقصود الشارع، وتصحيح لمقصود الجاني، وإغراء بالمفاسد، وتسليط للنفوس على الشر.
ويالله العجب! كيف يجتمع في الشريعة تحريم الزنا والمبالغة في المنع منه وقتل فاعله شر القتلات وأقبحها وأشنعها وأشهرها ثم يسقط بالتحيل عليه بأن يستأجرها لذلك أو لغيره ثم يقضي غرضه منها؟ وهل يعجز عن ذلك زانٍ أبداً؟ وهل في طباع وُلاَة الأمر أن يقبلوا قول الزاني: أنا استأجرتها للزنا، أو استأجرتها لتَطوِيَ ثيابي ثم قضيت غرضي منها، فلا يحل لك أن تقيم عليّ الحد؟ وهل ركَّبَ الله في فِطَرِ الناس سقوطَ الحد عن هذه الجريمة الجريمة التي هي من أعظم الجرائم إفساداً للفراش والأنساب بمثل هذا؟ وهل يسقط الشارع الحكيم الحد عمن أراد أن ينكح أمه أو بنته أو أخته بأن يعقد عليها العقد ثم يطأها بعد ذلك؟ وهل زادُه صورة العقد المحرم إلا فجوراً وإنما واستهزاء بدين الله وشرعه ولعباً بآياته؟ فهل يليق به مع ذلك رفع هذه العقوبة عنه وإسقاطها بالحيلة التي فعلها مضمومةً إلى فعل الفاحشة بأمه وابنته؟ فأين القياسُ وذكر المناسبات والعلل المؤثرة والإنكار على الظاهرية؟ فهل بلغوا بالتمسك بالظاهر عُشْرَ مِعْشَار هذا؟ والذي يقضي منه العجب أن يقال: لا يعتد بخلاف المتمسكين بظاهر القرآن والسنة، ويعتد بخلاف هؤلاء، والله ورسوله منزه عن هذا الحكم. ويالله العجب! كيف يسقط القطع عمن اعتاد سرقة أموال الناس وكلما أمسك معه المال المسروق قال: هذا ملكي، والدار التي دخلتها داري، والرجل الذي دخلت داره عبدي؟ قال أرباب الحيل: فيسقط عنه الحد بدعوى ذلك، فهل تأتي بهذا سياسة قط جائرة أو عادلة، فضْلاً عن شريعة نبي من الأنبياء، فَضلاً عن الشريعة التي هي أكمل شريعة طرقت العالم؟.
وكذلك الشارع أوجب الإنفاق على الأقارب؛ لما في ذلك من قيام مصالحهم ومصالح المنفق، ولما في تركهم من إضاعتهم؛ فالتحيل لإسقاط الواجب بالتمليك في الصورة مناقضة لغرض الشارع وتتميم لغرض الماكر المحتال، وعَوْدٌ إلى نفس الفساد الذي قصد الشارع إعدامه بأقرب الطرق، ولو تحيل هذا المخادع على إسقاط نفقة دَوَابه لهلكوا، وكذلك ما فرضه الله تعالى للوارث من الميراث هو حق له جعله أولى من سائر الناس به، فإباحة التحيل لإسقاطه بالإقرار بماله كله للأجنبي وإخراج الوارث مُضَادَّة لشرع الله ودينه ونقض لغرضه وإتمام لغرض المحتال، وكذلك تعليم المرأة أن تقر بدَيْنٍ لأجنبي إذا أراد زوجُهَا السفر بها.

نبيل العوذلي
2007-10-06, 05:03 PM
لازلت اتذكر كلام احد موظفي شركة تيليمن حينما قال لي ما بشأن البريطانيين والفرنسيين...كيف؟
كان البريطانيين هم من المشتركين مع الحكومة اليمنية بنسبة في الشركة الدولية اليمنية تقربيا للاتصالات الدولية وكان البعض من القيادات العسكرية الكبيرة يتحايل على الشركة فيسرق مكالمات تتجاوز مئات الالاف من الدولارات سنويا ..وكان بمقدور البريطانيين التحايل على اليمنيين بشراء جهاز يضبط ويلجم هذا الاحتيال والسرقة من قبل اليمنيين سوى انهم لم يقوموا بذلك لانهم يرون ذلك من الحيل الممتنعة في سلوك البريطانيين ..وحينما سلم البريطانيين نسبتهم ليشتريها الفرنسيين ..والذين اشتروا هذا الجهاز ..فأضطر اولئك القيادات العسكرية الكبيرة ان تتفاوض مع الفرنسيين على نسبة مخفضة يضمنون بها اخراج ولو جزء من الاموال التي لايدفعها اولئك القيادات ويضمنون بها ايضا اشعارهم انهم لايزالوا ناجحين في ممارسة هذا الاحتيال ..اذا فهمت هذه القصة ستعرف فلسفة برج ايفل ..وهي بنظري بين مسميين
المسمى الاول ازدحام الواجبات واجتماع الممتنعات والمتعارضات
فلسفة التصادمات العشوائية بين في الخلق والامر
ان فلاسفة هذه المدرسة لم ينظروا الى ان التأثير الحاصل في الناس بسبب الكواكب والنجوم مرتبط بالمسافة التي بين الاجسام الارضية والاجسام السماوية ..كما في بيغ بن حيث اعتبرت الكواكب والنجوم القريبة من الارض هي المؤثرة بشكل اساسي في الاجسام الارضية بسبب قربها ..اما في برج ايفل فيعتبرون ان الاشعاعات الفيضية المنبعثة من بلايين الكواكب والنجوم والغير خاضعة اصلا في تأثيرها على الاجسام الارضية للمسافة هي المؤثرة بطريقة احتمالية كميه في الاجسام الارضية على نحو عشوائي صدفي احتمالي ..ان جذور هذه الفلسفة يمكن توضيحه ببساطة انه حينما يقذف الرجل السائل المنوي في رحم المرأة فأن ملايين الحبيبات المنوية والتي تحركها الموجه تتجه نحو البويضة ليصيب احداها الهدف فيتكون التلاقح دون ان نمتلك المقدرة المسبقة على تحديد من هو الحيوان المنوي الفرد المحدد بتلقيح وانما الامر كالعراك والمنافسة عشوائيا ليصل احداها الى تحقيق التأثير ..فكذلك ينظرون الى ان ملايين الاشعاعات المنبعثة من ملايين الكواكب والنجوم تنبعث نحو الارض لتقع على الاجسام الارضية فيصيب احداها الهدف في الجسم الارضي فيؤثر فيه ..كما ولو ان الجسم الارضي خطف الخطفة وقبض قبضة من اثر الوحي الكوني ليقفز بهذه الخطفة قفزة كبيرة تسمح له كما قال دي برولي-اذ لم يعد العلم مجرد تأملا سلبيا لكون مثبت وانما اصبح عراكا بالايدي ينال الباحث والمجتهد بغيته اذ يختطف من الواقع الذي حوله معلومات معينه وهي دائما جزئية تسمح له بأن يتنبأ تنبؤات ناقصة ...الخ .
ان هذه الفلسفة تصور صنف من الناس قد لايمتلكون التخصص في المجال المحدد للعمل وانما لديهم المقدرة على ان يخطفوا معلومات جزئية حول عمل ما او موضوع ما يستطيعون من خلال حدسهم ودهاءهم اقناع الاخرين بأنهم يفهمون حول هذا العمل وهذا الموضوع كل شيء ..ولعل هذه من اهم النقاط التي جعلت ابناء اليمن وبعض من اهل الجنوب العربي في تعاملهم مع الباطنية للحكومة اليمنية والتي نشرت هذا السلوك في الناس تحت اسم – تقلبوا- تلك التي استنكرها الكتاب والسنة اذ يقول تعالى(((قال ما خطبك ياسامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من اثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي)))
وهذه الاية تكشف عن صنف من الناس يخطفون من الحقيقة جزءا يسيرا (((فقبضت قبضة من اثر الرسول))) فتحقق لهم قدرة على التنبؤ وعلى الفهم الجزئي للمسألة فيستغلون تلك المعرفة الجزئية لاقناع الآخرين بأنهم يفهمون كل شيء ..ولا زلت اقول ان هذه الفلسفة ليست يمنية اصلا بل اعجمية من ابناء اليمن الغير عرب وممن تابعوهم على هذا المسلك والذي اصبحت لهم دول عظيمة امتدت لقرون
ومن المفاهيم المتعلقة بفلسفة هذه المدرسة هو مفهوم وحدة المنظومة المتكاملة ..وهي العبارة التي يرددها البعض في اليمن ..اذ يقول لويس دي برولي

نبيل العوذلي
2007-10-06, 05:04 PM
فلسفة المنظومة المتكاملة
- فاذا لم تتبادل الاجسام الموجودة في المجموعة التأثير فيما بينها امكننا ان نعتبر على حدة ولكن اذا كان هناك تأثير متبادل بين عناصر هذه الوحدة في المجموعة المتحدة يتحتم علينا عندئذ ان نعتبرها منظومة متكاملة , وهكذا يكون للمجموعة فردية كاملة – أي شخصية واحدة بسبب المصالح المشتركة – بفضل وجود التأثيرات المتبادلة ..وهكذا تبدو المجموعة كنوع من الوحدة على درجة يصعب داخلها عزل احدى مكوناتها على قدر اتحادها فيما بينها بسبب التأثيرات المتبادلة—
حقيقة ان لهؤلاء فلسفة في الوحدة مرتكزها ايجاد انواع من التأثيرات المتبادلة بين افراد عناصر هذه المنظومة على هيئة مصالح متبادلة مشتركة لايستطيع احد ان يستغني عن الاخر ... وبنظري ان هذا مفهوم قاصر اذ جعلوا التأثيرات المتبادلة بالمصالح المشتركة وربط المحافظات والمديريات والمراكز على مستوى اليمن بشبكة مواصلات واتصالات وتسهيل التنقل للناس كما هو ايضا في وحدة الاتحاد الاوربي الذي ترعاه فرنسا هو السبب الاصلي والرئيسي لايجاد نوع من الوحدة بغض النظر عن الفروقات الدينية المستوجبة من عقيدة الولاء والبراء والتفاضل

ان هذا النوع من المنظومات المتكاملة لايحتمل سوى احد من ثلاثة احتمالات للواقع اليوم
الاول ان اليمن دولة اسلامية مريضة – منافقة-
وهو الذي شبهه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله
وهذا باب التعارض باب واسع جدا لاسيما في الازمنة والامكنة التي نقصت فيها اثار النبوة وخلافة النبوة فان هذه المسائل تكثر فيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من اسباب الفتنة بين الامة.فانه اذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فاقوام قد ينظرون الى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وان تضمن سيئات عظيمة واقوام قد ينظرون الى السيئات فيرجحون الجانب الاخر وان ترك حسنات عظيمة

فهل معنى هذا انهم يريدون القول ان انسب استراتيجية سياسية وسلوكية تتناسب مع الواقع اليمني اليوم هو هذه الاستراتيجية ..فاذا ما ارادوا ان يقولوا انه فعلا هذه الاجندة تتناسب مع هذا الواقع قلنا لهم حينها يصبح من حق ابناء المحافظات اللذين كانت تسمى بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ان يجدوا لهم واقعا يرون انهم من خلاله سيمارسون دورا عربيا اسلاميا افضل من هذا الدور المنجرف في فلسفة النظام الرأسمالي والليبرالي ولو بالانفصال حالهم اما ان يكون كحال المملكة العربية السعودية اسلاميا او كحال سوريا عربيا
الواقع الثاني هو ان تكون الناس على غير الاسلام فقط بل من المسلمين واليهود والنصارى والمنتسبين الى الاسلام اسما فقط والمرتدين ..فيصح عندها الاتفاق على هذه الفلسفة ...فاذا ما قالوا هذا هو حالنا بالضبط قلنا لهم اذا التطرف والارهاب الحاصل بتكفير المجتمعات حكاما وشعوبا من بعض الاتجاهات الاسلامية يصبح له ما يبرره باثباتكم هذه المسألة
الواقع الثالث ان تقولوا ان هناك دين جديد يجمع الاديان كلها – وحدة الاديان- وقد اصبح الناس على حال من التقبل لهذه الوحدة الدينية وهو ما سنتكلم عليه في موضوع –فلسفتهم لوحدة الاديان -
حقيقة ان لهؤلاء فلسفة في الوحدة مرتكزها ايجاد انواع من التأثيرات المتبادلة بين افراد عناصر هذه المنظومة على هيئة مصالح متبادلة مشتركة لايستطيع احد ان يستغني عن الاخر ... وبنظري ان هذا مفهوم قاصر اذ جعلوا التأثيرات المتبادلة بالمصالح المشتركة وربط المحافظات والمديريات والمراكز على مستوى اليمن بشبكة مواصلات واتصالات وتسهيل التنقل للناس كما هو ايضا في وحدة الاتحاد الاوربي الذي ترعاه فرنسا هو السبب الاصلي والرئيسي لايجاد نوع من الوحدة بغض النظر عن الفروقات الدينية المستوجبة من عقيدة الولاء والبراء والتفاضل

نبيل العوذلي
2007-10-06, 05:06 PM
عقيدة الولاء والبراء
قال تعالى(((قد كانت لكم اسوة حسنة في ابراهيم والذين معه اذ قالوا لقومهم انا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء ابدا حتى تؤمنوا بالله وحده..)))الممتحنة

لقد تجسدت هذه الفلسفة على الحكومة اليمنية في تشكيل فضاء وحدوي مبني على التأثيرات المتبادلة من خلال تسهيل التنقل بين المحافظات وبناء شبكة مواصلات بين المحافظات والمديريات والمراكز وتوطين الشماليين في الجنوب والجنوبيين في الشمال كل ذلك وكما يقول دي برولي-
وهكذا تبدو المجموعة كنوع من الوحدة على درجة يصعب داخلها عزل احدى مكوناتها على قدر اتحادها فيما بينها بسبب التأثيرات المتبادلة—
ثانيا عقيدة الهجين – الغاء التفاضل-
ان فلسفة التأثيرات المتبادلة تستوجب خلق مجتمع مهجن من ثقافات متعددة ليس له هوية مستقلة ..ولعل هذا ما خشيه العرب في اليمن والجنوب العربي من اندراس الهوية العربية في هذا الهجين والذي يقتضي الغاء سنن التفاضل بين الناس مطلقا يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله – وجمهور العلماء على ان جنس العرب خير من غيرهم كما ان جنس قريش خير من غيرهم وجنس بني هاشم خير من غيرهم . وقد ثبت في الصحيح – الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام اذا فقهوا -..لكن تفضيل الجملة على الجملة لايستلزم ان يكون كل فرد افضل من كل فرد فأن غير العرب خلق كثير خير من اكثر العرب وفي غير قريش من المهاجرين والانصار من هو خير من اكثر قريش وفي غير بني هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من اكثر بني هاشم- مجموع الفتاوى 19-ص21

ابو عهد الشعيبي
2007-10-06, 06:27 PM
الاخ نبيل العوذلي ..
للحقيقة فانا ممنون وسعيد جداً بانضمامك لمنتدانا
فرفدك لقضيتنا بمثل هذه الإجتهادات الفقهية والفكرية ضرورية للتنوير
وتوسيع أفق الفهم والإدراك لكثير من المسائل الهامه والتي تحتاج
للتوقف إزائها من قِبل الجميع ، فمع إن المرحلة حساسة فالنظج الشامل
لكثير من العوامل ايضاً ضرورة أكبر ..
الدار دارك أخي الكريم وتأكد كل التأكيد إنا نرحب بكل حرف من قلمك
وإن وجودك بمنتدانا محل إهتمام دائم .
ولقد كنت انا من المهتمين والمتابعين لكتابكاتك الرائعة في منتديات حوار
والحمد لله يا أخي إنا في الجنوب بلغنا مع الصحوة مبلغ كبير في وقت مناسب
جداً ..
وخواتم مباركة وكل عام وانت وكل الوطن وابناءه بخير

نبيل العوذلي
2011-02-14, 02:12 PM
الاخ نبيل العوذلي ..

للحقيقة فانا ممنون وسعيد جداً بانضمامك لمنتدانا
فرفدك لقضيتنا بمثل هذه الإجتهادات الفقهية والفكرية ضرورية للتنوير
وتوسيع أفق الفهم والإدراك لكثير من المسائل الهامه والتي تحتاج
للتوقف إزائها من قِبل الجميع ، فمع إن المرحلة حساسة فالنظج الشامل
لكثير من العوامل ايضاً ضرورة أكبر ..
الدار دارك أخي الكريم وتأكد كل التأكيد إنا نرحب بكل حرف من قلمك
وإن وجودك بمنتدانا محل إهتمام دائم .
ولقد كنت انا من المهتمين والمتابعين لكتابكاتك الرائعة في منتديات حوار
والحمد لله يا أخي إنا في الجنوب بلغنا مع الصحوة مبلغ كبير في وقت مناسب
جداً ..

وخواتم مباركة وكل عام وانت وكل الوطن وابناءه بخير




ولهذا نقول انه يجب حقيقة فهم الجذور التي تستند عليها هذه الحكومة فلسفتها في الحكم بالفساد والمغالطات
وقد كشفت تجربة الثورة المصريه وجه الشبه بين الحكومة اليمنية والمصرية في استعمال الحيل كأصل لفلسفتها وايدلوجيتها التي تحكم بها البلاد والعباد
ان هذا الموضوع يكشف جوانب في هذه العقيدة الباطنية للحكومة اليمنية والمصرية واوجه الشبه